المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : آية 12] - التحرير والتنوير - جـ ٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 82 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 106 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 112 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 114 إِلَى 115]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 116 إِلَى 118]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 120]

- ‌6- سُورَةُ الْأَنْعَامِ

- ‌أَغْرَاَضُ هَذِهِ الْسُورَة

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 22 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 61 الى 62]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 72 الى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 76 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 84 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 106 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 110]

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : آية 12]

النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مُنَافِيًا لِكَوْنِهَا بَيَانًا لِأَنَّهُ خُوطِبَ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْبَيَانَ. فَالْمَقْصُودُ مَا بَعْدَ الْقَوْلِ.

وَافْتِتَاحُهَا بِالْأَمْرِ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ مَوْرِدَ الْمُحَاوِرَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الْأَنْعَام: 1] .

وَهَذِهِ سِلْسِلَةُ رُدُودٍ وَأَجْوِبَةٍ عَلَى مَقَالَتِهِمُ الْمَحْكِيَّةِ آنِفًا لِتَضَمُّنِهَا التَّصْمِيمَ عَلَى الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرِّسَالَةِ، فَكَانَتْ مُنْحَلَّةً إِلَى شُبَهٍ كَثِيرَةٍ أُرِيدَ رَدُّهَا وَتَفْنِيدُهَا فَكَانَتْ هَاتِهِ الرُّدُودُ كُلُّهَا مُفْتَتَحَةً بِكَلِمَةِ قُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ.

وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ، فَإِنَّ النَّظَرَ فِي عَاقِبَةِ الْمُكَذِّبِينَ هُوَ الْمَقْصِدُ مِنَ السَّيْرِ، فَهُوَ مِمَّا يُرْتَقَى إِلَيْهِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالسَّيْرِ، وَلِأَنَّ هَذَا النَّظَرَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَأَمُّلٍ وَتَرَسُّمٍ فَهُوَ أَهَمُّ مِنَ السَّيْرِ.

وَالنَّظَرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَصَرِيًّا وَأَنْ يَكُونَ قَلْبِيًّا، وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَقَدْ عَلَّقَهُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ نَصْبِ مَفْعُولِهِ أَوْ مَفْعُولَيْهِ. وكَيْفَ خَبَرٌ لِ كانَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وُجُوبًا.

وَالْعَاقِبَةُ آخِرُ الشَّيْءِ وَمَآلُهُ وَمَا يَعْقُبُهُ مِنْ مُسَبَّبَاتِهِ. وَيُقَالُ: عَاقِبَةٌ وَعُقْبَى، وَهِيَ اسْمٌ كَالْعَافِيَةِ وَالْخَاتِمَةِ.

وإنّما وصفوا ب الْمُكَذِّبِينَ دُونَ الْمُسْتَهْزِئِينَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ كَانَا خُلُقَيْنِ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَذَيْنِ الْخُلُقَيْنِ كَافٍ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْعَاقِبَةِ، إِذْ قَالَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الْأَنْعَام: 10] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

وَهَذَا رَدٌّ جَامِعٌ لِدَحْضِ ضَلَالَاتِهِمُ الْجَارِيَةِ عَلَى سُنَنِ ضَلَالَاتِ نُظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ السالفة المكذّبين.

[12]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 12]

قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

ص: 149

(12)

جُمْلَةُ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تَكْرِيرٌ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ تَضَمَّنَ اسْتِفْهَامًا تَقْرِيرِيًّا، والتقرير من مقتضيان التَّكْرِيرِ، لِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفِ الْجُمْلَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ تَصْدِيرُ هَذَا الْكَلَامِ بِالْأَمْرِ بِأَنْ يَقُولَهُ مَقْصُودًا بِهِ الِاهْتِمَامُ بِمَا بَعْدَ فِعْلِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَنُبَيِّنُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [40] . وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي التَّقْرِيرِ.

وَالتَّقْرِيرُ هَنَا مُرَادٌ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ، وَهُوَ تَبْكِيتُ الْمُشْرِكِينَ وَإِلْجَاؤُهُمْ إِلَى الْإِقْرَار بِمَا يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ مُعْتَقَدِهِمُ الشِّرْكَ، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ مَعَ مَعْنَاهُ الصَّرِيحِ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى الْكِنَائِيُّ.

وَلِكَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ الْإِلْجَاءُ إِلَى الْإِقْرَارِ كَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا يُرِيدُهُ السَّائِلُ مِنْ إِقْرَارِ الْمَسْئُولِ مُحَقَّقًا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى الْجَحْدِ فِيهِ أَوِ الْمُغَالَطَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرِ

السَّائِلُ جَوَابَهُمْ وَبَادَرَهُمُ الْجَوَابَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: لِلَّهِ تَبْكِيتًا لَهُمْ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ إِبْلَاغِ الْحُجَّةِ مُقَدَّرَةً فِيهِ مُحَاوَرَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مُحَاوَرَةً حَقِيقِيَّةً. وَهَذَا مِنْ أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصَّادِرِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ. فَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُقَدَّرُ إِلْجَاؤُهُمْ إِلَى الْجَوَابِ سَوَاءً أَنْصَفُوا فَأَقَرُّوا حَقِّيَّةَ الْجَوَابِ أَمْ أَنْكَرُوا وَكَابَرُوا فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ دَمْغِهِمْ بِالْحُجَّةِ. وَهَذَا أُسْلُوبٌ مُتَّبَعٌ فِي الْقُرْآنِ، فَتَارَةً لَا يُذْكَرُ جَوَابٌ مِنْهُمْ كَمَا هُنَا، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [الرَّعْد: 16]، وَقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى - إِلَى قَوْلِهِ- قُلِ اللَّهُ [الْأَنْعَام: 91] ، وَتَارَةً يَذْكُرُ مَا سَيُجِيبُونَ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ مَنْسُوبًا إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُجِيبُونَ بِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْبِيخٍ وَنَحْوِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ- إِلَى قَوْلِهِ- قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 84- 89] .

وَابْتُدِئَ بِإِبْطَالِ أَعْظَمِ ضَلَالِهِمْ. وَهُوَ ضَلَالُ الْإِشْرَاكِ. وَأُدْمِجَ مَعَهُ ضَلَالُ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ الْمُبْتَدَأَ بِهِ السُّورَةُ بَعْدَ أَنِ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِنْذَارِ النَّاشِئِ عَنْ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ دَلِيلُ الْوَحْدَانِيَّةِ السَّالِفُ دَالًّا عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَحْوَالِهَا بِالصَّرَاحَةِ، وَعَلَى عُبُودِيَّةِ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي تَشْمَلُهَا بِالِالْتِزَامِ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تِلْكَ الْعُبُودِيَّةَ بِالصَّرَاحَةِ فَقَالَ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ.

ص: 150

وَقَوْلُهُ: لِلَّهِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي السَّماواتِ. إِلَخْ. وَيُقَدَّرُ الْمُبْتَدَأُ مُؤَخَّرًا عَنِ الْخَبَرِ عَلَى وِزَانِ السُّؤَالِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِفَادَةُ الْحَصْرِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ لِلْمِلْكِ دَلَّتْ عَلَى عُبُودِيَّةِ النَّاسِ لِلَّهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَتَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْعَبْدَ صَائِرٌ إِلَى مَالِكِهِ لَا مَحَالَةَ، وَفِي ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِدَلِيلِ الْبَعْثِ السَّابِقِ الْمَبْنِيِّ عَلَى إِثْبَاتِ الْعُبُودِيَّةِ بِحَقِّ الْخَلْقِ. وَلَا سَبَبَ لِلْعُبُودِيَّةِ أَحَقُّ وَأَعْظَمُ مِنَ الْخَالِقِيَّةِ، وَيَسْتَتْبِعُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ الْإِنْذَارُ بِغَضَبِهِ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ.

وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِلَهِيَّةِ، لِأَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَمْلِكُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِذْ مُلْكُ ذَلِكَ لِخَالِقِ ذَلِكَ. وَهُوَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْيَاءِ لَا يُهْمِلُ مُحَاسَبَتَهَا.

وَجُمْلَةُ: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ مُعْتَرِضَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْمَقُولِ الَّذِي أُمِرَ الرَّسُولُ بِأَنْ يَقُولَهُ. وَفِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَا بَعْدَهُ لَمَّا كَانَ مُشْعِرًا بِإِنْذَارٍ بِوَعِيدٍ قَدَّمَ لَهُ التَّذْكِيرَ بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِعَبِيدِهِ عَسَاهُمْ يَتُوبُونَ وَيُقْلِعُونَ عَنْ عِنَادِهِمْ، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْأَنْعَام: 54] ، وَالشِّرْكُ بِاللَّه أعظم سوء وَأَشَدُّ تَلَبُّسًا بِجَهَالَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ عَدَمِ تَعْجِيلِ أَخْذِهِمْ عَلَى شِرْكِهِمْ بِمَنْ هُمْ مِلْكُهُ. فَالْكَافِرُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَا تَقُولُونَ صِدْقًا لَعَجَّلَ لَنَا الْعَذَاب، وَالْمُؤمن يستبطىء تَأْخِيرَ عِقَابِهِمْ، فَكَانَ قَوْلُهُ: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ جَوَابًا لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِأَنَّهُ تَفَضُّلٌ بِالرَّحْمَةِ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ كَامِلَةٌ: وَهَذِهِ رَحْمَتُهُ بِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمِنْهَا رَحْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ وَهِيَ رَحْمَةُ الْإِمْهَالِ وَالْإِمْلَاءِ لِلْعُصَاةِ وَالضَّالِّينَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ مِنَ التَّمْهِيدِ لِمَا فِي جُمْلَةِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ.

ذُكِرَتْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعْرِيضًا بِبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ.

ص: 151

الرَّابِعُ: أَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَجَّى أُمَّةَ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ الَّذِي عَذَّبَ بِهِ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ رُسُلَهَا مِنْ قَبْلُ، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ النَّبِيءِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ بِحُكْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاء:

107] ، وَإِذْ أَرَادَ تَكْثِيرَ تَابِعِيهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْضِ عَلَى مُكَذِّبِيهِ قَضَاءً عَاجِلًا بَلْ أَمْهَلَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ لِيَخْرُجَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، كَمَا رَجَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: 32] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الْأَنْفَال: 33] . وَقَدْ حَصَلَ مَا رَجَاهُ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْبَثْ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَأَيَّدَ اللَّهُ بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ دِينَهُ وَرَسُولَهُ وَنَشَرُوا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ فِي آفَاقِ الْأَرْضِ. وَإِذْ قَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الدِّينُ خَاتِمَةَ الْأَدْيَانِ كَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ إِمْهَالُ الْمُعَانِدِينَ لَهُ وَالْجَاحِدِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ لَوِ اسْتَأْصَلَهُمْ فِي أَوَّلِ ظُهُورِ الدِّينِ لَأَتَى عَلَى مَنْ حَوَتْهُ مَكَّةُ مِنْ مُشْرِكٍ وَمُسْلِمٍ، ثُمَّ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، كَمَا

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لَمَّا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ، قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ثُمَّ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» .

فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ لَارْتَفَعَ بِذَلِكَ هَذَا الدِّينُ فَلَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنْ جَعْلِهِ خَاتِمَةَ الْأَدْيَانِ. وَقَدِ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ

يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ

فَقَالَ: أَعُوذُ بِسُبُحَاتِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ.

وَمَعْنَى كَتَبَ تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُهُ، بِأَنْ جَعَلَ رَحْمَتَهُ الْمَوْصُوفَ بِهَا بِالذَّاتِ مُتَعَلِّقَةً تَعَلُّقًا عَامًّا مُطَّرِدًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزْمَانِ وَالْجِهَاتِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُطَّرِدًا شُبِّهَتْ إِرَادَتُهُ بِالْإِلْزَامِ، فَاسْتُعِيرَ لَهَا فِعْلُ (كَتَبَ) الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَرِينَةُ هِيَ مَقَامُ الْإِلَهِيَّةِ، أَوْ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُلْزِمُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا اخْتِيَارًا وَإِلَّا فَإِنَّ غَيْرَهُ يَلْزَمُهُ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَخَلَّفُ كَالْأَمْرِ الْوَاجِبِ الْمَكْتُوبِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا تَأْكِيدَ وَعْدٍ أَوْ عَهْدٍ كَتَبُوهُ، كَمَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:

وَاذْكُرُوا حِلْفَ ذِي الْمَجَازِ وَمَا قُدِّمَ فِيهِ الْعُهُودُ وَالْكُفَلَاءُ حَذَرَ الْجَوْرِ وَالتَّطَاخِي وَهَلْ يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُِ

ص: 152

فَالرَّحْمَةُ هُنَا مَصْدَرٌ، أَيْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَرْحَمَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الصِّفَةَ، أَيْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الِاتِّصَافَ بِالرَّحْمَةِ، أَيْ بِكَوْنِهِ رَحِيمًا، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ لَهُ، وَالْوَاجِبُ الْعَقْلِيُّ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِرَادَةُ، إِلَّا إِذَا جَعَلْنَا كَتَبَ مُسْتَعْمَلًا فِي تَمَجُّزٍ آخَرَ، وَهُوَ تَشْبِيهُ الْوُجُوبِ الذَّاتِيِّ بِالْأَمْرِ الْمُحَتَّمِ الْمَفْرُوضِ، وَالْقَرِينَةُ هِيَ هِيَ إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَظْهَرُ فِي الِامْتِنَانِ، وَفِي الْمَقْصُودِ مِنْ شُمُولِ الرَّحْمَةِ لِلْعَبِيدِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ حَقِّ شُكْرِهِ وَالْمُشْرِكِينَ لَهُ فِي مُلْكِهِ غَيْرَهُ.

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» .

وَجُمْلَةُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ النَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ وَالْمُسَبَّبِ مِنَ السَّبَبِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُبْطِلَتْ أَهْلِيَّةُ أَصْنَامِهِمْ لِلْإِلَهِيَّةِ وَمُحِّضَتْ وَحْدَانِيَّةُ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ بَطَلَتْ إِحَالَتُهُمُ الْبَعْثَ بِشُبْهَةِ تَفَرُّقِ أَجْزَاءِ الْأَجْسَادِ أَوِ انْعِدَامِهَا.

وَلَامُ الْقَسَمِ وَنُونُ التَّوْكِيدِ أَفَادَا تَحْقِيقَ الْوَعِيدِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ اسْتِقْصَاءُ مُتَفَرَّقِ جَمِيعِ النَّاس أفرادا وأجزاءا مُتَفَرِّقَةً. وَتَعْدِيَتُهُ بِ إِلى لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى السُّوقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [87] .

وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ مُرَادٌ بِهِ خُصُوصُ الْمَحْجُوجِينَ مِنَ

الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَوَّلِهِ فَيَكُونُ نِذَارَةً لَهُمْ وَتَهْدِيدًا وَجَوَابًا عَنْ أَقَلِّ مَا يُحْتَمَلُ مِنْ سُؤَالٍ يَنْشَأُ عَنْ قَوْلِهِ: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَجُمْلَةُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَأَنَّ الْفَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ لِلتَّفْرِيعِ وَالسَّبَبِيَّةِ.

وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: فَأَنْتُمْ لَا تُؤْمِنُونَ لِأَنَّكُمْ خَسِرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَعَدَلَ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الْمَوْصُولِ لِإِفَادَةِ الصِّلَةِ أَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ.

ص: 153