الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَصْلُ ضَيْفٍ مَصْدَرُ فِعْلِ ضَافَ يَضِيفُ، وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَأَكْثَرَ، وَعَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ غَيْرِ الْمَصْدَرِ فَيُجْمَعُ كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الْأَضْيَافِ مِنَّا وَقَدْ ظَنَّ لُوطٌ- عليه السلام الْمَلَائِكَةَ رِجَالًا مَارِّينَ بِبَيْتِهِ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَالطَّعَامِ وَالْمَبِيتِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ إِنْكَارٌ وَتَوْبِيخٌ لِأَنَّ إِهَانَةَ الضَّيْفِ مَسَبَّةٌ لَا
يَفْعَلُهَا إِلَّا أَهْلُ السَّفَاهَةِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْكُمْ بِمَعْنَى بَعْضُكُمْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَمَالُؤَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَانْعِدَامِ رَجُلٍ رَشِيدٍ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَهَذَا إِغْرَاءٌ لَهُمْ عَلَى التَّعَقُّلِ لِيَظْهَرَ فِيهِمْ مَنْ يَتَفَطَّنُ إِلَى فَسَادِ مَا هُمْ فِيهِ فَيَنْهَاهُمْ، فَإِنَّ ظُهُورَ الرَّشِيدِ فِي الْفِئَةِ الضَّالَّةِ يَفْتَحُ بَابَ الرَّشَادِ لَهُمْ. وَبِالْعَكْسِ تَمَالُؤُهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ يَزِيدُهُمْ ضراوة بِهِ.
[79، 80]
[سُورَة هود (11) : الْآيَات 79 إِلَى 80]
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالُوا عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ لُوطٍ- عليه السلام.
ولَقَدْ عَلِمْتَ تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ. فَأُكِّدَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَعْلَمُ لِأَنَّ حَالَهُ فِي عَرْضِهِ بَنَاتِهِ عَلَيْهِمْ كَحَالِ مَنْ لَا يَعْلَمُ خُلُقَهُمْ، وَكَذَلِكَ التَّوْكِيدُ فِي وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ فَائِدَةِ الْخَبَرِ، أَيْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا رَغْبَةٌ فِي بَنَاتِكَ وَإِنَّكَ تَعْلَمُ مُرَادَنَا.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الْأَنْبِيَاء: 65] .
وَمَا الْأُولَى نَافِيَةٌ مُعَلِّقَةٌ لِفِعْلِ الْعِلْمِ عَنِ الْعَمَلِ، وَمَا الثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ.
وَالْحَقُّ: مَا يَحِقُّ، أَيْ يَجِبُ لِأَحَدٍ أَوْ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ: لَهُ حَقٌّ فِي كَذَا، إِذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَيُقَالُ: مَا لَهُ حَقٌّ فِي كَذَا، بِمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُطْلِقَ هُنَا كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِالشَّيْءِ وَعَنِ التَّجَافِي عَنْهُ. وَهُوَ إِطْلَاقٌ لَمْ أَرَ مثله، وَقد تحيّر الْمُفَسِّرُونَ فِي تَقْرِيرِهِ.
وَالْمَعْنَى: مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ رَغْبَةٌ.
وَجَوَابُهُ بِ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً جَوَابُ يَائِسٍ مِنِ ارْعِوَائِهِمْ.
ولَوْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّمَنِّي، وَهَذَا أَقْصَى مَا أَمْكَنَهُ فِي تَغْيِيرِ هَذَا الْمُنْكَرِ.
وَالْبَاءُ فِي بِكُمْ لِلِاسْتِعْلَاءِ، أَيْ عَلَيْكُمْ. يُقَالُ: مَا لِي بِهِ قُوَّةٌ وَمَا لِي بِهِ طَاقَةٌ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا لَا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ [الْبَقَرَة: 249] .
وَيَقُولُونَ: مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدَانِ، أَيْ قُدْرَةٌ أَوْ حِيلَةٌ عَلَيْهِ.
وَالْمَعْنَى: لَيْتَ لِي قُوَّةً أَدْفَعُكُمْ بِهَا، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ قُوَّةَ أَنْصَارٍ لِأَنَّهُ كَانَ غَرِيبًا بَيْنَهُمْ.
وَمَعْنَى أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَوْ أَعْتَصِمُ بِمَا فِيهِ مَنَعَةٌ، أَيْ بِمَكَانٍ أَوْ ذِي سُلْطَانٍ يَمْنَعُنِي مِنْكُمْ.
وَالرُّكْنُ: الشِّقُّ مِنَ الْجَبَلِ المتّصل بِالْأَرْضِ.