الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين الورع والتكلف المذموم
!
المجيب د. سليمان بن قاسم العيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/الورع
التاريخ 02/11/1426هـ
السؤال
ما الفرق بين الورع والتكلف المذموم شرعاً؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالورع: هو اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات، وقيل: هو ملازمة الأعمال الجميلة، وقيل: ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وأصله قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" أخرجه البخاري (52) ، ومسلم (1599) . وهو مندوب إليه، ومنه الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان، فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أم حرام فالورع الترك. وإن اختلفوا هل هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب، وإن اختلفوا هل هو مندوب أو حرام فالورع الترك، وإن اختلفوا هل هو مكروه أو واجب فالورع الفعل.. وعلى هذا المنوال.
وأما إذا اختلفوا بالوجوب والتحريم فلا ورع، أو الندب والكراهة فلا ورع؛ لتساوي الإقدام والإحجام.
أما التكلف فهو تجاوز الحد في الورع، وذلك بترك أمر مباح لم تتطرق إليه شبهة تحريم أو نحوه، وذلك خوفاً من ورود الشبهة فيه، أو حصول الإثم به، أما إذا ترك المباح من غير اعتقاد شبهة أو خوف إثم فهذا من الزهد الممدوح أيضاً، فهناك فرق بين الورع والزهد والتكلف، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم.
وبناء على ذلك فالتوبة عن الربا لها مرتبتان: أدناهما مجرد الانتهاء عن الربا، وهي التي وردت في قوله تعالى:"فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى"، ولم يقل: تاب. فهذا الانتهاء يغفر به الله ما مضى، كما سبقت الإشارة إليه، لكن هذه المغفرة مشروطة بعدم الوقوع في الربا مرة أخرى. ولهذا قال تعالى في الآية:"وأمره إلى الله" أي والله أعلم: أمره مرهون بعدم رجوعه للربا مرة أخرى. فإن ثبت على الانتهاء ثبتت المغفرة، وإن عاد أخذ بالأول والآخر كما جاء بذلك الحديث.
والمرتبة العليا هي التوبة النصوح، وهذه تتضمن فوق الانتهاء الاقتصار على رأس المال وعدم الاحتفاظ بالزيادة. لكن هذه المرتبة ليست واجبة ولذلك لم يرد الأمر بها، بل اقتصر على التنويه بها في قوله تعالى:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم"، لكن لم يأمر بذلك، بل اقتصر على الأمر بترك ما بقي. وعلى ذلك فالاقتصار على رأس المال فضيلة لكنه ليس واجباً إذا تحقق الانتهاء، والحد الأدنى من التوبة الذي أمرت به النصوص صراحة هو ترك ما بقي.
وعلى كلا القولين في الجمع بين الآيتين فإن ما بقي من الربا محرم ولا يجوز أخذه، وأما ما مضى فلا يحرم الاحتفاظ به بعد الانتهاء. وإنما الكلام هل يستحب له التخلص مما زاد عن ذلك.