الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يحجرون على والدهم
؟
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 26/3/1425هـ
السؤال
أعيش أنا وإخوتي ووالدتي مع أبينا، وهو شخصية ظالمة، دكتاتوري في جميع تصرفاته، يصر على اختلاق المشاكل معنا دائما، ولا يكتفي بذلك فقط، ولكنه يعمد إلى الفضائح ولا يراعي مشاعرنا، ويصر على إقحام الناس في هذه المشاكل، ومن يحضر ويشاهد مشاكلنا التي يصل فيها إلى الضرب المبرح يقسم على أنه شخص مختل، ولكنهم يخافون مواجهته وإخباره بذلك، مع العلم أننا نحن أبناءه -ولله الحمد- كل من يرانا أو يصاحبنا يحبنا، وقد وصلنا رغم ذلك لمراتب جيدة جداً في دراستنا، فأنا أدرس الطب، وأخي الكبير طبيب، والآخر مهندس، ولكن كل هذا لا يعجبه.
سؤالي: هل يحق لنا بأن نرفع عليه قضية حجر أو سفه، خصوصا أنه مؤخراً سبب لنا الكثير من الفضائح والألم النفسي أمام الناس، ويوجد الكثير من الشهود على تصرفاته المشينة معنا، والتي دائما تكون من غير سبب معروف، وإذا كان يصح لنا أن نرفع عليه قضية لمن يجب أن نذهب؟! وماذا علينا أن نفعل؟ أفيدوني وأنقذوني، وجزاكم الله كل الخير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن الواجب على الأولاد أن يبروا آباءهم وأمهاتهم، وأن يحسنوا إليهما، ويبذلوا المعروف لهما، فإن حق الوالدين على أولادهما كبير كما لا يخفى، قال تعالى:"وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف: من الآية15] ، وقال أيضاً: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [لقمان:14-15] ، فهذا في حالة ما لو أرادا من أولادهما الشرك بالله، وجاهداهم على ذلك، فإنهم لا يطيعونهما، ولكن يجب عليهم في هذه الحالة أن يصاحبوهما في الدنيا معروفاً، فكيف لو أصاب الولد من والديه أذى بدنياً أو نفسياً أو اجتماعياً، وليس بديني، فالصبر عليه أولى، ومصاحبة الوالدين معه معروف أوجب، فإن الوالدين هما سبب وجود الولد، ورضا الله من رضا الوالدين
…
فاحذر -يا أخي أنت وإخوانك- من عقوق والدكم، ولا يسوغ لك أن تصف أباك بهذه الأوصاف السيئة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور
…
" الحديث رواه البخاري (5976) ومسلم (87) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، بل إن الله حرم أن يقول الولد لأحد والديه كلمة "أُفٍّ"، فكيف أن يقول أو يفعل بهما أو بأحدهما أعظم من ذلك، قال عز وجل: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً" [الإسراء:24-25] ، هذا هو أدب القرآن، وهذه تربية الإسلام، وتلك حقوق الوالدين فارعها حق رعايتها، وقم بأدائها حق قيام؛ تجد خيراً تفوز به في الدنيا والآخرة، وإن كان ما ذكره السائل عن والديه صحيحاً فقد يكون سبب تصرفات الأب المذكورة هو الأولاد، فقد تكون معاملتكم لوالدكم سيئة، أو أنكم تقصرون في حقه، أو لا تعطونه ما يحتاج من نفقة، أو لا تحسنون معاملته، أو لا تحترمونه وتجلونه وتقدرونه، ولذلك أصبح يعاملكم تلك المعاملة القاسية لسوء صنيعكم به، ولهذا فإني أنصحك - أيها الأخ السائل وفقك الله- أن تحسن لوالدك، وتقابل إساءته لك - إن صدرت منه- بالإحسان، والدعاء له بالمغفرة، والعفو والرحمة، ولا تنس أن تهديه بين الفينة والأخرى؛ فالهدية تقرب القلوب، وتذهب الشحناء، وتزيل البغضاء من النفوس، وقم بخدمته وقضاء حوائجه بطيب نفس وطلاقة وجه، وقبِّل رأسه، وقدمه في المجلس ولا تتقدم عليه في دخول أو خروج، أو أكل أو شرب، وشاوره فيما تقدم عليه من أمورك الخاصة، وسوف تجد محبة والدك لك - إن شاء الله- ولإخوتك، وتذهب تلك السلوكيات التي تتضايق أنت وإخوانك منها.
أما إن كانت تصرفات والدك لا تصدر من العقلاء بمعنى أنها تصرفات ناقصي العقل أو فاقديه، فيجب عليك أنت وإخوتك الذهاب بوالدكم لإحدى المستشفيات النفسية أو المصحات العقلية لعلاجه
…
وبناء على ما يتقرر لدى الأطباء المختصين يمكن اتخاذ ما يلزم من قبلكم حيال طلب الحجر عليه أم لا
…
علماً بأن طلب الحجر على أبيكم من اختصاص المحكمة الشرعية.
وفقك الله وإخوتك لبر والديكم ورزقكم الصبر والاحتساب، وهداكم صراطه المستقيم، وتاب علينا وعليكم إنه هو التواب الرحيم، والله أعلم، وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.