الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهادة الكافر على المسلم
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 15/7/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل تصح شهادة الكافر على المسلم، وكيف يكون الحال إذا كان المسلم قد تعدَّى على الكافر؟ وماذا إذا كان المسلم يمارس الغش والكذب ويؤذي أو يبهت الكافر؟ ألا يجوز للكافر الترافع في القضية؟ ألا ينصف بموجب الشرع؟.
الجواب
الحمد لله وحده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول شهادة غير المسلم على المسلم في الجملة، واختلفوا في مسائل منها: شهادة غير المسلم على المسلم في السفر: فذهب الحنابلة والظاهرية إلى قبولها؛ انظر المغني (14/170) ، المحرر (2/317) ، زاد المعاد (3/148) ، المحلى (9/409)، وذهب الجمهور إلى عدم قبولها؛ انظر: المدونة (5/156) ، أحكام القرآن للشافعي (2/146) ، الذخيرة (10/224) ، تفسير ابن أبي حاتم (4/1230) ، الناسخ لابن النحاس (2/304) ، تفسير ابن كثير (3/211) ، تفسير ابن جرير (5/107) ، شرح مشكل الآثار (11/470) ، فتح الباري (5/483) ، الصاوي على الجلالين (2/245) ، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (4/254) ، تفسير الرازي (12/96) ، الفروق (4/86) ، تفسير القرطبي (6/350) ، أحكام القرآن للكيا (3/120) ، تفسير ابن عطية (2/251) ، تفسير البغوي (2/74) ، تفسير الماوردي (2/77) ، البحر المحيط لأبي حيان (4/393) ، الكشاف
(1/650) تفسير البقاعي (6/330) تفسير الخازن (2/87) .
واستدل من أجازها بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ"[المائدة:106]، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما:"أو آخران من غيركم من أهل الكتاب" رواه ابن أبي حاتم في التفسير (4/1229)، رقم:(6934)، وابن جرير في التفسير (5/106و 114) وانظر: معاني القرآن لابن النحاس (2/376) .
وعن عامر قال: "شهد رجلان من أهل دقوقاء على وصية مسلم، فاستحلفهما أبو موسى بعد العصر؛ بالله: ما اشترينا به ثمناً قليلاً، ولا كتمنا شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين، ثم قال: إن هذه القضية ما قضي بها منذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. رواه ابن أبي شيبة (4/495) ، وعبد الرزاق (8/360) ، وأبو داود رقم: (3605) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/462) ، والبيهقي (3/278) ، والحاكم (2/314) ، قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر عن إسناد أبي داود (رجاله ثقات) ا. هـ، فتح الباري (5/483) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان تميم الداري - قبل أن يسلم- وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة بالتجارة، فخرج معهما رجل من بني سهم، فتوفي بأرض ليس فيها مسلم، فأوصى إليهما، فدفعا تركته إلى أهله، وحبسا جاما من فضة مخوَّصاً بالذهب، ففقده أولياؤه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفهما: ما كتمنا، ولا أضعنا، ثم عرف الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا بالله: إن هذا لجام السهمي، ولشهادتنا أحق من شهادتهما، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين، فأخذ الجام، وفيهما نزلت هذه الآية" أخرجه البخاري مختصراً معلقاً في الوصايا باب قول الله عز وجل:"يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية رقم: (2780)(5/480) ، والترمذي رقم (3060) ، وأبو داود رقم (3606) ، وابن النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/308)، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية:"هذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمر الله أن يشهد في وصيته عدلين من المسلمين، ثم قال تعالى: "أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ" [المائدة: من الآية106] ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمر الله عز وجل أن يشهد رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: لا نشتري بشهادتنا ثمناً"رواه ابن جرير في تفسيره
(5/110) ، وابن النحاس في الناسخ (2/302)، رقم:(459) ، قال الحافظ ابن حجر عن إسناد الطبري (رجاله ثقات) ا. هـ، فتح الباري (5/483) ، وهذا أيضاً هو مذهب ابن مسعود وسعيد بن المسيب وشريح وعبيدة السلماني والنخعي وسعيد بن جبير، وغيرهم، وهو الصواب، وقد أفاض العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى- في تقرير ذلك في كتابه النافع (الطرق الحكمية)(153) ، وأجاب فيه عن حجج المخالفين.
وكذلك من المسائل: أن المالكية قالوا: تجوز شهادة الطبيب الكافر حتى على المسلم للحاجة؛ انظر: المنتقى (5/213) ، الذخيرة (10/240) ، تبصرة الحكام (1/247و 2/12) ، التاج والإكليل (6/116) .
والحنفية يجيزون شهادة الكفار في كل شيء بعضهم على بعض، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/340) ، المبسوط (16/140) ، البحر الرائق
(7/158) ، منحة الخالق (7/158) ، رؤوس المسائل (529) ، فتح القدير (7/416) ، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (614) .
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-: قال شيخنا رحمه الله: (وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع: هو ضرورة يقتضي هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضراً وسفراً) انظر: الطرق الحكمية (160) ، الاختيارات (359) ، الجامع للخلال
(1/216) النكت على المحرر (2/277) .
وأشير إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتعدى على حقوق الآخرين ولو كانوا غير مسلمين، كما يحرم عليه الكذب والغش في المعاملة؛ قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"[التوبة:119]، وقال عليه الصلاة والسلام:"من غش فليس منَّا" رواه مسلم (102) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وغير المسلمين لا نضيع حقوقهم في بلاد المسلمين، بل حقهم محفوظ؛ فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتخاصم هو ويهودي أمام القاضي شريح ويُحكم لليهودي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" رواه أحمد (3/153) ، والشهاب (2/97) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام:"ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود (3052) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً حفظ الحقوق ليست مقتصرة على الشهادة فقط؛ بل الشهادة طريق من طرق الحكم؛ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (فطرق الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر، وليس بينهما تلازم، فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يُحفظ به، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه، ولا خطر على باله: من نكول، ورد يمين، وغير ذلك) الطرق الحكمية (116) ، لذا ينبغي على الجميع خاصة في هذا الزمان أن يجتهدوا في حفظ حقهم بالوسائل المتيسرة.
والله- تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.