الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخَاطِئُ: فَاعِلُ الْخَطِيئَةِ، وَهِيَ الْجَرِيمَةُ. وَجَعَلَهَا مِنْ زُمْرَةِ الَّذِينَ خَطِئُوا تَخْفِيفًا فِي مُؤَاخَذَتِهَا. وَصِيغَةُ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ تَغْلِيبٌ.
وَجُمْلَةُ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْعَزِيزِ إِذْ هُوَ صَاحِبُ الْحُكْمِ.
وَجُمْلَةُ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ عطف عَلَى جُمْلَةِ يُوسُفُ أَعْرِضْ فِي كَلَامِ الْعَزِيزِ عَطْفُ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَلِفٌ. وَكَافُ الْمُؤَنَّثَةِ الْمُخَاطَبَةِ مُتَعَيِّنٌ أَنَّهُ خِطَابٌ لِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ، فَالْعَزِيزُ بَعْدَ أَنْ خَاطَبَهَا بِأَنَّ مَا دَبَّرَتْهُ هُوَ مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ وَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَى يُوسُفَ- عليه السلام بِالنِّدَاءِ ثُمَّ أَعَادَ الْخِطَابَ إِلَى الْمَرْأَةِ.
وَهَذَا الْأُسْلُوبُ مِنَ الْخِطَابِ يُسَمَّى بِالْإِقْبَالِ، وَقَدْ يُسَمَّى بِالِالْتِفَاتِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ الِالْتِفَاتِ الْبَلَاغِيِّ، وَهُوَ عَزِيزٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَرْمِيِّ مِنْ طَيٍّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ:
إِخَالُكَ مُوعِدِي بِبُنِّيٍّ جُفَيْفٍ
…
وَهَالَةَ إِنَّنِي أَنْهَاكِ هَالَا
قَالَ الْمَرْزُوقِيُّ فِي «شَرْحِ الْحَمَاسَةِ» : وَالْعَرَبُ تَجْمَعُ فِي الْخِطَابِ وَالْإِخْبَارِ بَيْنَ عِدَّةٍ
ثُمَّ تُقْبِلُ أَوْ تَلْتَفِتُ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَى وَاحِدٍ لِكَوْنِهِ أَكْبَرَهُمْ أَوْ أَحْسَنَهُمْ سَمَاعًا وأخصّهم بِالْحَال.
[30]
[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 30]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30)
النِّسْوَةُ: اسْمُ جَمْعِ امْرَأَةٍ لَا مُفْرَدَ لَهُ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ قِلَّةٍ مِثْلُهُ نِسَاءٌ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [61] .
وَقَوْلُهُ: فِي الْمَدِينَةِ صِفَةٌ لِنِسْوَةٍ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُنَّ كُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي دِيَارٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ هِيَ قَاعِدَةُ مِصْرَ السُّفْلَىِِ
وَهِيَ مَدِينَةُ (مَنْفِيسَ) حَيْثُ كَانَ قَصْرُ الْعَزِيزِ، فَنُقِلَ الْخَبَرُ فِي بُيُوتِ الْمُتَّصِلِينَ بِبَيْتِ الْعَزِيزِ. وَقِيلَ: إِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ بَاحَتْ بِالسِّرِّ لِبَعْضِ خَلَائِلِهَا فَأَفْشَيْنَهُ كَأَنَّهَا أَرَادَتِ التَّشَاوُرَ مَعَهُنَّ، أَوْ أَرَادَتِ الِارْتِيَاحَ
بِالْحَدِيثِ إِلَيْهِنَّ (وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ) .
وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [سُورَة يُوسُف: 31] وَقَوْلُهُ: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ [سُورَة يُوسُف: 32] .
وَالْفَتَى: الَّذِي فِي سِنِّ الشَّبَابِ، وَيُكَنَّى بِهِ عَنِ الْمَمْلُوكِ وَعَنِ الْخَادِمِ كَمَا يُكَنَّى بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضمير امْرَأَتُ الْعَزِيزِ لِأَنَّهُ غُلَامُ زَوْجِهَا فَهُوَ غُلَامٌ لَهَا بِالتَّبَعِ مَا دَامَتْ زَوْجَةٌ لِمَالِكِهِ.
وَشَغَفَ: فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمٍ جَامِدٍ، وَهُوَ الشِّغَافُ- بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ- وَهُوَ غِلَافُ الْقَلْبِ. وَهَذَا الْفِعْلُ مِثْلَ كَبَدَهُ وَرَآهُ وَجَبَهَهُ، إِذَا أَصَابَ كَبِدَهُ وَرِئَتَهُ وَجَبْهَتَهُ.
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي شَغَفَها لِ فَتاها. وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ جِيءَ بِالتَّمْيِيزِ لِلنِّسْبَةِ بِقَوْلِهِ: حُبًّا. وَأَصْلُهُ شَغَفَهَا حُبُّهُ، أَيْ أَصَابَ حُبُّهُ شِغَافَهَا، أَيِ اخْتَرَقَ الشَّغَافَ فَبَلَغَ الْقَلْبَ، كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَكُّنِ.
وَتَذْكِيرُ الْفِعْلِ فِي وَقالَ نِسْوَةٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُسْنَدَ إِلَى أَلْفَاظِ الْجُمُوعِ غَيْرُ الْجَمْعِ الْمُذَكِّرِ السَّالِمِ يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ مِنَ التَّاءِ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ، وَقَرْنُهُ بِالتَّاءِ بِاعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ مِثْلَ وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ [سُورَة يُوسُف: 19] .
وَأَمَّا الْهَاءُ الَّتِي فِي آخِرِ نِسْوَةٌ فَلَيْسَتْ عَلَامَةَ تَأْنِيثٍ بَلْ هِيَ هَاءُ فِعْلَةٍ جَمْعُ تَكْسِيرٍ، مِثْلَ صِبْيَةٍ وَغَلِمَةٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَةِ الَّذِي اشْتَرَى يُوسُفَ- عليه السلام بِاسْمِ الْعَزِيزِ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ [سُورَة يُوسُف: 21] . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ اسْمِهِ وَاسْمِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَفِي الْعِبْرَانِيَّةِ.