المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 20] - التحرير والتنوير - جـ ٣٠

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌78- سُورَةُ النَّبَأِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 21 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 24 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : الْآيَات 31 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النبإ (78) : آيَة 40]

- ‌79- سُورَةُ النَّازِعَاتِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 1 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 20 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 27 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 30 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 34 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة النازعات (79) : آيَة 46]

- ‌80- سُورَةُ عَبَسَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة عبس (80) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 11 الى 16]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 17 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة عبس (80) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 24 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة عبس (80) : الْآيَات 33 إِلَى 42]

- ‌81- سُورَةُ التَّكْوِيرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 1 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 15 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة التكوير (81) : آيَة 29]

- ‌82- سُورَةُ الِانْفِطَارِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 10 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : الْآيَات 13 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الانفطار (82) : آيَة 19]

- ‌83- سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 10 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 14 الى 17]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 18 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 22 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : الْآيَات 29 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة المطففين (83) : آيَة 36]

- ‌84- سُورَةُ الِانْشِقَاقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 7 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 16 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 25]

- ‌85- سُورَةُ الْبُرُوجِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 1 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة البروج (85) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة البروج (85) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌86- سُورَةُ الطَّارِقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الطارق (86) : آيَة 17]

- ‌87- سُورَةُ الْأَعْلَى

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 9 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَعْلَى (87) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌88- سُورَةُ الْغَاشِيَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 2 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 13 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 21 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الغاشية (88) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌89- سُورَةُ الْفَجْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 6 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 15 الى 20]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 21 الى 26]

- ‌[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 27 إِلَى 30]

- ‌90- سُورَةُ الْبَلَدِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 11 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْبَلَد (90) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌91- سُورَةُ الشَّمْسِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 1 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الشَّمْس (91) : الْآيَات 11 الى 15]

- ‌92- سُورَةُ اللَّيْلِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 5 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة اللَّيْل (92) : الْآيَات 14 إِلَى 21]

- ‌93- سُورَةُ الضُّحَى

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 6 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الضُّحَى (93) : الْآيَات 9 إِلَى 11]

- ‌94- سُورَة الشَّرْح

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الشَّرْح (94) : آيَة 8]

- ‌95- سُورَةُ التِّينِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التِّين (95) : الْآيَات 1 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة التِّين (95) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التِّين (95) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌96- سُورَةُ الْعَلَقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 1 الى 5]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 6 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة العلق (96) : الْآيَات 17 إِلَى 19]

- ‌97- سُورَةُ الْقَدْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْقدر (97) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌98- سُورَةُ لم يكن

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَيِّنَة (98) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌99- سُورَة الزلزال

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الزلزلة (99) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الزلزلة (99) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌100- سُورَةُ الْعَادِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة العاديات (100) : الْآيَات 1 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة العاديات (100) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة العاديات (100) : آيَة 11]

- ‌101- سُورَةُ الْقَارِعَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة القارعة (101) : الْآيَات 6 إِلَى 11]

- ‌102- سُورَةُ التَّكَاثُرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة التكاثر (102) : آيَة 8]

- ‌103- سُورَةُ الْعَصْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْعَصْر (103) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌104- سُورَةُ الْهُمَزَةِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْهمزَة (104) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌[سُورَة الْهمزَة (104) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌105- سُورَةُ الْفِيلِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْفِيل (105) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفِيل (105) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌106- سُورَةُ قُرَيْشٍ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة قُرَيْش (106) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌107- سُورَةُ الْمَاعُونِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الماعون (107) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الماعون (107) : الْآيَات 4 إِلَى 7]

- ‌108- سُورَةُ الْكَوْثَرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْكَوْثَر (108) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الْكَوْثَر (108) : آيَة 3]

- ‌109- سُورَةُ الْكَافِرُونَ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْكَافِرُونَ (109) : آيَة 6]

- ‌110- سُورَةُ النَّصْرِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النَّصْر (110) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌111- سُورَةُ الْمَسَدِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة المسد (111) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة المسد (111) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌112- سُورَةُ الْإِخْلَاصِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِخْلَاص (112) : آيَة 4]

- ‌113- سُورَةُ الْفَلَقِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة الفلق (113) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الفلق (113) : آيَة 5]

- ‌114- سُورَةُ النَّاسِ

- ‌أغراضها

- ‌[سُورَة النَّاس (114) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

الفصل: ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 20]

[15- 20]

[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 15 الى 20]

فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَاّ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (19)

وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20)

فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) . كَلَّا

دَلَّتِ الْفَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْوَاقِعَ بَعْدَهَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهَا وَمُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ.

وَدَلَّتْ (أَمَّا) عَلَى مَعْنَى: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَصْلُ مَعْنَاهَا وَمُقْتَضَى اسْتِعْمَالِهَا، فَقَوِيَ بِهَا ارْتِبَاطُ جَوَابِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَقَبْلَ الْفَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَا، فَلَاحَ ذَلِكَ بَرْقًا وَامِضًا، وَانْجَلَى بِلَمْعِهِ مَا كَانَ غَامِضًا، إِذْ كَانَ تَفْرِيعُ مَا بَعْدَ هَذِهِ الْفَاءِ عَلَى مَا قَبْلَهَا خَفِيًّا، فَلْنُبَيِّنْهُ بَيَانًا جَلِيًّا، ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ اشْتَمَلَ عَلَى وَصْفِ مَا كَانَتْ تَتَمَتَّعُ بِهِ الْأُمَمُ الْمُمَثَّلُ بِهَا مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِهِ مِنَ النِّعَمِ، وَهُمْ لَاهُونَ عَنْ دَعْوَةِ رُسُلِ اللَّهِ، وَمُعْرِضُونَ عَنْ طَلَبِ مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ، مُقْتَحِمُونَ الْمَنَاكِرَ الَّتِي نُهُوا عَنْهَا، بَطِرُونَ بِالنِّعْمَةِ، مُعْجَبُونَ بِعَظَمَتِهِمْ فَعَقَّبَ ذِكْرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَمَا جَازَاهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابٍ فِي الدُّنْيَا، بِاسْتِخْلَاصِ الْعِبْرَةِ وَهُوَ تَذْكِيرُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ حَالَهُمْ مُمَاثِلٌ لِحَالِ أُولَئِكَ تَرَفًا وَطُغْيَانًا وَبَطَرًا، وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى خَطَاهُمْ إِذْ كَانَتْ لَهُمْ مِنْ حَالِ التَّرَفِ وَالنِّعْمَةِ شُبْهَةٌ تَوَهَّمُوا بِهَا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ مَحَلَّ كَرَامَةٍ، فَحَسِبُوا أَنَّ إِنْذَارَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ لَيْسَ بِصِدْقٍ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا هُوَ وَاقِعٌ لَهُمْ مِنَ النِّعْمَةِ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ بِهِمْ أَدَلُّ عَلَى كَرَامَتِهِمْ عِنْدَهُ مِمَّا يُخْبِرُ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَنَفَوْا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هَذَا الْعَالَمِ عَالَمٌ آخَرُ يُضَادُّهُ، وَقَصَرُوا عَطَاءَ اللَّهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عِبَادُهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَكَانَ هَذَا

الْوَهْمُ مُسَوِّلًا لَهُمُ التَّكْذِيبَ بِمَا أُنْذِرُوا بِهِ مِنْ وَعِيدٍ، وَبِمَا يُسَرُّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ثَوَابٍ فِي الْآخِرَةِ، فَحَصَرُوا جَزَاءَ الْخَيْرِ فِي الثَّرْوَةِ وَالنِّعْمَةِ وَقَصَرُوا جَزَاءَ السُّوءِ عَلَى الْخَصَاصَةِ وَقَتْرِ الرِّزْقِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ التَّعَرُّضُ لِإِبْطَالِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56] .

وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْوَهَمُ أُصُولًا انبنى عَلَيْهَا، وَهِي: إِنْكَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْكَارُ الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ، وَتَوَهُّمُ دَوَامِ الْأَحْوَالِ.

ص: 324

فَفَاءُ التَّفْرِيعِ مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الْفجْر: 14] بِمَا فِيهَا مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَوْنُهَا تَذْيِيلًا.

وَالْمَعْنَى: هَذَا شَأْنُ رَبِّكَ الْجَارِي عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ فَيَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ إِذْ يَحْسِبُ أَنَّ مَا يَنَالُهُ مِنْ نِعْمَةٍ وَسَعَةٍ فِي الدُّنْيَا تكريما مِنَ اللَّهِ لَهُ، وَمَا يَنَالُهُ مِنْ ضِيقِ عَيْشٍ إِهَانَةٌ أَهَانَهُ اللَّهُ بِهَا.

وَهَذَا التَّوَهُّمُ يَسْتَلْزِمُ ظَنَّهُمْ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى جَارِيَةً عَلَى غَيْرِ حِكْمَةٍ قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ [فصلت: 50] .

فَأَعْلَمُ الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤمنِينَ بِالْحَقِيقَةِ الْحَقِّ وَنَبَّهَهُمْ لِتَجَنُّبِ تَخْلِيطِ الدَّلَائِلِ الدَّقِيقَةِ السَّامِيَةِ، وَتَجَنُّبِ تَحْكِيمِ الْوَاهِمَةِ وَالشَّاهِيَةِ، وَذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ الْأَحْوَالَ الدُّنْيَوِيَّةَ أَعْرَاضٌ زَائِلَةٌ وَمُتَفَاوِتَةُ الطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَضَلَالِهِمُ الَّذِي كَانَ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّابِغَةُ فِي آلِ غَسَّانَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ وَكَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ:

مَجَلَّتُهُمْ ذَاتُ الْإِلَهِ وَدِينُهُمْ

قَوِيمٌ فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ

وَلَا يَحْسِبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ

وَلَا يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ

وَقَدْ أَعْقَبَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالرَّدْعِ وَالْإِبْطَالِ بِقَوْلِهِ: كَلَّا فَمَنَاطُ الرَّدْعِ وَالْإِبْطَالِ كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا صَادِرَانِ عَنْ تَأْوِيلٍ بَاطِلٍ وَشُبْهَةٍ ضَالَّةٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ

وَاقْتِصَارُ الْآيَةِ عَلَى تَقْتِيرِ الرِّزْقِ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ دُونَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلَلِ وَالْآفَاتِ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ صِحَّةُ الْمِزَاجِ وَقُوَّةُ الْأَبْدَانِ فَلَا يَهْلِكُونَ إِلَّا بِقَتْلٍ أَوْ هَرَمٍ فِيهِمْ وَفِي ذَوِيهِمْ، قَالَ النَّابِغَةُ:

تَغْشَى مَتَالِفَ لَا يُنْظِرْنَكَ الْهَرَمَاِِ

ص: 325

وَلَمْ يُعَرِّجْ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى بَيَانِ نَظْمِ الْآيَةِ وَاتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا عَدَا الزَّمَخْشَرِيَّ وَابْنَ عَطِيَّةَ.

وَقَدْ عُرِفَ هَذَا الِاعْتِقَادُ الضَّالُّ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ طَرَفَةُ:

فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ

وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْرَو بْنَ مَرْثَدِ

فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَطَافَ بِي

بَنُونَ كِرَامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ

وَجَعَلُوا هَذَا الْغُرُورَ مِقْيَاسًا لِمَرَاتِبِ النَّاسِ فَجَعَلُوا أَصْحَابَ الْكَمَالِ أَهْلَ الْمَظَاهِرِ الْفَاخِرَةِ، وَوَصَمُوا بِالنَّقْصِ أَهْلَ الْخَصَاصَةِ وَضُعَفَاءَ النَّاسِ، لِذَلِكَ لَمَّا أَتَى الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَفَزَارَةَ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَخَبَّابٌ، وَسَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَصُبَيْحٌ مَوْلَى أُسَيْدٍ، وَصُهَيْبٌ، فِي أُنَاسٍ آخَرِينَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لِلنَّبِيءِ اطْرُدْهُمْ عَنْكَ فَلَعَلَّكَ إِنْ طَرَدْتَهُمْ أَنْ نَتَّبِعَكَ. وَقَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ: لَوْ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ طَرَدَ هَؤُلَاءِ الْأَعْبُدَ وَالْحُلَفَاءَ كَانَ أَعْظَمَ لَهُ فِي صُدُورِنَا وَأَدْلَى لِاتِّبَاعِنَا إِيَّاهُ. وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [52] .

فَنَبَّهَ اللَّهُ عَلَى خَطَأِ اعْتِقَادِهِمْ بِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ مُمَاثِلِهِ مِمَّا اعْتَقَدَهُ الْأُمَمُ قَبْلَهُمُ الَّذِي كَانَ مُوجِبًا صَبَّ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَحْوَال الدُّنْيَا لَا تُتَّخَذُ أَصْلًا فِي اعْتِبَارِ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَمَلِ، وَأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُطَّرِدَ هُوَ جَزَاءُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْجِنْسُ وَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَسْتَغْرِقُ أَفْرَادَ الْجِنْسِ وَلَكِنَّهُ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ مُرَادٌ بِهِ النَّاسُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمُ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَذَلِكَ الْغَالِبُ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ فِي الْقُرْآنِ النَّازِلِ بِمَكَّةَ كَقَوْلِهِ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: 6، 7] أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [الْقِيَامَة: 3] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ [الْبَلَد: 4، 5] وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى [الْفجْر: 23] الْآيَةَ.

وَقِيلَ: أُرِيدَ إِنْسَانٌ مُعَيَّنٌ، فَقِيلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَوْ أَبُو حُذَيْفَة بن الْغيرَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

وَقِيلَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ عَنْ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ، وَقِيلَ: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَيْضًا وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْمُسَمَّوْنَ أَعْلَامُ التَّضْلِيلِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمِنِِْ

ص: 326

حَيْثُ كَانَ هَذَا غَالِبًا عَلَى الْكُفَّارِ جَاءَ التَّوْبِيخُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِاسْمِ الْجِنْسِ إِذْ يَقَعُ (كَذَا) بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمَنْزِعِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ ضَلَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمِنْ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ لِبَعْضِ جَهَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُخَيِّلَ إِلَيْهِمْ مَا يَحْصُلُ لِأَحَدٍ بِجَعْلِ اللَّهِ مِنِ ارْتِبَاطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا وَالْمَعْلُولَاتِ بِعِلَلِهَا فَيَضَعُوا مَا يُصَادِفُ نَفْعَ أَحَدِهِمْ مِنَ الْحَوَادِثِ مَوْضِعَ كَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلَّذِي صَادَفَتْهُ مَنَافِعُ ذَلِكَ، تَحْكِيمًا لِلشَّاهِيَةِ وَمَحَبَّةِ النَّفْسِ وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ وَافْتِيَاتًا عَلَى اللَّهِ، وَإِذَا صَادَفَ أَحَدَهُمْ مِنَ الْحَوَادِثِ مَا جَلَبَ لَهُ ضُرًّا تَخَيَّلَهُ بِأَوْهَامِهِ انْتِقَامًا مِنَ اللَّهِ قَصَدَهُ بِهِ، تَشَاؤُمًا مِنْهُمْ.

فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا مَا نَالَهُمْ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ إِكْرَامًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَوَهَّمُوا مَا صَادَفَهُمْ من فتور الزرق إِهَانَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لَيْسُوا بِأَحَطَّ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ.

فَذَلِكَ الِاعْتِقَادُ أَوْجَبَ تَغَلْغُلَ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي إِشْرَاكِهِمْ وَصَرَفَ أَنْظَارَهُمْ عَنِ التَّدَبُّرِ فِيمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا جَرَتِ الْوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِيَّةُ فِتْنَةً مِنْ ذَلِكَ لِبَعْضِ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ وَقِصَارِ الْأَنْظَارِ وَالْجُهَّالِ بِالْعَقِيدَةِ الْحَقِّ كَمَا أَفْصَحَ أَحْمَدُ بْنُ الرَّاوَنْدِيِّ (1) . عَنْ تَزَلْزُلِ فَهْمِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِقَوْلِهِ:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ

وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقَا

هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَفْهَامَ حَائِرَةً

وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقَا

وَذَلِكَ مَا صَرَفَ الضَّالِّينَ عَنْ تَطَلُّبِ الْحَقَائِقِ مِنْ دَلَائِلِهَا، وَصَرَفَهُمْ عَنِ التَّدَبُّرِ فِيمَا يُنِيلُ صَاحِبَهُ رِضَى اللَّهِ وَمَا يُوقِعُ فِي غَضَبِهِ، وَعِلْمُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَتَصَرُّفَاتُهُ شَتَّى وَكُلُّهَا صَادِرَةٌ عَنْ حِكْمَةٍ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ [الْبَقَرَة: 255] . فَقَدْ يَأْتِي الضُّرُّ لِلْعَبْدِ مِنْ عِدَّةِ أَسْبَابٍ وَقَدْ يَأْتِي النَّفْعُ مِنْ أُخْرَى. وَبَعْضُ ذَلِكَ جَارٍ فِي

(1) هُوَ أَحْمد بن يحيى أَبُو الْحُسَيْن ابْن الراوندي بواو مَفْتُوحَة ثمَّ نون سَاكِنة نِسْبَة إِلَى راوند قَرْيَة من قرى قاسان بنواحي أَصْبَهَان. كَانَ من الْمُعْتَزلَة ثمَّ صَار ملحدا توفّي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ، وَقيل سنة خمس وَأَرْبَعين وَقيل سنة ثَمَان وَتِسْعين.

ص: 327

الظَّاهِرِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَمِنْهُ مَا فِيهِ سِمَةُ خَرْقِ الْعَادَةِ. فَرُبَّمَا أَتَتِ الرَّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ، وَالْمُوَفَّقُ يَتَيَقَّظُ لِلْأَمَارَاتِ

قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الْأَنْعَام: 44] وَقَالَ: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [الْأَعْرَاف: 94، 95] وَقَالَ: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التَّوْبَة: 126] .

وَتَصَرُّفَاتُ اللَّهِ مُتَشَابِهَةٌ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ النَّاسِ وَبَعْضُهَا جَارٍ عَلَى مَا قَدَّرَهُ مِنْ نِظَامِ الْعَالَمِ وَكُلٌّ قَدْ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ وَسَبَقَ عَلِمُهُ بِهِ وَرَبَطَ مُسَبَّبَاتِهِ بِأَسْبَابِهِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ وَالْمُتَبَصِّرُ يَأْخُذُ بِالْحَيْطَةِ لِنَفْسِهِ وَقَوْمِهِ وَلَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ مَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِ وَهْمُهُ وَلَمْ تَنْهَضْ دَلَائِلُهُ، وَيُفَوِّضُ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ. وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا الْمَحْكِيَّ عَنْهُمْ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُتَبَصِّرِينَ فِي مَجَارِي التَّصَرُّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَقَدْ نَجِدُ فِي بَعْضِ الْعَوَامِّ وَمَنْ يُشْبِهُهُمْ مِنَ الغافلين بقايا مت اعْتِقَادِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لِإِيجَادِ التَّخَيُّلَاتِ الَّتِي تُمْلِيهَا عَلَى عُقُولِهِمْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّعِظُوا بِمَوْعِظَةِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يُعَجِّلُ جَزَاءَ الْخَيْرِ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ كَمَا قَالَ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النَّحْل: 97] . وَقَدْ يُعَجِّلُ الْعِقَابَ لِمَنْ يَغْضَبُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ. وَقَدْ حَكَى عَنْ نُوحٍ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [نوح: 10- 12] وَقَالَ تَعَالَى:

وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاء غَدَقاً [الْجِنّ: 16] . وَلِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ عَلَامَاتٌ أَظْهَرُهَا أَنْ تَجْرِيَ عَلَى خِلَافِ الْمَأْلُوفِ كَمَا نَرَى فِي نَصْرِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ عَلَى الْأُمَمِ الْعَظِيمَةِ الْقَاهِرَةِ. وَتِلْكَ مَوَاعِيدُ مِنَ اللَّهِ يُحَقِّقُهَا أَوْ وَعِيدٌ مِنْهُ يَحِيقُ بِمُسْتَحِقِّيهِ.

وَحَرْفُ (أَمَّا) يُفِيدُ تَفْصِيلًا فِي الْغَالِبِ، أَيْ يَدُلُّ عَلَى تَقَابُلٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مِنْ ذَوَاتٍ وَأَحْوَالٍ. وَلِذَلِكَ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْكَلَامِ، فَلَيْسَ التَّفْصِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهَا بِمَعْنَى تَبْيِينِ مُجْمَلٍ قَبْلَهَا، بَلْ هُوَ تَفْصِيلٌ وَتَقَابُلٌ وَتَوَازُنٌ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ

ص: 328

التَّفْصِيلِ الَّذِي تَأْتِي لَهُ (أَمَّا) ، فَارْتِبَاطُ التَّفْصِيلِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْفَاءِ الدَّاخِلَةِ عَلَى (أَمَّا) ، وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِمَا قَبْلَهُ تَعَلُّقُ الْمُفَرَّعِ بِمَنْشَئِهِ لَا تَفْصِيلُ بَيَانٍ عَلَى مُجْمَلٍ.

فَالْمُفَصَّلُ هُنَا أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ الْجَاهِلِ فُصِّلَتْ إِلَى حَالِهِ فِي الْخَفْضِ وَالدَّعَةِ وَحَالِهِ فِي الضَّنْكِ وَالشِّدَّةِ فَالتَّوَازُنُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمَا بِالظَّرْفَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ إِلَخْ وَفِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ إِلَخْ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَيْسَ مِنْ

قَبِيلِ تَبْيِينِ الْمُجْمَلِ وَلَكِنَّهُ تَمْيِيزٌ وَفَصْلٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ تَشْتَبِهُ أَوْ تَخْتَلِطُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ (أَمَّا) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [26] .

وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ وَيَكُونُ بِالْخَيْرِ وَبِالضُّرِّ لِأَنَّ فِي كِلَيْهِمَا اخْتِبَارًا لِثَبَاتِ النَّفْسِ وَخُلُقِ الْأَنَاةِ وَالصَّبْرِ قَالَ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الْأَنْبِيَاء: 35] وَبِذِكْرِ الِابْتِلَاءِ ظَهَرَ أَنَّ إِكْرَامَ اللَّهِ إِيَّاهُ إِكْرَامُ ابْتِلَاءٍ فَيَقَعُ عَلَى حَالَيْنِ، حَالٍ مَرْضِيَّةٍ وَحَالٍ غَيْرِ مَرْضِيَّةٍ وَكَذَلِكَ تَقْتِيرُ الرِّزْقِ تَقْتِيرُ ابْتِلَاءٍ يَقْتَضِي حَالَيْنِ أَيْضًا. قَالَ تَعَالَى: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النَّمْل: 40] وَقَالَ: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الْأَنْبِيَاء: 35] وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ الِاخْتِبَارُ بِالضُّرِّ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ.

وَالْمَعْنَى: إِذَا جَعَلَ رَبُّهُ مَا يَنَالُهُ مِنَ النِّعْمَةِ أَوْ مِنَ التَّقْتِيرِ مَظْهَرًا لِحَالِهِ فِي الشُّكْرِ وَالْكُفْرِ، وَفِي الصَّبْرِ وَالْجَزَعِ، تَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ بِذَلِكَ أَوْ أَهَانَهُ بِهَذَا.

وَالْإِكْرَامُ: قَالَ الرَّاغِبُ: أَنْ يُوصَلَ إِلَى الْإِنْسَانِ كَرَامَةٌ، وَهِيَ نَفْعٌ لَا تَلْحَقُ فِيهِ غَضَاضَةٌ وَلَا مَذَلَّةٌ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا يُوصَلُ إِلَيْهِ شَيْئًا كَرِيمًا، أَيْ شَرِيفًا قَالَ تَعَالَى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: 26]، أَيْ جَعَلَهُمْ كِرَامًا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْإِكْرَامَ يُطْلَقُ عَلَى إِعْطَاءِ الْمَكْرُمَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى جَعْلِ الشَّيْءِ كَرِيمًا فِي صِنْفِهِ فَيَصْدُقُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَكْرَمَهُ بِأَنْ يُصِيبَ الْإِنْسَانَ مَا هُوَ نَفْعٌ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ، أَوْ بِأَنْ جُعِلَ كَرِيمًا سَيِّدًا شَرِيفًا. وَقَوْلُهُ: فَأَكْرَمَهُ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِلْإِكْرَامِ وَقَوْلُهُ: فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ مِنَ الْمَعْنَى الثَّانِي لَهُ فِي كَلَامِ الرَّاغِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَنَعَّمَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللَّهَ يُنْعِمُ عَلَى الْكَافِرِينَ إِيقَاظًا لَهُمْ وَمُعَامَلَةً بِالرَّحْمَةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ

ص: 329

الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْكَافِرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَاتْرِيدِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيِّ. وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْمَاتْرِيدِيُّ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ.

وَمَعْنَى نَعَّمَهُ جَعَلَهُ فِي نِعْمَةٍ، أَيْ فِي طِيبِ عَيْشٍ.

وَمَعْنَى: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَعْطَاهُ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ، وَمِنْهُ التَّقْتِيرُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عِوَضًا عَنِ الدَّالِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقِلَّةِ وَيُقَابِلُهُ بَسْطُ الرِّزْقِ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ [الشورى: 27] .

وَالْهَاءُ فِي رِزْقَهُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْإِنْسانُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ،

وَيَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى رَبُّهُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ.

وَالْإِهَانَةُ: الْمُعَامَلَةُ بِالْهُونِ وَهُوَ الذُّلُّ.

وَإِسْنَادُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ

فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ إِلَى الرَّبِّ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَرَامَةَ وَالنعْمَة انساقت للْإنْسَان أَوِ انْسَاقَ لَهُ قَدَرُ الرِّزْقِ بِأَسْبَابٍ مِنْ جَعْلِ اللَّهِ وَسُنَنِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا يُصَادِفُ بَعْضُ الْحَوَادِثِ بَعْضًا، وَأَسْبَابُ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ حُصُولِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَبَيْنَ مَنْ تَقَعُ بِهِ مِنَ النَّاسِ فِي فُرَصِهَا وَمُنَاسَبَاتِهَا.

وَالْقَوْلُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ الْإِنْسَانُ عَنِ اعْتِقَادٍ. فَالْمَعْنَى:

فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي، مُعْتَقِدًا ذَلِكَ، وَيَقُولُ: رَبِّي أَهَانَنِي، مُعْتَقِدًا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ عَنْ أَنْ يَفْتَخِرُوا بِالنِّعْمَةِ، أَوْ يَتَذَمَّرُوا مِنَ الضِّيقِ وَالْحَاجَةِ، وَنَظِيرُ اسْتِعْمَالِ الْقَوْلِ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمرَان: 75] ، أَيِ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ فَقَالُوهُ وَاعْتَذَرُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ بَيْنَ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ.

وَتَقْدِيمُ رَبِّي على فعل أَكْرَمَنِ وَفعل أَهانَنِ، دُونَ أَنْ يَقُولَ: أَكْرَمَنِي رَبِّي أَوْ أَهَانَنِي رَبِّي، لِقَصْدِ تَقَوِّي الْحُكْمِ، أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ جَازِمًا بِهِ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ.

وَجَمُلَتَا: فَيَقُولُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَوَابَانِ لِ أَمَّا الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَيْ يَطَّرِدُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ كُلَّمَا حَصَلَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَكُلَّمَا حَصَلَ لَهُ تَقْتِيرُ رِزْقٍ.

ص: 330

وَأُوثِرَ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ فِي الْجَوَابَيْنِ لِإِفَادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَتَجَدُّدِهِ كُلَّمَا حَصَلَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ.

وَحَرْفُ كَلَّا زَجْرٌ عَنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ رَبِّي أَكْرَمَنِ عِنْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ. وَقَوله:

رَبِّي أَهانَنِ عِنْد مَا يَنَالُهُ تَقْتِيرٌ، فَهُوَ رَدْعٌ عَنِ اعْتِقَادِ ذَلِكَ فَمَنَاطُ الرَّدْعِ كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهُمَا صَادِرٌ عَنْ تَأَوُّلٍ بَاطِلٍ، أَيْ لَيْسَتْ حَالَةُ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا دَلِيلًا عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مُرَادُ اللَّهِ بِالطُّرُقِ الَّتِي أَرْشَدَ اللَّهُ إِلَيْهَا بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ وَشَرَائِعِهِ، قَالَ تَعَالَى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً إِلَى قَوْلِهِ: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [103- 105] . فَرُبَّ رَجُلٍ فِي نِعْمَةٍ فِي الدُّنْيَا هُوَ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ وَرُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَطْرُودٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ.

فَمَنَاطُ الرَّدْعِ جَعْلُ الْإِنْعَامِ عَلَامَةً عَلَى إِرَادَةِ اللَّهِ إِكْرَامَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَجَعْلُ التَّقْتِيرِ

عَلَامَةً عَلَى إِرَادَةِ الْإِهَانَةِ، وَلَيْسَ مَنَاطُهُ وُقُوعُ الْكَرَامَةِ وَوُقُوعُ الْإِهَانَةِ لِأَنَّ اللَّهَ أَهَانَ الْكَافِرَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَلَوْ شَاءَ إِهَانَتَهُ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ الْكُفْرِ لَأَهَانَ جَمِيعَ الْكَفَرَةِ بِتَقْتِيرِ الرِّزْقِ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ إِثْبَاتِ إِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْسَانَ بِقَوْلِهِ: فَأَكْرَمَهُ وَبَيْنَ إِبْطَالِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كَلَّا لِأَنَّ الْإِبْطَالَ وَارِدٌ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْإِنْسَانُ بِقَوْلِهِ: رَبِّي أَكْرَمَنِ أَنَّ مَا نَالَهُ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَامَةٌ عَلَى رِضَى اللَّهِ عَنْهُ.

فَالْمَعْنَى: أَنَّ لِشَأْنِ اللَّهِ فِي مُعَامَلَتِهِ النَّاسَ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَسْرَارًا وَعِلَلًا لَا يُحَاطُ بِهَا، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَهَالَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِدْرَاكِ سِرِّهَا بِأَقْيِسَةٍ وَهْمِيَّةٍ، وَالِاسْتِنَادِ لِمَأْلُوفَاتٍ عَادِيَّةٍ، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَتَطَلَّبُوا الْحَقَائِقَ مِنْ دَلَائِلِهَا الْعَقْلِيَّةِ، وَأَنْ يَعْرِفُوا مُرَادَ اللَّهِ مِنْ وَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ أَنْ يَحِيدُوا بِالْأَدِلَّةِ عَنْ مَدْلُولِهَا. وَأَنْ يَسْتَنْتِجُوا الْفُرُوعَ مِنْ غَيْرِ أُصُولِهَا.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُمْ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَيَتَوَسَّمُونَ التَّوَسُّمَ الْمُسْتَنِدَ إِلَى الْهَدْيِ وَلَا يَخْلِطُونَ وَلَا يَخْبِطُونَ.

ص: 331

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو رَبِّيَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ: أَكْرَمَنِ، وأَهانَنِ بِيَاءٍ بَعْدَ النُّونِ فِي الْوَصْلِ وَبِحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ.

وَقَرَأَهُمَا ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، وَقَرَأَهُمَا ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِدُونِ يَاءٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَهُوَ مَرْسُومٌ فِي الْمُصحف بِدُونِ نون بعد الياءين وَلَا مُنَافَاةَ بَين الرِّوَايَة وَاسم الْمُصْحَفِ. وكَلَّا رَدْعٌ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ أَيْ لَيْسَ ابْتِلَاءُ اللَّهِ الْإِنْسَانَ بِالنَعِيمِ وَبِتَقْتِيرِ الرِّزْقِ مُسَبَّبًا عَلَى إِرَادَةِ اللَّهِ تَكْرِيمَ الْإِنْسَانِ وَلَا عَلَى إِرَادَتِهِ إِهَانَتَهُ.

وَهَذَا رَدْعٌ مُجْمَلٌ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْقُرْآنُ لِتَبْيِينِهِ اكْتِفَاءً بِتَذْيِيلِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الثَّلَاثِ فِي نِعْمَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الْفجْر: 14] بَعْدَ قَوْلِهِ: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ [الْفجْر: 13] .

بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ 18 وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا 19 وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا 20

بَلْ إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ. وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ وَالْمُنْتَقِلِ إِلَيْهِ مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ لِمَضْمُونِ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ مِنْ جِهَةِ مَا تَوَهَّمُوهُ أَنَّ نِعْمَةَ مَالِهِمْ وَسَعَةَ عَيْشِهِمْ تَكْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، فَنَبَّهَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُكْرِمُوا عَبِيدَهُ شُحًّا بِالنِّعْمَةِ إِذْ حَرَمُوا أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ وَإِذْ يَسْتَزِيدُونَ مِنَ الْمَالِ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ دَحْضٌ لِتَفَخُّرِهِمْ بِالْكَرَمِ وَالْبَذْلِ.

فَجُمْلَةُ: لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ اسْتِئْنَافٌ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْإِضْرَابُ، فَهُوَ إِمَّا اسْتِئْنَافُ ابْتِدَاءِ كَلَامٍ، وَإِمَّا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ كَلَّا وَأُخْتِهَا كَمَا سَيَأْتِي وإكرام الْيَتِيم: سدخلته، وَحُسْنُ مُعَامَلَتِهِ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ لِفَقْدِ عَائِلِهِ، وَلِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي يَتْرُكُهَا الْآبَاءُ لِأَبْنَائِهِمُ الصِّغَارِ. وَقَدْ كَانَتِ الْأَمْوَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَدَاوَلُهَا رُؤَسَاءُ الْعَائِلَاتِ.

ص: 332

وَالْبِرُّ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ انْكِسَارِ الْخَاطِرِ لِشُعُورِهِ بِفَقْدِ مَنْ يُدِلُّ هُوَ عَلَيْهِ.

والْيَتِيمَ: الصَّبِيُّ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَتَعْرِيفُهُ لِلْجِنْسِ، أَيْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتَامَى. وَكَذَلِكَ تَعْرِيفُ الْمِسْكِينِ وَنَفْيُ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ نَفْيٌ لِإِطْعَامِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهِيَ دَلَالَةُ فَحْوَى الْخِطَابِ، أَيْ لِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِالْمَسَاكِينِ لَا يَنْفَعُونَهُمْ وَلَوْ نَفْعَ وَسَاطَةٍ، بَلْهَ أَنْ يَنْفَعُوهُمْ بِالْبَذْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.

وطَعامِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا بِمَعْنى المطعوم، فالتقدير: وَلَا تحضون عَلَى إِعْطَاءِ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمِسْكِينِ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَصْدَرِ أَطْعَمَ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تَحُضُّونَ عَلَى إِطْعَامِ الْأَغْنِيَاءِ الْمَسَاكِينَ فَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمِسْكِينِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ.

والْمِسْكِينِ: الْفَقِيرُ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.

وَقَدْ حَصَلَ فِي الْآيَةِ احْتِبَاكٌ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نُفِيَ إِكْرَامُهُمُ الْيَتِيمَ وَقُوبِلَ بِنَفْيِ أَنْ يَحُضُّوا عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَحُضُّونَ عَلَى إِكْرَامِ أَيْتَامِهِمْ، أَيْ لَا يَحُضُّونَ أَوْلِيَاءَ الْأَيْتَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُطْعِمُونَ الْمَسَاكِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَضُّ عَلَى الطَّعَامِ كِنَايَةً عَنِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّ مَنْ يَحُضُّ عَلَى فَعْلِ شَيْءٍ يَكُونُ رَاغِبًا فِي التَّلَبُّسِ بِهِ فَإِذَا تَمَكَّنَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْر: 3] أَيْ عَمِلُوا بِالْحَقِّ وَصَبَرُوا وَتَوَاصَوْا بِهِمَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لَا تُكْرِمُونَ، وَلَا تَحُضُّونَ، وَتَأْكُلُونَ، وَتُحِبُّونَ» بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ بِطَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ الْآيَاتِ لِقَصْدِ مُوَاجَهَتِهِمْ بِالتَّوْبِيخِ، وَهُوَ بِالْمُوَاجَهَةِ أَوْقَعُ مِنْهُ بِالْغَيْبَةِ. وَقَرَأَهَا أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْغَيْبَةِ لِتَعْرِيفِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَضْحًا لِدَخَائِلِهِمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَداً أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [الْبَلَد: 6، 7] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَلَا تَحُضُّونَ بِضَمِّ الْحَاءِ مُضَارِعَ حَضَّ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ

ص: 333

وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ تَحَاضُّونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَأَلِفٍ بَعْدَهَا مُضَارِعُ حَاضَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَصْلُهُ تَتَحَاضُّونُ فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اخْتِصَارًا للتَّخْفِيف أَي تتمالؤون عَلَى تَرْكِ الْحَضِّ عَلَى الْإِطْعَامِ.

والتُّراثَ: الْمَالُ الْمَوْرُوثُ، أَيِ الَّذِي يُخْلِفُهُ الرَّجُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَارِثِهِ وَأَصْلُهُ:

وُرَاثٌ بِوَاوٍ فِي أَوَّلِهِ بِوَزْنِ فُعَالٍ مِنْ مَادَّةِ وَرِثَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ الدُّقَاقِ، وَالْحُطَامِ، أُبْدِلَتْ وَاوُهُ تَاءً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا فَعَلُوا فِي تُجَاهَ، وَتُخَمَةٍ، وَتُهْمَةٍ، وَتُقَاةٍ وَأَشْبَاهِهَا.

وَالْأَكْلُ: مُسْتَعَارٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ انْتِفَاعًا لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَأَحْسِبُ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ إِذْ لَمْ أَقِفْ عَلَى مِثْلِهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

وَتَعْرِيفُ التُّرَاثِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ تُرَاثُ الْيَتَامَى وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ أَمْوَالِ مُوَرِّثِيهِمْ.

وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: تَأْكُلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ التُّرَاثُ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَمِنْهُ يَظْهَرُ وَجْهُ إِيثَارِ لَفْظِ التُّرَاثِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَتَأْكُلُونَ الْمَالَ لِأَنَّ التُّرَاثَ مَالٌ مَاتَ صَاحِبُهُ وَأَكْلُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ الْمَالَ عَاجِزٌ عَنِ الذَّبِّ عَنْ مَالِهِ لِصِغَرٍ أَوْ أُنُوثَةٍ.

وَاللَّمُّ: الْجَمْعُ، وَوَصْفُ الْأَكْلِ بِهِ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ أَكْلًا جَامِعًا مَالَ الْوَارِثِينَ إِلَى مَالِ الْآكِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاء: 2] .

وَالْجَمُّ: الْكَثِيرُ، يُقَالُ: جَمَّ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ، إِذَا كَثُرَ، وَبِئْرٌ جَمُومٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ:

كَثِيرَةُ الْمَاءِ، أَيْ حُبًّا كَثِيرًا، وَوَصْفُ الْحُبِّ بِالْكَثْرَةِ مُرَادٌ بِهِ الشِّدَّةُ لِأَنَّ الْحُبَّ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ لَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ الَّتِي هِيَ وَفْرَةُ عَدَدِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ.

فَالْجَمُّ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ، أَيْ حُبًّا مُفْرِطًا، وَذَلِكَ مَحَلُّ ذَمِّ حُبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ إِفْرَادَ حُبِّهِ يُوقِعُ فِي الْحِرْصِ عَلَى اكْتِسَابِهِ بِالْوَسَائِلِ غَيْرِ الْحَقِّ كَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ

وَالسَّرِقَةِ وَأَكَلِ الْأَمَانَاتِ

ص: 334