الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
أ - التعريف بالكتاب
كتاب فتح الشكور، في معرفة أعيان علماء التكرور ذو أهمية بالغة في تاريخ الثقافة العربية في مكان وزمان معين لا يكاد المختصون يعرفون عنهما إلا قليلا، وبذلك يسد فراغا كبيرا في المكتبة العربية فهو يشتمل على مائتي ترجمة لعلماء عاشوا في هذه المنطقة مدة تقرب من مائة وستين سنة (1056 - 1215 - هـ/1650 - 1800 م).
يتضمن كثير من هذه التراجم تاريخ مولد المترجم، وأحيانا بتعيين اليوم والساعة، ومكان ولادته وتاريخ وفاته وتسمية أشياخه وما درسه عليهم من كتب وعلوم، وأحيانا أسانيده عنهم إلى مؤلفي هذه الكتب، وما درسه هو لطبته، وتسمية بعض من أخذوا عنه، ورحلته إن كانت له رحلة، وأسماء مؤلفاته إن كان مؤلفا، والوظائف التي تولاها من إمامة وقضاء وإفتاء، وصفاته الفاضلة من زهد وتقوى وصلاح واعتناء بالعلم وحرص على التعليم واهتمام بجمع الكتب إن كان له اعتناء بذلك وما أشبهه.
هكذا تقدم هذه التراجم معلومات قيمة للباحثين عن مراكز الدراسة وموضوعاتها وكتب الدراسة وصلة المشيخة والتلمذة بين الأجيال، والتأثر
والتأثير بين مراكز الثقافة العربية المختلفة في هذه المرحلة، وأسماء كتب التراث العربي التي كانت موجودة في المنطقة والتي كان أهل العلم يستفيدون منها إذ ذاك، وأسماء مؤلفات علماء التكرور التي ساهموا بها في المحصول الضخم للمؤلفات العربية عبر القرون المتعاقبة في مختلف أقاليم آسيا وإفريقيا وأوروبا، والتي تتظافر جهود الباحثين منذ أجيال لمحاولة إحصائها والتعرف عليها وعلى مراكزها في العالم.
وإذا كانت الملاحظة العامة التي يخرج بها قارئ هذه التراجم هي أن أصحابها - في الأغلب الأعم - كانوا مرددين لما قاله من قبلهم حيث انحصرت معلوماتهم في المتون والشروح والحواشي والتعاليق، وكذلك كان إنتاجهم، فإن الذنب في ذلك كان ذنب العصر الذي اتسمت الثقافة العربية فيه في المشرق والمغرب على السواء بالجمود والركود والتقليد وتكرار ما قيل من قبل. على أنه يجب ألا ننسى فضل هؤلاء المقلدين المرددين لما قيل من قبل في مساهمتهم في مناطق نائية ومنعزلة عن مراكز الثقافة العربية الكبرى بفاس وتونس والقاهرة، حيث لم يستطع الاتصال بهذه المناطق من المترجمين في الكتاب إلا أفراد معدودون.
ولم يستفد من هذا المصدر القيم: لا كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي وذيله بالألمانية، ولا إسماعيل باشا البغدادي في أي من كتابيه إيضاح المكنون، في الذيل على كشف الظنون، وهدية العارفين، إلى أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، ولا صاحب فرس الفهارس - مع ما كان له من إطلاع واسع في هذا المجال -، ولا القاضي عباس بن إبراهيم المراكشي في الإعلام، بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، ولا صديقنا المرحوم خير الدين الزركلي في الأعلام، وفي آخر لقاء لي معه ببيروت حدثته عن فتح الشكور، فقال لي رحمه الله: ذلك عالم لا نكاد نعرف عنه شيئا؛ ولا رضا كحالة في معجم المؤلفين. ولا الدكتور حسن أحمد محمود في كتابه الحافل الثقافة العربية في إفريقيا. كما لا نعرف أحدا من
المؤلفين المغاربة اطلع عليه أو أشار إليه، بما فيهم المؤلفون الصحراويون أو مؤلفو غرب إفريقيا فيما وصل إلينا من مؤلفاتهم العديدة وإذا كان صاحب الوسيط في أدباء شنجيط قد ذكر بعض المترجمين في فتح الشكور، فإن اهتمامه من الدرجة الأولى كان بالأدباء بينما اهتمام الفتح بالعلماء.
وفي خريف سنة 1964 اطلعت - صدفة، - على العدد الأول من مجلة البحوث وهي فصليّة يصدرها بالانجليزية وقليل من العربية مركز تقييد المخطوطات العربية بمركز الدراسات الإفريقية بجامعة أبادن (نيجريا) وإذا بي أعثر على حديث قصير بالانجليزية عن مخطوط فتح الشكور بقلم الأستاذ الانجليزي المسلم، ج. أوهنويك الذي سمى نفسه بعد إسلامه عبد الرزاق هنويك، سكرتير مركز البحوث. وذكر في هذا المقال: أن الكتاب يعتبر ذيلا على كل من كتاب نيل الإبتهاج لأحمد بابا، وكتاب تاريخ السودان للسعدي، وأنه توجد منه مخطوطتان: إحداهما في مكتبة المعهد الفرنسي بباريس تحت رقم والأخرى في مكتبة الشيخ المختار. ولد حامدون بنواق الشط (موريطانيا) وأن معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن حصل على شريطين مصورين عن النسختين، ثم أورد في آخر العدد فهرسا بالعربية في 17 صفحة يتضمن أسماء ووفيات المترجمين في الكتاب. وقد تبين لي من قراءة هذا الفهرس الأهمية البالغة لهذا المخطوط في موضوعه، خصوصا فيما يتعلق بالصلات المغربية الصحراوية في المرحلة التي يؤرخ لها، وعلى الأخص بين المراكز الثقافية في الصحراء ومراكز كل من فاس ومراكش وسوس، وهي المراكز التي قامت بدور فعال في نشر الثقافة الإسلامية العربية في الصحراء وجنوبها، وطبعت ثقافتها بالطابع المغربي الصميم، كما هو معلوم، وكما تحدث عن ذلك بموضوعية وتفصيل ونزاهة وإنصاف العلامة المصري الكبير الدكتور حسن أحمد محمود في كتابه الحافل الإسلام والثقافة العربية
في إفريقيا، القاهرة 1958، مكتبة النهضة المصرية ج أول، ص 489، وسنة 1963 دار النهضة العربية ص 516.
ولا أحصي كم بذلت خلال عدة سنوات من جهود مضنية للحصول على صورة للمخطوط لا فائدة من سردها هنا، وعندما نجحت في الحصول على شريط مفكك الأوصال عن مصور معهد لندرة، تبين لي بعد إخرجه على الورق أنه تنقصه كثير من الأوراق في محلات كثيرة، إلى جانب عدم إمكان ترتيب الموجود من أوراقه مع بعضها، لانعدام وجود ما يسميه الوراقون المغاربة بالرقاص، وهو الكلمة الأخيرة في الصفحة والتي تعاد في أوائل الصفحة الموالية.
ثم عندما حصلت على مصورة من مخطوط المعهد الفرنسي وجدت أن ناسخها أسقط من أثنائها ما يوازي 34 ورقة من مخطوطة نواق الشط، وهو نحو ثلث الكتاب.
وعندما عين الصديق الأستاذ قاسم الزهيري سفيرا للمغرب في نواق الشط زارني مودعا وسألني عما إذا كان لي غرض هناك، فحدثته بقصه فتح الشكور، فما عاد للمغرب إلا وهو يحمل - شكر الله له - مخطوطة الكتاب التي صور عنها شريط معهد لندن، وإذا بها ناقصة من أولها وآخرها وإذا بها قد ضاع منها أوراق كانت موجودة بها عند تصوير الشريط.
وهكذا تمكنت من إتمام مخطوطة الشيخ المختار ولد حامدون بإضافة ما ينقصها من الأول والأخير من مخطوطة المعهد الفرنسي وبإضافة الأوراق التي ضاعت منها بعد تصوير الشريط.
وعندما كان الأخ الدكتور محمد حجي يحضر أطروحة لنيل دكتوراه الدولة عن الحياة الثقافية في المغرب السعدي أعرته الكتاب ليستفيد منه في بحثه واتفقنا على التعاون على تحقيقه ونشره.
والتقيت في مؤتمر اتحاد كتاب المغرب العربي في طرابلس الغرب