الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَرَّاءِ، وَخَامِسُهَا الْقَسَمُ الْمُضْمَرُ، وَسَادِسُهَا اللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ، وَسَابِعُهَا النُّونُ الْمُؤَكِّدَةُ فِي قَوْلِهِ: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ.
وَتَوْفِيَةُ أَعْمَالِهِمْ بِمَعْنَى تَوْفِيَةِ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ، أَيْ إِعْطَاءُ الْجَزَاءِ وَافِيًا مِنَ الْخَيْرِ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَمِنَ السُّوءِ عَلَى عَمَلِ السُّوءِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ اسْتِئْنَافٌ وَتَعْلِيلٌ لِلتَّوْفِيَةِ لِأَنَّ إِحَاطَةَ الْعِلْمِ بِأَعْمَالِهِمْ مَعَ إِرَادَةِ جَزَائِهِمْ تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مُطَابِقًا لِلْعَمَلِ تَمَامَ الْمُطَابَقَةِ. وَذَلِكَ مُحَقّق التوفية.
[112]
[سُورَة هود (11) : آيَة 112]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ.
تَرَتَّبَ عَنِ التَّسْلِيَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ [هود:
110] وَعَنِ التَّثْبِيتِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [هود: 109] الْحَضُّ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهٍ قَوِيمٍ. وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالِاسْتِقَامَةِ لِإِفَادَةِ الدَّوَامِ عَلَى الْعَمَلِ بِتَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ، دَوَامًا جِمَاعُهُ الِاسْتِقَامَةُ عَلَيْهِ وَالْحَذَرُ مِنْ تَغْيِيرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي كِتَابِ مُوسَى- عليه السلام إِنَّمَا جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَطَفَ على أَمر النّبيء صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى كِتَابِهِ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتِلْكَ الِاسْتِقَامَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاعْوِجَاجَ مِنْ دَوَاعِي الِاخْتِلَافِ فِي الْكِتَابِ بِنُهُوضِ فِرَقٍ مِنَ الْأُمَّةِ إِلَى تَبْدِيلِهِ لِمُجَارَاةِ أَهْوَائِهِمْ، وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأُمَّةِ عَمْدًا إِلَى أَحْكَامِ كِتَابِهَا إِنْ هُوَ إِلَّا ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، لِأَنَّهُ اخْتِلَافُهَا عَلَى أَحْكَامِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»
، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتِ الِاسْتِقَامَةُ حَائِلًا دُونَ ذَلِكَ، إِذِ الِاسْتِقَامَةُ هِيَ الْعَمَلُ بِكَمَالِ الشَّرِيعَةِ بِحَيْثُ لَا يَنْحَرِفُ عَنْهَا قِيدَ شِبْرٍ. وَمُتَعَلِّقُهَا الْعَمَلُ بِالشَّرِيعَةِ
بَعْدَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِقَامَةُ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنى
قَول النبيء صلى الله عليه وسلم لِأَبِي عَمْرَةَ الثَّقَفِيِّ لَمَّا قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ. قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ»
فَجَعَلَ الِاسْتِقَامَةَ شَيْئًا بَعْدَ الْإِيمَانِ.
وَوُجِّهَ الْأَمر إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم تنويها بِشَأْنِهِ لِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كَما أُمِرْتَ فَيُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ الْمُتَلَقِّي لِلْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ ابْتِدَاءً. وَهَذَا تَنْوِيهٌ لَهُ بِمَقَامِ رِسَالَتِهِ، ثُمَّ أَعْلَمَ بِخِطَابِ أُمَّتِهِ بِذَلِكَ بِقَوْلُهُ: وَمَنْ تابَ مَعَكَ. وَكَافُ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَما أُمِرْتَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنِ (اسْتَقِمْ) . وَمَعْنَى تَشْبِيهُ الِاسْتِقَامَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِمَا أُمِرَ بِهِ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم لِكَوْنِ الِاسْتِقَامَةِ مِمْثَالَةً لِسَائِرِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَهُوَ تَشْبِيهُ الْمُجْمَلِ بِالْمُفَصَّلِ فِي تَفْصِيلِهِ بِأَنْ يَكُونَ طِبْقَهُ. ويؤول هَذَا الْمَعْنَى إِلَى أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَعْنَى (عَلَى) كَمَا يُقَالُ: كُنْ كَمَا أَنْتَ.
أَيْ لَا تَتَغَيَّرْ، وَلْتُشْبِهْ أَحْوَالُكَ الْمُسْتَقْبَلَةُ حَالَتَكَ هَذِهِ.
وَمَنْ تابَ عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي أُمِرْتَ. وَمُصَحِّحُ الْعَطْفِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْفَصْلُ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ.
وَمَنْ تابَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ تَوْبَةٌ مِنَ الشِّرْكِ، ومَعَكَ حَالٌ مِنْ تابَ وَلَيْسَ متعلّقا ب تابَ لِأَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَدْ جَمَعَ قَوْلُهُ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أُصُولَ الصَّلَاحِ الدِّينِيِّ وَفُرُوعِهِ لِقَوْلِهِ: كَما أُمِرْتَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ وَلَا أَشَقُّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ قَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» .
وَسُئِلَ عَمَّا فِي هُودٍ فَقَالَ: قَوْلُهُ فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ
.