المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3] - التحرير والتنوير - جـ ٣٠

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌78- سُورَةُ النَّبَأِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 21 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 24 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 31 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 40]

- ‌79- سُورَةُ النَّازِعَاتِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 1 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 20 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 27 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 34 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 46]

- ‌80- سُورَةُ عَبَسَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة عبس (80) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 11 الى 16]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 17 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة عبس (80) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 24 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 33 إِلَى 42]

- ‌81- سُورَةُ التَّكْوِيرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 1 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 15 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 29]

- ‌82- سُورَةُ الِانْفِطَارِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 13 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 19]

- ‌83- سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 10 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 14 الى 17]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 18 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 22 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 29 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : آيَة 36]

- ‌84- سُورَةُ الِانْشِقَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 7 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 16 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 25]

- ‌85- سُورَةُ الْبُرُوجِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 1 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌86- سُورَةُ الطَّارِقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : آيَة 17]

- ‌87- سُورَةُ الْأَعْلَى

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 9 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌88- سُورَةُ الْغَاشِيَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 2 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 13 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 21 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌89- سُورَةُ الْفَجْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 6 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 15 الى 20]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 21 الى 26]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 27 إِلَى 30]

- ‌90- سُورَةُ الْبَلَدِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 11 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌91- سُورَةُ الشَّمْسِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 1 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 11 الى 15]

- ‌92- سُورَةُ اللَّيْلِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 5 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 14 إِلَى 21]

- ‌93- سُورَةُ الضُّحَى

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 9 إِلَى 11]

- ‌94- سُورَة الشَّرْح

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : آيَة 8]

- ‌95- سُورَةُ التِّينِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التِّين (95) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة التِّين (95) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التِّين (95) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌96- سُورَةُ الْعَلَقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 1 الى 5]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 6 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 17 إِلَى 19]

- ‌97- سُورَةُ الْقَدْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌98- سُورَةُ لم يكن

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌99- سُورَة الزلزال

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الزلزلة (99) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الزلزلة (99) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌100- سُورَةُ الْعَادِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة العاديات (100) : الْآيَات 1 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة العاديات (100) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة العاديات (100) : آيَة 11]

- ‌101- سُورَةُ الْقَارِعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 6 إِلَى 11]

- ‌102- سُورَةُ التَّكَاثُرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : آيَة 8]

- ‌103- سُورَةُ الْعَصْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْعَصْر (103) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌104- سُورَةُ الْهُمَزَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْهمزَة (104) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌[سُورَة الْهمزَة (104) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌105- سُورَةُ الْفِيلِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْفِيل (105) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفِيل (105) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌106- سُورَةُ قُرَيْشٍ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة قُرَيْش (106) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌107- سُورَةُ الْمَاعُونِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الماعون (107) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الماعون (107) : الْآيَات 4 إِلَى 7]

- ‌108- سُورَةُ الْكَوْثَرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْكَوْثَر (108) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الْكَوْثَر (108) : آيَة 3]

- ‌109- سُورَةُ الْكَافِرُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 6]

- ‌110- سُورَةُ النَّصْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النَّصْر (110) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌111- سُورَةُ الْمَسَدِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المسد (111) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌112- سُورَةُ الْإِخْلَاصِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 4]

- ‌113- سُورَةُ الْفَلَقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الفلق (113) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 5]

- ‌114- سُورَةُ النَّاسِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النَّاس (114) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

الفصل: ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

: 20] .

[1- 3]

[سُورَة النَّصْر (110) : الْآيَات 1 الى 3]

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ

إِذا اسْمُ زَمَانٍ مُبْهَمٌ يَتَعَيَّنُ مِقْدَارُهُ بِمَضْمُونِ جُمْلَةٍ يُضَافُ إِلَيْهَا هُوَ. فَ إِذا اسْمُ زَمَانٍ مُطْلَقٌ، فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ غَالِبًا. وَلِذَلِكَ يُضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا، وَيَكُونُ الْفِعْلُ الَّذِي تُضَافُ إِلَيْهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي غَالِبًا لِإِفَادَةِ التَّحَقُّقِ، وَقَدْ يَكُونُ مُضَارِعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ [الشورى: 29] .

وَيُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَقَعَ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَلَا تُضَمَّنُ إِذا مَعْنَى الشَّرْطِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ دُونَ قَصْدِ تَعْلِيقٍ نَحْوَ: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الْجُمُعَة: 11] .

وإِذا هُنَا مُضَمَّنَةٌ الشَّرْطَ لَا مَحَالَةَ لوُجُود الْفَاء فِي قَوْله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ وَعَدَمِهِ تَقَدَّمَتْ.

وَالنَّصْرُ: الْإِعَانَةُ عَلَى الْعَدُوِّ. وَنَصْرُ اللَّهِ يَعْقُبُهُ التَّغَلُّبُ عَلَى الْعَدُوِّ. والْفَتْحُ:

امْتِلَاكُ بَلَدِ الْعَدُوِّ وَأَرْضِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِفَتْحِ بَابِ الْبَلَدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ [الْمَائِدَة: 23]، وَيَكُونُ بِاقْتِحَامِ ثُغُورِ الْأَرْضِ وَمَحَارِسِهَا فَقَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَرَضِينَ الَّتِي لَهَا شِعَابٌ وَثُغُورٌ قَالَ لَبِيَدٌ:

وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا وَقَدْ فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ خَيْبَرَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْفَتْحَ الْمَذْكُورَ فِيهَا فَتْحٌ آخَرُ وَهُوَ فَتْحُ مَكَّةَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْرِيفُ بِلَامِ الْعَهْدِ، وَهُوَ الْمَعْهُودُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الْفَتْح: 1- 3] .

فَإِضَافَةُ نَصْرُ إِلَى اللَّهِ تُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ هَذَا النَّصْرِ وَأَنَّهُ نَصْرٌ عَزِيزٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ اعْتَنَى اللَّهُ بِإِيجَادِ أَسْبَابِهِ وَلَمْ تَجْرِ عَلَى مُتَعَارَفِ تَوَلُّدِ الْحَوَادِثِ عَنْ أَمْثَالِهَا.

وجاءَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى: حَصَلَ وَتَحَقَّقَ مَجَازًا.

ص: 590

وَالتَّعْرِيفُ فِي «الْفَتْحِ» لِلْعَهْدِ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [الْقَصَص: 85] وَقَوْلُهُ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الْفَتْح: 27] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.

وَقَدِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ إِلَّا رِوَايَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ فَتْحُ الْمَدَائِن والقصور، يعنون الْحُصُونَ. وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ يُخَالِجُ نُفُوسَ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَرْجُونَهُ وَيَعْلَمُونَ مَا أَشَارَ بِهِ الْقُرْآنُ من الْوَعْد بِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَوَقَّعُونَهُ وَبَقِيَّةُ الْعَرَبِ يَنْتَظِرُونَ مَاذَا يَكُونُ الْحَالُ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَيَتَلَوَّمُونَ بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قومه فَهُوَ نبيء. وَتَكَرَّرَ أَنْ صَدَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِمَّنْ يُرِيدُ اتِّبَاعَ الْإِسْلَامِ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْظَارُهُ إِلَى مَا سَيَظْهَرُ مِنْ غَلَبِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَلَبِ الشِّرْكِ.

أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْفَتْحُ بَادَرَ كل قوم بِإِسْلَامِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتِ الْأَحْيَاءُ تَتَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهَا فَتْحَ مَكَّةَ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيءٌ» .

وَعَنِ الْحَسَنِ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ أَقْبَلَتِ الْعَرَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: أَمَّا إِذْ ظَفِرَ بِأَهْلِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ لَنَا بِهِ يَدَانِ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا. فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْفَتْحَ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فِي وَقْتِ نُزُولِهَا.

وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِبَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ قَدْ مَضَى وَيَكُونَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَجْمُوعِ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَجِيءِ نَصْرٍ مِنَ اللَّهِ آخَرَ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ بِمَا فَتَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَدُخُولِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ فِي الْإِسْلَامِ سَنَةَ الْوُفُودِ.

وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ» يَكُونُ تَعْلِيقُ جُمْلَةِ:

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَاضِي مُرَادًا بِهِ التَّذْكِيرُ بِأَنَّهُ حَصَلَ، أَيْ إِذَا

ص: 591

تَحَقَّقَ مَا وَعَدْنَاكَ بِهِ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَعُمُومِ الْإِسْلَامِ بِلَادَ الْعَرَبِ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِذا بِمَعْنَى (قَدْ) ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ حَاصِلُ الْمَعْنَى، وَلَيْسَتْ إِذا مِمَّا يَأْتِي بِمَعْنَى (قَدْ) .

وَالرُّؤْيَةُ فِي قَوْلِهِ: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِلْمِيَّةً، أَيْ وَعَلِمْتَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ مِنْ آفَاقِ بِلَادِ الْعَرَبِ وَمَوَاطِنِ قَبَائِلِهِمْ وَبِمَنْ يَحْضُرُ مِنْ وُفُودِهِمْ. فَيَكُونُ جُمْلَةُ يَدْخُلُونَ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ رَأَيْتَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةً بَصَرِيَّةً بِأَنْ رَأَى أَفْوَاجَ وُفُودِ الْعَرَبِ يَرِدُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم بِبَصَرِهِ مَا عَلِمَ مِنْهُ دُخُولَهُمْ كُلِّهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بِمَنْ حَضَرَ مَعَهُ الْمَوْقِفَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ مُخْتَلَفِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ يَدْخُلُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ النَّاسِ.

ودِينِ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان: 19] وَقَوْلِهِ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الرّوم: 30] .

وَالدُّخُولُ فِي الدِّينِ: مُسْتَعَارٌ لِلنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الدِّينِ النَّاشِئَةِ عَنْ

تِلْكَ الشَّهَادَةِ. فَشُبِّهَ الدِّينُ بِبَيْتٍ أَوْ حَظِيرَةٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَرَمَزَ إِلَيْهِ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الدُّخُولُ، عَلَى تَشْبِيهِ التَّلَبُّسِ بِالدِّينِ بِتَلَبُّسِ الْمَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ، فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ أُخْرَى تَصْرِيحِيَّةٌ.

والنَّاسَ: اسْمُ جَمْعٍ يَدُلُّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [8] . وَإِذَا عُرِّفَ اسْمُ نَاسٍ بِاللَّامِ احْتَمَلَتِ الْعَهْدَ نَحْوَ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمرَان: 173]، وَاحْتَمَلَتِ الْجِنْسَ نَحْوَ:

إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمرَان: 173] وَاحْتَمَلَتْ الِاسْتِغْرَاقَ نَحْوَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ [الْبَقَرَة: 8] وَنَحْوَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [النَّاسِ: 1] .

وَالتَّعْرِيفُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ، أَيْ جَمِيعَ النَّاسِ الَّذِينَ يَخْطُرُونَ بِالْبَالِ لِعَدَمِ إِرَادَة معهودين معينني وَلِاسْتِحَالَةِ دُخُولِ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي دِينِ اللَّهِ بِدَلِيلِ

ص: 592

الْمُشَاهَدَةِ، فَالْمَعْنَى: وَرَأَيْتَ نَاسًا كَثِيرِينَ أَوْ وَرَأَيْت الْعَرَبَ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ «الِاسْتِيعَابِ» فِي بَابِ خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ: لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْعَرَبِ رَجُلٌ كَافِرٌ بَلْ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، مِنْهُمْ مَنْ قَدِمَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِمَ وَافِدُهُ» اهـ. وَإِنَّمَا يُرَادُ عَرَبُ الْحِجَازِ وَنَجْدٍ وَالْيَمَنِ لِأَنَّ مِنْ عَرَبِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ:

تَغْلَبُ وَغَسَّانُ فِي مشارف الشَّام وَالشَّام، وَكَذَلِكَ لَخْمٍ وَكَلْبٍ مِنَ الْعِرَاقِ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا نَصَارَى وَلَمْ يُسْلِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَّا بَعْدَ فَتْحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ رُؤْيَةً بَصَرِيَّةً.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ إِنْ جَعَلْنَا الرُّؤْيَةَ عِلْمِيَّةً.

وَالْأَفْوَاجُ: جَمْعُ فَوْجٍ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ فِي سُورَةِ ص [59] ، أَيْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَام قبائل، وَانْتَصَبَ أَفْواجاً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَدْخُلُونَ وَجُمْلَةُ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ جَوَابُ إِذا بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَفِعْلُ فَسَبِّحْ هُوَ الْعَامِلُ فِي إِذا النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ لِأَنَّهُ فِعْلُ إِنْشَاءٍ.

وَقَرَنَ التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ بِبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَاحِقٌ لِلْحَمْدِ لِأَنَّ بَاءَ

الْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى (مَعَ) فَهِيَ مِثْلَ (مَعَ) فِي أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ فَكَانَ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى حُصُولِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا مَفْرُوغًا مِنْهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْأَمْرِ بِإِيقَاعِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَذْكِيرِهِ بِتَسْبِيحٍ خَاصٍّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَبْلُ فِي تَسْبِيحَاتِهِ وَبِاسْتِغْفَارٍ خَاصٍّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَبْلُ فِي اسْتِغْفَارِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ الْمَأْمُورُ بِهِ تَسْبِيحَ ابْتِهَاجٍ وَتَعَجُّبٍ مِنْ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَنْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ سُبْحَانَ اللَّهَ وَنَحْوَهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعَجُّبِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:

ص: 593

قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ

سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ

وَفِي تَقْدِيمِ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَمْهِيدٌ لِإِجَابَةِ اسْتِغْفَارِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيمِ الثَّنَاءِ قَبْلَ سُؤَالِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ:

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ عَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَخْلُو عَنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ فَأُرِيدَ تَسْبِيحٌ يُقَارِنُ الْحَمْدَ عَلَى مَا أُعْطِيَهُ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولِ الْأُمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.

وَعَطْفُ الْأَمْرِ بِاسْتِغْفَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ مَعَ الْحَمْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ جَوَابِ إِذا، وَأَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ يَحْصُلُ مَعَ الْحَمْدِ مِثْلَ مَا قُرِّرَ فِي فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ خَاصٌّ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي يَعُمُّ طَلَبَ غُفْرَانِ التَّقْصِيرِ وَنَحْوَهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ

قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ»

فَكَانَ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ وَبِالِاسْتِغْفَارِ عَلَى حُصُولِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ إِيمَاءً إِلَى تَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ يَحْصُلُ بِهِمَا تَقَرُّبٌ لَمْ يُنْوَ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ التَّهَيُّؤُ لِلِقَاءِ اللَّهِ، وَأَنَّ حَيَاته الدُّنْيَوِيَّة أَو شكت عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَانْتِهَاءُ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ الَّتِي تَزِيدُ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ التَّجَاوُزَ عَمَّا يَعْرِضُ لَهُ مِنِ اشْتِغَالٍ بِبَعْضِ الْحُظُوظِ الضَّرُورِيَّةِ لِلْحَيَاةِ أَوْ مِنِ اشْتِغَالٍ بِمُهِمٍّ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَّةِ يَفُوتُهُ بِسَبَبِهِ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ، مِثْلَ فِدَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ مَعَ فَوَاتِ مَصْلَحَةِ اسْتِئْصَالِهِمْ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ لِلْأُمَّةِ فَعُوتِبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى [الْأَنْفَال: 67] الْآيَةَ، أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِنْسَانِ كَالنَّوْمِ وَالطَّعَامِ الَّتِي تُنْقِصُ مِنْ حَالَةِ شَبَهِهِ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ، فَكَانَ هَذَا إِيذَانًا بِاقْتِرَابِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِانْتِقَالِهِ مِنْ حَيَاةٍ تَحْمِلُ أَعْبَاءَ الرِّسَالَةِ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ فِي الْعُلْوِيَّاتِ الْمَلَكِيَّةِ.

وَالْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ الرَّمْزِيَّةِ وَهِيَ لَا تُنَافِي إِرَادَةَ الْمَعْنَى الصَّرِيحِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ عَلَى مَعْنَى الْإِكْثَارِ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ. وَقَدْ دَلَّ ذَوْقُ الْكَلَامِ بَعْضَ ذَوي الأفهام النافدة مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنى وغاصب عَلَيْهِ مِثْلَ

أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَعَنْ مُقَاتِلٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ قَرَأَهَا

ص: 594

النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَبَكَى الْعَبَّاسُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: مَا يُبْكِيكَ يَا عَمُّ؟ قَالَ: نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ.

فَقَالَ: إِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «نَزَلَتْ فِي مِنًى فَبَكَى عُمَرُ وَالْعَبَّاسُ فَقِيلَ لَهُمَا، فَقَالَا:

فِيهِ نُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: صَدَقْتُمَا نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي»

. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ عُمَرُ يَأْذَنُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ فَوَجَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَقَالُوا: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيئَهُ إِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ وَيَتُوبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقُوُلُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيئَهُ حُضُورَ أَجَلِهِ فَقَالَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فَذَلِكَ عَلَامَةُ مَوْتِكَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ» فَهَذَا فَهْمُ عُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِهِ.

وَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل. فَعَلِمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَآبَائِنَا وَأَوْلَادِنَا»

اهـ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ» : الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا صَدْرَهُ دُونَ أَوَّلِهِ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ عِنْدَ نُزُولِ السُّورَةِ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بُكَاءُ أَبِي بَكْرٍ تَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أُولَاهُمَا عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ النَّصْرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ «الْكَشَّافِ» وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ خُطْبَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ «تُسَمَّى سُورَةَ التَّوْدِيعِ» أَيْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهَا إِيذَانٌ بِقرب وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

وَتَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ رَاجِعٌ إِلَى وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّنَزُّهِ عَنِ النَّقْصِ وَهُوَ يَجْمَعُ صِفَاتِ السَّلْبِ، فَالتَّسْبِيحُ مُتَمَحِّضٌ لِجَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْحَمْدَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ لِإِنْعَامِهِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْعَبْدِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِشُكْرِ الْمُنْعِمِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ إِنْعَامِهِ عَلَى عَبْدِهِ فَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَ جَانِبِ اللَّهِ وَحَظِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ حَظٌّ لِلْعَبْدِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ طَلَبُهُ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّا يُؤَاخِذُهُ عَلَيْهِ.

ص: 595

وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: فَسَبِّحَ بِحَمْدِهِ، لِتَقَدُّمِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ فَعدل عَن الضَّمِيرِ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ رَبِّكَ لِمَا فِي صِفَةِ (رَبِّ) وَإِضَافَتِهَا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ إِذَا حَصَلَ هَذَا الْخَيْرُ الْجَلِيلُ بِوَاسِطَتِهِ فَذَلِكَ تَكْرِيمٌ لَهُ وَعِنَايَةٌ بِهِ وَهُوَ شَأْنُ تَلَطُّفِ الرَّبِّ بِالْمَرْبُوبِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ السِّيَادَةُ الْمَرْفُوقَةُ بِالرِّفْقِ وَالْإِبْلَاغِ إِلَى الْكَمَالِ.

وَقَدِ انْتَهَى الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرْهُ وَقَدْ

رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي قِرَاءَتِهِ يَقِفُ عِنْدَ وَاسْتَغْفِرْهُ ثُمَّ يُكْمِلُ السُّورَةَ»

. إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ كُلِّهِ وَتَعْلِيلٌ لِمَا يَقْتَضِي التَّعْلِيلَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ بِاسْتِغْفَارِ رَبِّهِ بِاعْتِبَارِ الصَّرِيحِ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَمَا سَيَتَبَيَّنُ لَكَ.

وَتَوَّابٌ: مِثَالُ مُبَالَغَةٍ مِنْ تَابَ عَلَيْهِ. وَفِعْلُ تَابَ الْمُتَعَدِّي بِحَرْفِ (عَلَى) يُطْلَقُ بِمَعْنَى:

وُفِّقَ لِلتَّوْبَةِ، أَثْبَتَهُ فِي «اللِّسَان» و «الْقَامُوس» ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ خَاصٌّ بِمَا أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ.

وَقَدِ اشْتَمَلَتِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَرْبَعِ مُؤَكِّدَاتٍ هِيَ: إِنَّ، وَكَانَ، وَصِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَّابِ، وَتَنْوِينُ التَّعْظِيمِ فِيهِ.

وَحَيْثُ كَانَ توكيد بِ (إِنَّ) هُنَا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ رَدُّ إِنْكَارٍ وَلَا إِزَالَةُ تَرَدُّدٍ إِذْ لَا يُفْرَضَانِ فِي جَانِبِ الْمُخَاطَبِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ تَمَحَّضَ (إِنَّ) لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ بِتَأْكِيدِهِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ (إِنَّ) إِذَا جَاءَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ تُغْنِيَ غَنَاءَ فَاءِ التَّرْتِيبِ وَالتَّسَبُّبِ وَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَرَبْطَ الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا تُفِيدُهُ الْفَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [32]، فَالْمَعْنَى: هُوَ شَدِيدُ الْقَبُولِ لِتَوْبَةِ عِبَادِهِ كَثِيرٌ قَبُولُهُ إِيَّاهَا.

وَإِذْ قَدْ كَانَ الْكَلَامُ تَذْيِيلًا وَتَعْلِيلًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ تَعَيَّنَ أَنَّ حَذْفَ مُتَعَلِّقِ تَوَّاباً يُقَدَّرُ بِنَحْوِ: عَلَى التَّائِبِينَ. وَهَذَا الْمُقَدَّرُ مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ، وَهُوَ عُمُومٌ

ص: 596

مَخْصُوصٌ بِالْمَشِيئَةِ تُخَصِّصُهُ أَدِلَّةُ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمَّا ذُكِرَ دَلِيلُ الْعُمُومِ عَقِبَ أَمْرِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ أَفَادَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لَهُ دَلَالَةً تَقْتَضِيهَا مُسْتَتْبِعَاتُ التَّرَاكِيبِ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ الاسْتِغْفَار طلب لغفر، فَالطَّالِبُ يَتَرَقَّبُ إِجَابَةَ طَلَبِهِ، وَأَمَّا مَا فِي الْجُمْلَةِ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ

وَالْحَمْدِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْلِيلٍ لِأَنَّهُمَا إِنْشَاءُ تَنْزِيهٍ وَثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ.

وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ إِشَارَةً إِلَى وَعْدٍ بِحُسْنِ الْقَبُولِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حِينَمَا يَقْدُمُ عَلَى الْعَالَمِ الْقُدْسِيِّ، وَهَذَا مَعْنًى كِنَائِيٌّ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِكَثْرَةِ قَبُولِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ شَأْنُهُ أَنْ يُكْرِمَ وِفَادَةَ الْوَافِدِينَ الَّذِينَ سَعَوْا جُهُودَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ بِمُنْتَهَى الِاسْتِطَاعَةِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّ مُنْتَهَى مَا يَخَافُهُ الْأَحِبَّةُ عِنْدَ اللِّقَاءِ مَرَارَةُ الْعِتَابِ، فَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ تَوَّابٌ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يَخَافُ عِتَابًا.

فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَدْلُولِهَا الصَّرِيحِ وَمَدْلُولِهَا الْكِنَائِيِّ أَوِ الْمَجَازِيِّ وَمُسْتَتْبِعَاتُهَا تَعْلِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ مَعْنًى صَرِيحٍ أَوْ كِنَائِيٍّ يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ بِاعْتِبَارِهِمَا تَمْهِيدًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا لَا يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّعْلِيلِ، أَوْ يُغْنِي تَعْلِيلُ الْمُمَهَّدِ لَهُ بِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِهِمَا وَلَكِنَّهُمَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا رَمْزًا إِلَى مُدَانَاةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ مَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً مِنَ الْوَعْدِ بِحُسْنِ الْقَبُولِ تَعْلِيلًا لِمَدْلُولِهِمَا الْكِنَائِيِّ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ فَمُنَاسَبَةُ التَّعْلِيلِ لَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً نَاهِضَةٌ بِاعْتِبَارِ كِلْتَا دَلَالَتَيْهِ الصَّرِيحَةِ وَالْكِنَائِيَّةِ، أَيْ أَنَّهُ مُتَقَبِّلٌ اسْتِغْفَارَكَ وَمُتَقَبِّلُكَ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ، شَأْنَ مَنْ عَهِدَ مِنَ الصَّفْحِ وَالتَّكَرُّمِ.

وَفِعْلُ كانَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَى الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي.

وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ ذَاتِيٌّ لَهُ لَا يَتَخَلَّفُ مَعْمُولُهُ عَنْ عِبَادِهِ فَقَدْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى إِخْبَارِ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ مِنْ مَبْدَأِ الْخَلِيقَةِ قَالَ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [الْبَقَرَة: 37] .

وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، كَمَا فِي آيَةِ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً [نوح: 10] فَيَجْرِي الْوَصْفُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: وَاسْتَغْفِرْهُ، فَعُدِلَ عَنْ ذَلِكَ تَلَطُّفًا مَعَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ أَمْرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا إِثْبَاتَ ذَنْبٍ لَهُ لِمَا عَلِمْتَ آنِفًا مِنْ أَن وصف (تواب) جَاءَ مِنْ تَابَ عَلَيْهِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى وَفَّقَهُ

ص: 597

لِلتَّوْبَةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ إِرْشَادٌ إِلَى مَقَامِ التَّأَدُّبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ بِعِبَادِهِ، لَوْلَا تَفَضُّلُهُ بِمَا بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ مُرَادِهِ، وَلِأَن وصف (توّاب) أَشد ملاءمة لِإِقَامَةِ الْفَاصِلَةِ مَعَ فَاصِلَةِ أَفْواجاً لِأَنَّ حَرْفَ الْجِيمِ وَحَرْفَ الْبَاءِ كِلَيْهِمَا حَرْفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَوْصُوفَةِ بِالشِّدَّةِ، بِخِلَافِ حَرْفِ الرَّاءِ فَهُوَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي صِفَتُهَا بَيْنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخْوَةِ.

وَرُوِيَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ

عَلَيْهِ سُورَةُ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَّا يَقُولُ: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ»

أَيْ يَتَأَوَّلُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا تَأَوَّلَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ عَلَى مَعْنَى اقْتِرَابِ أَجَلِهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 598