المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 إلى 96] - التحرير والتنوير - جـ ٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 82 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 106 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 112 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 114 إِلَى 115]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 116 إِلَى 118]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 120]

- ‌6- سُورَةُ الْأَنْعَامِ

- ‌أَغْرَاَضُ هَذِهِ الْسُورَة

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 22 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 61 الى 62]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 72 الى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 76 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 84 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 106 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 110]

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 إلى 96]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ انْتُقِلَ بِهِ مِنْ تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَالرِّسَالَةِ وَأَفَانِينِ الْمَوَاعِظِ وَالْبَرَاهِينِ الَّتِي تَخَلَّلَتْ ذَلِكَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ وَالِاعْتِبَارِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ الْمُشَاهَدَةِ، عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بالإلهيّة المستلزم لِانْتِفَاءِ الْإِلَهِيَّةِ عَمَّا لَا تَقْدِرُ عَلَى مَثْلِ هَذَا الصُّنْعِ الْعَجِيبِ، فَلَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُعْبَدَ وَلَا أَنْ تُشْرَكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَةِ إِذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْإِلَهِيَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إِبْطَالًا لِشِرْكِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدِ الْمُعَطِّلِينَ مِنَ الدَّهْرِيِّينَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِي ذَلِكَ امْتِنَانٌ عَلَى الْمَقْصُودِينَ مِنَ الْخِطَابِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، أَيْ فَتَكْفُرُونَ النِّعْمَةَ. وَفِيهِ عِلْمٌ وَيَقِينٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ وَاسْتِزَادَةٌ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَشُكْرِهِمْ.

وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِ إِنَّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ أَحَدٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ فَاعِلُ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا، وَلَكِنَّ النَّظَرَ وَالِاعْتِبَارَ فِي دَلَالَةِ الزَّرْعِ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا قَدَرَ عَلَى إِمَاتَةِ الْحَيِّ، لَمَّا كَانَ نَظَرًا دَقِيقًا قَدِ انْصَرَفَ عَنهُ الْمُشْركُونَ فاجترأوا عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ، كَانَ حَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ أَنْكَرَ أَوْ شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، فَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِحَرْفِ (إِنَّ) .

وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ دَوَامه لِأَنَّهُ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَصْفُ الْفِعْلِ أَوْ وَصْفُ الْقُدْرَةِ وَتَعَلُّقَاتِهَا فِي مُصْطَلَحِ مَنْ لَا يُثْبِتُ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الِاكْتِفَاءَ بِدَلَالَةِ فَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَالِانْتِقَالِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى دَلَالَتِهِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ فِي الْبَعْثِ، لَمْ يُؤْتَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِمَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْقَصْرِ.

ص: 387

وَالْفَلْقُ: شَقُّ وَصَدْعُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ عَنْ بَعْضٍ، وَالْمَقْصُودُ الْفَلْقُ الَّذِي تَنْبَثِقُ مِنْهُ وَشَائِجُ النَّبْتِ وَالشَّجَرِ وَأُصُولُهَا، فَهُوَ مَحَلِّ الْعِبْرَةِ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ.

وَالْحَبُّ اسْمُ جَمْعٍ لِمَا يُثْمِرُهُ النَّبْتُ، وَاحِدُهُ حَبَّةٌ. وَالنَّوَى اسْمُ جَمْعِ نَوَاةِ، وَالنَّوَاةُ قَلْبُ التَّمْرَةِ. وَيُطْلَقُ عَلَى مَا فِي الثِّمَارِ مِنَ الْقُلُوبِ الَّتِي مِنْهَا يُنْبِتُ شَجَرَهَا مِثْلَ الْعِنَبِ

وَالزَّيْتُونَ، وَهُوَ الْعَجَمُ بِالتَّحْرِيكِ اسْمُ جَمْعِ عُجْمَةَ.

وَجُمْلَةُ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فِي مَحَلِّ خَبَرٍ ثَانٍ عَنِ اسْمِ (إِنَّ) تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَيَانِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَهُوَ الْفَلْقُ الَّذِي يُخْرِجُ مِنْهُ نَبْتًا أَوْ شَجَرًا نَامِيًا ذَا حَيَاةٍ نَبَاتِيَّةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْحَبَّةُ وَالنَّوَاةُ جِسْمًا صُلْبًا لَا حَيَاةَ فِيهِ وَلَا نَمَاءَ. فَلِذَلِكَ رَجَّحَ فَصْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا إِلَّا أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى إِخْرَاجِ الْحَيَوَانِ مِنْ مَاءِ النُّطْفَةِ أَوْ مِنَ الْبَيْضِ، فَهِيَ خَبَرٌ آخَرُ وَلَكِنَّهُ بِعُمُومِهِ يُبَيِّنُ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ، فَلِذَلِكَ يَحْسُنُ فَصْلُ الْجُمْلَةِ، أَوْ عَدَمُ عَطْفِ أَحَدِ الْأَخْبَارِ.

وَعَطَفَ عَلَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ قَوْلَهُ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِضِدِّ مَضْمُونِ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَصُنْعٍ آخَرَ عَجِيبٍ دَالٍّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَنَافٍ تَصَرُّفَ الطَّبِيعَةِ بِالْخَلْقِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنَ الْعَالِمِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ عَلَى أَحْوَالٍ مُتَضَادَّةٍ بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْ سَبَبٍ طَبْعِيٍّ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَكْمِلَةُ بَيَانٍ لِمَا أَجْمَلَهُ قَوْلُهُ: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى، لِأَنَّ فَلْقَ الْحَبِّ عَنِ النَّبَاتِ وَالنَّوَى عَنِ الشَّجَرِ يَشْمَلُ أَحْوَالًا مُجْمَلَةً، مِنْهَا حَالُ إِثْمَارِ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ: حَبًّا يَيْبَسُ وَهُوَ فِي قَصَبِ نَبَاتِهِ فَلَا تَكُونُ فِيهِ حَيَاةٌ، وَنَوَى فِي بَاطِنِ الثِّمَارِ يَبَسًا لَا حَيَاةَ فِيهِ كَنَوَى الزَّيْتُونِ وَالتَّمْرِ، وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيَانِ بِإِخْرَاجِ الْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَالْمِسْكِ وَاللُّؤْلُؤِ وَحَجَرِ (الْبَازهرِ) مِنْ بَوَاطِنِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ، فَظَهَرَ صُدُورُ الضِّدَّيْنِ عَنِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ تَمَامَ الظُّهُورِ.

ص: 388

وَقَدْ رَجَّحَ عَطْفُ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لِقَوْلِهِ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أَيْ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلَ سَكَناً. وَجَعَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» عَطْفًا عَلَى فالِقُ الْحَبِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَضْمُونَ قَوْلِهِ: مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ فالِقُ الْحَبِّ لِأَنَّ فَلْقَ الْحَبِّ يَنْشَأُ عَنْهُ إِخْرَاجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ لَا الْعَكْسُ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ عَلَاقَةَ وَصْفِ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بِخَبَرِ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أَقْوَى مِنْ عَلَاقَتِهِ بِخَبَرِ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى.

وَقَدْ جِيءَ بِجُمْلَةِ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فِعْلِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَتَجَدَّدُ وَيَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ آنٍ، فَهُوَ مُرَادٌ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ.

وَجِيءَ فِي قَوْلِهِ: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ اسْمًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، فَحَصَلَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ مُتَجَدِّدٌ وَثَابِتٌ، أَيْ كَثِيرٌ وَذَاتِيٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الْإِخْرَاجَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ قَرِينِهِ فَكَانَ فِي الْأُسْلُوبِ شِبْهُ الِاحْتِبَاكِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمُ لِزِيَادَةِ التَّمْيِيزِ وَلِلتَّعْرِيضِ بِغَبَاوَةِ الْمُخَاطَبِينَ الْمُشْرِكِينَ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِلَهِيَّةِ، أَيْ ذَلِكُمُ الْفَاعِلُ الْأَفْعَالِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْفَلْقِ وَإِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْخَلْقُ باسمه الْعَظِيم الدالّ عَلَى أَنَّهُ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ، الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ وَصْفُ الْإِلَهِيَّةِ فَلَا تَعْدِلُوا بِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِالتَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ.

وَالْأَفْكُ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- مَصْدَرُ أَفَكَهُ يَأْفِكُهُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ، إِذَا صَرَفَهُ عَنْ مَكَانٍ أَوْ عَنْ عَمَلٍ، أَيْ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ.

وَ (أَنَّى) بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يُوجَدُ مُوجِبٌ يَصْرِفُكُمْ عَنْ تَوْحِيدِهِ. وَبُنِيَ فِعْلُ تُؤْفَكُونَ لِلْمَجْهُولِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ

ص: 389

صَارِفِهِمْ عَنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَهُوَ مَجْمُوعُ أَشْيَاءَ: وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَتَضْلِيلِ قَادَتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ، وَهَوَى أَنْفُسِهِمْ.

وَجُمْلَةُ (ذَلِكُمُ اللَّهُ) مُسْتَأْنَفَةٌ مَقْصُودٌ مِنْهَا الِاعْتِبَارُ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ: ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ اعْتِرَاضًا.

وفالِقُ الْإِصْباحِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا رَابِعًا عَنِ اسْمِ (إِنَّ) ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِاسْمِ الْجَلَالَةِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ اعْتِرَاضًا.

وَالْإِصْبَاحُ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَصْبَحَ الْأُفُقُ، إِذَا صَارَ ذَا صَبَاحٍ، وَقَدْ سَمَّى بِهِ الصَّبَاحَ، وَهُوَ ضِيَاءُ الْفَجْرِ فَيُقَابِلُ اللَّيْلَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

وَفَلْقُ الْإِصْبَاحِ اسْتِعَارَةٌ لِظُهُورِ الضِّيَاءِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِفَلْقِ الظُّلْمَةِ عَنِ الضِّيَاءِ، كَمَا اسْتُعِيرَ لِذَلِكَ أَيْضًا السَّلْخُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] . فَإِضَافَةُ فالِقُ إِلَى الْإِصْباحِ حَقِيقِيَّةٌ وَهِيَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ.

وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَهُ شَائِبَةُ الِاسْمِيَّةِ فَيُضَافُ إِضَافَةً حَقِيقِيَّةً، وَلَهُ شَائِبَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَيُضَافُ إِضَافَةً لَفْظِيَّةً. وَهُوَ هُنَا لَمَّا كَانَ دَالًّا عَلَى وَصْفٍ فِي الْمَاضِي ضَعُفَ شَبَهُهُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُشْبِهُ الْمُضَارِعَ فِي الْوَزْنِ وَزَمَنِ الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ. وَقَدْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَفْعُولِيَّةُ عَلَى التَّوَسُّعِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، أَيْ فَالِقٌ عَنِ الْإِصْبَاحِ فَانْتَصَبَ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَلِذَلِكَ سَمَّوُا الصُّبْحَ فَلَقًا- بِفَتْحَتَيْنِ- بِزِنَةِ مَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَمَا قَالُوا مَسْكَنٌ، أَيْ مَسْكُونٌ إِلَيْهِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ عَلَى هَذَا لَفْظِيَّةً بِالتَّأْوِيلِ وَلَيْسَتْ إِضَافَتُهُ مِنْ إِضَافَةِ الْوَصْفِ إِلَى مَعْمُولِهِ إِذْ لَيْسَ الْإِصْبَاحُ مَفْعُولَ الْفَلْقِ وَالْمَعْنَى فَالِقٌ عَنِ الْإِصْبَاحِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَفْلُوقَ هُوَ اللَّيْلُ وَلِذَلِكَ فَسَّرُوهُ فَالِقَ ظُلْمَةِ الْإِصْبَاحِ، أَيِ الظُّلْمَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الصُّبْحُ وَهِيَ ظُلْمَةُ

الْغَبَشِ، فَإِنَّ فَلْقَ اللَّيْلِ عَنِ الصُّبْحِ أَبْدَعُ فِي مَظْهَرِ الْقُدْرَةِ وَأَدْخَلُ فِي الْمِنَّةِ بِالنِّعْمَةِ، لِأَنَّ الظُّلْمَةَ عَدَمٌ وَالنُّورَ وُجُودٌ. وَالْإِيجَادُ هُوَ مَظْهَرُ الْقُدْرَةِ

ص: 390

وَلَا يَكُونُ الْعَدَمُ ومظهرا لِلْقُدْرَةِ إِلَّا إِذَا تَسَلَّطَ عَلَى مَوْجُودٍ وَهُوَ الْإِعْدَامُ، وَفَلْقُ الْإِصْبَاحِ نِعْمَةٌ أَيْضًا عَلَى النَّاسِ لِيَنْتَفِعُوا بِحَيَاتِهِمْ وَاكْتِسَابِهِمْ.

وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنَا عَطْفٌ عَلَى فالِقُ الْإِصْباحِ.

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَجَرِّ اللَّيْلَ- لِمُنَاسَبَةِ الْوَصْفَيْنِ فِي الِاسْمِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ. وَجَعَلَ بِصِيغَة فعل الْمَاضِي وَبِنَصْبِ اللَّيْلَ.

وَعَبَّرَ فِي جَانِبِ اللَّيْلِ بِمَادَّةِ الْجَعْلِ لِأَنَّ الظُّلْمَةَ عَدَمٌ فَتَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ فِيهَا هُوَ تَعَلُّقُهَا بِإِزَالَةِ مَا يَمْنَعُ تِلْكَ الظُّلْمَةِ مِنَ الْأَنْوَارِ الْعَارِضَةِ لِلْأُفُقِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ فَلَقَ الْإِصْبَاحَ بِقُدْرَتِهِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ وَلَمْ يَجْعَلِ النُّورَ مُسْتَمِرًّا فِي الْأُفُقِ فَجَعَلَهُ عَارِضًا مُجَزَّءًا أَوْقَاتًا لَتَعُودَ الظَّلَمَةُ إِلَى الْأُفُقِ رَحْمَةً مِنْهُ بِالْمَوْجُودَاتِ لِيَسْكُنُوا بَعْدَ النَّصَبِ وَالْعَمَلِ فَيَسْتَجِمُّوا رَاحَتَهَمْ.

وَالسَّكَنُ- بِالتَّحْرِيكِ- عَلَى زِنَةِ مُرَادِفِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِثْلُ الْفَلْقِ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَفْعُولًا بِالتَّوَسُّعِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَهُوَ مَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ، أَيْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالسُّكُونُ فِيهِ مَجَازٌ. وَتُسَمَّى الزَّوْجَةُ سَكَنًا وَالْبَيْتُ سَكَنًا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً [النَّحْل: 80] ، فَمَعْنَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا أَنَّهُ جُعِلَ لِتَحْصُلَ فِيهِ رَاحَةُ النَّفْسِ مِنْ تَعَبِ الْعَمَلِ.

وَعَطَفَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ عَلَى اللَّيْلَ بِالنَّصْبِ رَعْيًا لِمَحَلِّ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ لِ جَاعِلُ بِنَاءً عَلَى الْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ. وَالْعَطْفُ عَلَى الْمَحَلِّ شَائِعٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلِ رَفْعِ الْمَعْطُوفِ عَلَى اسْمِ (إِنَّ) ، وَنَصْبِ الْمَعْطُوفِ عَلَى خَبَرِ لَيْسَ الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ.

وَالْحُسْبَانُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ حَسَبَ- بِفَتْحِ السِّينِ- كَالْغُفْرَانِ، وَالشُّكْرَانِ،

ص: 391