الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 14 إِلَى 16]
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)
اسْتِدْلَالٌ بِحَالَةٍ أُخْرَى مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي نِظَامِ الْمَوْجُودَاتِ وَجَعَلَهَا مَنْشَأً شَبِيهًا بِحَيَاةٍ بَعْدَ شَبِيهٍ بِمَوْتٍ أَوِ اقْتِرَابٍ مِنْهُ وَمَنْشَأَ تَخَلُّقِ مَوْجُودَاتٍ مِنْ ذَرَّاتٍ دَقِيقَةٍ. وَتِلْكَ حَالَةُ إِنْزَالِ مَاءِ الْمَطَرِ مِنَ الْأَسْحِبَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَتُنْبِتُ الْأَرْضُ بِهِ سَنَابِلَ حَبٍّ وَشَجَرًا، وَكَلَأً، وَتِلْكَ كُلُّهَا فِيهَا حَيَاةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَهِيَ حَيَاةُ النَّمَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلنَّاسِ عَلَى تَصَوُّرِ حَالَةِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِدَلِيلٍ مِنَ التَّقْرِيبِ الدَّالِّ عَلَى إِمْكَانِهِ حَتَّى تَضْمَحِلَّ مِنْ نُفُوسِ الْمُكَابِرِينَ شُبَهُ إِحَالَةِ الْبَعْثِ.
وَهَذَا الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ هُنَا قَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ [ق: 9- 11] فَفِي الْآيَةِ استدلالان: اسْتِدْلَال بِإِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّحَابِ، وَاسْتِدْلَالٌ بِالْإِنْبَاتِ، وَفِي هَذَا أَيْضًا مِنَّةٌ على المعرضين عَن النَّظَرِ فِي دَلَائِلِ صُنْعِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ دَوَاعٍ لِشُكْرِ الْمُنْعِمِ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَنَافِعَ لِلنَّاسِ مِنْ رِزْقِهِمْ وَرِزْقِ أَنْعَامِهِمْ، وَمِنْ تَنَعُّمِهِمْ وَجَمَالِ مَرَائِيهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ شَكَرُوا الْمُنْعِمَ بهَا لكانوا عِنْد مَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ مُسْتَعِدِّينَ لِلنَّظَرِ، بِتَوَقُّعِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ الْبَالِغَةُ إِلَيْهِمْ صَادِقَةَ الْعَزْوِ إِلَى اللَّهِ فَمَا خَفِيَتْ عَنْهُمُ الدِّلَالَةُ.
وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنْ ذِكْرِ السَّمَاوَاتِ إِلَى ذِكْرِ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ قَوِيَّةٌ.
وَالْمُعْصِرَاتُ: بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ السَّحَابَاتُ الَّتِي تَحْمِلُ مَاءَ الْمَطَرِ وَاحِدَتُهَا مُعْصِرَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ: أَعْصَرَتِ السَّحَابَةُ، إِذَا آنَ لَهَا أَنْ تَعْصِرَ، أَيْ تُنْزِلَ إِنْزَالًا شَبِيهًا بِالْعَصْرِ. فَهَمْزَةُ (أَعْصَرَ) تُفِيدُ مَعْنَى الْحَيْنُونَةِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَوْجُودٌ وَتُسَمَّى هَمْزَةَ التَّهْيِئَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَجَزَّ الزَّرْعُ، إِذَا حَانَ لَهُ أَنْ يُجَزَّ (بِزَايٍ فِي آخِرِهِ) وَأَحْصَدَ إِذَا حَانَ وَقْتُ حَصَادِهِ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» أَنَّ هَمْزَةَ الْحَيْنُونَةِ تُفِيدُ مَعْنَى التَّهَيُّؤِ لِقَبُولِ الْفِعْلِ وَتُفِيدُ مَعْنَى التَّهَيُّؤِ لِإِصْدَارِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ
ذَكَرَ: أَعْصَرَتِ الْجَارِيَةُ، أَيْ حَانَ وَقْتُ أَنْ تَصِيرَ تَحِيضُ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي «أَدَبِ الْكَاتِبِ» : أَرْكَبَ الْمُهْرُ، إِذَا حَانَ أَنْ يُرْكَبَ، وَأَقْطَفَ الْكَرْمُ، إِذَا حَانَ أَنْ يُقْطَفَ. ثُمَّ ذَكَرَ: أَقْطَفَ الْقَوْمُ: حَانَ أَنْ يَقْطِفُوا كُرُومَهُمْ، وَأَنْتَجَتِ الْخَيْلُ: حَانَ وَقْتُ نِتَاجِهَا.
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ النُّورِ [43]، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا جَعَلَ السَّحَابَ رُكَامًا جَاءَ بِالرِّيحِ عَصَرَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَيَخْرُجُ الْوَدْقُ مِنْهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً وَمِنْ
ذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانٍ:
كِلْتَاهُمَا حَلَبَ الْعَصِيرَ فَعَاطَنِي
…
بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ
أَرَادَ حَسَّانُ الْخَمْرَ وَالْمَاءَ الَّذِي مُزِجَتْ بِهِ، أَيْ هَذِهِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَهَذِهِ مِنْ عَصِيرِ السَّحَابِ، فَسَّرَ هَذَا التَّفْسِيرَ قَاضِي الْبَصْرَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ (1) لِلْقَوْمِ الَّذِينَ حَلَفَ صَاحِبُهُمْ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ عَنْ تَفْسِيرِ بَيْتِ حَسَّانٍ اهـ.
وَالثَّجَّاجُ: الْمُنْصَبُّ بِقُوَّةٍ وَهُوَ فَعَّالٌ مِنْ ثَجَّ الْقَاصِرُ إِذَا انْصَبَّ، يُقَالُ: ثَجَّ الْمَاءُ، إِذَا انْصَبَّ بِقُوَّةٍ، فَهُوَ فِعْلٌ قَاصِرٌ. وَقَدْ يُسْنَدُ الثَّجُّ إِلَى السَّحَابِ، يُقَالُ: ثَجَّ السَّحَابُ يَثُجُّ بِضَمِّ الثَّاءِ، إِذَا صَبَّ الْمَاءَ، فَهُوَ حِينَئِذٍ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ.
وَوَصْفُ الْمَاءِ هُنَا بِالثَّجَّاجِ لِلِامْتِنَانِ.
وَقَدْ بُيِّنَتْ حِكْمَةُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ مِنَ السَّحَابِ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لِإِنْبَاتِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ جَمْعًا بَيْنَ الِامْتِنَانِ وَالْإِيمَاءِ إِلَى دَلِيلِ تَقْرِيبِ الْبَعْثِ لِيَحْصُلَ إِقْرَارُهُمْ بِالْبَعْثِ وَشُكْرُ الصَّانِعِ.
وَجِيءَ بِفِعْلِ لِنُخْرِجَ دُونَ نَحْوِ: لِنُنْبِتَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِيمَاءُ إِلَى تَصْوِيرِ كَيْفِيَّةِ بَعْثِ النَّاسِ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ ذَلِكَ الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ مِنْ آيَةِ سُورَةِ (ق) هُوَ الِامْتِنَانَ جِيءَ بِفِعْلِ «أَنْبَتْنَا» فِي قَوْلِهِ:
(1) ولي قَضَاء الْبَصْرَة سنة 158 وعزل سنة 165 وَتُوفِّي سنة 168. وَهُوَ الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ القَوْل بِأَن الْمُجْتَهد لَا يَأْثَم وَلَو فِي أصُول الدَّين إِذا لم يخرج بِاجْتِهَادِهِ عَن الْإِسْلَام.
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ [ق: 9] الْآيَةَ. ثُمَّ أُتْبِعَ ثَانِيًا بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ الْخُرُوجُ [ق: 11] . وَالْبَعْثُ خُرُوجٌ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى فِي سُورَةِ طه [55] .
وَالْحَبُّ: اسْمُ جَمْعِ حَبَّةٍ وَهِيَ الْبَرْزَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْحَبِّ هُنَا: الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ لِلنَّاسِ مِثْلَ: الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالسُّلْتِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَالْقُطْنِيَّةِ، وَهِيَ الْحُبُوبُ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ السَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا.
وَالنَّبَاتُ أَصْلُهُ اسْمُ مَصْدَرِ نَبَتَ الزَّرْعُ، قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: 17] وَأُطْلِقَ النَّبَات على النَّبَاتُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْفَاعِلِ وَأَصْلُهُ الْمُبَالَغَةُ ثُمَّ شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فَنُسِيَتِ الْمُبَالَغَةُ.
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: النَّبَاتُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ حُبُّهُ بَلِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِذَاتِهِ وَهُوَ مَا تَأْكُلُهُ الْأَنْعَامُ وَالدَّوَابُّ مِثْلَ التِّبْنِ وَالْقُرْطِ وَالْفِصْفِصَةِ وَالْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَجُعِلَتِ الْجَنَّاتُ مَفْعُولا ل (تخرج) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ نَخْلَ جَنَّاتٍ أَوْ شَجَرَ جَنَّاتٍ، لِأَنَّ الْجَنَّاتِ جَمْعُ جنَّة وَهِي الْقطعَة مِنَ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ نَخْلًا، أَوْ نَخْلًا وَكَرْمًا، أَوْ بِجَمِيعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ مِثْلَ التِّينِ وَالرُّمَّانِ كَمَا جَاءَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ اسْتِعْمَالَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَنَابِتِ.
وَوَجْهُ إِيثَارِ لَفْظِ جَنَّاتٍ أَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى إِتْمَامِ الْمِنَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحِبُّونَ الْجَنَّاتِ وَالْحَدَائِقَ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّنَعُّمِ بِالظِّلَالِ وَالثِّمَارِ وَالْمِيَاهِ وَجَمَالِ الْمَنْظَرِ، وَلِذَلِكَ أُتْبِعَتْ بِوَصْفِ أَلْفافاً لِأَنَّهُ يَزِيدُهَا حُسْنًا، وَإِنْ كَانَ الْفَلَّاحُونَ عِنْدَنَا يُفَضِّلُونَ التَّبَاعُدَ بَيْنَ الْأَشْجَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْفَرُ لِكَمِّيَّةِ الثِّمَارِ لِأَنَّ تَبَاعُدَهَا أَسْعَدُ لَهَا بِتَخَلُّلِ الْهَوَاءِ وَشُعَاعِ الشَّمْسِ، لَكِنَّ مَسَاقَ الْآيَةِ هُنَا الِامْتِنَانُ بِمَا فِيهِ نَعِيمُ النَّاسِ.
وَأَلْفَافٌ: اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مِثْلُ أَوْزَاعٍ وَأَخْيَافٍ، أَيْ كُلُّ جَنَّةٍ مُلْتَفَّةٌ، أَيْ مُلْتَفَّةُ الشَّجَرِ بَعْضِهِ بِبَعْض.
فوصف الجنات بِأَلْفَافٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الِالْتِفَافَ فِي أَشْجَارِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْأَشْجَارُ لَا يَلْتَفُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْغَالِبِ إِلَّا إِذَا جَمَعَتْهَا جَنَّةٌ
أُسْنِدَ أَلْفَافٌ إِلَى جَنَّاتٍ بِطَرِيقِ الْوَصْفِ. وَلَعَلَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ إِذَ لَمْ أَرَ شَاهِدًا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ.
وَقِيلَ: أَلْفَافٌ جَمْعُ لِفٌّ بِكَسْرِ اللَّامِ بِوَزْنِ جِذْعٍ، أَيْ كُلُّ جَنَّةٍ مِنْهَا لِفٌّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَلَمْ يَأْتُوا بِشَاهِدٍ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ صَاحِبَ «الْإِقْلِيدِ» (1) ذَكَرَ بَيْتًا أَنْشَدَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ (2) وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى قَائِلٍ. وَفِي «الْكَشَّافِ» زَعَمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ (3) أَنَّهُ لَفَّاءُ وَلُفٌّ ثُمَّ أَلْفَافٌ (أَيْ أَنَّ أَلْفَافًا جَمْعُ الْجَمْعِ) قَالَ:«وَمَا أَظُنُّهُ وَاجِدًا لَهُ نَظِيرًا» أَيْ لَا يُجْمَعُ
فُعْلٌ جَمْعًا عَلَى أَفْعَالٍ، أَيْ لَا نَظِيرَ لَهُ إِذْ لَا يُقَالُ خُضْرٌ وَأَخْضَارٌ وَحُمْرٌ وَأَحْمَارٌ. يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْكَلَامُ الْفَصِيحُ عَلَى اسْتِعْمَالٍ لَمْ يَثْبُتْ وُرُودُ نَظِيرِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعَ وُجُودِ تَأْوِيلٍ لَهُ عَلَى وَجْهٍ وَارِدٍ.
فَكَانَ أَظْهَرُ الْوُجُوهِ أَنَّ أَلْفافاً اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
وَبِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَالِامْتِنَانِ خُتِمَتُ الْأَدِلَّةُ الَّتِي أُقِيمَتْ لَهُمْ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ وَتَضَمَّنَتِ الْإِيمَاءَ إِلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَمَا أُدْمِجَ فِيهَا مِنَ الْمِنَنِ عَلَيْهِمْ عَسَاهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا النِّعْمَةَ فَيَشْعُرُوا بِوَاجِبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَلَا يَسْتَفْظِعُوا إِبْطَالَ الشُّرَكَاءِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَيَنْظُرُوا فِيمَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فَيَصْرِفُوا عُقُولَهُمْ لِلنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ تَصْدِيقِ ذَلِكَ.
وَقَدِ ابْتُدِئَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ بِدَلَائِلِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَحَالَتِهَا وَجَالَتْ بِهِمُ الذِّكْرَى عَلَى أَهَمِّ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ، ثُمَّ مَا فِي الْأُفُقِ مِنْ أَعْرَاضِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. ثُمَّ تَصَاعَدَ بِهِمُ التَّجْوَالُ بِالنَّظَرِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَبِخَاصَّةٍ الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ بِهِمْ إِلَى دَلَائِلِ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ فَنَزَلُوا مَعَهُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ وَمُنْتَهَى الْمَنَافِعِ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ مِنْ حَيْثُ صَدَرُوا وَذَلِكَ مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ على الصَّدْر.
[17- 18]
(1) الإقليد اسْم تَفْسِير كَذَا قَالَ الْقزْوِينِي فِي «الْكَشْف» على «الْكَشَّاف» وَرَأَيْت فِي طرة نُسْخَة فِيهِ أَن الإقليد لأبي الْفَتْح الهمذاني وَلم أعثر على تَرْجَمَة مُؤَلفه.
(2)
الْحسن بن عَليّ الطوسي لَعَلَّه الْوَزير الملقب نظام الْملك وَالْبَيْت هُوَ:
جنَّة لفّ وعيش مغدق
…
وندامى كلهم بيض زهر
(3)
لَعَلَّه ذكر ذَلِك فِي غير كتاب أدب الْكتاب فإنّي لم أَجِدهُ فِيهِ. [.....]