الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(149) باب المسلم لا ينجس
658 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب. فانسل فذهب فاغتسل. فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم. فلما جاءه قال: "أين كنت؟ يا أبا هريرة! " قال: يا رسول الله! لقيتني وأنا جنب. فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس".
659 -
عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب. فحاد عنه فاغتسل. ثم جاء فقال: كنت جنبا قال "إن المسلم لا ينجس".
-[المعنى العام]-
كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى بصحابي أن يمسح عليه، وأن يربت عليه بيده، وأن يصاحبه فيجالسه، تلطفا وتأنيسا وتكرما وتوددا، وفي يوم من الأيام، وفي بعض طرق المدينة، وجد أبو هريرة نفسه مقابلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق واحد، وكان جنبا، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وجالسه وهو في هذه الحالة غير المستحبة، فاستخفى وتسلل وانصرف، وذهب إلى بيته، فاغتسل، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن لم يحدث شيء.
وكان صلى الله عليه وسلم قد أحس به ينخنس وينسل، ويتوارى في خفاء، فلما جاء سأله: ماذا بك يا أبا هريرة؟ أين كنت؟ وأين ذهبت؟ وماذا فعلت! قال: يا رسول الله. لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، وكان أدبا حسنا من أبي هريرة أن يفعل ذلك احتراما وتقديسا لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفهم صلى الله عليه وسلم أن أبا هريرة يعتقد نجاسة الجنب، وأنه لا يصح للنجس أن يجالس النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال: سبحان الله؟ عجبا لك يا أبا هريرة في فهمك الخطأ، إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا، فلا تكن الجنابة مانعة من لقاء الأصحاب، وإن حسن التعجيل بالغسل. وحسن اللقاء على أحسن هيئة وأبلغ نظافة.
-[المباحث العربية]-
(لقيه النبي صلى الله عليه وسلم
…
فانسل) عطف على محذوف أبرزته رواية البخاري "لقيني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، فانسللت" أي ذهبت خفية. وفي رواية البخاري "فانخنست، أي مضيت عنه مستخفيا، ولذلك وصف الشيطان بالخناس وروي "فانبجست" أي جريت واندفعت، وروي "فانبخست" من البخس وهو النقص، أي اعتقدت نقصان نفسي، قال الحافظ ابن حجر: وقد نقل الشراح فيها ألفاظا مختلفة مما صحفه بعض الرواة، لا معنى للتشاغل بذكرها.
(فذهب) إلى رحله، كما بينته رواية البخاري "فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت".
(سبحان الله) مصدر منصوب بفعله المحذوف، وهذه الكلمة تقال في مثل هذا الموضع للتعجب، وكذا "لا إله إلا الله" ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى عليك مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر؟
(إن المؤمن لا ينجس) لغتان في الماضي والمضارع يقال نجس بضم الجيم فيها من باب كرم، وبكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع من باب سمع.
(فحاد عنه) أي مال وعدل عنه.
-[فقه الحديث]-
قال الإمام النووي: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا، فأما الحي فطاهر بإجماع المسلمين، حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها، قال أصحابنا: هو طاهر بإجماع المسلمين. قال: ولا يجيء فيه الخلاف المعروف في نجاسة رطوبة فرج المرأة، ولا الخلاف المذكور في كتب أصحابنا في نجاسة ظاهر بيض الدجاج ونحوه.
هذا حكم المسلم الحي، وأما الميت ففيه خلاف للعلماء، وللشافعي فيه قولان الصحيح منهما أنه طاهر، ولهذا غسل، ولقوله صلى الله عليه وسلم "إن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا" هذا حكم المسلم.
وأما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم. هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف، وأما قول الله عز وجل {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] فالمراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار، وليس المراد أن أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما، فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات، سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء، وهذا كله بإجماع المسلمين، وكذلك الصبيان، أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة، فتجوز الصلاة في ثيابهم، والأكل معهم من المائعات إذا غمسوا أيديهم فيها، ودلائل هذا كله من السنة والإجماع مشهورة. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: تمسك بعض أهل الظاهر بمفهوم قوله "المؤمن لا ينجس" فقال: إن
الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى:{إنما المشركون نجس} وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء، لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك، لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم أن الله أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس ينجس العين، إذ لا فرق بين النساء والرجال. وأغرب القرطبي في الجنائز من شرح مسلم، فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
استصحاب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة.
2 -
استحباب احترام أهل الفضل، وأن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم فيكون على أكمل الهيئات وأحسن الصفات، وقد استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله في حال مجالسة شيخه، فيكون متطهرا متنظفا، بإزالة الشعور المأمور بإزالتها، وقص الأظفار، وإزالة الروائح الكريهة، والملابس المكروهة وغير ذلك، فإن ذلك من إجلال العلم والعلماء، ذكره النووي.
3 -
أن العالم إذا رأى من متابعه أمرا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه، وقال له صوابه وبين له حكمه.
4 -
وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه، لقوله: أين كنت؟ فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه.
5 -
وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه.
6 -
وبوب عليه ابن حبان: الرد على من زعم أن الجنب إذا وقع في البئر فنوى الاغتسال أن ماء البئر ينجس.
7 -
واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب، لأن بدنه لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تحلب منه.
8 -
وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل.
والله أعلم