الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِغْوَاءُ: جَعْلُ الشَّخْصِ ذَا غِوَايَةٍ، وَهِيَ الضَّلَالُ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ.
وَجُمْلَةُ هُوَ رَبُّكُمْ ابْتِدَائِيَّةٌ لِتَعْلِيمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ إِنْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ، أَوْ لِتَذْكِيرِهِمْ بِذَلِكَ إِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِهِ وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ وَدًّا، وَسُوَاعًا، وَيَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْرًا.
وَالتَّقْدِيمُ فِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِلِاهْتِمَامِ وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ وَلَيْسَ لِلْقَصْرِ، لِأَنَّهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ أَصْلًا بَلْهَ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّهُمْ يَحْضُرُونَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى غَيْرِهِ.
وَتَمَثَّلَتْ فِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ- عليه السلام مَعَ قَوْمِهِ صُورَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ تَفْكِيرِ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ الَّتِي رَانَ عَلَيْهَا الضَّلَالُ فَقَلَبَ أَفْكَارَهَا إِلَى اعْوِجَاجٍ فَظِيعٍ، وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ يُثَقِّفْ عُقُولَهَا الْإِرْشَادُ الدِّينِيُّ فَغَلَبَ عَلَيْهَا الِانْسِيَاقُ وَرَاءَ دَاعِي الْهَوَى، وَامْتَلَكَهَا الْغُرُورُ بِظَنِّ الْخَطَأِ صَوَابًا، وَمُصَانَعَةِ مَنْ تُصَأْصِئُ عَيْنُ بَصِيرَتِهِ بِلَائِحٍ مِنَ النُّورِ، مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى إِغْمَاضِهَا وَعَدِمَتِ الْوَازِعَ النَّفْسَانِيَّ فَلَمْ تَعْبَأْ إِلَّا بِالصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ وَلَمْ تَهْتَمَّ إِلَّا بِاللَّذَّاتِ وَحُبِّ الذَّاتِ وَلَا تَزِنُ بِمِعْيَارِ النَّقْدِ الصَّحِيحِ خُلُوصَ النُّفُوسِ مِنْ دخل النقائص.
[35]
[سُورَة هود (11) : آيَة 35]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْقِصَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْهَا فَقَدْ أَبْعَدَ، وَهِيَ تَأْكِيدٌ لِنَظِيرِهَا السَّابِقِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ تَفَاصِيلَ الْقِصَّةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا الْمُخَاطَبُونَ تَفَاصِيلٌ عَجِيبَةٌ تَدْعُو الْمُنْكِرِينَ إِلَى أَنْ يَتَذَكَّرُوا إِنْكَارَهُمْ وَيُعِيدُوا ذِكْرَهُ.
وَكَوْنُ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِمَا حَصَلَ فِي زَمَنِ نُوحٍ- عليه السلام وشاهدة بكتب بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ مَعَ أُمِّيَّتِهِ وَبُعْدِ قَوْمِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آيَةٌ عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مَنْ خَلْفِهِ.
فَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي يُؤْذِنُ بِهِ حَرْفُ أَمْ الْمُخْتَصُّ بِعَطْفِ الِاسْتِفْهَامِ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ.
وَمَوْقِعُ الْإِنْكَارِ بَدِيعٌ لِتَضَمُّنِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ.
وأَمْ هُنَا لِلْإِضْرَابِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ لِغَرَضٍ.
وَضَمِيرُ النَّصْبِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَفْهُومِ مِنَ السِّيَاقِ.
وَجُمْلَةُ قُلْ مَفْصُولَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَأُمِرَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْرَضَ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِذَلِكَ إِذْ قَدْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ تُغْنِ فِيهِمْ شَيْئًا، فَلِذَلِكَ أُجِيبُوا بِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَ ذَلِكَ لَكَانَتْ
تَبِعَةُ افْتِرَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَنَالُهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَتَقْدِيُمُ (عَلَيَّ) مُؤْذِنٌ بِالْقَصْرِ، أَيْ إِجْرَامِي عَلَيَّ لَا عَلَيْكُم فَلَمَّا ذَا تُكْثِرُونَ ادِّعَاءَ الِافْتِرَاءِ كَأَنَّكُمْ سَتُؤَاخَذُونَ بِتَبِعَتِهِ. وَهَذَا جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِدْرَاجِ لَهُمْ وَالْكَلَامِ الْمُنْصِفِ.
وَمَعْنَى جَعْلِ الِافْتِرَاءِ فِعْلًا لِلشَّرْطِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَقَعَ الِافْتِرَاءُ كَقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [الْمَائِدَة: 116] .
وَلَمَّا كَانَ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ إِجْرَامًا عَدَلَ فِي الْجَوَابِ عَنِ التَّعْبِيرِ بِالِافْتِرَاءِ مَعَ أَنَّهُ الْمُدَّعِي إِلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِجْرَامِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ: فَعَلَيَّ إِجْرَامُ افْتِرَائِي.
وَذِكْرُ حَرْفِ (عَلَى) مَعَ الْإِجْرَامِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ الْإِجْرَامَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَمَا تَقْتَضِيهِ مَادَّةُ الْإِجْرَامِ.