الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي مَثَلِهِ التَّقْرِيرُ عَلَى النَّفْيِ إِرْخَاءً لِلْعِنَانِ مَعَ الْمُخَاطَبِ الْمُقَرَّرِ لِيَعْرِفَ خَطَأَهُ. وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِي أوّل اللَّيْل.
[82، 83]
[سُورَة هود (11) : الْآيَات 82 إِلَى 83]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا.
وَقَوْلُهُ: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ تَعَودُ الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ الْمَجْرُورَةُ بِالْإِضَافَةِ وَبِحَرْفِ (عَلَى) عَلَى الْقَرْيَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ السِّيَاقِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَرْيَةَ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِمِ انْقِلَابَ خَسْفٍ حَتَّى صَارَ عَالِيَ الْبُيُوتِ سَافِلًا، أَيْ وَسَافِلُهَا عَالِيًا، وَذَلِكَ مِنَ انْقِلَابِ الْأَرْضِ بِهِمْ.
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ جَعْلِ الْعَالِي سَافِلًا لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْإِهَانَةِ.
وَالسِّجِّيلُ: فُسِّرَ بِوَادٍ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ: سِجِّيلٌ بِاللَّامِ، وَسَجِّينٌ بِالنُّونِ. ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ بِحِجَارَةٍ كَأَنَّهَا مِنْ سِجِّيلِ جَهَنَّمَ، كَقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وَجِلْدُهَا مِنْ أَطُومِ الْبَيْتِ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنَ السَّمَاءِ. وَلَعَلَّ الْخَسْفَ فَجَّرَ مِنَ الْأَرْضِ بَرَاكِينَ قَذَفَتْ عَلَيْهِمْ حِجَارَةَ مَعَادِنٍ مُحْرِقَةٍ كَالْكِبْرِيتِ، أَوْ لَعَلَّ بُرْكَانًا كَانَ قَرِيبًا مِنْ مُدُنِهِمُ انْفَجَرَ بِاضْطِرَابَاتٍ أَرْضِيَّةٍ ثُمَّ زَالَ مِنْ ذَلِكَ
الْمَكَانِ بِحَوَادِثَ تَعَاقَبَتْ فِي الْقُرُونِ، أَوْ طَمَى عَلَيْهِ الْبَحْرُ وَبَقِيَ أَثَرُ الْبَحْرِ عَلَيْهَا حَتَّى الْآنَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بُحَيْرَةَ لُوطٍ أَوِ الْبَحْرَ الْمَيِّتَ.
وَقِيلَ: سِجِّيلٌ مُعَرَّبُ (سَنْكَ جِيلَ) عَنِ الْفَارِسِيَّةِ أَيْ حَجَرٌ مَخْلُوطٌ بِطِينٍ.
وَالْمَنْضُودُ: الْمَوْضُوعُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّهَا مُتَتَابِعَةٌ مُتَتَالِيَةٌ فِي النُّزُولِ لَيْسَ بَيْنَهَا فَتْرَةٌ. وَالْمُرَادُ وَصْفُ الْحِجَارَةِ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْحِجَارَةَ لَمَّا جُعِلَتْ مِنْ سِجِّيلٍ، أُجْرِيَ الْوَصْفُ عَلَى سِجِّيلٍ وَهُوَ يُفْضِي إِلَى وَصْفِ الْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا مِنْهُ.
وَالْمُسَوَّمَةُ: الَّتِي لَهَا سِيمَا، وَهِيَ الْعَلَامَةُ. وَالْعَلَامَاتُ تُوضَعُ لِأَغْرَاضٍ، مِنْهَا عَدَمُ الِاشْتِبَاهِ، وَمِنْهَا سُهُولَةُ الْإِحْضَارِ، وَهُوَ هُنَا مُكَنَّى بِهِ عَنِ الْمُعَدَّةِ الْمُهَيَّئَةِ لِأَنَّ الْإِعْدَادَ مِنْ لَوَازِمَ التَّوْسِيمِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: عِنْدَ رَبِّكَ لِأَنَّ تَسْوِيمَهَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ تَقْدِيرُهُ إِيَّاهَا لَهُمْ.
وَضَمِيرُ وَما هِيَ يَصْلُحُ لِأَنْ يَعُودَ إِلَى مَا عَادَتْ إِلَيْهِ الضَّمَائِرُ الْمَجْرُورَةُ قَبْلَهُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَمَا تِلْكَ الْقرْيَة بِبَعِيد من الْمُشْرِكِينَ، أَيِ الْعَرَبِ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَذْهَبْ إِلَيْهَا فَيَنْظُرُ مَصِيرَهَا، فَالْمُرَادُ الْبُعْدُ الْمَكَانِيُّ. وَيَصْلُحُ لِأَنْ يَعُودَ إِلَى الْحِجَارَةِ، أَيْ وَمَا تِلْكَ الْحِجَارَةُ بِبَعِيدٍ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ الْمُشْرِكِينَ بِمِثْلِهَا. وَالْبُعْدُ بِمَعْنَى تَعَذُّرِ الْحُصُولِ وَنَفْيِهِ بِإِمْكَانِ حُصُولِهِ. وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَجُرِّدَ بَعِيدٍ عَنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنِ الْحِجَارَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثٌ لَفْظًا، وَمَعَ كَوْنِ بَعِيدٍ هُنَا بِمَعْنَى فَاعِلٍ لَا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَالشَّأْنُ أَنْ يُطَابِقَ مَوْصُوفَهُ فِي تَأْنِيثِهِ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ يُجْرُونَ فَعِيلًا الَّذِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ مَجْرَى الَّذِي بِمَعْنَى مَفْعُولٍ إِذَا جَرَى عَلَى مُؤَنَّثٍ غَيْرِ حَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ زِيَادَةً فِي التَّخْفِيفِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَاف [56] إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَقَوْلِهِ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الْأَحْزَاب:
63] وَقَوْلِهِ: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: 78] . وَقِيلَ: