المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : آية 105] - التحرير والتنوير - جـ ٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 82 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 106 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 112 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 114 إِلَى 115]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 116 إِلَى 118]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 120]

- ‌6- سُورَةُ الْأَنْعَامِ

- ‌أَغْرَاَضُ هَذِهِ الْسُورَة

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 22 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 61 الى 62]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 72 الى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 76 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 84 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 106 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 110]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

وَقَوْلُهُ قالُوا حَسْبُنا أَيْ كَافِينَا، إِذَا جُعِلَتْ (حَسْبُ) اسْمًا صَرِيحًا وَمَا وَجَدْنا هُوَ الْخَبَرَ، أَوْ كَفَانَا إِذَا جُعِلَتْ (حَسْبُ) اسْمَ فِعْلٍ وَمَا وَجَدْنا هُوَ الْفَاعِلَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [173] .

وَ (عَلَى) فِي قَوْلِهِ: مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا مَجَازٌ فِي تَمَكُّنِ التَّلَبُّسِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .

وَقَوْلُهُ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَخْ، تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [170] عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ الْآيَةَ.

وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْآيَةِ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي تَنَازُعٍ بَيْنَ أَهْلِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَهْلِ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، فَأَمَّا الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنِ اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. فَتَحْمِيلُ الْآيَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِكْرَاهٌ لِلْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنى.

[105]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 105]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)

تَذْيِيلٌ جَرَى عَلَى مُنَاسَبَةٍ فِي الِانْتِقَالِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مُكَابَرَةَ الْمُشْرِكِينَ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ دَعْوَةِ الْخَيْرِ عَقَّبَهُ بِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِينَ حُدُودَ انْتِهَاءِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ إِذَا ظَهَرَتِ الْمُكَابَرَةُ، وَعَذَرَ الْمُسْلِمِينَ بِكِفَايَةِ قِيَامِهِمْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، فَأَعْلَمَهُمْ هُنَا أَنْ لَيْسَ تَحْصِيلُ أَثَرِ الدُّعَاءِ على الْخَيْر بمسؤولين عَنْهُ، بَلْ عَلَى الدَّاعِي بَذْلُ جَهْدِهِ وَمَا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يُصْغِ الْمَدْعُوُّ إِلَى الدَّعْوَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْقَصَص: 56] .

وعَلَيْكُمْ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمُوا، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ أَنْ يُقَالَ: عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، فَتَكُونُ جُمْلَةً مِنْ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ وَمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ، وَتَكُونُ (عَلَى) دَالَّةً عَلَى اسْتِعْلَاءٍ

ص: 76

مَجَازِيٍّ، كَأَنَّهُمْ

جَعَلُوا فِعْلَ كَذَا مُعْتَلِيًا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَمُتَمَكِّنًا مِنْهُ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْوُجُوبِ فَلَمَّا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ قَالُوا: عَلَيْكَ كَذَا، فَرَكَّبُوا الْجُمْلَةَ مِنْ مَجْرُورٍ خَبَرٍ وَاسْمِ ذَاتٍ مُبْتَدَأٍ بِتَقْدِيرِ: عَلَيْكَ فِعْلَ كَذَا، لِأَنَّ تِلْكَ الذَّاتَ لَا تُوصَفُ بِالْعُلُوِّ عَلَى الْمُخَاطَبِ، أَيِ التَّمَكُّنِ، فَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرٍ. وَذَلِكَ كَتَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بِالذَّوَاتِ فِي قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة:

3] ، وَقَوْلِهِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [الْمَائِدَة: 1] ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا

رُوِيَ عَلَيْكُمُ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الْإِجَابَةُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَلَيَّ أَلِيَّةٌ، وَعَلَيَّ نَذْرٌ. ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ فَعَامَلُوا (عَلَى) مُعَامَلَةَ فِعْلِ الْأَمْرِ فَجَعَلُوهَا بِمَعْنَى أَمْرِ الْمُخَاطَبِ بِالْمُلَازَمَةِ وَنَصَبُوا الِاسْمَ بَعْدَهَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. وَشَاعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ فَسَمَّاهَا النُّحَاةُ اسْمَ فِعْلٍ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ لِمَعْنَى أَمْرٍ مَخْصُوصٍ، فَكَأَنَّكَ عَمَدْتَ إِلَى فِعْلِ (الْزَمْ) فَسَمَّيْتَهُ (عَلَى) وَأَبْرَزْتَ مَا مَعَهُ مِنْ ضَمِيرٍ فَأَلْصَقْتَهُ بِ (عَلَى) فِي صُورَةِ الضَّمِيرِ الَّذِي اعْتِيدَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا، وَهُوَ ضَمِيرُ الْجَرِّ فَيُقَالُ:

عَلَيْكَ وَعَلَيْكُمَا وَعَلَيْكُمْ. وَلِذَلِكَ لَا يُسْنَدُ إِلَى ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُؤْمَرُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بَلْ يُؤْمَرُ بِوَاسِطَةِ لَامِ الْأَمْرِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ هُوَ- بِنَصْبِ أَنْفُسَكُمْ- أَيِ الْزَمُوا أَنْفُسَكُمْ، أَيِ احْرِصُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَالْمَقَامُ يُبَيِّنُ الْمَحْرُوصَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُلَازَمَةُ الِاهْتِدَاءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ:

إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْغَيْرِ وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ.

فَجُمْلَةُ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، لِأَنَّ أَمْرَهُمْ بِمُلَازَمَةِ أَنْفُسِهِمْ مَقْصُودٌ مِنْهُ دَفْعُ مَا اعْتَرَاهُمْ مِنَ الْغَمِّ وَالْأَسَفِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الضَّالِّينَ لِلِاهْتِدَاءِ، وَخَشْيَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَقْصِيرٍ فِي دَعْوَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَيِ اشْتَغِلُوا بِإِكْمَالِ اهْتِدَائِكُمْ، فَفِعْلُ يَضُرُّكُمْ مَرْفُوعٌ.

وَقَوْلُهُ: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ظَرْفٌ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ يَتَعَلَّقُ بِ يَضُرُّكُمْ. وَقَدْ شَمِلَ الِاهْتِدَاءُ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ دَعْوَةُ النَّاسِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلَوْ قَصَّرُوا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالِاحْتِجَاجِ لَهُ وَسَكَتُوا عَنِ الْمُنْكَرِ لَضَرَّهُمْ مَنْ ضَلَّ لِأَنَّ إِثْمَ ضَلَالِهِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمْ.

ص: 77

فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا رُخْصَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي تَرْكِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِأَدِلَّةٍ طَفَحَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ. فَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي شَرْطِ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. وَلِمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْإِشْعَارِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ فَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ الْمُبَيَّنُ بِ مَنْ ضَلَّ، وَلِمَا فِي قَوْلِهِ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ مِنْ خَفَاءِ

تَفَارِيعِ أَنْوَاعِ الِاهْتِدَاءِ عَرَضَ لِبَعْضِ النَّاسِ قَدِيمًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَشَكُّوا فِي أَنْ يَكُونَ مُفَادُهَا التَّرْخِيصَ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ الظَّنُّ فِي عهد النبيء صلى الله عليه وسلم.

أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ، فَقَالَ لِي: سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ» .

وَحَدَثَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ:

أَخْرَجَ أَصْحَابُ «السُّنَنِ» أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَأَوَّلَ الْآيَةَ بِسُقُوطِ وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ وَلَا يُغَيِّرُونَهُ يُوشِكُ اللَّهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ، وَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ

. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قُرِئَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِزَمَانِهَا إِنَّهَا الْيَوْمَ مَقْبُولَةٌ (أَيِ النَّصِيحَةُ) وَلَكِنْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ تَأْمُرُونَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (يُرِيدُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِمْ قِتَالٌ لِتُقْبَلَ نَصِيحَتُهُمْ) . وَعَنْهُ أَيْضًا:

إِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَامْرُؤٌ وَنَفْسُهُ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا (أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ) لَيْسَتْ لِي وَلَا لِأَصْحَابِي لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَلَا لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» فَكُنَّا نَحْنُ الشُّهُودُ وَأَنْتُمُ الْغَيْبُ،

وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَة لأقوام يجيؤون مِنْ بَعْدِنَا إِنْ قَالُوا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ.

ص: 78