المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6) : آية 33] - التحرير والتنوير - جـ ٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 82 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 98 إِلَى 99]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 106 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 112 إِلَى 113]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 114 إِلَى 115]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : الْآيَات 116 إِلَى 118]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 120]

- ‌6- سُورَةُ الْأَنْعَامِ

- ‌أَغْرَاَضُ هَذِهِ الْسُورَة

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 22 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 42 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 61 الى 62]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 72 الى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 76 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 84 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : الْآيَات 106 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 110]

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6) : آية 33]

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ، أَفَلا تَعْقِلُونَ- بِتَاءِ الْخِطَابِ- عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ-، فَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَائِدٌ

لِمَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ قَبْلَهُ، وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ.

وَفِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ تأييس للْمُشْرِكين.

[33]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 33]

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ قُصِدَتْ بِهِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُهُ بِالصَّبْرِ، وَوَعْدُهُ بِالنَّصْرِ، وَتَأْيِيسُهُ مِنْ إِيمَانِ الْمُتَغَالِينَ فِي الْكُفْرِ، وَوَعْدُهُ بِإِيمَانِ فِرَقٍ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - إِلَى قَوْلِهِ- يَسْمَعُونَ. وَقَدْ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِهَذَا الْغَرَضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِبْطَالِ شِرْكِهِمْ وَإِبْطَالِ إِنْكَارِهِمْ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالْفَرَاغِ مِنْ وَعِيدِهِمْ وَفَضِيحَةِ مُكَابَرَتِهِمِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ [الْأَنْعَام: 4] إِلَى هُنَا.

وَقد تَحْقِيقٌ لِلْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ، فَهُوَ فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ (إِنَّ) فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. فَحَرْفُ قَدْ مُخْتَصٌّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَصَرِّفَةِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ الْمُجَرَّدَةِ مَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ مُلَازِمٌ لَهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولُهَا مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا، وَلَا يَخْتَلِفُ مَعْنَى قَدْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلَيْنِ. وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمُضَارِعِ أَفَادَ تَقْلِيلَ حُصُولِ الْفِعْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّقْلِيلِ لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ وَلَيْسَتْ بِدَلَالَةٍ أَصْلِيَّةٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي.

وَلِذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ قَدْ عَلَى فِعْلِ الْمُضِيِّ وَدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي إِفَادَةِ تَحْقِيقِ الْحُصُولِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النُّورِ [64] . فَالتَّحْقِيقُ يُعْتَبَرُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي إِنْ

ص: 196

كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ قَدْ فِعْلَ مُضِيٍّ، وَفِي زَمَنِ الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ (قَدْ) فِعْلًا مُضَارِعًا مَعَ مَا يُضَمُّ إِلَى التَّحْقِيقِ مِنْ دَلَالَةِ الْمَقَامِ، مِثْلَ تَقْرِيبِ زَمَنِ الْمَاضِي مِنَ الْحَالِ فِي نَحْوِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَهُوَ كِنَايَةٌ تَنْشَأُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِتَحْقِيقِ فِعْلٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشُكَّ السَّامِعُ فِي أَنَّهُ يَقَعُ، وَمِثْلَ إِفَادَةِ التَّكْثِيرِ مَعَ الْمُضَارِعِ تَبَعًا لِمَا يَقْتَضِيهِ الْمُضَارِعُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّجَدُّدِ، كَالْبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ سِيبَوَيْهِ لِلْهُذَلِيِّ، وَحَقَّقَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَنَّهُ لِعَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ، وَهُوَ:

قَدْ أَتْرُكُ الْقِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ

كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ

وَبَيْتُ زُهَيْرٍ:

أَخَا ثِقَةٍ لَا تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ

وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ

وَإِفَادَةُ اسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ، كَقَوْلِ كَعْبٍ:

لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ

أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ

لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ

مِنَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ

أَرَادَ تَحْقِيقَ حُضُورِهِ لَدَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَعَ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ مِنَ الْوَجَلِ الْمَشُوبِ بِالرَّجَاءِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ بَرِيءٌ مِمَّا حَمَّلُوهُ، وَمَا نَشَأَ اضْطِرَابُ كَلَامِ النُّحَاةِ فِيهِ إِلَّا مِنْ فَهْمِ ابْنِ مَالِكٍ لِكَلَامِ سِيبَوَيْهِ. وَقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ رَدًّا وَجِيهًا.

فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلِمْنَا بِأَنَّ الَّذِي يَقُولُونَهُ يُحْزِنُكَ مُحَقَّقًا فَتَصْبِرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِي كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [144] ، فَكَانَ فِيهِ إِجْمَالٌ وَأَحَلْتُ عَلَى تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَهَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي.

وَفِعْلُ نَعْلَمُ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي مَفْعُولَيْنِ بِوُجُودِ اللَّامِ.

ص: 197

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِي يَقُولُونَ أَقْوَالَهُمُ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ تَصْدِيقِهِمُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ [الْأَنْعَام: 34] ، فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ التَّكْذِيبِ وَنَحْوِهِ إِلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ تَنْزِيهًا لِلرَّسُولِ- عليه الصلاة والسلام عَنْ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ الشَّنِيعِ فِي جَانِبِهِ تَلَطُّفًا مَعَهُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ لَيَحْزُنُكَ- بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ-. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ- يُقَالُ: أَحْزَنْتَ الرَّجُلَ- بِهَمْزَةِ تَعْدِيَةٍ لِفِعْلِ حَزَنَ، وَيُقَالُ: حَزَنْتُهُ أَيْضًا.

وَعَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ حَزَنْتُهُ، مَعْنَاهُ جَعَلْتُ فِيهِ حُزْنًا كَمَا يُقَالُ: دَهَنْتُهُ. وَأَمَّا التَّعْدِيَةُ فَلَيْسَتْ إِلَّا بِالْهَمْزَةِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: حَزَنْتُ الرَّجُلَ، أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَأَحْزَنْتُهُ، أَقْيَسُ. والَّذِي يَقُولُونَ هُوَ قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ، مَجْنُونٌ، كَاذِبٌ، شَاعِرٌ. فَعَدَلَ عَنْ تَفْصِيلِ قَوْلِهِمْ إِلَى إِجْمَالِهِ إِيجَازًا أَوْ تَحَاشِيًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي جَانِبِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ.

وَالضَّمِيرُ الْمَجْعُولُ اسْمَ (إِنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَاللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، وَفعل لَيَحْزُنُكَ

فعل الْقَسَمِ، والَّذِي يَقُولُونَ فَاعِلُهُ، وَاللَّامُ فِي لَيَحْزُنُكَ لَامُ الِابْتِدَاء، وَجُمْلَة لَيَحْزُنُكَ خَبَرُ إِنَّ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قَوْلِهِ «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» .

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

قَدْ نَعْلَمُ، أَيْ فَلَا تَحْزَنْ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، أَيْ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لِلْفَصِيحَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ كَانَ يُحْزِنُكَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّكْذِيبِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، فَاللَّهُ قَدْ سَلَّى رَسُولَهُ- عليه الصلاة والسلام بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُكَذِّبُونَهُ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ جُحُودٍ وَمُكَابَرَةٍ. وَكَفَى بِذَلِكَ تَسْلِيَةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَدْ نَعْلَمُ، أَيْ فَعِلْمُنَا بِذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّا نُثَبِّتُ فُؤَادَكَ وَنَشْرَحُ صَدْرَكَ بِإِعْلَامِكَ أَنَّهُمْ لَا يكذبُونَك، وَإِن نُذَكِّرَكَ بِسُنَّةِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، وَنُذَكِّرَكَ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ هِيَ نَصْرُكَ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ لَا يُكَذِّبُونَكَ،- بِسُكُونِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ-. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ-. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إِنَّ أَكْذَبَ وَكَذَّبَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَكْذَبَهُ، وَجَدَهُ كَاذِبًا،

ص: 198

كَمَا يُقَالُ: أَحْمَدَهُ، وَجَدَهُ مَحْمُودًا. وَأَمَّا كَذَّبَ- بِالتَّشْدِيدِ- فَهُوَ لِنِسْبَةِ الْمَفْعُولِ إِلَى الْكَذِبِ. وَعَنِ الْكِسَائِيِّ: أَنَّ أَكْذَبَهُ هُوَ بِمَعْنَى كَذَّبَ مَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَنْسِبِ الْمَفْعُولَ إِلَى الْكَذِبِ، وَأَنَّ كَذَّبَهُ هُوَ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ. وَهُوَ مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنِ الزَّجَّاجِ مَعْنَى كَذَّبْتُهُ، قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَمَعْنَى أَكْذَبْتُهُ، أَرَيْتُهُ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ كَذِبٌ.

وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اسْتِدْرَاكٌ لِدَفْعِ أَنْ يَتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ:

لَا يُكَذِّبُونَكَ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُمْ صَدَّقُوا وَآمَنُوا، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْبَقِيَّةِ لَا يُكَذِّبُونَكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ أَصْلُ التَّكْذِيبِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ فَيَظْهَرُ حَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ يَنْسُبُ الْآتِيَ بِالْآيَاتِ إِلَى الْكَذِبِ وَمَا هُمْ بِمُكَذِّبِينَ فِي نُفُوسِهِمْ.

وَالْجَحْدُ وَالْجُحُودُ، الْإِنْكَارُ لِلْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ، أَيِ الْإِنْكَارُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ مَا يُنْكَرُ، فَهُوَ نَفْيُ مَا يَعْلَمُ النَّافِي ثُبُوتَهُ، فَهُوَ إِنْكَارُ مُكَابَرَةٍ.

وَعَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى قَوْلِهِ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ ذَمًّا لَهُمْ وَإِعْلَامًا بِأَنَّ شَأْنَ الظَّالِمِ الْجَحْدُ بِالْحُجَّةِ، وَتَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الظُّلْمَ سَجِيَّتُهُمْ.

وَعَدَّى يَجْحَدُونَ بِالْبَاءِ كَمَا عُدِّيَ فِي قَوْلِهِ: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النَّحْل: 14] لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ الْجَحْدِ بِالْمَجْحُودِ، كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6]، وَفِي قَوْلِهِ: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الْإِسْرَاء:

59] ، وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

لَكَ الْخَيْرُ إِنْ وَارَتْ بِكَ الْأَرْضُ وَاحِدًا

وَأَصْبَحَ جَدُّ النَّاسِ يَظْلَعُ عَاثِرَا

ثُمَّ إِنَّ الْجَحْدَ بِآيَاتِ اللَّهِ أُرِيدَ بِهِ الْجَحْدُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْآيَاتِ.

وَجَحْدُهَا إِنْكَارُ أَنَّهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، أَيْ تَكْذِيبُ الْآتِي بِهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَآلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ- عليه الصلاة والسلام فَكَيْفَ يُجْمَعُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَالَّذِي يُسْتَخْلَصُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّكَ كَاذِبٌ لِأَنَّ الرَّسُولَ- عليه الصلاة والسلام مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالصِّدْقِ وَكَانَ يُلَقَّبُ بَيْنَهُمْ بِالْأَمِينِ. وَقَدْ قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَمَّا تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي شَأْنِ الرَّسُولِ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا أَرْضَاكُمْ

ص: 199