المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(109) باب نصف أهل الجنة من هذه الأمة - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٢

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(101) باب الشفاعة

- ‌(102) باب شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته

- ‌(103) باب من مات على الكفر فهو في النار

- ‌(104) باب ما جاء في قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يغني عن الكافرين شيئا

- ‌(105) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب

- ‌(106) باب من مات على الكفر لا ينفعه عمل

- ‌(107) باب موالاة المؤمنين والبراءة من موالاة الكافرين

- ‌(108) باب دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون

- ‌(109) باب نصف أهل الجنة من هذه الأمة

- ‌كتاب الطهارة

- ‌(110) باب فضل الوضوء

- ‌(111) باب لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول

- ‌(112) باب الوضوء من الحدث

- ‌(113) باب صفة الوضوء وكماله

- ‌(114) باب فضل إحسان الوضوء والمشي إلى المسجد والصلاة وانتظار الصلاة والجمعة إلى الجمعة

- ‌(115) باب الذكر المستحب عقب الوضوء

- ‌(116) باب إسباغ الوضوء وغسل الأعقاب

- ‌(117) باب فضل إحسان الوضوء

- ‌(118) باب فضل إحسان الوضوء

- ‌(119) باب السواك

- ‌(120) باب خصال الفطرة

- ‌(121) باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة

- ‌(122) باب المسح على الخفين

- ‌(123) باب كراهة غمس المتوضئ يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا

- ‌(124) باب حكم نجاسة الكلب

- ‌(125) باب البول والاغتسال في الماء الراكد

- ‌(126) باب إزالة النجاسات إذا حصلت في المسجد

- ‌(127) باب حكم بول الطفل الرضيع

- ‌(128) باب حكم المني

- ‌(129) باب نجاسة الدم وكيفية غسله

- ‌(130) باب وجوب الاستبراء من البول وعقوبة من يتهاون فيه

- ‌كتاب الحيض

- ‌(131) باب مباشرة الحائض فوق الإزار والاضطجاع معها في لحاف واحد

- ‌(132) باب طهارة يد الحائض وسؤرها وحجرها

- ‌(133) باب حكم المذي

- ‌(134) باب وضوء الجنب قبل نومه وغسل فرجه قبل أكله أو شربه أو جماعه

- ‌(135) باب مني المرأة ووجوب الغسل عليها بخروجه

- ‌(136) باب الصفة الكاملة لغسل الجنابة

- ‌(137) باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة

- ‌(138) باب استحباب إفاضة الماء ثلاثا في الغسل

- ‌(139) باب نقض ضفائر المرأة عند الغسل

- ‌(140) باب استعمال المرأة قطعة من المسك عند غسلها من الحيض

- ‌(141) باب المستحاضة وغسلها وصلاتها

- ‌(142) باب قضاء الحائض الصوم دون الصلاة

- ‌(143) باب حفظ العورة والتستر عند البول والاغتسال

- ‌(144) باب وجوب الغسل بالجماع وإن لم ينزل

- ‌(145) باب الوضوء مما مست النار ومن لحوم الإبل

- ‌(146) باب من تيقن الطهارة وشك في الحدث

- ‌(147) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ

- ‌(148) باب التيمم

- ‌(149) باب المسلم لا ينجس

- ‌(150) باب أكل المحدث الطعام وذكر الله حال الجنابة

- ‌(151) باب ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌(152) باب نوم الجالس لا ينقض الوضوء

- ‌كتاب الصلاة

- ‌(153) بدء الأذان

- ‌(154) باب ألفاظ الأذان والإقامة وشفع الأذان وإيتار الإقامة

- ‌(155) باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد

- ‌(156) باب ما يقول إذا سمع الأذان

- ‌(157) باب فضل الأذان

- ‌(158) باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع

- ‌(159) باب التكبير عند الرفع والخفض في الصلاة

- ‌(160) باب قراءة الفاتحة في كل ركعة

- ‌(161) باب البسملة

- ‌(162) باب وضع اليدين على الصدر في الصلاة

- ‌(163) باب التشهد في الصلاة

- ‌(164) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

- ‌(165) باب التسميع والتحميد والتأمين

- ‌(166) باب ائتمام المأموم بالإمام

- ‌(167) باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ونسخ القعود خلف الإمام القاعد لعذر ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(168) باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام وتسبيح الرجل وتصفيق المرأة في الصلاة إذا نابهما شيء

- ‌(169) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها

- ‌(170) باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما ومتابعة الإمام والعمل بعده

- ‌(171) باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- ‌(172) باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد فيها

- ‌(173) باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها

- ‌(174) باب أمر المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن رءوسهن من السجود حتى يرفع الرجال

- ‌(175) باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة

- ‌(176) باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار إذا خاف من الجهر مفسدة

- ‌(177) باب الاستماع للقراءة

- ‌(178) باب الجهر في القراءة في الصبح والقراءة على الجن

الفصل: ‌(109) باب نصف أهل الجنة من هذه الأمة

(109) باب نصف أهل الجنة من هذه الأمة

392 -

عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " قال فكبرنا. ثم قال "أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " قال فكبرنا. ثم قال "إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة. وسأخبركم عن ذلك. ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود. أو كشعرة سوداء في ثور أبيض".

393 -

عن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة. نحوا من أربعين رجلا. فقال "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " قال قلنا: نعم. فقال "أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " فقلنا: نعم. فقال "والذي نفسي بيده! إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. وذاك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة. وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود. أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر".

394 -

عن عبد الله رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ظهره إلى قبة أدم. فقال "ألا. لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. اللهم! هل بلغت؟ اللهم! اشهد! أتحبون أنكم ربع أهل الجنة؟ " فقلنا نعم. يا رسول الله! فقال "أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " قالوا: نعم يا رسول الله! قال "إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة. ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض. أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود".

395 -

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل: يا آدم! فيقول: لبيك! وسعديك! والخير في يديك! قال يقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين. قال فذاك حين يشيب الصغير {وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)} قال فاشتد عليهم. قالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الرجل؟ فقال "أبشروا. فإن من يأجوج ومأجوج ألفا. ومنكم رجل" قال ثم قال "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن

ص: 70

تكونوا ربع أهل الجنة" فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة. إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود. أو كالرقمة في ذراع الحمار".

396 -

كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد غير أنهما قالا: "ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض" ولم يذكر: "أو كالرقمة في ذراع الحمار".

-[المعنى العام]-

ما أحوج القلوب بين الحين والحين إلى ما يبعث فيها الوجل، وما يثير فيها الخوف من عقاب الله، وإذا كان ترك المعادن يصيبها بالصدأ الذي لا يذهب إلا بما يجليها، فإن ترك القلوب يصيبها بالران والغفلة، انشغالا بشهوات الحياة الدنيا، وعلاجها العظة والتذكير بما بعد الموت من جزاء، ومن أجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أمته بالموعظة، وبتذكيرهم الهول الجسيم في يوم القيامة. قال لهم يوما بمنى، وقد جلسوا حوله نحوا من أربعين رجلا، في قبة من جلد مدبوغ. قال: أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتتراءى له ذريته، وقد طال بهم الموقف العظيم، وبلغ بهم العرق ما بلغ. فيقول الجبار: عز وجل. يا آدم. فيقول لبيك وسعديك، والخير في يديك. فيقول له: أخرج من ذريتك بعث جهنم ووجههم إليها، انظر ما يرفع إليك من أعمالهم، وأخرج نصيب النار من بينهم، فيقول: يا رب. كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعندئذ يشيب الولدان، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

وارتاع الصحابة عند سماع هذا الحديث، وشق ذلك عليهم، وظهرت الكآبة والحزن على وجوههم، وأنشئوا يبكون. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما دهاكم؟ قالوا: يا رسول الله، إذا أخرج إلى النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فماذا يبقى بعد ذلك؟ من منا ذلك الواحد من الألف: ثم عادوا يبكون.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، فلم يكفكف ذلك القياس دمعهم، ولم يطمئنوا منه على مصيرهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ واستعظم ذلك الصحابة، وفرحوا، إنهم لم يكونوا يتصورون -بعد أن

ص: 71

سمعوا الواحد من الألف- أن يكونوا في الجنة شيئا، فكيف يطلب رضاهم ليكونوا ربع أهلها؟ لقد أنطقت النشوة ألسنتهم بالحمد لله والله أكبر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم رضينا، والحمد لله والله أكبر. قال: أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟ قالوا: نعم رضينا، والحمد لله والله أكبر. قال: بل أنتم نصف أهل الجنة، وتقاسمونهم في النصف الثاني.

وفرح المسلمون بوعد الله، وأعدوا لهذا الجزاء عدته، وعملوا وجاهدوا في الله حق جهاده، فاستحقوا بذلك فضله وعفوه ورحمته، وصدق عليهم قوله:{والسابقون السابقون* أولئك المقربون* في جنات النعيم} [الواقعة: 10 - 12].

-[المباحث العربية]-

(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.

(أما ترضون)"أما" بتخفيف الميم، حرف عرض، بمنزلة "ألا" وهي مختصة بالفعل. قال ابن هشام: وقد يدعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري، وأن "ما" نافية، مثلها في "ألم" و"ألا" اهـ. ولعله الأنسب هنا. وفي رواية "أترضون"؟ وفي رواية "ألا ترضون" وفي رواية "أليس ترضون"؟ وفي رواية "أتحبون"؟ .

(أن تكونوا ثلث أهل الجنة)"ثلث" بضم اللام وسكونها وكذا "الربع" بضم الباء وسكونها.

(إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) في القاموس: الشطر نصف الشيء، وجزؤه، ومنه حديث الإسراء "فوضع شطرها" أي بعضها. اهـ. والمراد هنا النصف، ففي الرواية الثانية "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة".

(وسأخبركم عن ذلك) وفي رواية "وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة".

(إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود) في الرواية الثانية "أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر" قال ابن التين: أطلق الشعرة، وليس المراد حقيقة الوحدة، لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه. اهـ. فالكلام كناية عن قلة المسلمين عددا بالنسبة لغيرهم من الأمم.

(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة نحوا من أربعين رجلا)"في قبة" خبر "كان" و"نحوا" خبر بعد خبر، أو حال من الضمير المستكن في الخبر، وفي الرواية الثالثة "فأسند ظهره إلى قبة أدم" والإضافة في "قبة أدم" بمعنى "من" و"الأدم" بفتح الهمزة والدال: اسم جمع، والأديم: الجلد المدبوغ، واستناده إلى القبة لا ينافي كونه فيها، لأنه مستند إلى جدارها من الداخل.

(لبيك وسعديك) معنى "لبيك" إجابة لك بعد إجابة، للتأكيد، وقيل: قربا منك وطاعة لك، وقيل: أنا مقيم على طاعتك، وقيل: محبتي لك. قال ابن الأنباري: ثنوا "لبيك" كما ثنوا "حنانيك"

ص: 72

ومعنى "سعديك" أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. قاله النووي. أي ساعدتني طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وفي القاموس. معناه إسعادا بعد إسعاد، أي سعدت بطاعتك سعادة بعد سعادة.

(أخرج بعث النار)"البعث" هنا بمعنى المبعوث الموجه إلى النار، وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها، والمعنى هنا: ميز أهل النار عن غيرهم، وفي رواية "أخرج بعث جهنم من ذريتك" وفي رواية "أخرج نصيب النار".

(وما بعث النار؟ ) قال الحافظ ابن حجر: الواو عاطفة على شيء محذوف، تقديره: سمعت وأطعت، وما بعث النار؟ أي وما مقدار مبعوث النار؟ .

(اشتد ذلك عليهم) وفي رواية "فشق ذلك على قوم، ووقعت عليهم الكآبة والحزن".

(أينا ذلك الرجل) الذي يبقى من الألف؟ قال الطيبي: يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته، فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان، أو من يتصف بالصفة الفلانية، ويحتمل أن يكون استعظاما لذلك الأمر، واستشعارا للخوف منه، فلذلك وقع الجواب بقوله "أبشروا".

(فإن من يأجوج ألف ومنكم رجل) قال النووي: هكذا هو في الأصول والروايات. "ألف" و"رجل" بالرفع فيهما، وهو صحيح، وتقديره "إنه" بالهاء التي هي ضمير الشأن، وحذفت الهاء، وهو جائز معروف. اهـ. وفي رواية البخاري "ألفا" بالنصب و"منكم رجل" بالرفع. قال الحافظ ابن حجر: تقديره: والمخرج منكم، أو ومنكم رجل مخرج، وقال: ووقع في بعض الشروح لبعض الرواة "فإن منكم رجلا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا" بالنصب فيهما. الأول على نصب اسم "إن" صريحا، والثاني بتقدير، وفي رواية الأصيلي بالرفع في "ألف" والنصب في "رجلا" ثم قال الحافظ ابن حجر: ظاهره زيادة واحد عما ذكر في تفصيل الألف، فيحتمل أن يكون من جبر الكسر، والمراد أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، أو ألفا إلا واحدا. اهـ.

(كالرقمة في ذراع الحمار)"الرقمة" بفتح الراء وإسكان القاف. قال أهل اللغة: الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه، وقيل: هي الدائرة في ذراعيه، وقيل: هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل، وتكون في قوائم الشاة، وقال الداودي: الرقمة شيء مستدير، لا شعر فيه، سميت به لأنه كالرقم. اهـ.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: أما قوله صلى الله عليه وسلم "ربع أهل الجنة، ثم ثلث أهل الجنة، ثم الشطر، ولم يقل أولا: شطر أهل الجنة فالفائدة حسنة، وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم، وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد

ص: 73

أخرى دليل على الاعتناء به، ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى، هي تكريره البشارة، مرة بعد أخرى، وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وتحميده على كثرة نعمه. اهـ. وقال ابن التين: ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة البشارة بذلك، وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم. اهـ.

وظاهر الحديث أن نهاية البشرى كون المسلمين من هذه الأمة نصف أهل الجنة، وهذا يعارض ما أخرجه أحمد وابن أبي حاتم، من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت {ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين} [الواقعة: 39 - 40] فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، بل ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، وتقاسمونهم في النصف الثاني" وما أخرجه الطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة، بلفظ "أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة. أنتم ثلثا أهل الجنة" وما أخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة رفعه "أهل الجنة عشرون ومائة صف، أمتي منها ثمانون صفا" وقد رفع هذا التعارض بأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رحمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة، أعطاه ما ارتجاه، وزاده، وهو نحو قوله تعالى:{ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5].

وقريب من هذا ما يقال للتوفيق بين الروايات التي ساقت البشرى بأسلوب الرجاء والطمع، وبين الروايات التي ساقتها بأسلوب القطع والجزم، كأنه رجا أولا فأجيب، فأخبر صلى الله عليه وسلم.

وإنما خص آدم بإخراج بعث النار لكونه والد الجميع، ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء، فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة، كما تقدم في حديث الإسراء، وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال "يقول الله لآدم: يا آدم. أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، قم فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم".

وقد أشكل قوله في الحديث في روايته الرابعة "فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد" مما يفيد أن ذلك يقع في الموقف، أشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب، وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل، والتقدير: أن الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت، كما تقول العرب: أصابنا أمر يشيب منه الوليد؛ ونقل مثل هذا عن الحسن البصري في تفسير الآية، فقال: المعنى أن لو كانت هناك مرضعة لذهلت، وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يحمل على حقيقته، فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه، فتبعث حاملا، والمرضع مرضعة والطفل طفلا، فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك اليوم لآدم ما قيل ورأى الناس آدم، وسمعوا ما قيل له، وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل، ويشيب له الطفل، وتذهل به المرضعة. اهـ.

ومال إلى هذا القرطبي فقال: يحتمل أن يكون المعنى أن ذاك حين يقع لا يهم كل أحد إلا نفسه، حتى إن الحامل تسقط من مثله، والمرضعة الخ، ونقل ما ذكره الحليمي، واستحسنه من قوله: يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه، ونفخت فيه الروح، فتذهل الأم حينئذ عنه، لأنها

ص: 74

لا تقدر على إرضاعه، إذ لا غذاء هناك ولا لبن، وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط لم يجيء، لأن ذلك يوم الإعادة، فمن لم يمت في الدنيا لم يجيء يوم القيامة. اهـ.

وظاهر الرواية الرابعة أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد، وهذا يعارض ما جاء في حديث أبي هريرة "من كل مائة تسعة وتسعين" وقد طعن بعضهم في حديث أبي هريرة لمعارضته الروايات الكثيرة المتفقة على هذا العدد [من كل ألف واحد] وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد، والمقصود من العددين واحد، وهو تقليل عدد المؤمنين، وتكثير عدد الكافرين.

وأجاب الحافظ ابن حجر بحمل حديث أبي سعيد وما وافقه على جميع ذرية آدم، فيكون من كل ألف واحد، وحمل حديث أبي هريرة على من عدا يأجوج ومأجوج، فيكون من كل ألف عشرة، قال: ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة، فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرا، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

هذا فيما يخص نسبة أهل النار لأهل الجنة، أما نسبة أهل الجنة من المسلمين لغيرهم فهم الشطر أو يزيد، مع مراعاة أن المقصود بأهل الجنة في أمتنا وفي الأمم السابقة من كان مصيرهم الجنة، سواء عذبوا أو لم يعذبوا. والله أعلم.

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

مشروعية الحمد والتكبير عند الفرح والسرور، وعند استعظام الأمور.

2 -

وهول الأعداد الموجهة إلى النار بالنسبة للناجين.

3 -

إن زلزلة الساعة لشيء عظيم.

4 -

وفي قوله: "لا يدخل إلا نفس مسلمة" نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلا، وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين.

5 -

وحرص آدم على رعاية الأدب مع ربه، حيث نسب الخير إلى الله بقوله "والخير في يديك" مع أن الشر أيضا بتقدير الله، وفي ذلك استعطاف عظيم يناسب المقام.

6 -

وشفقة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على أمته ورجاؤه الخير الوفير لها في الآخرة.

7 -

وإدخاله السرور على أمته وتبشيره لها بفضل الله عليها، وإسباغه النعمة لها بستر تقصيرها في دنياها، وإدخالها الجنة في أخراها بمنه وكرمه جل شأنه.

نسأله جلت قدرته، وعظمت رحمته أن يشملنا بعنايته وتوفيقه، وأن يعفو عن التقصير، وأن يقبل منا هذا الجهد الذي قصدنا به وجهه الكريم.

ص: 75