الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دار الحرب
المجيب خالد بن عبد الله البشر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 9/2/1425هـ
السؤال
أريد أن أعرف شيئاً عن أحكام دار الحرب، وما هي بعض الكتب التي فصلت في هذا الأمر؟ وهل تعتبر أمريكا دار حرب؟. جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قبل البدء لا بد من تأسيس أصلين يقوم عليهما الجواب:
الأول: أن وصف (الإسلام) من جهة و (الكفر) من جهة أخرى أوصاف شرعية اختص الله بحكمها، دون غيره من خلقه، فليس لأحد من الناس أن يدخل في (الإسلام) إلاّ من أدخله الله، ولا يخرجه منه إلاّ من أخرجه الله. وكذلك الكفر لا يَدخلُ فيه إلَاّ من أدخله الله. وإذا كان هذا في الأشخاص، فكذلك في الأراضي والبقاع، فإما (دار إسلام) ، وإما (دار كفر) ، ولا دار غيرهما كما نصَّ عليه الفقهاء (أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/366)(الآداب الشرعية لابن مفلح 1/190) .فإذا تقرر ذلك فليس لأحد من الناس أن يُنزِّل أحد الحُكْمين (الإسلام) أو (الكفر) على شخص أو أرض إلَاّ إذا توفرت شروطهما، وانتفت موانعهما (أي الإسلام أو الكفر) .
الثاني: أن أحكام سياسة الأمة وتدبيرها في شؤونها الداخلية والخارجية، كإعلان الجهاد وإبرام المعاهدات، المخاطب في ذلك هم: أولو أمر المسلمين من: العلماء والأمراء، وليس لآحادهم، فاعتبار تلك البقعة (دار إسلام) أو (دار كفر) يقضي به أولو أمر المسلمين وليس لآحادهم.
ومصطلح (الدار) مصطلح إسلامي يقابله في الوقت الحاضر مصطلح (الدولة) .وكانت مكة قبل فتح النبي صلى عليه وسلم (دار كفر)، والمدينة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم (دار إسلام) وقال تعالى:" والذين تبوؤا الدار والإيمان
…
" الآية. والدار أي: المدينة. أما تعريف دار الإسلام عند عامة الفقهاء فهي: البلاد التي تكون فيها الغلبة والسلطة للحاكم المسلم، وتظهر فيها أحكام الإسلام في الحاكم والمحكومين، بغض النظر عن أكثرية سكانها.
ودار الكفر: هي البلاد التي تكون فيها الغلبة والسلطة للحاكم الكافر، وتظهر فيها أحكام الكفر في الحاكم والمحكومين، بغض النظر عن أكثرية سكانها. و (دار الكفر) و (دار الحرب) عند الفقهاء بمعنى واحد، أما كونها (دار كفر) فلأن الغلبة والسلطة للكافر. وأما كونها (دار حرب) فهو بالنسبة لمآلها، وتوقع الحرب منها، حتى ولولم تكن هناك حرب فعلية مع (دار الإسلام) . وهذا الأصل في (دار الكفر) أنها (دار حرب) ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق؛ فإن ارتبطت فتصبح بعد ذلك (دار كفر معاهدة)، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيِّر من حقيقة دار الكفر. ويحسن التنبيه ههنا: أن تعريف (دار الكفر) هو للدار الأصلية التي لم يسبقها إسلام، وليست المتحولة من (دار الإسلام) ، فلينتبه له!.
أما أمريكا هل هي (دار حرب أم لا) ؟ الجواب: تأسيساً على ما سبق فالجواب فيه تفصيل:
أما بالنسبة لمن دخلها من المسلمين بتأشيرة دخول (الفيزا) فهذا عهد وميثاق يجب الوفاء به، ولا يحل لأحد دخلها من المسلمين أن ينقض العهد والميثاق حتى ولو كانت دولة الداخل إليها في حرب معها؛ قال الله تعالى:" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا " الإسراء: آية 34.-
أما الدول الإسلامية التي دخلت في عهود ومواثيق مع أمريكا، تتضمن عدم الاعتداء من الطرفين؛ فيجب الوفاء بها، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيّر من حقيقة (دار الكفر) من حيث الأحكام المتعلقة بها من: وجوب الهجرة منها، وحرمة البقاء فيها لغير ما ضرورة تستوجب ذلك من: الدعوة إلى الله، وتعلم علمٍ يحتاج إليه المسلمون، أو تطبب لا يُنال في بلاد الإسلام
…
وغيرها من الضرورات.
وأنبه إلى أن اختلاف الدارين (دار الإسلام ودار الكفر) لا يُغيّر من أحكام الله شيئاً فما كان محرماً في دار الإسلام: كالأنفس والأعراض والأموال المعصومة بالإسلام أو العهد والمحرمات: الربا والزنى والسرقة
…
وغيرها من المحرمات فهو محرم في دار الكفر قال الشافعي رحمه الله: " ومما يوافق التنزيل والسنة، ويعقله المسلمون، ويجتمعون عليه: أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر، والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر، فمن أصاب حراماً فقد حدَّه الله على ما شاء، ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً ". (الأم 4/165) .وقال أيضاً:" لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجبه الله على خلقه من الحدود ". (الأم 7/354) .وقال الشوكاني رحمه الله: " إن دار الحرب ليست ناسخة للأحكام الشرعية أو بعضها ". (السيل الجرار 4/552) وأما الكتب التي تناولت هذا الموضوع فمنها: (مجموعة بحوث) للدكتور عبد الكريم زيدان، و (اختلاف الدارين) لإسماعيل فطاني، و (الاستعانة بغير المسلمين) للدكتور عبد الله الطريقي، و (تقسيم الدار في الفقه الإسلامي) لأخيك المجيب. عصمنا الله وإياكم من الزلل في القول والعمل. آمين.