المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يوسف (12) : آية 5] - التحرير والتنوير - جـ ١٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 32 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 53 الى 56]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 59 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 66 الى 68]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 69 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 79 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 84 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 100 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 105 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 112]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 118 إِلَى 119]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة هود (11) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة هود (11) : آيَة 123]

- ‌12- سُورَةُ يُوسُفَ

- ‌مِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 16 الى 18]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 23 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 37 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 43 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 47 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 52]

الفصل: ‌[سورة يوسف (12) : آية 5]

وَكَذَلِكَ رُؤْيَاهُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ نَاشِرَةً شَعْرَهَا خَارِجَةً مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجَحْفَةِ، فَعَبَّرَهَا بِالْحُمَّى تَنْتَقِلُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجَحْفَةِ، وَرُئِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَنَّهُ فِي رَوْضَةٍ، وَأَنَّ فِيهَا عَمُودًا، وَأَنَّ فِيهِ عُرْوَةً، وَأَنَّهُ أَخَذَ بِتِلْكَ الْعُرْوَةِ فَارْتَقَى إِلَى أَعْلَى العمود، فعبّره النبيء صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ لَا يَزَالُ آخِذًا بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَأَنَّ الرَّوْضَةَ هِيَ الْجَنَّةُ، فَقَدْ تَطَابَقَ التَّمْثِيلُ النَّوْمِيُّ مَعَ التَّمْثِيلِ الْمُتَعَارَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [سُورَة الْبَقَرَة: 256] ، وَفِي

قَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» .

وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ هَذِهِ الرُّؤْيَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ [سُورَة يُوسُف: 100] .

[5]

[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 5]

قالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)

جَاءَتِ الْجُمْلَةُ مَفْصُولَةً عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [30] .

وَالنِّدَاءُ مَعَ حُضُورِ الْمُخَاطَبِ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ إِحْضَارِ الذِّهْنِ اهْتِمَامًا بِالْغَرَضِ الْمُخَاطَبِ فِيهِ.

وبُنَيَّ- بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ- تَصْغِيرُ ابْنٍ مَعَ إِضَافَتِهِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَصْلُهُ بُنَيْوِي أَوْ بُنَيْيِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ لَامَ ابْنٍ الْمُلْتَزَمَ عَدَمُ ظُهُورِهَا هِيَ وَاوٌ أَمْ يَاءٌ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّهَا أُدْغِمَتْ فِيهَا يَاءُ التَّصْغِيرِ بَعْدَ قَلْبِ الْوَاوِ يَاءً لِتَقَارُبِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، أَوْ لِتَمَاثُلِهِمَا فَصَارَ (بُنَيِّي) . وَقَدِ اجْتَمَعَ ثَلَاثُ يَاءَاتٍ فَلَزِمَ حَذْفُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لُزُومًا وَأُلْقِيَتِ الْكَسْرَةُ

ص: 212

الَّتِي اجْتُلِبَتْ لِأَجْلِهَا عَلَى يَاءِ التَّصْغِيرِ دَلَالَةً عَلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ. وَحَذْفُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْمُنَادَى الْمُضَافِ شَائِعٌ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ فِي إِبْقَائِهَا ثِقَلٌ كَمَا هُنَا، لِأَنَّ الْتِقَاءَ يَاءَاتٍ ثَلَاثٍ فِيهِ ثِقَلٌ.

وَهَذَا التَّصْغِيرُ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْبِيبٍ وَشَفَقَةٍ. نَزَّلَ الْكَبِيرَ مَنْزِلَةَ الصَّغِيرِ لِأَنَّ شَأْنَ الصَّغِيرِ أَنْ يُحَبَّ وَيُشْفَقَ عَلَيْهِ. وَفِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ إِمْحَاضِ النُّصْحِ لَهُ.

وَالْقَصُّ: حِكَايَةُ الرُّؤْيَا. يُقَالُ: قَصَّ الرُّؤْيَا إِذَا حَكَاهَا وَأَخْبَرَ بِهَا. وَهُوَ جَاءَ مِنَ الْقَصَصِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا.

وَالرُّؤْيَا- بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ- هِيَ: رُؤْيَةُ الصُّوَرِ فِي النَّوْمِ، فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْيَقَظَةِ بِاخْتِلَافِ عَلَامَتَيِ التَّأْنِيثِ، وَهِيَ بِوَزْنِ الْبُشْرَى وَالْبُقْيَا.

وَقَدْ عَلِمَ يَعْقُوبُ- عليه السلام أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ- عليه السلام الْعَشَرَةَ كَانُوا يَغَارُونَ مِنْهُ لِفَرْطِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ خُلُقًا وَخَلْقًا، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ الرُّؤْيَا إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا، وَعَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَا تُؤْذِنُ بِرِفْعَةٍ يَنَالُهَا يُوسُفُ- عليه السلام عَلَى إِخْوَتِهِ الَّذِينَ هُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَخَشِيَ إِنْ قَصَّهَا يُوسُفُ- عليه السلام عَلَيْهِمْ أَنْ تَشْتَدَّ بِهِمُ الْغَيْرَةُ إِلَى حَدِّ الْحَسَدِ،

وَأَنْ يَعْبُرُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيَنْشَأُ فِيهِمْ شَرُّ الْحَاسِدِ إِذَا حَسَدَ، فَيَكِيدُوا لَهُ كَيْدًا لِيَسْلَمُوا مِنْ تَفَوُّقِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ فِيهِمْ.

وَالْكَيْدُ: إِخْفَاءُ عَمَلٍ يَضُرُّ الْمَكِيدَ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [183] .

وَاللَّامُ فِي لَكَ لِتَأْكِيدِ صِلَةِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ كَقَوْلِهِ: شَكَرْتُ لَكَ النُّعْمَى.

وَتَنْوِينُ كَيْداً لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ زِيَادَةٌ فِي تَحْذِيرِهِ مِنْ قَصِّ الرُّؤْيَا عَلَيْهِمْ.

وَقَصَدَ يَعْقُوبُ- عليه السلام مِنْ ذَلِكَ نَجَاةَ ابْنِهِ مِنْ أَضْرَارٍ تَلْحَقُهُ، وَلَيْسَ قَصْدُهُ إِبْطَالَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ أَضْرَارٍ وَمَشَاقَّ. وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَنِيهِ لَمْ يَبْلُغُوا فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ غَوْصِ النَّظَرِ الْمُفْضِي إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَا إِنْ كَانَتْ

ص: 213

دَالَّةً عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ يَنَالُهُ فَهِيَ خَبَرٌ إِلَهِيٌّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بَلْ لَعَلَّهُمْ يَحْسَبُونَهَا مِنَ الْإِنْذَارِ بِالْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي يَزُولُ تَسَبُّبُهَا بِتَعْطِيلِ بَعْضِهَا.

وَقَوْلُ يَعْقُوبَ- عليه السلام هَذَا لِابْنِهِ تَحْذِيرٌ لَهُ مَعَ ثِقَتِهِ بِأَنَّ التَّحْذِيرَ لَا يُثِيرُ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةً لِإِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ وَثِقَ مِنْهُ بِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَصَفَاءِ السَّرِيرَةِ، وَمَكَارِمِ الْخُلُقِ. وَمَنْ كَانَ حَالُهُ هَكَذَا كَانَ سَمْحًا، عَاذِرًا، مُعْرِضًا عَنِ الزَّلَّاتِ، عَالِمًا بِأَثَرِ الصَّبْرِ فِي رِفْعَةِ الشَّأْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِإِخْوَتِهِ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [سُورَة يُوسُف:

90] وَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سُورَة يُوسُف:

92] . وَقَدْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ- عليه السلام لِأَخِيهِ الَّذِي قَالَ لَهُ لِأَقْتُلُنَّكَ حَسَدًا لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [سُورَة الْمَائِدَة: 28] . فَلَا يُشْكِلُ كَيْفَ حَذَّرَ يَعْقُوبُ يُوسُفَ- عليهما السلام مِنْ كَيْدِ إِخْوَتِهِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ مَا حَذَّرَهُ إِلَّا مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ إِخْوَتِهِ. وَهَذَا كاعتذار النبيء صلى الله عليه وسلم لِلرَّجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُ لَيْلًا وَهُوَ يُشَيِّعُ زَوْجَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى بَيْتِهَا

فَلَمَّا رَأَيَاهُ وَلَّيَا، فَقَالَ:«عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَكْبَرَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي نُفُوسِكُمَا»

. فَهَذِهِ آيَةُ عِبْرَةٍ بِتَوَسُّمِ يَعْقُوبَ- عليه السلام أَحْوَالَ أَبْنَائِهِ وَارْتِيَائِهِ أَنْ يَكُفَّ كَيْدَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.

فَجُمْلَةُ إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ إِلَخْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَصِّ الرُّؤْيَا عَلَى

إِخْوَتِهِ. وَعَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ لِجِنْسِ الْإِنْسَانِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُمْ إِلَى إِضْرَارِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ يُوسُفَ- عليه السلام لَمْ يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى إِخْوَتِهِ وَهُوَ

ص: 214