المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة هود (11) : آية 88] - التحرير والتنوير - جـ ١٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 53 الى 56]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 66 الى 68]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 69 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 84 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 100 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 105 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 118 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 123]

- ‌12- سُورَةُ يُوسُفَ

- ‌مِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 16 الى 18]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 23 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 37 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 43 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 47 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 52]

الفصل: ‌[سورة هود (11) : آية 88]

[سُورَة هود (11) : آيَة 88]

قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)

تَقَدَّمَ نَظِيرُ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَقِصَّةِ صَالِحٍ- عليهما السلام.

وَالْمُرَادُ بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ هُنَا مِثْلُ الْمُرَادِ مِنَ الرَّحْمَةِ فِي كَلَامِ نُوحٍ وَكَلَامِ صَالِحٍ- عليهما السلام وَهُوَ نعْمَة النبوءة، وَإِنَّمَا عَبَّرَ شُعَيْبٌ- عليه السلام عَن النبوءة بِالرِّزْقِ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ مُشَاكَلَةً لِقَوْلِهِمْ: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا [هود: 87] لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَرْزَاقٌ. وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي. وَالتَّقْدِيرُ: مَاذَا يَسَعُكُمْ فِي تَكْذِيبِي، أَوْ مَاذَا يُنْجِيكُمْ مِنْ عَاقِبَةِ تَكْذِيبِي، وَهُوَ تَحْذِيرٌ لَهُمْ عَلَى فَرْضِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، أَيْ فَالْحَزْمُ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ، أَوْ فَالْحَزْمُ أَنْ تَنْظُرُوا فِي كُنْهِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لِصَلَاحِكُمْ.

وَمَعْنَى وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ من التّابعين فَمن بَعْدِهِمْ: مَا أُرِيدُ مِمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ أَنْ أَمْنَعَكُمْ أَفْعَالًا وَأَنَا أَفْعَلُهَا، أَيْ لَمْ أَكُنْ لِأَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَفْعَلُهُ. وَبَيَّنَ فِي «الْكَشَّافِ» إِفَادَةَ التَّرْكِيبِ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ «يُقَالُ: خَالَفَنِي فُلَانٌ إِلَى كَذَا إِذَا قَصَدَهُ وَأَنْتَ مُوَلٍّ عَنْهُ

وَيَلْقَاكَ الرَّجُلُ صَادِرًا عَنِ الْمَاءِ فَتَسْأَلُهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ: خَالَفَنِي إِلَى الْمَاءِ، يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَارِدًا وَأَنَا ذَاهِبٌ عَنْهُ صَادِرًا» اه.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِضِدِّ حَالِهِ، فَإِذَا ذُكِرَتْ فِي غَرَضٍ دَلَّتْ عَلَى الِاتِّصَافِ بِضِدِّهِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ وَجْهَ الْمُخَالَفَةِ بِذِكْرِ اسْمِ الشَّيْءِ الَّذِي حَصَلَ

ص: 143

بِهِ الْخِلَافُ مَدْخُولًا لِحَرْفِ إِلى الدَّالِ عَلَى الِانْتِهَاءِ إِلَى شَيْءٍ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: خَالَفَنِي إِلَى الْمَاءِ لِتَضْمِينِ أُخالِفَكُمْ مَعْنَى السَّعْيِ إِلَى شَيْءٍ. وَيَتَعَلَّقُ إِلى مَا أَنْهاكُمْ بِفِعْلِ أُخالِفَكُمْ، وَيَكُونُ أَنْ أُخالِفَكُمْ مَفْعُولَ أُرِيدُ.

فَقَوْلُهُ: أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ أَيْ أَنْ أَفْعَلَ خِلَافَ الْأَفْعَالِ الَّتِي نَهَيْتُكُمْ عَنْهَا بِأَنْ أَصْرِفَكُمْ عَنْهَا وَأَنَا أَصِيرُ إِلَيْهَا. وَالْمَقْصُودُ: بَيَانُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ أَمْرًا يَعُمُّ الْأُمَّةَ وَإِيَّاهُ وَذَلِكَ شَأْنُ الشَّرَائِعِ، كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ خِطَابَ الْأُمَّةِ يَشْمَلُ الرَّسُولَ- عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَفِي هَذَا إِظْهَارُ أَنَّ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ يَنْهَى أَيْضًا نَفْسَهُ عَنْهُ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى مَا فِي النَّهْيِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى أَنَّ شَأْنَهُ لَيْسَ شَأْنَ الْجَبَابِرَةِ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ أَعْمَالٍ وَهُمْ يَأْتُونَهَا، لِأَنَّ مثل ذَلِك ينبىء بِعَدَمِ النُّصْحِ فِيمَا يَأْمُرُونَ وَيَنْهَوْنَ، إِذْ لَوْ كَانُوا يُرِيدُونَ النُّصْحَ وَالْخَيْرَ فِي ذَلِكَ لَاخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْمِي التَّوْبِيخُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: 44] أَيْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ الْعَامَّةِ لَكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَتَعْلَمُوا أَنَّكُمْ أَوْلَى بِجَلْبِ الْخَيْرِ لِأَنْفُسِكُمْ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ الْمُعَاكَسَةُ وَالْمُنَازَعَةُ إِمَّا لِأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ مَلَامِحِ تَكْذِيبِهِمْ أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوهُ سَاعِيًا إِلَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِمْ وَالتَّجَبُّرِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ مِنْ نُفُوسِهِمْ خَوَاطِرَ الشَّرِّ قَبْلَ أَنْ تَهْجِسَ فِيهَا.

وَهَذَا الْمَحْمَلُ فِي الْآيَةِ يَسْمَحُ بِهِ اسْتِعْمَالُ التَّرْكِيبِ وَمَقَاصِدُ الرُّسُلِ وَهُوَ أَشْمَلُ لِلْمَعَانِي مِنْ تَفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَلَا يَنْبَغِي قَصْرُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَلَى مَا قَالُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُ قَوْلَ قَوْمِهِ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا [هود: 87] ، فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا بِهِ أَنَّهُ مَا قَصَدَ إِلَّا مُخَالَفَتَهُمْ وَتَخْطِئَتَهُمْ وَنَفَوْا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَصْدٌ صَالِحٌ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَكَانَ مُقْتَضَى إِبْطَالِ ظِنَّتِهِمْ أَنْ يَنْفِيَ أَنْ يُرِيدَ مُجَرَّدَ مُخَالَفَتِهِمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِبِهِ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ.

ص: 144

فَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ أَنَّهُ مَا يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْمُخَالَفَةِ كَشَأْنِ الْمُنْتَقِدِينَ الْمُتَقَعِّرِينَ وَلَكِنْ يُخَالِفُهُمْ لِمَقْصِدٍ سَامٍ وَهُوَ إِرَادَةُ إِصْلَاحِهِمْ. وَمِنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لَمَّا جَاءَ وَفْدُ فَزَارَة إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: «أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ

حَابِسٍ، وَقَالَ عُمَرُ: أَمِّرْ فُلَانًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَى خِلَافِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ إِلَى خِلَافِكَ» . فَهَذَا التَّفْسِيرُ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُنْتَقِدِينَ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَنْتَقِدُ الشَّيْءَ وَيَقِفُ عِنْدَ حَدِّ النَّقْدِ دُونَ ارْتِقَاءٍ إِلَى بَيَانِ مَا يُصْلِحُ الْمَنْقُودَ. وَقِسْمٌ يَنْتَقِدُ لِيُبَيِّنَ وَجْهَ الْخَطَأِ ثُمَّ يُعْقِبُهُ بِبَيَانِ مَا يُصْلِحُ خَطَأَهُ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَعَلَّقُ إِلى مَا أَنْهاكُمْ بِفِعْلِ أُرِيدُ وَكَذَلِكَ أَنْ أُخالِفَكُمْ يَتَعَلَّقُ بِ أُرِيدُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ لَامِ الْجَرِّ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا أُرِيدُ إِلَى النَّهْيِ لِأَجْلِ أَنْ أُخَالِفَكُمْ، أَيْ لِمَحَبَّةِ خِلَافِكُمْ.

وَجُمْلَةُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ مَا أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ إِرَادَةِ الْمُخَالَفَةِ إِلَى مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مُجْمَلٌ فِيمَا يُرِيدُ إِثْبَاتَهُ مِنْ أَضْدَادِ الْمَنْفِيِّ فَبَيَّنَهُ بِأَنَّ الضِّدَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُهُ هُوَ الْإِصْلَاحُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ اسْتِطَاعَتِهِ بِتَحْصِيلِ الْإِصْلَاحِ، فَالْقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ.

وَأَفَادَتْ صِيغَةُ الْقَصْرِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْرَ قَدْ كَانَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ أُرِيدُ الْإِصْلَاحَ، كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيِّ أَوِ السَّمَوْأَلِ:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا

وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ

وَلَمَّا بَيَّنَ لَهُمْ حَقِيقَةَ عَمَلِهِ وَكَانَ فِي بَيَانِهِ مَا يَجُرُّ الثَّنَاءَ عَلَى نَفْسِهِ أَعْقَبَهُ بِإِرْجَاعِ الْفَضْلِ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ فَسَمَّى إِرَادَتَهُ الْإِصْلَاحَ تَوْفِيقًا وَجَعَلَهُ مِنَ اللَّهِ لَا يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ إِلَّا بِاللَّهِ، أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَهَدْيِهِ، فَجُمْلَةُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ أُرِيدُ.

ص: 145