الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(131) باب مباشرة الحائض فوق الإزار والاضطجاع معها في لحاف واحد
523 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إحدانا، إذا كانت حائضا، أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار، ثم يباشرها.
524 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إحدانا، إذا كانت حائضا، أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه.
525 -
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار، وهن حيض.
526 -
عن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوب.
527 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة. إذ حضت. فانسللت. فأخذت ثياب حيضتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنفست؟ " قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة. قالت: وكانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان، في الإناء الواحد، من الجنابة.
-[المعنى العام]-
هبطت حواء من الجنة إلى الأرض، من عالم الطهر والراحة إلى دنيا الأذى والشقاء، وكان مما
أصابها زيادة على آدم ما نزل عليها من دم الحيض والنفاس، وهكذا كتب الله عليها وعلى بناتها هذا الأذى، دم يسيل من الرحم أياما في كل شهر، من يوم وليلة إلى خمسة عشر يوما، دم أسود كريه الرائحة يتكرر شهريا مادامت خالية من الحمل وحتى سن اليأس، فإن هي حملت، وانقطع عنها مدة حملها نزل بعد الولادة أياما قد تبلغ الأربعين يوما تشمئز منه نفسها، فضلا عن زوجها، دم يحد من تشوف المرأة إلى الرجل، وتشوف الرجل إليها. وقد اختلفت معاملات الناس للحائض قبل الإسلام، فكانوا في الجاهلية يتجنبونها فإذا غلبت عليهم شهوتهم أتوها في دبرها، وكان النصارى يجامعونها في فرجها، وكان اليهود والمجوس يبالغون في هجرانها، ويتجنبونها ويعتزلونها حتى بعد انقطاع الدم لمدة سبعة أيام، ويزعمون أن ذلك في كتابهم.
وجاء الإسلام، وتساءل المسلمون؛ فنزل قوله تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] فكان وسطا في المعاملة، وخير الأمور الوسط، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الحائض أن تستر ما بين سرتها وركبتها عن زوجها، لئلا تتقزز نفسه منها، وشرع مباشرتها أعلى إزارها، كما شرع مضاجعتها في الفراش الواحد واللحاف الواحد، لكنه منع وطأها في فرجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها".
-[المباحث العربية]-
(كان إحدانا إذا كانت حائضا) قال النووي: هكذا وقع في الأصول "كان إحدانا" من غير تاء في "كان" وهو صحيح، فقد حكى سيبويه في كتابه، في باب ما جرى من الأسماء التي هي من الأفعال وما أشبهها من الصفات مجرى الأفعال قال: وقال بعض العرب: قال امرأة. فهنا نقل الإمام هذه الصيغة، أنه يجوز حذف التاء من فعل ما له فرج، من غير فصل، وقد نقله أيضا ابن خروف في شرح الجمل. قال النووي: ويجوز أن تكون "كان" هنا التي للشأن والقصة. أي كان الأمر أو الحال، ثم ابتدأت، فقالت: إحدانا إذا كانت حائضا أمرها. اهـ.
ثم قال: وأصل الحيض في اللغة السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال. والحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة، يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها، والاستحاضة جريان الدم في غير أوانه، قال الأزهري والهروي وغيرهما: ودم الحيض يخرج من قعر الرحم، ودم الاستحاضة يسيل من العاذل، وهو عرق، فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره وقال أهل اللغة: يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا، فهي حائض، بلا هاء. هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى الجوهري عن الفراء حائضة بالهاء، ويقال: حاضت وتحيضت ودرست وطمثت وعركت وضحكت ونفست، كله بمعنى واحد، وزاد بعضهم: أكبرت وأعصرت بمعنى حاضت.
(أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار) المأمور به محذوف، لدلالة "فتأتزر" عليه، والتقدير: أمرها بأن تأتزر فتأتزر، بأن تشد إزارا تستر به ما بين سرتها وركبتها.
(ثم يباشرها) من المباشرة التي هي أن يمس الجلد الجلد، وليس المراد به الجماع وإن كانت ترد بهذا المعنى.
(أن تأتزر في فور حيضها)"فور الحيضة" بفتح الفاء وسكون الواو معناه معظمها ووقت كثرتها، قال الجوهري: فورة الحر شدته، وفار القدر فورا إذا جاشت.
(وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ ) قيل: المراد بالإرب العضو الذي يستمتع به، أي الفرج، وهو بكسر الهمزة وسكون الراء في أكثر الروايات قال النووي: ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء، ومعناه حاجته، وهي شهوة الجماع. اهـ. والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا أحد منكم يضبط شهوته، ويملك نفسه من الوقوع في المحرم وهو مباشرة فرج المرأة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك.
(يباشر نساءه فوق الإزار) أي فوق السرة وأعلى الجسم، أي فوق المكان الذي يستره الإزار، وليس المراد المباشرة مع الحائل الذي هو الإزار، لأن لفظ المباشرة في معناه وضع البشرة على البشرة، ومس الجلد الجلد.
(وهن حيض) بضم الحاء وتشديد الياء المفتوحة، جمع حائض.
(يضطجع معي) أي في فراش واحد وغطاء واحد.
(بينما أنا مضطجعة)"بينما" أصله "بين" ظرف زمان، وزيدت عليه الميم والألف والعامل فيه جوابه "إذ حضت" والتقدير: فاجأني الحيض وقت أن كنت مضطجعة.
(في الخميلة) بفتح الخاء وكسر الميم، ويقال: الخميل بحذف الهاء. قال السكري: هو القطيفة ذات الخمل، والخمل هدب القطيفة ونحوها، مما ينسج ويفضل له فضول، وفي البخاري "مضجعة في خميصة" وفي آخر الرواية "فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة" والخميصة كساء مربع، وقيل: ثوب من خزثخين، له علمان، وهو أسود، فلعل الغطاء كان من قطعتين إحداهما خميصة، والأخرى خميلة.
(فانسللت) أي انسحبت من الفراش في رفق وخفية، لعدم إزعاجه صلى الله عليه وسلم، وكأنها استقذرت نفسها، وترفعت بمضاجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة، أو خافت وصول شيء من الدم إليه، أو أن يطلب منها الاستمتاع بها، أو أن ينزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.
(فأخذت ثياب حيضتي) قال النووي: بكسر الحاء، وهي حالة الحيض أي أخذت الثياب
المعدة لزمن الحيض. هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبط "حيضتي" في هذا الموضع، قال القاضي عياض: ويحتمل فتح الحاء هنا أيضا، أي الثياب التي ألبسها في حال حيضتي، فإن الحيضة بالفتح هي الحيض. اهـ.
(أنفست؟ ) بفتح النون وكسر الفاء. قال النووي: هذا هو المعروف في الرواية، وهو الصحيح المشهور في اللغة أن "نفست" بفتح النون وكسر الفاء معناه حاضت، وأما في الولادة فيقال:"نفست" بضم النون وكسر الفاء، وقال الهروي: في الولادة "نفست" بضم النون وفتحها، وبالحيض بالفتح لا غير. ونقل أبو حاتم عن الأصمعي الوجهين في الحيض والولادة، وذكر ذلك غير واحد، وأصل ذلك كله خروج الدم، والدم يسمى نفسا. اهـ.
(قالت: وكانت هي) جردت من نفسها من تتحدث عنها، وكان الأصل: قالت: وكنت.
(يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة) أي من الحدث الأكبر، يقال: أجنب يجنب إجنابا، والجنابة الاسم، وهو في اللغة البعد، وسمي الإنسان جنبا لأنه نهي أن يقرب من مواضع الصلاة ما لم يتطهر.
-[فقه الحديث]-
قسم النووي في شرح مسلم مباشرة الحائض إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يباشرها في الفرج بالجماع. فهذا حرام بإجماع المسلمين وبنص القرآن، قال تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] وبالأحاديث الصحيحة المتضافرة. قال: قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا، ولو فعله إنسان غير معتقد حله، فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض، أو جاهلا بتحريمه، أو مكرها، فلا إثم عليه، ولا كفارة، وإن وطئها عامدا، عالما بالحيض والتحريم، مختارا، فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي:
أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف، أنه لا كفارة عليه وممن ذهب إليه من السلف عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي وكثيرون غيرهم.
والقول الثاني: وهو القديم الضعيف أنه يجب الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحق، وأحمد في الرواية الثانية عنه، قالوا: لأنه وطء محذور، كالوطء في نهار رمضان. واختلف هؤلاء في الكفارة، فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة، وقال الباقون: أو نصف دينار، على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار، ونصف الدينار، هل الدينار في أول الدم؟ ونصفه في آخره؟ أو الدينار في زمن الدم؟ ونصفه بعد انقطاعه؟
وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع "من أتى امرأة وهي حائض، فليتصدق بدينار أو نصف دينار" وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، فالصواب أن لا كفارة. وعلى فرض صحة الحديث تكون الصدقة على الاستحباب.
القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة، وبالذكر، أو بالقبلة أو المعانقة، أو اللمس أو غير ذلك. وهو حلال باتفاق العلماء. وقد نقل الشيخ أبو حامد الإسفراييني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا، وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر منها شيئا بشيء منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار، وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.
ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذي يستمتع به شيء من الدم، أو لا يكون؛ هذا هو الصواب المشهور الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للأحاديث المطلقة، وحكى المحلي من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة، إذا كان عليه شيء من دم الحيض. وهذا الوجه باطل، لا شك في بطلانه.
القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة، في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها عند جماهيرهم، وأشهرها في المذهب أنها حرام والثاني أنها ليست بحرام، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار. والوجه الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج، ويثق من نفسه باجتنابه، إما لضعف شهوته، وإما لشدة ورعه جاز، وإلا فلا. وهذا الوجه الحسن.
وممن ذهب إلى الوجه الأول، وهو التحريم مطلقا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء، وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأبو ثور وابن المنذر وداود، واحتجوا بحديث أنس الآتي "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" قالوا: وأما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب.
ثم قال النووي: واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض، وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل، أو تتيمم إن عدمت الماء بشرطه، هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف والخلف. وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدم لأكثر الحيض -وهو عشرة أيام عنده- حل وطؤها في الحال، واحتج الجمهور بقوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} اهـ.
وقال داود الظاهري: إذا غسلت فرجها حل الوطء، واحتج لأبي حنيفة بأنه يجوز الصوم والطلاق قبل الغسل، فكذا الوطء، لأن تحريم الوطء هو للحيض وقد زال، وصارت كالجنب، ومن الإنصاف القول بأن القياس مع أبي حنيفة والنص مع الجمهور. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
1 -
أن الحائض لا بد لها من الاتزار في أيام حيضها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بذلك وذلك لتمتنع المرأة به عن الجماع، وقد روى أبو داود عن ميمونة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذ أو الركبتين، تحتجز به" أي تمتنع المرأة بالإزار عن الجماع. وفي رواية "محتجزة به" أي حال كون المرأة ممتنعة به عن الجماع، فالإزار وقاية وحماية من ثورة الشهوة، وعقبة أمام جموحها نحو مخالفة الشرع.
2 -
أن المباشرة فوق الإزار ودون الركبة إنما تجوز لمن يضبط نفسه ويمنعها من الاسترسال والوقوع في الجماع، أما من لا يملك إربه فلا يجوز له ذلك، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
3 -
أخذ بعضهم من قولها "في فور حيضتها" الفرق بين ابتداء الحيض وبعده، فالمباشرة في نهايته أخف منها في بدايته، ويشهد له ما رواه ابن ماجه في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها "أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا، ثم يباشرها بعد ذلك".
4 -
وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضبط النفس وقوة الإرادة.
5 -
جواز النوم مع الحائض في ثيابها، والاضطجاع معها في لحاف واحد إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة.
6 -
استحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض، غير ثيابها المعتادة.
7 -
استدل به بعضهم على أن عرق الحائض طاهر، لأن اضطجاعها معه في لحاف واحد لا يخلو من إصابة العرق زوجها أو ثيابه أو غطاءه، فقوله تعالى:{فاعتزلوا النساء في المحيض} معناه فاعتزلوا وطأهن، ولا تقربوا وطأهن.
8 -
واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم "أنفست" على أن حكم الحيض والنفاس واحد.
9 -
وفيه محافظة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن على شعور النبي صلى الله عليه وسلم وحرصهن على إبعاد الأذى عنه.
10 -
وفيه عطفه صلى الله عليه وسلم ولطفه وحسن عشرته لأزواجه.
11 -
وجواز اغتسال الرجل مع امرأته من إناء واحد.
12 -
وفيه أن من سنة أهل الخير النوم مع الزوجة، على خلاف طريقة العجم.
والله أعلم