الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُصْلِحُونَ مُقَابِلُ الْمُفْسِدِينَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ- وَقَوْلِهِ- وَكانُوا مُجْرِمِينَ [هود: 116]، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُهْلِكُ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ وَلَكِنْ يُهْلِكُ قَوْمًا ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ [الْقَصَص: 59] .
وَالْمُرَادُ: الْإِهْلَاكُ الْعَاجِلُ الْحَالُّ بِهِمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ حُلُولِ أَمْثَالِهِ دُونَ الْإِهْلَاكِ الْمَكْتُوبِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ وَهُوَ فَنَاءُ أُمَّةٍ وَقِيَامُ أُخْرَى فِي مُدَدٍ مَعْلُومَةٍ حَسَبَ سنَن مَعْلُومَة.
[118، 119]
[سُورَة هود (11) : الْآيَات 118 إِلَى 119]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
لَمَّا كَانَ النَّعْيُ عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَقَعْ فِيهِمْ مَنْ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فَاتَّبَعُوا الْإِجْرَامَ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِهْلَاكِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُصْلِحِينَ لَمَا أُهْلِكُوا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَدْ يُثِيرُ تَوَهُّمَ أَنَّ تَعَاصِيَ الْأُمَمِ عَمَّا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُمْ خُرُوجٌ عَنْ قَبْضَةِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِمَا يَرْفَعُ هَذَا التَّوَهُّمَ بِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً مُتَّفِقَةً عَلَى الْحَقِّ مُسْتَمِرَّةً عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَكُونُوا.
وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي أُقِيمَ عَلَيْهَا نِظَامُ هَذَا الْعَالَمِ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ نِظَامُ عُقُولِ الْبَشَرِ قَابِلًا لِلتَّطَوُّحِ بِهِمْ فِي مَسْلَكِ الضَّلَالَةِ أَوْ فِي مَسْلَكِ الْهُدَى عَلَى مَبْلَغِ اسْتِقَامَةِ التَّفْكِيرِ وَالنَّظَرِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ حُجُبِ الضَّلَالَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْعُقُولَ صَالِحَةً لِذَلِكَ جَعَلَ مِنْهَا قَبُولَ الْحَقِّ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْعُقُولِ مِنْ عَوَارِضِ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ الْكَامِلَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً،
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [213] . لَمْ يَدَّخِرْهُمْ إِرْشَادًا أَوْ نُصْحًا بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ وَدُعَاةِ الْخَيْرِ وَمُلَقِّنِيهِ
مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ، وَهُمْ أُولُو الْبَقِيَّةِ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَمِنَ النَّاسِ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَ الْعُقُولَ الْبَشَرِيَّةِ عَلَى إِلْهَامٍ مُتَّحِدٍ لَا تَعْدُوهُ كَمَا خَلَقَ إِدْرَاكَ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ عَلَى نِظَامٍ لَا تَتَخَطَّاهُ مِنْ أَوَّلِ النَّشْأَةِ إِلَى انْقِضَاءِ الْعَالَمِ، فَنَجِدُ حَالَ الْبَعِيرِ وَالشَّاةِ فِي زَمَنِ آدَمَ- عليه السلام كَحَالِهِمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ إِلَى انْقِرَاضِ الْعَالَمِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ اقْتَضَتْ هَذَا النِّظَامَ فِي الْعَقْلِ الْإِنْسَانِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْفَى بِإِقَامَةِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَسَاعِي الْبَشَرِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ الْمَخْلُوطَةِ، لِيَنْتَقِلُوا مِنْهَا إِلَى عَالَمِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ الْخَالِصَةِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَلَوْ خُلِقَ الْإِنْسَانُ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ مُقْتَضِيًا ثَوَابَ النَّعِيمِ وَلَا كَانَ الْفَسَادُ مُقْتَضِيًا عِقَابَ الْجَحِيمِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْبَشَرَ عَلَى نِظَامٍ مِنْ شَأْنِهِ طَرَيَانُ الِاخْتِلَافِ بَينهم فِي الْأُخوة، وَمِنْهَا أَمْرُ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ أَهَمُّهَا وَأَعْظَمُهَا لِيَتَفَاوَتَ النَّاسُ فِي مَدَارِجِ الِارْتِقَاءِ وَيَسْمُوا إِلَى مَرَاتِبِ الزُّلْفَى فَتَتَمَيَّزُ أَفْرَادُ هَذَا النَّوْعِ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْحَيَاةِ حَتَّى يُعَدَّ الْوَاحِدُ بِأَلْفٍ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الْأَنْفَال: 37] .
وَهَذَا وَجْهُ مُنَاسِبَةِ عَطْفِ جُمْلَةِ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ عَلَى جُمْلَتَيْ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ.
وَمَفْعُولُ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي مَضْمُونَ جَوَابِ الشَّرْطِ فَحُذِفَ إِيجَازًا. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلَهُمْ كَذَلِكَ.
وَالْأُمَّةُ: الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّحَدُوا فِي أَمْرٍ مِنْ عَظَائِمِ أُمُورِ الْحَيَاةِ كَالْمَوْطِنِ وَاللُّغَةِ وَالنَّسَبِ وَالدِّينِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [213] . فَتُفَسَّرُ الْأُمَّةُ فِي كُلِّ مَقَامٍ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ إِضَافَتُهَا إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ تَكْوِينِهَا كَمَا يُقَالُ: الْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ وَالْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ.
وَمَعْنَى كَوْنِهَا وَاحِدَةً أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى اتِّبَاعِ دِينِ الْحَقِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَآلَ الْمَعْنَى إِلَى: لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً مِنْ حَيْثُ الدِّينِ الْخَالِصِ.
وَفُهِمَ مِنْ شَرْطِ (لَوْ) أَنَّ جَعْلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الدِّينِ مُنْتَفِيَةٌ، أَيْ مُنْتَفٍ دَوَامُهَا عَلَى الْوَحْدَةِ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ وُجِدُوا فِي أَوَّلِ النَّشْأَةِ مُتَّفِقِينَ فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى طَرَأَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ ابْنَيْ آدَمَ- عليه السلام لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [الْبَقَرَة: 213] وَقَوْلِهِ: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فِي سُورَةِ يُونُسَ [19] فَعُلِمَ أَنَّ النَّاسَ
قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا مَضَى فَلَمْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لَا يدْرِي هَل يؤول أَمْرُهُمْ إِلَى الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ فَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ دَائِمٌ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْعُقُولُ.
وَلَمَّا أَشْعَرَ الِاخْتِلَافُ بِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ الْعُدُولَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ وَالِاخْتِلَافَ، عَقَّبَ عُمُومَ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ بِاسْتِثْنَاءِ مَنْ ثَبَتُوا عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، أَيْ فَعَصَمَهُمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ.
وَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْمُومَ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ هُوَ الِاخْتِلَافُ فِي أُصُولِ الدِّينِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُخَالِفِ خَارِجًا عَنِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ مُتَّبِعِيهِ، فَإِذَا طَرَأَ هَذَا الِاخْتِلَافُ وَجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ قَصْمُهُ وَبَذْلُ الْوُسْعِ فِي إِزَالَتِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ بِالْإِرْشَادِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُنْجِعْ ذَلِكَ فَبِالْقِتَالِ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي قِتَالِ الْعَرَبِ الَّذِينَ جَحَدُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَكَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ- كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- فِي قِتَالِ الْحُرَوْرِيِّةِ الَّذِينَ كَفَّرُوا الْمُسْلِمِينَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ.
وَأَمَّا تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ فَهُوَ تَأْكِيدٌ بِمَضْمُونِ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الِاخْتِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: مُخْتَلِفِينَ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ
لَمَّا خَلَقَهُمْ عَلَى جِبِلَّةٍ قَاضِيَةٍ بِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَالنَّزَعَاتِ وَكَانَ مُرِيدًا لِمُقْتَضَى تِلْكَ الْجِبِلَّةِ وَعَالِمًا بِهِ كَمَا بَيَّنَاهُ آنِفًا كَانَ الِاخْتِلَافُ عِلَّةً غَائِيَّةً لِخَلْقِهِمْ، وَالْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ لَا يَلْزَمُهَا الْقَصْرُ عَلَيْهَا بَلْ يَكْفِي أَنَّهَا غَايَةُ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَكُونُ مَعَهَا غَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أُخْرَى فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا قَوْلُهُ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] لِأَنَّ الْقَصْرَ هُنَالِكَ إِضَافِيٌّ، أَيْ إِلَّا بِحَالَةِ أَنْ يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُوا، وَالْقَصْرُ الْإِضَافِيُّ لَا يُنَافِي وُجُودَ أَحْوَالٍ أُخْرَى غَيْرَ مَا قَصَدَ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْقَصْرِ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ لِمَنْ مَارَسَ أَسَالِيبَ الْبَلَاغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ لَيْسَ لِلْقَصْرِ بَلْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُوجِبُ الْحَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.
ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ يوذن بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْمٌ مُخْتَلِفُونَ اخْتِلَافًا لَا رَحْمَةَ لَهُمْ فِيهِ، فَهُوَ اخْتِلَافٌ مُضَادٌّ لِلرَّحْمَةِ، وَضِدُّ النِّعْمَةِ النِّقْمَةُ فَهُوَ اخْتِلَافٌ أَوْجَبَ الِانْتِقَامَ.
وَتَمَامُ كَلِمَةِ الرَّبِّ مَجَازٌ فِي الصِّدْقِ وَالتَّحَقُّقِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وتمت كَلِمَات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [115] ، فَالْمُخْتَلِفُونَ هُمْ نَصِيبُ جَهَنَّمَ.
وَالْكَلِمَةُ هُنَا بِمَعْنَى الْكَلَامِ. فَكَلِمَةُ اللَّهِ: تَقْدِيرُهُ وَإِرَادَتُهُ. أَطْلَقَ عَلَيْهَا كَلِمَةُ مَجَازًا لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي صُدُورِ كَلِمَةِ (كُنْ) وَهِيَ أَمْرُ التَّكْوِينِ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وتمت كَلِمَات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [115] .
وَجُمْلَةُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ تَفْسِيرٌ لِلْكَلِمَةِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ. وَذَلِكَ تَعْبِيرٌ عَنِ الْإِرَادَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ.