الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالة حديث تكفير الوضوء الخطايا
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
هناك شخص يقول إنه لو نظر إلى النساء المتبرجات فترة طويلة ثم قام فتوضأ فإن ذنوبه تخرج مع قطر الماء؟ هل هذا صحيح؟ وما معنى حديث تكفير الوضوء للخطايا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
الوضوء من الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها السيئات والذنوب، وقد دل على هذا أحاديث، منها حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ- أَوْ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ". أخرجه مسلم (244) . وحديث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ". أخرجه مسلم (245) . والذي عليه جمهور العلماء أن الأعمال الصالحة مثل: الوضوء والصلاة والصيام والحج والعمرة وغيرها تكفر الصغائر دون الكبائر، لقوله تبارك وتعالى:(إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)[النساء: 31] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ". أخرجه مسلم (233) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
قال النووي: (معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة) . فإن كان لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملًا فسياق الأحاديث يأباه، قال القاضي عياض:(هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم) .
ومن العلماء من يرى أن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر فقط وبشرط عدم ارتكاب كبيرة لقوله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)[النساء: 31] .
وأما ما ذكره السائل عن الشخص الذي يقول: إنه لو نظر إلى النساء المتبرجات فترة طويلة ثم قام فتوضأ فإن ذنوبه تخرج مع الماء. فهذا الكلام من إيحاءات الشيطان، نسأل الله السلامة والعافية، فالشيطان حريص على إضلال بني آدم وإيقاعهم في المحرمات، ويدخل عليهم من مداخل وطرق كثيرة؛ كما قال سبحانه عن الشيطان:(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16، 17] . وقال سبحانه: (وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 168، 169] . والله سبحانه وتعالى أمر عباده بطاعته واجتناب معصيته، وأمرهم بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى:(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور: 30] . ودعا عباده إلى الاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال: 24] . وحذر سبحانه الذين لا يستجيبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من أن يحال بينهم وبين قلوبهم؛ بمعنى يعاقبون بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وعدم استجابتهم لأوامر الله، فلا يستطيعون الرجوع إلى الطاعة، وقد تخرمهم المنية وهم مقيمون على المعصية، أفلا يخشى من يقول هذا الكلام أن يحال بينه وبين قلبه، وألّا يوفّق لعمل صالح مقبول يكون مكفرًا لذنوبه، ثم إن إطالة النظر في النساء المتبرجات والإصرار على هذا يجعل المعصية كبيرة ويوقع الإنسان في الفتنة التي تجره إلى ما هو أعظم، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم، أمته من فتنة النساء، فقال صلى الله عليه وسلم:"مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ". أخرجه البخاري (5096) ، ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنه، وقال أيضًا:"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ". أخرجه مسلم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه. هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.