الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَنَّهُمُ اسْتَعْظَمُوا أَنْ يَكُونَ جُرْمُهُمْ مِمَّا يُقْبَلُ الاسْتِغْفَار عَنهُ، فأجيبوا بأنّ اللَّهَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ بِتَعْلِيلٍ.
وَحَرْفُ إِنَّ فِيهَا لِلتَّأْكِيدِ تَنْزِيلًا لَهُمْ فِي تَعْظِيمِ جُرْمِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَشُكُّ فِي قَبُولِ اسْتِغْفَارِهِ.
وَالْقُرْبُ: هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلرَّأْفَةِ وَالْإِكْرَامِ، لِأَنَّ الْبُعْدَ يُسْتَعَارُ لِلْجَفَاءِ وَالْإِعْرَاضِ. قَالَ جُبَيْرُ بْنُ الْأَضْبَطِ:
تَبَاعَدَ عَنِّي مِطْحَلٌ إِذْ دَعَوْتُهُ
…
أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدًا
فَكَذَلِكَ يُسْتَعَارُ ضِدُّهُ لِضِدِّهِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [186] . وَالْمُجِيبُ هُنَا: مُجِيبُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ. وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ:
إِعْطَاء السَّائِل مسؤوله.
[62]
[سُورَة هود (11) : آيَة 62]
قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
هَذَا جَوَابُهُمْ عَنْ دَعْوَتِهِ الْبَلِيغَةِ الْوَجِيزَةِ الْمَلْأَى إِرْشَادًا وَهَدْيًا. وَهُوَ جَوَابٌ مَلِيءٌ بِالضَّلَالِ وَالْمُكَابَرَةِ وَضَعْفِ الْحُجَّةِ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِالنِّدَاءِ لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ أَوِ الْمَلَامِ وَالتَّنْبِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [هود: 53] . وَقَرِينَةُ التَّوْبِيخِ هُنَا أَظْهَرُ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِخَيْبَةِ رَجَائِهِمْ فِيهِ فَهُوَ تَعْنِيفٌ.
وقَدْ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ مَرْجُوًّا لِدَلَالَةِ فِعْلِ الرَّجَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَرَقُّبُ الْخَيْرِ، أَيْ مَرْجُوًّا لِلْخَيْرِ، أَيْ وَالْآنَ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَيْرِكَ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ شَرًّا، وَإِنَّمَا خَاطَبُوهُ بِمِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ بُعِثَ فِيهِمْ وَهُوَ شَابٌّ (كَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ) أَيْ كُنْتَ مَرْجُوًّا لِخِصَالِ السِّيَادَةِ وَحِمَايَةِ الْعَشِيرَةِ وَنُصْرَةِ آلِهَتِهِمْ.
وَالْإِشَارَةُ فِي قَبْلَ هَذَا إِلَى الْكَلَامِ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِهِ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ.
وَجُمْلَةُ أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى التَّعْنِيفِ، وَاشْتِمَالِهَا عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي تُبَيِّنُهُ أَيْضًا جُمْلَةُ أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا.
وَالِاسْتِفْهَامُ: إِنْكَارٌ وَتَوْبِيخٌ.
وَعَبَّرُوا عَنْ أَصْنَامِهِمْ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ أَنْ يَعْبُدُوهَا فِي زَعْمِهِمِ اقْتِدَاءً بِآبَائِهِمْ لِأَنَّهُمْ أُسْوَةٌ لَهُمْ، وَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ الْإِنْكَارَ اتِّجَاهًا فِي اعْتِقَادِهِمْ.
وَجُمْلَةُ وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا، فَبَعْدَ أَنْ ذَكَرُوا يَأْسَهُمْ مِنْ صَلَاحِ حَالِهِ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَشُكُّونَ فِي صِدْقِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَيْهِمْ وَزَادُوا ذَلِكَ تَأْكِيدًا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ. وَمِنْ مَحَاسِنِ النُّكَتِ هُنَا إِثْبَاتُ نُونِ (إِنَّ) مَعَ نُونِ ضَمِيرِ الْجَمْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ إِظْهَارٍ لِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَالْإِظْهَارُ ضَرْبٌ مِنَ التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [9] مِنْ قَوْلِ الْأُمَمِ لِرُسُلِهِمْ: وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا لِأَنَّ الْحِكَايَةَ فِيهَا عَنْ أُمَمٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي دَرَجَاتِ التَّكْذِيبِ، وَلِأَنَّ مَا فِي هَاتِهِ الْآيَة خطاب لوَاحِد، فَكَانَ تَدْعُونا بِنُونٍ وَاحِدَةٍ هِيَ نُونُ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْجُمْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ نُونَاتٍ بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ الْحِكَايَةَ هُنَالِكَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الرُّسُلِ فِي (تَدْعُونَنَا) فَلَوْ جَاءَ (إِنَّنَا) لَاجْتَمَعَ أَرْبَعُ نُونَاتٍ.