الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجُمْلَةُ: قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ لَا أَشْهَدُ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ عَطْفِ الْبَيَانِ، لِأَنَّ مَعْنَى لَا أَشْهَدُ بِأَنَّ مَعَهُ آلِهَةً هُوَ مَعْنَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأُعِيدَ فِعْلُ الْقَوْلِ لِتَأْكِيدِ التَّبْلِيغِ.
وَكَلِمَةُ إِنَّما أَفَادَتِ الْحَصْرَ، أَيْ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ: ثُمَّ بَالَغَ فِي إِثْبَات ذَلِك بالتبري مِنْ ضِدِّهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. وَفِيهِ قَطْعٌ لِلْمُجَادَلَةِ مَعَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَارَكَةِ.
وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مِمَّا تُشْرِكُونَ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَصْدَرِيَّةً، أَيْ مِنْ إِشْرَاكِكُمْ. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا مَوْصُولَةً، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَيْ مِنْ أَصْنَامِكُمُ الَّتِي تُشْرِكُونَ بِهَا، وَفِيهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ الْمَحْذُوفَ مَعَ الْعَائِدِ مُتَعَيِّنٌ تَقْدِيرُهُ بِلَا لَبْسٍ، وَذَلِكَ هُوَ ضَابِطُ جَوَازِ حَذْفِ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا [الْفرْقَان: 60] أَيْ بِتَعْظِيمِهِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أَيْ بِالْجَهْرِ بِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ «التَّسْهِيلِ» أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ مُؤَلِّفِهِ اغْتَرَّ بِهَا بَعْضُ شرّاح كتبه.
[20]
[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 20]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ انْتَقَلَ بِهَا أُسْلُوبُ الْكَلَامِ مِنْ مُخَاطَبَةِ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِخْبَارٍ عَامٍّ كَسَائِرِ أَخْبَارِ الْقُرْآنِ. أَظْهَرَ اللَّهُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ فِيمَا
جَاءَ بِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي فِي قَوْلِهِ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الْأَنْعَام: 19] ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ ذِكْرُ الْقُرْآنِ هُنَالِكَ وَقَعَ هَذَا الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ الْمُتَضَمِّنِ صِدْقَ مَنْ جَاءَ بِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْآيَةُ الْمُعْجِزَةُ الْعَامَّةُ الدَّائِمَةُ. وَقَدْ عَلِمْتَ آنِفًا أَنَّ الْوَاحِدِيَّ ذَكَرَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَأَلْنَا عَنْكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ ذِكْرُكَ وَلَا صِفَتُكُ إِلَى آخِرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّعَرُّضُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا إِبْطَالًا لِمَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ ذِكْرُ النَّبِيءِ وَلَا صِفَتُهُ، أَيْ فَهُمْ
وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي جَحْدِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلِ الْآيَةَ مُشِيرَةً إِلَى مَا ذُكِرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ تَعَيَّنَ أَنْ تَجْعَلَ الْمُرَادَ بِ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمُ الْمُنْصِفُونَ مِنْهُمْ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ، فَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَدِّرُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَيَثِقُونَ بِعِلْمِهِمْ وَرُبَّمَا اتَّبَعَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَقْلَعُوا عَنِ الشِّرْكِ مِثْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الدِّينِ مَوْثُوقًا بِهَا عِنْدَهُمْ إِذَا أَدَّوْهَا وَلَمْ يَكْتُمُوهَا. وَفِيهِ تَسْجِيلٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِوُجُوبِ أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ إِلَى النَّاسِ.
فَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ: يَعْرِفُونَهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ [الْأَنْعَام: 19] . وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَعْرِفُونَ مَا تَضَمَّنَهُ مِمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ رِسَالَةُ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، لِمَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْبِشَارَةِ بِهِ. وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرَّعْد: 43] .
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ تَشْبِيهُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَعْرِفَةِ. فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ التَّحَقُّقُ وَالْجَزْمُ بِأَنَّهُ هُوَ الْكِتَابُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْمَعْرِفَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا هِيَ مَعْرِفَةَ أَبْنَائِهِمْ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَضِلُّ عَنْ مَعْرِفَةِ شَخْصِ ابْنِهِ وَذَاتِهِ إِذَا لَقِيَهُ وَأَنَّهُ هُوَ ابْنُهُ الْمَعْرُوفُ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ الْأَبْنَاءِ آبَاءَهُمْ عُرْفًا.
وَقِيلَ: إِنَّ ضَمِيرَ يَعْرِفُونَهُ عَائِدٌ إِلَى التَّوْحِيدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ [الْأَنْعَام: 19] وَهَذَا بِعِيدٌ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِيمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا وَلَا تَأْوِيلًا. وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عَلَى أَنَّ فِي عَوْدِهِ إِلَى الْقُرْآنِ غُنْيَةً عَنْ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ إِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ وَهِيَ الْقُرْآنُ.
وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ اسْتِئْنَافٌ لِزِيَادَةِ إِيضَاحِ تَصَلُّبِ الْمُشْرِكِينَ وَإِصْرَارِهِمْ، فَهُمُ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا أُرِيدُوا بِنَظِيرِهِ السَّابِقِ الْوَاقِعِ
بَعْدَ قَوْلِهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ [النِّسَاء: 87] . فَهَذَا مِنَ التَّكْرِيرِ لِلتَّسْجِيلِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَقَطْعِ الْمَعْذِرَةِ، وَأَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى وَلَوْ شَهِدَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ