الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(142) باب قضاء الحائض الصوم دون الصلاة
602 -
عن معاذة أن امرأة سألت عائشة فقالت: أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها؟ فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تؤمر بقضاء.
603 -
عن معاذة أنها سألت عائشة: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ قد كن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن. أفأمرهن أن يجزين؟ قال محمد بن جعفر: تعني يقضين.
604 -
عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية. ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
-[المعنى العام]-
خفي الكثير من حكمة التشريع على بعض الصحابة، وبخاصة النساء، وكان عدم إدراك الحكمة دافعا إلى التساؤل، وتلك محمدة للشريعة الإسلامية التي خاطبت العقول والأرواح معا، وركزت على العقول، وقللت من أمور التعبد التي لا بد منها، ليشعر العقل بالقصور، وليسلم وجهه إلى الله وهو محسن، لقد علمت معاذة أن الحائض يجب عليها اجتناب الصلاة والصوم مدة حيضها، فإذا هي طهرت وجب عليها قضاء الصوم، ولم يجب عليها قضاء الصلاة، ولم تدرك الفرق بين الصلاة والصوم حتى وجب قضاء عبادة دون عبادة، فسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض يجب عليها قضاء الصوم، ولا يجب عليها قضاء الصلاة؟ ألا تقضي إحدانا الصلاة التي فاتتها أيام حيضها؟ فقالت لها عائشة: لا تقولي هذا، فإنه لا يقول به إلا الخوارج، ولا يصح أن تتشبهي بهم في هذا القول، إن من يسمعك يقول: إنك حرورية خارجة. قالت: لست من الخوارج، ولكني أسأل للتعلم.
ولم تشأ عائشة أن تبين الفرق بين الصلاة والصيام، وإنما قصدت إلى إثبات الحكم وترسيخه ووجوب السمع والطاعة له، فقالت: لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نترك الصلاة والصوم أثناء الحيض، فكان يأمرنا بعد الحيض بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة فكوني من {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} [الزمر: 18].
-[المباحث العربية]-
(عن معاذة أن امرأة سألت عائشة) أبهمت السائلة في هذه الرواية، وصرح بها في الرواية الثانية والثالثة وهي معاذة نفسها.
(أتقضي إحدانا الصلاة أيام حيضها؟ ) الظرف "أيام حيضها" لا يصح تعليقه بالفعل "تقضي" لأن القضاء لا يقع في أيام الحيض، وإنما هو متعلق بمحذوف حال من الصلاة، والمعنى: أتقضي إحدانا الصلاة الواجبة أيام الحيض؟
(أحرورية أنت) خبر ومبتدأ، والحرورية المنسوبة إلى حروراء، قرية بقرب الكوفة، وكان أول اجتماع الخوارج فيها، قال العيني: وكبار فرق الحرورية ستة: الأزارقة والصفرية والنجدات، والعجاردة، والإباضية، والثعالبة. والباقون فروع، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، يجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك، وكان خروجهم على عهد علي رضي الله عنه لما حكم أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وأنكروا على علي في ذلك، وقالوا: شككت في أمر الله، وحكمت عدوك، وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا، وهم ثمانية آلاف، وأميرهم ابن الكوا عبد الله، فبعث إليهم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس، فناظرهم، فرجع منهم ألفان، وبقيت ستة آلاف، فخرج إليهم علي، فقاتلهم، وكانوا يشددون في الدين، ومنه قضاء الصلاة على الحائض. اهـ.
وتقديم الخبر يفيد الحصر، أي: ألست إلا حرورية؟ والاستفهام إنكاري، أي لا ينبغي أن تكوني كذلك.
(كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فيما يعهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرفه، والغرض بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان مطلعا على حالهن من الحيض وتركهن الصلاة في أيامه.
(ثم لا تؤمر بقضاء) في الكلام حذف، أي تحيض وتترك الصلاة أيام الحيض، ثم لا تؤمر بقضائها بعد الطهر، والمراد من عدم الأمر عدم الوجوب، لأن الواجب مأمور به.
(قد كن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن)"نساء" بالرفع اسم كان، ونون النسوة في "كن" حرف على قول، فإن كانت اسم "كان" أعرب "نساء" بدلا منها، وهي على نمط "أكلوني البرغيث".
(أفأمرهن أن يجزين؟ ) بفتح الياء وسكون الجيم وكسر الزاي، وفسره الراوي بقوله: يعني يقضين. قال النووي: وهو تفسير صحيح، يقال: جزى يجزي، أي قضى، وبه فسروا قوله تعالى:{لا تجزي نفس عن نفس شيئا} [البقرة: 48]، ويقال: هذا الشيء يجزي عن كذا، أي يقوم مقامه. قال القاضي عياض: وقد حكى بعضهم فيه الهمز. اهـ. والاستفهام إنكاري، أي فلم يأمرهن بالقضاء.
(ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) في القاموس: البال الحال والخاطر والقلب. اهـ. أي ما الحال والشأن في قضاء الصوم وعدم قضاء الصلاة؟ والاستفهام حقيقي، فهي تسأل عن العلة في هذه التفرقة.
(لست بحرورية ولكني أسأل) الباء زائدة في خبر "ليس" أي لست أوجب قضاء الصلاة كالحروريين، ولكني أسألك عن الحكم سؤالا مجردا لطلب العلم، لا للتعنت.
(كان يصيبنا ذلك) الإشارة للحيض، والكاف مكسورة لخطاب المؤنثة، أي كان يصيبنا الحيض، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
-[فقه الحديث]-
قبل الكلام على موضوع قضاء الحائض والصلاة والصوم نقول: إنه يحرم على الحائض والنفساء الطواف، وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح منهما طواف مفروض ولا تطوع، وأجمعوا على أنهما لا تمنعان من شيء من مناسك الحج إلا الطواف وركعتيه. نقل الإجماع في هذا كله ابن جرير وغيره.
وذهب الشافعية إلى أنه يحرم عليهما كذلك قراءة القرآن، ومس المصحف وحمله والمكث في المسجد، ويحرم الاستمتاع بهما فيما بين السرة والركبة كما سبق.
أما الصلاة فقد أجمعت الأمة على أنه يحرم على الحائض الصلاة، فرضها ونفلها، وقال النووي: مذهبنا ومذهب جمهور العلماء والخلف أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذكر في أوقات الصلاة ولا في غيرها، وممن قال بهذا الأوزاعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وعن الحسن البصري قال: تطهر وتسبح، وعن أبي جعفر قال: نأمر نساء الحيض أن يتوضأن في وقت الصلاة، ويجلسن ويذكرن الله عز وجل، ويسبحن. اهـ. وقال العيني: وفي منية المفتي للحنفية: يستحب لها عند وقت كل صلاة أن تتوضأ، وتجلس في مسجد بيتها، تسبح وتهلل مقدار أداء الصلاة لو كانت طاهرة، حتى لا تبطل عادتها، وفي الدراية: يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلى. اهـ. قال النووي: أما استحباب التسبيح فلا بأس به، وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص، وأما الوضوء فلا يصح عندنا وعند الجمهور، بل تأثم به إن قصدت العبادة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وهل تثاب على ترك الصلاة مدة الحيض لكونها مكلفة بهذا الترك؟ كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟ قال النووي: الظاهر أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يعملها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليس كذلك. قال: وعندي في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة. اهـ.
والذي تستريح إليه النفس أنها لا تعامل في ذلك معاملة المريض؛ لأن المريض يكافأ على مصابه
وآلامه بثواب ما كان يفعله من النوافل، ولم نقل بثواب ما كان يفعله من الفرائض، ثم إن الثواب تفضل من الله، وقد ورد في شأن المريض، ولم يرد في شأن الحائض، بل ورد ما ينفيه عنها في قوله صلى الله عليه وسلم " .... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها" إذ لو كانت تثاب على تركها الصلاة ما نقص دينها.
كذلك يحرم على الحائض الصوم. قال ابن جرير في كتابه "اختلاف الفقهاء": أجمعوا على أن عليها اجتناب كل الصلوات، فرضها ونفلها، واجتناب جميع الصيام، فرضه ونفله. اهـ.
قال النووي: ولو أمسكت الحائض عن الطعام والشراب بقصد الصوم أثمت، وإن أمسكت بلا قصد لم تأثم. اهـ.
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجب على الحائض قضاء الصلاة -ولا عبرة بخلاف الخوارج- ويجب عليها قضاء الصوم، قال العلماء: والفرق بينهما أن الصلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها، بخلاف الصوم، فإنه يجب في السنة مرة واحدة، وربما كان الفطر بسبب الحيض يوما أو يومين.
وقد يتساءل العقل: إذا كان ترك الحائض الصلاة لعدم وجود شرطها وهو الطهارة فلم أمرت بترك الصوم، والطهارة ليست بشرط فيه؟ ولم أعثر فيما قرأت على علة معقولة، والظاهر أن الأمر بترك الصوم في هذه الحالة للتعبد، ولعل هذا من أسباب وجوب قضاء الصوم دون الصلاة.
قال النووي: قال الجمهور: وليست الحائض مخاطبة بالصيام في زمن الحيض، وإنما يجب عليها القضاء بأمر جديد. قال: وذكر بعض أصحابنا وجها: أنها مخاطبة بالصيام في حالة الحيض مأمورة بتأخيره، كما يخاطب المحدث بالصلاة وإن كانت لا تصح منه في زمن الحدث. قال: وهذا الوجه ليس بشيء فكيف يكون الصيام واجبا عليها ومحرما عليها بسبب لا قدرة لها على إزالته؟ بخلاف المحدث، فإنه قادر على إزالة الحدث. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
وجوب قضاء الحائض الصوم.
2 -
أنه لا يجب عليها قضاء الصلاة، ولا يقال: إن كل ما يؤخذ من الحديث عدم الأمر بقضاء الصلاة، وهو لا يدل على عدم وجوب القضاء، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء، قال ابن دقيق العيد: إن اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين: أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض، وهو الأمر بالقضاء، كما في الصوم، ثانيهما أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرار الحيض منهن، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بالأمر بقضاء الصوم. اهـ.
3 -
استدل به على وجوب ترك الحائض الصلاة والصوم أثناء الحيض؛ لأن القضاء وعدم القضاء مترتب على الترك. قال النووي: فإن قيل: ليس في الحديث دليل على تحريم
الصوم وإنما فيه جواز الفطر، وقد يكون الصوم جائزا لا واجبا كالمسافر. قلنا: قد ثبت شدة اجتهاد الصحابيات رضي الله عنهن في العبادات، وحرصهن على الممكن منها، فلو جاز الصوم لفعله بعضهن، كما في القصر وغيره، ويدل أيضا على التحريم حديث البخاري ومسلم "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم".
4 -
استدل به على أن قول الصحابي: "كنا نؤمر أو ننهي" في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخرج في الصحيح.
والله أعلم