المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني الكامل - فصول البدائع في أصول الشرائع - جـ ١

[الفناري]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المصنف:

- ‌وصف النسخة الخطية

- ‌ الفاتحة

- ‌المقصد الأول في معرفة الماهية

- ‌المقصد الثاني في فائدته

- ‌المقصد الثالث في التصديق بموضوعية موضوعه

- ‌تمهيدات في قواعد الموضوع

- ‌تتمة:

- ‌المقصد الرابع

- ‌المقدمة الأولى: في عدة الموضوع وهيئتها

- ‌المقدمة الثانية: في المبادئ التفصيلية

- ‌المقصد الأول: في المبادئ الكلامية

- ‌الكلام في الاستدلال

- ‌الكلام في النظر من وجوه

- ‌الأول في تعريفه

- ‌الثاني في أقسامه

- ‌الثالث في شروطه

- ‌الرابع في أحكامه العائدة إلى إفادة المطلوب

- ‌الكلام في المدلول

- ‌ الأول في أنه يحد أولًا

- ‌الثاني: في حده

- ‌الثالث في القسمة المخرجة لمعناه الثاني مقدمة

- ‌الرابع في القسمة المخرجة لمعناه المتوسط في العموم والخصوص

- ‌الخامس في تقسيم هذين القسمين

- ‌الكلام في النظر الكاسب

- ‌الفصل الأول في كاسب التصور

- ‌الأول في تعريفه

- ‌الثاني في تقسيمه

- ‌وههنا تحصيلات:

- ‌الثالث في مادية الذاتي والعرضي

- ‌الرابع في تقسيم الذاتي

- ‌الخامس في تقسيم العرضي

- ‌السادس في خلل الحد المطلق والرسمي

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الثاني في كاسب التصديق

- ‌أصول تنبيهية

- ‌المرام الثاني فيما يفيد اليقين منها وما يفيد

- ‌المرام الثالث في الأحكام

- ‌الأول في التناقض

- ‌الأول في تعريفه

- ‌الثاني في شرطه

- ‌الثالث في أحكامه:

- ‌الفصل الثاني في العكس المستقيم

- ‌الفصل الثالث في عكس النقيض

- ‌القسم الثاني في صورته

- ‌الفصل الأولفي الاقتراني

- ‌أحكام تنبيهية

- ‌الجزء الأول في الشكل الأول:

- ‌الجزء الثاني في الشكل الثاني

- ‌الجزء الثالث في الشكل الثالث

- ‌الجزء الرابع في الشكل الرابع

- ‌الفصل الثاني في القياس الاستثنائي

- ‌المقصد الثاني في المبادئ اللغوية

- ‌الكلام في تحديد الموضوعات اللغوية

- ‌الكلام في ترديدها إلى المفرد والمركب

- ‌الكلام في تقسيم المفرد من وجهين

- ‌الكلام في تقسيم المركب

- ‌خاتمة في تقسيم اختاره أصحابنا لعموم نظره وجموم ثمره

- ‌الكلام في الأقسام تفسيرًا واشتقاقًا

- ‌ففي المشترك مباحث

- ‌الأول: أنه واقع في اللغة

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌وفي الحقيقة والمجاز مباحث

- ‌والأول: في أماراتهما

- ‌المبحث الثاني في مجوز المجاز

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المبحث الخامس في وقوع الحقائق

- ‌فروع ثلاثة على النقل

- ‌المبحث السادس في وقوع المجاز في اللغة والقرآن

- ‌المبحث السابع

- ‌وفي الاشتقاق مباحث

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المبحث الخامس

- ‌المبحث السادس

- ‌ومن المبادئ اللغوية مباحث حروف المعاني

- ‌المقدمة في تحقيق معنى الحرف وما به يتمايز الكلمات

- ‌القسم الأول في حروف العطف

- ‌القسم الثاني في حروف الجر (الباء)

- ‌وصنف من كلمات الجر كلمات القسم

- ‌القسم الثالث أسهاء الظروف فمع

- ‌من فروع الظروف

- ‌القسم الرابع كلمات الاستثناء

- ‌القسم الخامس كلمات الشرط

- ‌وفي الوضع مباحث

- ‌وأما المبادئ الأحكامية فأربعة أقسام

- ‌القسم الأول في الحاكم

- ‌القسم الثاني في الحكم تعريفًا وتقسيم وأحكامًا

- ‌الأول في تعريفه:

- ‌الثاني تقسيمه:

- ‌التقسيم الأول

- ‌التقسيم الثاني الحكم بحسب زمانه

- ‌التقسيم الثالث متعلق الحكم بحسب غايته

- ‌التقسيم الرابع بحسب تعلق الحكم به

- ‌تقسيم الحسن والقبيح ويستدعي تصويرا

- ‌التقسيم الخامس لمتعلق الحكم بنسبة بعضه إلى بعض

- ‌التقسيم السادس لمتعلق الحكم باعتبار العذر المخرج عن أصله

- ‌المبحث الثالث في أحكام الحكم

- ‌فللوجوب أحكام:

- ‌وللكراهة أحكام

- ‌وللإباحة أحكام

- ‌التقسيم السابع الجامع المحكم الشرعي على سوق أصحابنا

- ‌وهاهنا نقوض وأجوبة

- ‌وها هنا تحصيل وتقسيم

- ‌القسم الثالث في المحكوم فيه

- ‌تتمة في تقسيم القدرة وأحكام قسمتها

- ‌تقسيمها: أنها نوعان

- ‌مطلق وتسمى الممكنة

- ‌النوع الثاني الكامل

- ‌تقسيم المحكوم فيه على سوق أصحابنا

- ‌آخر التقاسيم

- ‌القسم الرابع في المحكوم عليه

- ‌الأول: اشترط في صحة التكليف فهم المكلف له

- ‌الثاني: المعدوم مكلف عند الأشاعرة

- ‌فصل بيان المحكوم عليه بالبحث عن الأهلية والأمور المعترضة عليها

- ‌الجزء الأول في الأهلية:

- ‌الجزء الثاني في الأمور المعترضة عليها

- ‌والحيض والنفاس

- ‌جمع وتفريق

الفصل: ‌النوع الثاني الكامل

وثالثا: القدرة المشروطة سلامة الأسباب وهي حاصلة في حق الأداء وفي الأخيرين بحث ففي الثاني أن وجوب القضاء للتكليف فلو بني على مجرد نفس الوجوب وليس القدرة شرطًا له لوقع التكليف بدون شرطه وإن وجوب الأداء أن تراخى عن نحو صوم المغمى عليه لكان الواقع بعد الوقت فيها أداء والإجماع على خلافه وكيف يقال بأن الخطاب المقيد بوقت يطلب به الأداء بعده وها هنا يظهر سر قول من قال بتلازم الوجوبين في حقوق الله تعالى بخلاف حقوق العباد فإن المؤدي بعد الأجل ليس قضاء.

وفيه بحث: إذ لا يلزم من عدم صحة تراخي وجوب الأداء إلى ما بعد الوقت عدم صحته أصلًا لجواز تراتخيه إلى تضيق الوقت كما مر مع سائر أمثلته وفي الثالث أن الوقت الصالح من جملة أسباب الأداء فلا نعلم سلامتها وكان الحق أن وجوب الأداء لا يتوقف بعد نفس الوجوب حين يتضيق الوقت إلا على توهم فهم الخطاب باعتبار إمكان الانتباه ليترتب عليه وجوب القضاء لا على فهمه بالفعل وذلك يتحقق في نحو المريض والمغمي عليه كالناسي وفي مسألتنا غير متحقق إلا في الجزء الأخير لعدم الأهلية قبله وإن المعتبر في حق القضاء سلامة له بأنه لأسباب الأداء فالجواب هو الأول.

‌النوع الثاني الكامل

ويسمى الميسرة لتحصيلها اليسر بعد الإمكان فهي زائدة على الشرط المحض اشترطت لوجوب بعض الواجبات كرامة من الله تعالى لتصيره سهلًا، مع جوازه بدونها ولذا اشترطت في أكثر الواجبات المالية لكون أدائها أشق على النفس عند العامة ولتوقف وجوبه على تغيرها صفته صارت بمعنى علة لا يمكن بقاء المعلول بدونها إذ لولاها لم يبق اليسر وانقلب عسرًا فلا يبقى الوجوب بخلاف الرمل في الحج والشروط كالشهود في النكاح.

فروع:

1 -

يسقط الزكاة بهلاك النصاب بعد التمكن من الأداء عندنا خلافًا للشافعي (1) له أن الواجب بعد التقرر لا يسقط بالعجز كما في حقوق العباد وصدقة الفطر والحج، قلنا وجوب الزكاة بقدرة ميسرة ولذا خصصه بنصاب فاضل نام حقيقة أو تقديرًا وبربع العشر من نمائه مع بقاء أصله فلو قلنا ببقائها بعد هلاكه انقلب غرامة على أصله ولا يضر منعه

(1) انظر / بدائع الصنائع للكاساني (2/ 22).

ص: 293

بل استهلاكه كمنع المولى العبد الجاني عن الدفع أو المديون عن البيع أو المشتري الدار المشفوعة عن الشفع حتى هلكت لا يضمن بخلاف منع الوديعة والرهن إذ لا بد غصب هنا بإبطال حق المالك كما في منع الوديعة أو اليد المتقومة كما في منع الرهن أما المستهلك فمتعد على الفقير لتعين حقه فيه ولذا يبرأ بهبة ذلك النصاب منه دون مال آخر وبهلاكه قبل التمكن فيعد باقيًا تقديرًا زجرًا على تعديه وردًا لما قصده من ابطال حق الفقير نظرًا له كما عد أصله ناميًا تقديرًا وإلا لأدى إلى عدم الزكاة أصلًا كالمستهلك عبده الجاني والصائم إذا سافر بخلافه إذا مرض وشرط انتصاب ليس للتيسير نظرًا إلي أن المكنة يثبت بدونه لأن نسبة ربع العشر إلى كل المقادير على السوية أو في الأقل أيسر بل هو شرط الأهلية كالعقل والبلوغ أو شرط وجوب الأداء لأن حسن الإغناء لا يتحقق غالبًا إلا بالغنى الشرعي كما أن أصله لا يتحقق من غير الغني كالتمليك من غير المالك وإلا لم يكن لدفع الحاجة بل لإحواج المؤدي وليس لكثرة حد معين فقدرة الشرع بملك النصاب والإيثار ممدوح لكنه نادر والغالب عدم الصبر عليه فالمراد بقوله عليه السلام "أفضل الصدقة جهد المقل"(1) تفضيل الموبد من عند الله بالصبر على الحاجة وايثار مراد العبر ولو كان به خصاصة وبقوله خير الصدقة ما يكون عن ظهر غنى تفضله لمن لا بصير على ذلك وقبل مراده غنى القلب حتى لا يتبعه بالمن والاستكثار فلا تمسك قائما لم يشترط بقاء النصاب لبقاء الواجب بل يبقى الباقي بعد هلاك بعضه يقسطه إما سقوطه بعد هلاك كله فلفوت اليسر يفوت النماء لا لعدمه.

2 -

إذا اعتبر المؤشر بعد الحنث يكفر بالصوم لأن وجوب الكفارات بالميسر إذا للأيسر وإذ لم يعتبر للانتقال إلى الصوم أو الإطعام عدم القدرة في العمر وإلا لبطل أداؤهما إذ لا يتحقق العجز إلا في آخه كما في إن لم آت البصرة أو لم أتكلم، إما تخيير صدقة الفطر فصوري لا معنوي لتساويها معنى ومثله يراد لتأكيد الواجب لا للتيسير غير إن مال التكفير غير معين فأي مال إصابة بعد الحنث دامت به القدرة ولذا ساوى الهلاك الاستهلاك فيها إذ لم يكن اعتبار التعدي في غير المعين فصارت القدرة فيها كالاستطاعة في كونها معتبرة حال التكفير وحكمها كالزكاة في أن المال مع الدين كعدمه في الأصح ولذا يحل له الصدقة كماء المسافر المعد للعطش وفي آخر لا يجزيه التكفير بالصوم بخلاف الزكاة والفرق اشتراط كمال الغنى فيها للأمر بالاغناء كصدقة الفطر شكرًا

(1) تقدم تخريجه.

ص: 294

والكريم لا يوجب الشكر إلا لنعمة كاملة إذ القاصر له حكم العدم من وجه ولذا لا يتأدى إلا بتمليك عين متقومة لا بالإباحة ولا بتمليك المنافع والدين يسقط الكمال ولا يعدم الأصل والكفارات لم تشرع للإغناء بل إما سافرة لترقيع تمزيق لباس التقوى وذلك بالثواب الحاصل من معنى العبادة أو زاجرة لما فيها من معنى العقوبة ولذا تأدى بالتحرير والصوم والإباحة فالمعتبر فيها أدني ما يصلح لكسب ثواب تقابل به موجب اجداية لقوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: من الآية 114) ولمعنى الإغناء في صدقة الفطر أيضًا لا يجب مع الدين وإلا فوجوبها لا بالميسرة فإنها تجب برأس الحر ولا غنى به وبالغنى بثياب البذلة والمعنى وبالحملة بنصاب ليس بتام ولو تقديرًا ولا يسر به وإنما لم يعتبر دين العبد الذي يؤدي عنه حيث وجبت لاحتمال الغنى بمال آخر والمعتبر فيها مطلق الغنى بأي مال كان بخلاف زكاة عبد التجارة فإن شرطها كمال الغنى يعين ذلك المال ولذا يسقط بهلاكه وإن كان له مال آخر.

3 -

يسقط العشر بهلاك الخارج لوجوبه بالميسرة فإن قدرة آدائه تستغنى عن بقاء تسعة الأعشار ولم يجب إلا بأرض تامة بعين الخارج وكذا الخراج تسقط إذا اصطلم الزرع آفة فامتنع استغلال السنة لوجوبه بالميسرة ولذا إذا قل الخارج خط الخراج إلى نصفه فإن التنصيف عين التنصيف ويجب بأرض نامية لا سبخة ونحوها غير أن النماء التقديري بالتمكن من الزراعة كاف فيه لكون الواجب غير جنس الخارج وغير جزء منه مضاف إليه كالعشر فلا تحمل تقصيره عذرا في إبطال حق الغزاة، واعترض بعض الأفاضل على قولهم بقاء الميسرة شرط اتقاء الواجب وإلا انقلب اليسر عسرا بأن الكرامة تيسر لا يقتضيها تيسير آخر كالنصاب النامي وبقائه وإلا لأدى إلى إبطال الزكاة حتى لو هلك النصاب بعد خمسين سنة لسقطت زكاة الكل وبأن اليسر الحاصل بالحولان لا ينقلب عسرا بل غايته أن لا يترتب عليه يسر آخر، وجوابه أن المقصود وطول مكث الملك عند المالك ليس تعديا كما مر من أمثلته فما لم يؤد لا يحصل يسر واحد هو المقصود وهو الفائت بالهلاك ومعنى الانقلاب تحول الأداء من اليسر إلى العسر كانقلاب الوجود عدمًا ومن العجب عد البقاء يسرًا فلو صح ذلك لكان الحولان على أي مال كان نماء وليس كذلك والله الميسر لكل عسير، الثاني: حصول الشرط العقلي للمكلف به إن لم يمكن تحصيله للمكلف شرط للتكليف فينتفي التكليف بانتفائه وإن أمكن ليس شرطًا واللغوي سبب غالبًا إما الشرط الشرعي فحصوله ليس بشرط عند أكثر الشافعية

ص: 295

والعراقين من أصحابنا وشرط عند مشايخ ما وراء النهر كأبي زيد والسرخسي وفخر الإِسلام ومتابعيه وعند أبي حامد الاسفراييني والمسألة ليست على عمومها إذ لا خلاف في أن مثل الجنب والمحدث مأمور بالصلاة بل منزلة في جزئى منها وهو أن الكفار مخاطبون بالشرائع أي بفروع العبادات عملًا عند الأولين وليس كذا عند الآخرين وقال قوم من الآخرين مكلفون بالنواهي لأنهم أليق بالعقوبات الزاجرة دون الأوامر والأول هو الصحيح من أصحابنا وأصحاب الشافعي (1) ولا خلاف في إنهم مخاطبون بأمر الأيمان لأنه مبعوث إلى الكافة وبالمعاملات لأنهم أليق بمصالح الدنيا حيث آثروها على العقبى وبالفروع في المؤاخذة الأخروية بترك الاعتقاد وفي عدم جواز الأداء حال الكفر وفي عدم وجوب القضاء بعد الإِسلام وإنما الثمرة زيادة العقوبة بتركها عليها بترك الاعتقاد لقوله تعالى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} (الفرقان: من الآية 68 - 69) الآية وما قبل من فرض المسألة الكلية في الجزئية لا بد أن ديدن مألوف تسهيلا للمناظرة كما يقرض أن وجود الممكن زائد على ماهيته في وجود المثبت فلا يردان القاعدة لا تثبت بمثال جزئى لأنه لغرض يسهل مع اتحاد المأخذ ولا سيما فيما نصح فيه التمسك بعدم القائل بالفصل مشعر كليتها باقية على الخلاف وليس كذلك بالإجماع ومنه يعلم عدم إفادة تمسك الأولين بأنه لو كان شرطًا لم يجب صلاة على محدث وجب ولا هي ولا الله أكبر قبل النية ولا اللام قبل الهمزة مع وجوبها بكل جزء وجزء جزء بل الأوجه تمسكهم بوجوه:

1 -

عموم النصوص الموجبة للأعمال والعقاب على تركها مع أن الكفر لا يصح مانعًا لإمكان إزالته إذ النسبة كالحدث ولا داعيًا إلى التخفيف ويتحقق المقتضى وانتفاء المانع يتم الأمر.

2 -

الآيات الموعدة بتركها نحو قوله تعالى عن الكفار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (المدثر:42 - 43) لا يقال قولهم ليس بحجة بلو أن كذبهم لأنهم لو كذبوا لكذبوا فإن قيل غير واجب كم إلي نحو قوله تعالى {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} (النحل: من الآية 28) قلنا: يستبد العقل بدرك كذبهم ثمه دونه هنا وللاجماع على أن

(1) انظر / المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 316 - 332)، المستصفى لحجة الدين الغزالي (1/ 91 - 93)، إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 206 - 211)، نهاية السكل للإسنوي (1/ 369 - 383)، حاشية التلويح على التوضيح (1/ 213 - 215)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 67 - 71).

ص: 296

المراد تصديقهم فيما قالوا وتحذير غيرهم لأن العذاب بمجرد التكذيب بيوم الدين لأنه سبب مستقل فلا يحال على غيره إذ لا توارد لأن العذاب لو لم يترتب على الكل للغي سائر القيود وكلام الله منزه عنه ولا توارد لأن المرتب عليها زيادة لا يفسد إذا لتوارد جائز في العلل الشرعية لكونها إمارات لأن المصلين بمعنى المؤمنين كما في قوله عليه السلام "نهيت عن قتل المصلين"(1) كيف ومنهم من يصلى ويتصدق ويومن بالغيب لأن الأصل الحقيقة ولأن قوله تعالى {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} يلغو حينئذ ولا تماثل بين الصلاتين فكيف يتناولهما لفظ مع أنه يعم العموم المتيقن لخروجه جوابًا عن المجرمين وكقوله تعالى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت: من الآية 6 - 7) على ما علم من مقتضي ترتيب الحكمَ على المشتق وعلى المقيد وحملهما على نفى الاعتقاد لوجوب الصلاة والزكاة كما قاله الزجاج أو القول بأن معنى لا يؤتون الزكاة لا يز كون أنفسهم بالإيمان كما قاله الحسن خلاف الظاهر ولتخصيهم من العمومات لا يصار إليهما إلا لدليل صحيح.

3 -

أن الكفار مكلفون بالنواهي لوجوب حد الزنا عليهم فكذا بالأوامر بجامع حصول مصلحة التكليف ورد تارة يمنع إنهم مكلفون بالنواهي ووجوب حد الزنا لالتزامهم الأحكام لا لحرمته ولذا لا يحد الحربي مطلقًا ولا إلزامي بذميته إلا عند الترافع ولا رحم مع الكفر ويجوز أن يحد أحد على المباح عنده كإقامة الشافعي على الحنفي الشاري للتقيد وأخرى بالفرق بأن اجتناب الكافر عن المناهي ممكن الامتثال بالواجبات لأنها عبادة وذلك لأن النية لا تعتبر مع الترك كإزالة الخبث وبه يتحقق دليل المذهب الثالث. والجواب عن الأول: أن عموم الخطابات يقتض اندراجهم تحت القسمين وإذا خص الواجبات لعدم أهليتهم للعبادة بخلاف العقوبة بقي المناهي على الأصل وعدم حد الحربي لتقسيماته ووجوب الترافع للثبوت وذلك لأن جواز العقوبة على المباح عند الفاعل غير مسلم. وعن الثاني: بأن الانتهاء على قصد إلامتثال بدون النية بل وبدون الأيمان متعذر والممكن صورته ولا عبرتهما مع إنها مشتركة بين القسمين وإلا أنيط بها الثواب،

(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 224)، والدارقطني قى سننه (2/ 54)، وأبو داود (4/ 282) ح (4928)، والطبراني في الأوسط (5/ 194) ح (5058)، وأبو يعلى في مسنده (9011) ح (90)، والطبراني في الكبير (18/ 26) ح (44)، والبيهقي في الشعب (3/ 35) ح (2798)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 917) ح (963).

ص: 297

وليس أهلًا له بخلاف الترك الحسي من نحو إزالة الخبث، وللطائفة الثانية أن المترتب على كل من الفعل والكف أولا وبالذات هو الثواب والكافر ليس أهلًا له والشيء يفوت بفوات مقصوده وإذا انتفى العقاب بمخالفتهما المترتب ثانيًا وبالعرض وهذا إسقاط لهم عنه غير الخطاب وتغليظ بأخراجهم عن الأهلية لا تخيف كان لا يأمر الطيب العليل بشرب الدواء وهذا هو المقتض للعدول عن الظاهر بالوجهين السابقين فإن الجمع بين الأدلة أولى بقدر الإمكان على أنه مؤيد بقوله عليه السلام "فإن أجابوك فأعلمهم بأن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات (1) " الحديث فإن المعلق بالشرط عدم قبل وجوده وأقول في الجواب أن اندراجهم تحت الخطابات من حيث الثواب بالموافقة وإن امتنع فلم يمتنع من حيث العقاب بالمخالفة والكلام فيه فوجب العمل بالعموم والحقيقة في ذلك المقدار ولذا عوقبوا بترك اعتقاد الفروع اتفاقًا مع أن الأمر به لنيل الثواب وحديث الإسقاط عن غير الخطاب منقوض بخطاب الإيمان الذي هو أصل السعادات فكيف بتوابعه وبخطاب المعاملات كيف والنص مملوء بخطابهم والمعلق بالشرط في الحديث هو الأمر بالاعلام لنس الفرضية إما الاستدلال بأنهم لو كلفوا لصحت لأن الصحة موافقة الأمر أو لأمكن الامتثال لأن الإمكان شرطه حالة الكفر لا يمكن منه وبعده أي حاله الموت لا يمكن أيضًا لسقوط الخطاب أو لوجب القضاء ولا يجب فاسدًا ما الأول فلأن حالة الكفر ليست قيد للفعل في مرادهم بل للتكليف به مسبوقًا بالإدمان كالجنب والمحدث قبل أساس العبادات لا يثبت تبعًا لوجوب الفروع فإن قوله لعبده تزوج أربعًا لا يثبت الحرية قلنا مع أنه مما يحتاط في إثباته ويجتهد في إعلائه بخلاف المستشهد بها لا نثبته في صمته بل بأوامر المستقلة فيه واشتراطه لا لإثباته بل لترتيب العقاب الملايم لعدمه وإما الثاني فلإمكانه حالة الكفر يسبق الإيمان لا يقال هو كافر حينئذ فلو كان ممكنا اجتمع المتنافيان لأن نفيه ضرورة بشرط المحمول فلا يتنافي الامكان الذاتي وإما الثالث فلجواز سقوط القضاء في حقهم لقوله تعالى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: من الآية 38) وإما أن القضاء بأمر جديد إن سلم فلا يجدي لأن القائلين بمخاطبتهم بالفروع لا يفضلون بين أمر الأداء والقضاء قال شمس الأئمة لا نص من علمائنا ينافي هذه المسألة بل استدلوا على الخلاف بين الشافعي وبين علماء ما وراء النهر من أصحابنا بهذه

(1) أخرجه البخاري (2/ 505) ح (1331)، ومسلم (1/ 50) ح (19).

ص: 298

المسائل:

1 -

أسلم المرتد لا يلزمه قضاء صلاة الردة خلافًا له.

2 -

صلى في أول الوقت فارتد فأسلم والوقت باق الأداء خلافًا له.

3 -

أن الشرائع ليست من الإيمان عندنا خلافًا له والكل ضعيف وأن سقوط القضاء بقوله تعالى {إِنْ يَنْتَهُوا} (الأنفال: من الآية 38) الآية وبطلان المؤدي بقوله {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: من الآية 5) والشافعي رحمه الله شرط في الإحباط الموت على الكفر حملًا للمطلق على المقيد في قوله تعالى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} البقرة: من الآية 217) وأنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملات مع أنها ليست من الإيمان إجماعًا فلا يكون تفريعنا منتظمًا ثم قال فالاستدلال الصحيح على أن الردة تبطلِ وجوب الأداء أن من نذر بصوم شهر ثم ارتد ثم أسلم لا يجب عليه وقوله تعالى {يُغْفَرْ لَهُمْ} (الأنفال: من الآية 38) في حق السيئات ونذر الصوم من الحسنات قبل النذر من الأعمال ولذا يترتب عليه الثواب والعقاب فبطلانه بقوله {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: من الآية 5) قلنا احاط الردة النذر من حيث إنه عمل مقرر لمنافاتها العمل فكيف يتوجه الخطاب به معها، توضيحه أن الآية لما دلت على إنهم غير مخاطبين بقوله تعالى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (الحج: من الآية 29) دلت على عدم الخطاب بسائر الشرائع إذ لا قائل بالفصل وبذلك يجاب عن انه لا يلزم من عدم الخطاب بالردة عدمه بالكفر الأصلي والجواب منع أن دلالة الآية على عدم المخاطبة بإيجاب النذر بل على المخاطبة بإحباطه، الثالث: كل مكلف به فعل ففي النهي كف النفس خلافًا لأبي هاشم وكثير، لنا: أن القدرة مع الفعل لأنها عرض لا تبقي زمانين فلو تقدمت لعدمت عنده فهي مفسرة بالحالة التي يكون الفاعل عليها عنده فلا يكون عدم الفعل مقدورًا أو على هذا لا يردان استمرار العدم يصلح أثرًا وأنه يكفى في كونه أثرًا أن الفاعل لم يشاء فعله فلم يفعل ووجوب أن يفعل شيئًا مصادرة فلا حاجة إلى الجواب عن الثاني بأن عدم المشبه متحقق في الموجب بالذات مع أن عدم الفعل ليس أثرًا للقدرة فيه اتفاقًا مع أنه غير تام لأن المراد عدم المشبه عمن من شأنه.

للمخالف أن القدرة سابقة وتعلق الحادث بها لأنها كالباقي المستمر الوجود فهي مفسرة بمبدأ الآثار المختلفة أو بصفة تؤثر وفق الإرادة فنسبتها إلى الطرفين على التسوية فالعدم مقدور وعندي أن مذهبنا مبني على أن المكلف به في النهي لو لم يكن كف النفس عند الباعث بل عدم الفعل لكان مكلف مثابًا كل لمحة بعدم المناهي اللامتناهي وهو خلاف

ص: 299