الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَمِينُ: الَّذِي يَحْفَظُ مَا عُهِدَ لَهُ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ دُونَ نَقْصٍ وَلَا تَغْيِيرٍ، وَهُوَ فَعِيلٌ إِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَأْمُونٌ مِنْ أَمِنَهُ عَلَى كَذَا. وَعَلَى هَذَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَمِينٌ، وَلَا يُقَالُ:
أَمِينَةٌ، وَإِمَّا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ أَمُنَ بِضَمِّ الْمِيمِ إِذَا صَارَتِ الْأَمَانَةُ سَجِيَّتَهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَمِينَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَرْأَةِ الْمُشْتَكِيَةِ أَضْرَارَ زَوْجِهَا: يُجْعَلَانِ عِنْدَ أمينة وَأمين.
[22]
[سُورَة التكوير (81) : آيَة 22]
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: 19] فَهُوَ دَاخِلٌ فِي خَبَرِ الْقَسَمِ جَوَابًا ثَانِيًا عَنِ الْقَسَمِ، وَالْمَعْنَى: وَمَا هُوَ (أَيِ الْقُرْآنُ) بِقَوْلِ مَجْنُونٍ كَمَا تَزْعُمُونَ، فَبَعْدَ أَنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ قَوْلُ رَسُولٍ مُرْسَلٍ مِنَ اللَّهِ وَكَانَ قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ ثَنَاءً عَلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، أَعْقَبَهُ بِإِبْطَالِ بُهْتَانِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا اختلقوه عَن النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدُّخان: 14] وَقَوْلِهِمْ: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ: 8] ، فَأَبْطَلَ قَوْلَهُمْ إِبْطَالًا مُؤَكَّدًا وَمُؤَيَّدًا، فَتَأْكِيدُهُ بِالْقَسَمِ وَبِزِيَادَةِ الْبَاءِ بَعْدَ النَّفْيِ، وَتَأْيِيدُهُ بِمَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ وَصْفُهُ بِأَنَّ الَّذِي بَلَّغَهُ صَاحِبُهُمْ، فَإِنَّ وَصْفَ صَاحِبٍ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ يَعْلَمُونَ خُلُقَهُ وَعَقْلَهُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، إِذْ شَأْنُ الصَّاحِبِ أَنْ لَا تَخْفَى دَقَائِقُ أَحْوَالِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ.
وَالْمَعْنَى: نَفْيُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مِنْ وَسَاوِسِ الْمَجَانِينِ، فَسَلَامَةُ مُبَلِّغِهِ مِنَ الْجُنُونِ تَقْتَضِي سَلَامَةَ قَوْلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَسْوَسَةً.
وَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: 19] النَّبِيءُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: صاحِبُكُمْ هُنَا إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلتَّعْرِيضِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ الْعَقْلِ وَأَصَالَةِ الرَّأْيِ.
وَالصَّاحِبُ حَقِيقَتُهُ: ذُو الصُّحْبَةِ، وَهِيَ الْمُلَازَمَةُ فِي أَحْوَالِ التَّجَمُّعِ وَالِانْفِرَادِ
لِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُوَافَقَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلزَّوْجِ: صَاحِبَةٌ وَلِلْمُسَافِرِ مَعَ غَيْرِهِ صَاحِبٌ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ
وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ [يُوسُف: 39]، وَقَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي «الْمَقَامَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ» :«وَلَا لَكُمْ مِنِّي إِلَّا صُحْبَةُ السَّفِينَةِ» .
وَقَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي إِطْلَاقِهِ عَلَى الْمُخَالِطِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَلَوْ فِي الشَّرِّ، كَقَوْلِ الْحَجَّاجِ يُخَاطِبُ الْخَوَارِجَ:«أَلَسْتُمْ أَصْحَابِي بِالْأَهْوَازِ حِينَ رُمْتُمُ الْغَدْرَ، وَاسْتَبْطَنْتُمُ الْكُفْرَ» .
وَقَوْلِ الْفَضْلِ اللَّهَبِيِّ:
كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ فِي بُغْضِ صَاحِبِهِ
…
بِنِعْمَةِ اللَّهِ نَقْلِيكُمْ وَتَقْلُونَا
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي تُخَاصِمُونَهُ وَتُكَذِّبُونَهُ وَتَصِفُونَهُ بِالْجُنُونِ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَأَنَّكُمْ مُخَالِطُوهُ وَمُلَازِمُوهُ وَتَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ فَمَا قَوْلُكُمْ عَلَيْهِ: «إِنَّهُ مَجْنُونٌ» إِلَّا لِقَصْدِ الْبُهْتَانِ وَإِسَاءَةِ السُّمْعَةِ.
فَهَذَا مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، وَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَاتُ صِدْقِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّهَا مَسُوقَةٌ فِي مَعْرِضِ الْمُوَازَنَةِ وَالْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدٍ عليهما السلام وَالشَّهَادَةُ لَهُمَا بِمَزَايَاهُمَا حَتَّى يُشَمَّ مِنْ وَفْرَةِ الصِّفَاتِ الْمُجْرَاةِ عَلَى جِبْرِيلَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَلَا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي أَوْصَافِ جِبْرِيلَ مَعَ الِاقْتِصَادِ فِي أَوْصَافِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تُؤْذِنُ بِتَفْضِيلِ أَوَّلِهِمَا عَلَى الثَّانِي.
وَمِنْ أَسْمَجِ الْكَلَامِ وَأَضْعَفِ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» : «وَنَاهِيكَ بِهَذَا دَلِيلًا عَلَى جَلَالَةِ مَكَانَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام وَمُبَايَنَةِ مَنْزِلَتِهِ لِمَنْزِلَةِ أَفْضَلِ الْإِنْسِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَايَسْتَ بَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: 19، 20]، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ اهـ.
وَكَيْفَ انْصَرَفَ نَظَرُهُ عَنْ سِيَاقِ الْآيَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُولُوا فِي جِبْرِيلَ شَيْئًا لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ رَامَ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنَ الْآيَةِ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ أَصْحَابِ الِاعْتِزَالِ مِنْ تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ لَهَا مَجَالٌ آخَرُ، عَلَى أَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى رَسُولٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
إِلَى قَوْله: أَمِينٍ [التكوير: 19- 21] ، غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ انْصِرَافُهَا إِلَى جِبْرِيلَ