الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة المؤلف
بقلم أحد تلاميذه
هو محمد عبد الله (بن أبي بكر الصديق بن عبد الله)
(1)
بن محمد ابن الطالب علي بنّان
(2)
البرتلي، عرف بالطالب محمد بن أبي بكر الصديق.
وهو الإمام المشهور العلامة الحجة الحافظ المطلع المحقق الكبير الثقة الثبت الفقيه النظار المجتهد المصنف التقي النقي الصالح الزاهد الورع البركة الخاشع الأواب المفسر المحدث الحافظ المسند الرواية (كذا) الأصولي الفروعي الأستاذ المقرئ المجود النحوي اللغوي البياني العروضي المتفنن الصوفي المتخلق ولي الله تعالى العارف به الأوحد الآخذ من كل فن أوفر نصيب، الراتع من كل علم مرعى خصيب، المفتي الشهير السني سني الراحة، آخر السادات (كذا) الاعلام، سليل أكابر الأفضال، الآخذ من المنقول والمعقول والحقيقة البديعة، والأبحاث الأنيقة الغريبة، المتفق على علمه وصلاحه وهديه، ممن قل سماح الزمان بمثله. من الأفراد العلية في فنون الشرع وصلاح الأحوال، شيخ الإسلام الذي له القدم الراسخ والرحب الواسع في كل مشكل، حامل لواء السنة
(1)
ما بين قوسين ساقط من ج. وبالمقارنة مع ما كرره كاتب الترجمة بعد نحو 15 سطرا يظهر أنه سقطت كلمة «أبو» قبل عبد الله المكرر في السطر الأول، وبذلك يكون المؤلف هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الصديق بن أبي عبد الله محمد الخ.
(2)
في أوب: قبان، ويظهر أنه تصحيف.
ومدحض البدعة، ذو الكرامات والاستقامات سيف الله على ذوي البدع، ممن عظمت بركة الله على خلقه، معدن الصدق والعلم، وزناد الفهم، وكيمياء السعادة، وكنز الإفادة، شيخنا أبو عبد الله الطالب محمد
(3)
بن الشيخ العابد أبي بكر الصديق ابن الشيخ الصالح الزاهد محمد بن الولي التقي النقي الطالب علي بنّان رحمهم الله تعالى. وكان رحمه الله تعالى كثير الورع جدا، وله خصائل وتواليف عديدة، جعل على صغرى السنوسي شراحا الثاني والرابع (كذا) قبل وفاته ومنعه القدر وإنا لله وإنا إليه راجعون. وله شرح على أسماء الله تعالى الحسنى، وله شرح على السلّم، ونسب الشرفاء ذرية مولاي الشريف، وتأليف في تراجم علماء التكرور، وتأليف في علم السر، وتأليف في علم التاريخ. وله أنظام كثيرة، منها نظمه في ندب السواك. وفوائده أيضا وتصانيفه كثيرة، لا يعرفها إلا من أحاط بكتبه، لأنه ممن دفن وجوده في أرض الخمول.
أخذ التوحيد عن الشيخ العارف بالله الطالب أحمد بن عمر بن الوافي المحضري، والرسالة عن شيخ أشياخنا الطالب الأمين بن الطالب الحبيب الحرشي، وخليل عن الفقيه السيد الحسن بن الطالب أحمد بن علي دكان البرتلي، وألفية ابن مالك عن الإمام عمر مم المحجوبي. ولا أدري الأفضل مع أن كلا منهما (إمام) مسجد ودخلة أمن (كذا) وأخذ غير هذه التواليف عن غير هؤلاء الأفاضل، مع أنه لا يرد لوحا رحمه الله تعالى.
وكان معتكفا على الطاعة في حركاته وسكناته. وكان أبغض الخلق إليه من يشغله، ومن ذلك دخل عليه بعض تلاميذه يوما فوجده مشتغلا في غير الصلاة، فقال يا شيخنا قد أتى الخبر اليوم عن قبيلتين من المغافرة اقتتلا فغلبت إحداهما الأخرى، وكانت المغلوبة أضر لنا من الغالبة. فقال الشيخ يا ليت كلاهما قتلت من الأخرى مائتين. فقال له يا شيخي: ألم تعلم أن الفلانية أضر لنا، فقال الشيخ اصمت عني شغلتني. ومن ذلك
(3)
في بعض المخطوطات أقحمت كلمة «ابن» بين الطالب ومحمد.
أهدى له رجل بقرة فأتاه بعد ذلك يكتب له حكما في خصومة أو مثلها، فقال له الشيخ: أنت أحسنت إلي، ولكن إن كنت تريد بإحسانك إلي شغلي عما هو أنفع لي من هذا، فخذ بقرتك عني. وكان يحب أشياخه جميعا ويعظمهم ويمدحهم إذا ذكر عنده أحد من أهل الكرامات يقول هو:
حسبي بشيخي فلان. وكانت التلاميذ إذا أرادوا أن يشغلوه عن تفسير أحدهم، سأله أحدهم بصوت خفي فيبلغه التلاميذ بقولهم، قال فلان أحقا أن شيخك فلانا يعرف بعض الفن الفلاني، فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ويضع الورقات من يده، وتارة يعطيهن لأحد، فيلتفت مسرعا يقول: من هذا؟ ما أحمقه! فإن شيخي فلانا يعرف كذا وكذا، وجعل يمدحه حتى يمكث ساعة من النهار. ومن ورعه كان لا يفسر إلا في الكتاب. وكان ذات يوم يفسر لأحد التلاميذ فسأله عن كلمة فلم يجاوبه، فسأله أيضا وهو ينظر الكتاب، ثم أعاد السؤال، قال الشيخ: دعني لم أرها في كتاب. وكان ذا جاه مهابا مطاعا. كان إذا خرج من المسجد لا يمر بقوم إلا قاموا بوجهه ليضعوا أيديهم على رأسه. وكان لا يصلي في المسجد إلا الظهر والعصر والعشاء لأن المغرب والصبح كثيرا ما تخلف فيهما الناس. وكان يؤذن، وأذانه هو آخر الأذان. قيل له في ذلك، قال غرضي من كان عازما على الصلاة في المسجد، إذا سمع أذاني علم أن الصلاة حانت فينهض مسرعا. وكان كثير الورع والإعراض عن الدنيا، لأنه كان لا يدخر شيئا لغد، وتأتيه الهدايا من كل جهة فيستريح منها حين إتيانها ولا يلتفت إليها. وكانت همته الكتب وكان منظرا لها، حتى حكى أنه كان يوما مع أصحابه يتحدثون إلى أن بلغوا نعيم، فكلهم قال منيتي كذا وكذا، فقال هو منيتي كثير من الكتب، فأكون بينهم تارة أنظر وتارة أقرا. وكان ورعا جميل الخلق، فقد أخذ من خلقه صلى الله عليه وسلم، دائم البشر متواصل الأحزان، وكان كثير الصمت مستعملا قوله تعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} الآية. وكان مطاعا إذا أمر بشيء لا
يفعل إلا ما قال. وكان يدخل السرور على المذنبين ويدعو في كل ساعة وحين، وكان إذا حبس الممطر وذهب الناس لصلاة الاستسقاء، سمعته يوما يقول: لن تزالوا بخير ما دمتم على بعض سنته صلى الله عليه وسلم. حدثني بعض التلاميذ أنه كان ينام معه شهورا فقال: ينام أول الليل ويستيقظ جوفه، ومن ثم لا ينام إلى الصبح. فقال لي: قمت ليلة فوجدته مضطجعا في لحافه أحسب أنه نائم، فلما أصغيت سمعي له سمعته يذكر الله بقلب حزين مع التدبر، وكان فعله ديمة، لأنه يقرأ كل يوم من القرآن ربع حزب ثلاث مرات الأولى في مصحف. صحيح، والثانية في مصحف مهبط
(4)
، والثالثة يقرؤه في رأسه. وكان لا تاخذه في الله لومة لائم، وإذا عزم توكل، وإذا حدّث صدق، وإذا عاهد وفى، وإذا غضب عفا، وإذا خاطبة الجاهل قال سلاما. وممن قال الله تعالى فيهم في كتابه العزيز {وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} الآيات. وكان ورعا يبغض أعداء الله ويحب أولياءه، وقد قص قصته مع اليهوديين اللذين أتيا مع الشريف مولاي الحسن بن مولاي عبد القادر إمامي، وهي أنه لما رأى اليهوديين أبغضهما حق البغض، وأتى الشريف المذكور فقال له: خذ العشر من صاحبي الشيطان الذي عندك! قال إنهما ضيفاي، فقال له الشيخ: إن لم تأخذه منهما أغريت عليهما أحدا من المغافرة، فأقول له إنه أحلّ عليك من لبن أمك. فقبل الشريف أن يأخذه بنفسه، ولكن قال للشيخ: أحضرني لآخذ منهما ما قلت، قال الشيخ: نعم وأحل، والله ما أحب علي منهما شيء. فلما كان الغد أتى الشيخ ومعه رجلان من عشيرته، فعشّروا مال اليهوديين كلّه، فأعطوا عشره للشريف. فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أتى أحد اليهوديين للشيخ بجزية، فلما بلغ الدار أرسل إلى الشيخ رسولا فأتاه الشيخ يحسب أنه غيره. فلما رآه عبس في وجهه، قال: ما أتى بك يا
(4)
لعله يقصد الهبطي إمام القراء وهو صاحب وقف القرآن.
ذمي؟ قال له اليهودي: أريد أن أقول لك شيئا. فلما أراد اليهودي الدخول إلى البيت، قال الشيخ له: إليك إليك! لا تدخل! فخرج إليه الشيخ مسرعا خيفة أن يدخل، فأجلسه في قدم الطريق، قيل له في ذلك، قال غرضي أن يؤذوه الناس بمرورهم لعلهم يطؤون ثيابه ويمزقوها. فلما اطمأنّ اليهودي في الأرض، كشف له عن هدية كبيرة.
فلما رآها الشيخ قال: لا أقبل هديتك. قال اليهودي: أريد بها وجه الله، قال: لا أقبلها لأن القلوب جلبت على حب من أحسن إليها، وأحذر على نفسي من أن تحب عدوا لله ورسوله، فذهب اليهودي منكسر الرأس خائبا لا يساوي نقيرا ولا قطميرا. وكان كثير الورع، وكان يحب أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذ يعدّ نعم الله عدّ من أعظمهم (كذا) عنده مجاورته لأبناء النبي صلى الله عليه وسلم. وكان إذا أخذ يد أحدهم يطأطئ لها ليقبلها مرة بعد مرة حتى لا يكاد يرسلها. ومن ذلك رأيته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى دخل عليه شريف من جاره، فلما رآه وهو حينئذ منع من الكلام، وأظن أنه في الاحتضار، أراد أن يقوم فلم يقدر، فأشار إلى الشريف أن يعطيه يده فأخذها وهو يرتعد من شدة ما هو فيه، فلم يزل يقبلها حتى عجز.
وكان كثير الورع كثير الحياء دائم الفكرة. ومن دعائه لنا إذا طلب أحدنا منه الدعاء: رزقك الله العلم والتقى. وكان يعبر الأحلام تعبيرا لا يتخلف في الغالب. وكان شيخا في السر والعلانية، يعطي ورد شيخنا وسيدنا مولاي عبد المالك بن مولاي عبد الله الركاني. وكان نابذا للدنيا وراء ظهره كما قدمنا، لأنه كان ما يأخذ منها إلاّ ما يجعله في الكتب. حدثني بعض التلاميذ أنه قد جاءه رجل من عشيرته يوما فأخبره بناقة له في البادية أصابها من الزكاة، فجعل الرجل يشتريها، فأعطاه ثمنا قليلا بخسا في الناقة، وهي حينئذ لا يؤخذ مثلها إلا بكثير من المال، فرضي الشيخ. قال له تلميذه ألم تعلم أن مثلها ثمنه كذا وكذا؟ قال الشيخ: يا بني! قال صلى الله عليه وسلم:
عليك بالسّوم الأوّل الحديث. وكان يهدي له من لا يعرف في أي جهة ما هو وما نسبه. نعم كررت الورع لأنه سيد العمل، وإني ما رأيت أحدا
أورع منه قط. وكانت عبادته كلها خفية. وقال صلى الله عليه وسلم: من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها. وقال تعالى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} .
ولله درّ من قال.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
…
ولو خالها تخفى على النّاس تعلم
وكان يخفي أمره عن كل حاف ومنتعل، ولا يذكر منه إلا ما أتى منه بغتة، كما حدثني به بعضهم أنه كان عنده ذات يوم أو ليلة، إذ ذكر عنده بعض أصحابه، فجعل يمدحه ويذم نفسه إلى أن قال: إنه أهم بشيء يأتيه وإنما كلما سألته أو أتيته (كذا) وكان يقول في بداية كل أمر خير:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان لا يحب من الطعام والشراب إلا اللبن، لأنه صلى الله عليه وسلم اختار الفطرة. وكان كثير التبارك، حدثني بعض أصحابه أنه كان يقرأ معه ليلة عند النار إذا بعود من القضا، فتعجب من صحة العود، فقال الشيخ ما شاء الله لا قوة إلا بالله، قال له في ذلك، فقال أخاف أن يطير من العود شيء فيضر أحدنا. وكان إذا كتب ورقة نظرها وقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وهذا كله في حالة شيخوخته، فما ظنك بحالة شبابه.
وحاصل ما ذكرت عن بعض بعض البعض من مناقبه لا يبلغ نصف الساق مما لم أذكره، وبالله تعالى التوفيق. ولد عام أربعين ومائة ألف، وتوفي يوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة، عام تسعة عشر ومائتين وألف، غفر الله له ونور ضريحه، وجعل الرحيق المختوم شرابه. وقد كنت قلت عليه قطعة، وهي هذه، والضمير في كنت وقلت لصاحب الترجمة الشيخ ابن الطالب الصغير فقال:
ألا عم ضريحا أيّها الذاهب الحبر
…
ويا من به تزهي النخيل وتثمر
دعاك إله الخلق للخير كلّه
…
فيا سعد من بقرب قبرك يقبر
لأنّك مقبول الشفاعة في الدّعا
…
جزاؤك دار الخلد فيها تبشّر
فكنت نهارا تبصر الناس كلّها
…
إذا الشمس غابت والكواكب تظهر
وكنت بروقا لا معات فصوبها
…
يسرّ به من كان في الأرض يحفر
وكنت تباري البحر والبحر زاخر
…
فعيناك صون ابن السبيل تحرّر
سقاك سقاك الله بدءا وعودة
…
سحائب غفران بقبرك تمطر
وثمّ صلاة الله ثمّ سلامه
…
عديد الحصى والرّمل ثمّ الجواهر
وعدّ الذي يحويه علم إلهنا
…
على السّيّد المختار وهو المبشّر