الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة في الرجم لا تصح عن عثمان
المجيب هاني بن عبد الله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/الصحابة الكرام
التاريخ 15/5/1424هـ
السؤال
ما صحة قصة رجم عثمان بن عفان للمرأة التي ولدت بعد ستة أشهر من زواجها؟ وهي في تفسير ابن كثير والموطأ ومصنف عبد الرزاق، وكم أحب أن تكون ضعيفة، فقد ساءني رجم بريئة هكذا من طرف خليفة راشد، لقد أعياني البحث ولم أستطع أن أحكم بشيء بعد جمع الروايات، فعندي بعض العلم بمصطلح الحديث، لكن ليس بدرجة القدرة على الحكم على الأحاديث، ولكن خيل لي أن هناك اضطراباً وضعفاً في تلك الروايات.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فالقصة التي ذكرها الأخ السائل وفقه الله أن امرأة ولدت بعد نكاحها بستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها أن ترجم فراجعه فيها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأن الله تعالى يقول في كتابه:"وحمله وفصاله ثلاثون شهراً"[الأحقاف:15] وقال:"وفصاله في عامين"[لقمان:14] فلا يبقى للحمل سوى ستة أشهر فبعث إليها عمر فردت. القصة بهذا السياق صحيحة الإسناد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (13445) عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن ابن عوف قال:"رفعت امرأة لعثمان
…
" القصة وهذا إسناد صحيح وأبو عبيد هو سعيد بن عبيد ثقة.
ورويت القصة على أن المراجع لعثمان هو علي كما عند ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني به وهذا الإسناد ظاهره الصحة، ورجاله كلهم ثقات من رجال التقريب إلا أن بعجة توفي على رأس المئة، ومات عثمان سنة خمس وثلاثين فلا يقرب إدراكه له.
ورويت بمثل هذا مع زيادة أن عثمان أمر بها أن تُرد فوجدها قد رجمت، وهي في الموطأ بلاغ بلا إسناد (1561) وعند البيهقي في السنن الكبرى (15967) ورويت موصولة عند ابن جرير إلا أن في إسنادها محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه.
ورويت القصة على أنها وقعت لعمر وراجعه علي كما في سنن البيهقي (15965-15966) وليس فيها حصول الرجم للمرأة إلا أن إسنادها مرسل فهو من طريق أبي حرب ابن أبي الأسود عن عمر وأبو حرب مات سنة 109هـ ولم يدرك عمر رضي الله عنه.
كما أن فيها عنعنة قتادة، وأخرجها سعيد بن منصور (2074) من طريق الحسن عن عمر وقاوله علي والحسن لم يدرك عمر وأخرجها عبد الرزاق (13443) من طريق قتادة عن عمر ولم يدركه ومن طريق أبي الأسود (13444) وفي إسنادها عثمان بن مطر الشيباني وهو ضعيف.
ورواها سعيد في سننه (2075) أنها وقعت لعثمان وقاوله ابن عباس فردها عثمان وخلى سبيلها إلا أنها من طريق قائد لابن عباس وهو مجهول، إلا أنه يشهد له إسناد عبد الرزاق الذي صدرنا به الجواب.
وبعد فبيان ما سبق:
(1)
فالقصة ثابتة عن عثمان وراجعه ابن عباس فيها فخلى سبيلها.
(2)
وأما الرجم فلم يرد بإسناد صحيح.
(3)
وقد رويت عن عمر كما روي أن المقاول علي، وكل ذلك بإسناد لا يخلو من مقال.
وبعد ذلك فإنه لو ثبت خطأ عثمان رضي الله عنه في اجتهاده فلا يضيره ذلك إذا أمر العالم والحاكم بالاجتهاد ورفع عنه إثم الخطأ وجعل له أجر على اجتهاده، ولو لم يحالفه الصواب، وقد حكم داود عليه السلام بما فهمه ابنه سليمان كما قال تعالى:"وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً"[الأنبياء:78-79]، قال الحسن: لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه وعذر داود باجتهاده، انتهى.
ولولا مثل هذه الأخبار لما استطاع أحد أن يجتهد في حكم، ولخشي أن يلج النار إذا أخطأ إلا أن في مثل هذه الأخبار عزاء لمن بذل وسعه واستفرغ طاقته في الاجتهاد ثم أخطأ.
أسأل الله تعالى أن يلطف بنا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.