الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آتك حتى أتغذى عندك أي إن لم يكن مني إتيان فتغذَّ لأن التغذي بغذاء القبر عند الإباحة إحسان بالحديث فلا يصلح منهيًا وهذا إن لم تأتني حتى تغذيني وإن آتك حتى أغذيك ولا سببًا لأن فعله لا يصلح جزاء لفعل نفسه، قيل: أي على سبيل الشكر لا على سبيل الزجر والخبر ككفارة قتل الصيد وضمان المتلفات وسجدة السهو ورد بأن اعتبار الشكر غير لازم كما في أسلمت حتى أدخل الجنة ببناء الفاعل ولو أريد بالمجازاة المكافأة بالمواساة لم يرد هذا أيضًا ولكن ينافيه المثالان الأولان للسببية وقد ذكروهما، فالمثال القائل أن لم تخبر فلانًا بإحسانك إليه حتى تشكر له أو حتى يكفر لك فإنه لا غاية لعدم الامتداد ولا سببية إذ لا يصلح خبر الإحسان سببًا لشكر نفسه ولا لكفران الغير فحكمه أن وقت بنحو اليوم فشرط البر وجود الفعلين فيه كانا مقارنين أو مع التراخي إلا إذا عني الفور وشرط الحنث عدم أحدهما فيه وإن لم يوقت ففط العمر بالاتصال أو التراخي إذ لم ينو الفور وقيل: شرط البر وجود الثاني غير متراخ عن مجلس الأول وعليه يحمل قول من قال إذا أتاه فلم يتغذ ثم تغذي غير متراخ فقد برّ ولا ثبت له بل محمله عندي التنبيه على عدم وجوب الوصل الحسي وجواز التأخير بقدر لا يعد تراخيًا عرفًا وحمله على طغيان القلم بسقوط لفظ اليوم بعيد وعلى عدم التراخي عن الاتيان وقتًا آخر أبعد وهذه استعارة بديعة اقترحها محمَّد وهو مما يحتج أئمة اللغة بقوله مع أن نقل العلاقة كاف في الصحيح ولا تحجير للواسع فالقول ما قالت حذام لا ما قاله ابن يعيش فيجوز جاءني زيد حتى عمرو وإن لم يسمع فإذا جازت الاستعارة للعطف فقيل للواو وعليه العتابي وإلا صح للفاء لأن مجانسة الغاية للتعقيب أكثر.
القسم الثاني في حروف الجر (الباء)
للإلصاق وهو إيصال الشيء بالشيء بدلالة التنصيص والاستعمال حتى قالوا لا يخدم معنى ما له كالاستعانة عنه وهو يقتضي الملصق أولًا لأنه المقصود والملصق به ثانيًا لأنه كالألة تبع وخصوصًا في باء الاستعانة وصحبت الأثمان التي هي وسائل المقاصد المنتفع بها ولذا جاز البيع بلا ملك ممن لا يبيع فشراء العبد بكر من حنطة موصوفة منعقد يوجب الكر حالًا ويصح استبدالها وشرائها بهذا العبد سلم فيعتبر شرائطه من القبض والتأجيل ولا يصح استبداله.
فر وع:
1 -
إن أخبر تني بقدوم فلان يقع على الصدق لأن القدوم فعل لا يصح مفعولا للتكلم
الثاني بنفسه ولا سيما إذا صحبته الباء فالأصل أن لا يزاد بلا ضرورة كما في أخبرني بهذا الخبر زيد فاقتضى حذف الملصق كبسم الله أي بدأت شيئًا ملصقا به فمعناه إن أخبرتنى الخبر ملصقا بذلك الفعل الموجود بخلاف إن أخبرتنى أن فلانا قدم لأنه يصح مفعولًا بلا إضمار الباء المحوج إلى إضمار آخر وإن شاع فإنه خلاف الأصل كالتعدية بالحرف مع صحة التعدية بدونه فالمعنى إن أخبرتنى هذا الخبر فهو من حيث أنه خبر تكلم بالقدوم لا عينه والتكلم دليل الوجود لا موجبة فيحتمل الصدق والكذب إما مساواة إن أعلمتنى بقدومه وأنه قدم في افتضاء الصدق فبناء على أن العلم اسم الحق والخبر وإن كان علمًا في اللغة ومنه الاختبار للامتحان لكن الخبر جعل عرفا لما يصلح دليلًا على المعرفة ولذا يوصف بالكذب لا العلم ولا يرد إن كنت تحبيني بقلبك فقالت كاذبة أحبك حيث تطلق إلا عند محمَّد وإن لم يلتصق بقلبها لأن اللسان جعل خلف القلب لخفاء المحبة بخلاف القدوم.
2 -
أنت طالق في بمشيئة الله أو بإرادته أو برضاه أو بمحبته جعل بمعنى الشرط لأن الإلصاق لعدم لخققه بدون الملصق به يفضي إلى معناه فلا يقع بها (1) وإن أضيفت إلى العبد كان تمليكا فيقتصر على مجلس العلم ولم يجعل للسببية حتى يقع كانت طالق بمشيئة الله أو لمشيئة فلان إذ التعليل محقق لأن الإلصاق يستدعي ترتب الملصق على الملصق به في الزمان وهو موجود بين الشرط والمشروط دون العلة والمعروف لتقارنهما زمانًا إما بأمره وحكمه وإذنه وقضائه وقدرته وعلمه فيراد به عرفًا تحقيق الإيقاع لا معنى الشرط لأن الإلصاق به لا يفيد التخيير كالأربعة السابقة بل التخيير عرفًا فيقع حالًا أضيفت إلى الله تعالى أو إلى العبد بخلاف الاشتمال فيها لما سيجيء، قيل مشيئة العبد أمارة مشيئة الله تعالى لقوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ} (الإنسان: من الآية 30) الآية فتوقف عليها بها فيقع وليس بشيء وإلا لوقع في قوله إن شاء الله والحل إن معناه إلى أن يشاء الله مشيتكم لا مشئكم والشرط هو الثانية.
3 -
قال في المحصول: الباء إذا دخل على متعد بنفسه نحو {وَامْسَحًوا بِرُؤُوسِكُمْ} (المائدة: من الآية 6) صار التبعيض للفرق الضروري بين مسحت المنديل وبالمنديل في إفادة الأول الشمول والثاني التبعيض فيجب أدلق ما يتناوله الرأس وهو شعرة أو شعرتان، وقال مالك الباء زائدة نحو (تنبت بالدهن) على وجه كما في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ}
(1) فلا تطلق. انظر/ الدر المختار (3/ 373).
(البقرة: من الآية 195) فوجب مسح الكل، قلنا الأول لا نقل له لغة وفيه الترادف مع من والاشتراك مع الإلصاق وكلاهما خلاف الأصل. والثاني إلغاء الحقيقة بلا دليل بل الأصل أن باقط الإلصاق إذا دخل الآلة اقتضى استيعاب محله نحو مسحت الحائط بيدي لإضافته إلى جملة ما وقع مقصودًا والآلة يكفى منها ما يحصل به المقصود وإن دخل المحل تشبيهًا له بالآلة إذ هي حرفها لا لأنه جعل وسيلة فاكتفى فيه بقدر ما يحصل به المقصود نحو مسحت يدي بالحائط يريد وضع الآلة عليه فقط فالتقى قول مالك رحمه الله ثم لو اقتضى الاستيعاب لاقتضاه في الآلة ولما لم يقتض وضع الآلة استيعابها عادة إذ لا عادة في إيصال ظهر اليد وفرج الأصابع اكتفى بالأكثر الحاكي للكل حكمًا ففرض عن هذا التبعيض لا مطلقا بل مقدرًا فصار مجملا وهذا أولى من أن يثبت إجماله بالقياس على سائر الأعضاء المفروض فيها بعض مقدر إذ لو فرض مطلق البعض لكان الزائد على مقدار المقدر فرضا كالزائد على الآيات الثلاث في القراءة ولتأدي الفرض في ضمن غسل الوجه لحصوله وليس كذا إجماعًا، وجه الأولوية ضعف إثبات الإجمال بالقياس وكون عدم التادي بغسل الوجه لفرضية الترتيب عنده وإذ لا يلزم من التقييد من وجه التقييد من كل وجه فلعله مطلق في الزائد على الحاصل مع غسل الوجه وربما يقال المسح إمرار اليد وإصابة شعرة أو شعرتين لا تسمى إمرارًا وكان مجملا بينه الحديث بقدر الناصية وهو الربع فانتقى قول الشافعية والاستيعاب في التيمم إن صح فقد قيل لا يجب مسح منابت الشعور الخفيفة بالتراب في الوجه كاللحية الخفيفة اتفاقا فثابت بالسنة المشهورة أو بدلالة الكتاب لأنه خلف عن المستوعب ولأن المسح بالصعيد في العضوين قائم وقام الوظائف الأربع تصنفت تخفيفا وكل تنصيق يقتضي بقاء الباقي على ما كان كصلاة المسافر وعدة الإماء وحدود العبيد والصلح أو الإبراء عن عشرة على خمسة على أن مسح الأكثر يكتفي به في رواية الحسن قياسا على مسح الخف والرأس.
4 -
يشترط في أن خرجت إلا بإذني الإذن لكل خرجه لأن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفى كان خرجت إلا بقناع إذ اليمين فيه للمنع فالمعنى لا تخرجي خروجا إلا ملصقا بإذني فعما المستثني حسب عموم صفته بخلاف إلا أن آذن لك فإذ لم يصح مستثني بنفسه عن الخروج بل إما بتقدير الباء المحوج إلا تقدير المتعلق وتقدير الموصوف المستثني وتقدير المستثني منه العام مع أن إلا خروجا أن آذن كلام محتل لا يعرف له استعمال بخلاف إلا خروجًا بإذني أو بتنزبل المصدر منزلة الوقت المحوج إلى
تقدير المستثنى منه العام وفي كل منهما كما ترى خلاف الأصل متضاعف فاكتفى بواحد وجعل مجازًا عن الغاية فإن الاستثناء يناسبها في انتهاء الحكم السابق على أن خروجها مرة أخرى بلا إذن إذا لزم منه الحنث على بعض التقادير دون بعض لا يحنث بالشك واحتج الفراء في جعله مستثني بتقدير الباء بقوله تعالى {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (الأحزاب: من الآية 53) وقد كان تكرار الإذن شرطًا وفيه عمل بحقيقة الاستثناء قلنا معارض بقوله تعالى {إِلا أَنْ تُغْمضُوا فِيه} (البقرة: من الآية 267) و {إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (يوسف: من الآية 66) الَا أن يحاطَ بكم فمعناهما الغاية ثم التكرار ثمة ليس من إلا أن كيف ولو كان مكانه حتى لكان كذا نحو {حَتَّى تَستَأنِسُوا} (النور: من الآية 27) بل بقوله {إِن ذَلِكُمْ كَانَ يُوذِي النَّبِيَّ} (الأحزاب: من الآية 53) وبالعقل ومر ترجيح المجاز.
تتمة: أن نوى في إلا أن إلا بأذني صحت ديانة وقضاء لأنه محتمل فيه التشديد وفي عكسه ديانة فقط إذ فيه التخفيف.
وعلى للاستعلاء صورة ومعنى نحو تأمر علينا ولأن الواجب مستغل عن من عليه كما يقال ركبه دين يستعمل للوجوب وضعًا شرعيًا حتى لفلان على ألف دين قطعًا إلا أن تصل إليه وديعة فتحمل على وجوب الحفظ ترجيحًا للمحتمل على الموجب بالمحكم ثم لأن الجزاء لازم للشرط لزوم الواجب لمن عليه يستعمل في الشرط نحو {يبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا} (الممتحنة: من الآية 12) وكون على صلة المبايعة لا ينافي شرطية مدخوله للمبَايعة لتوقفها عليه ثم لما بين العوض والمعوض من اللزوم في الوجوب يستعمل في العوض أيضًا كالباء غيو أن المشروط لتوقفه على الشرط يتعقبه تعقب اللازم للملزوم بخلاف العوضين فبينهما مقابلة ومقارنة فكان للشرط بمنزلة الحقيقة عنده فلم يحمل على معنى الباء إلا إذا تعذر كما في المعاوضات المحضة أي الخالية عن الإسقاط كالبيع والإجارة والنكاح فإنها لا تحتمل التعليق بالخطر لئلا يلزم مغني القمار فيحمل على العوض تصحيحًا بقدر الإمكان أما إذا لم يتعذر كما في الطلاق فللشرط عنده فمن قالت له طلقني ثلاثًا على ألف إذا طلقها واحدة لا يجب شيء وكان رجعيًا عنده لأن أجزاء الشرط لا تتوزع على أجزاء المشروط ففي قوله إن دخلت هذه وهذه فأنت طالق ثنتين تعلقتا بدخولهما ولا يقع واحدة بدخول أحديهما إذ بينهما معاقبة فلو انقسم تقدم جزء من المشروط على الشرط بخلاف العوضين إذ بينهما مقارنة فلا محذور في الانقسام، وتنويره أن لزوم الكل للكل كمجموع مستوى القامة الضحاك للإنسان لا يقتض لزوم
جزئه لجزئه كمجرد مستوى القامة أو الضحاك للحيوان أو الجسم وعندهما يجب ثلث الألف وكان باينًا كما لو قالت بألف درهم لأن الطلاق على مال معاوضة منها إذ لها الرجوع قبل كلامه وقد صدر منها فيحمل عليها بدلالة الحال كما في احمل الطعام على ألف وقولها طلقنى وضرتي على ألف وطلقها وحدها لزمها قدر ما يخصها منه كألف.
قلنا: الأصل في نحو الطلاق جانبه بتمامه منه وهو من جانبه يمين قابل للتعليق حتى ليس له الرجوع قبل كلامها إذا ابتدأ ولا يقتصر على مجلسه فيحمل عليه ولا يعدل عنه بلا موجب ودخول المال وإن حصل معنى المعاوضة لم يمنع عن صحة التعليق نحو إن قدم فلان فأنت طالق على ألف فالصادر منها إما طلب تعليق الثلاث بالمال أو تعليق التزام المال وأيا كان إذا خالف لم يجب شيء بخلاف المعاوضات الغير القابلة للتعليق ومسألة الضرة إذا الغرض من ضمها نقض البدل على نفسها لو طلقها وحدها إذ لا مائدة لها في طلاق الضرة بعد طلاقها فحمل على المقابلة بدلالة حالها، وينصر قوله مسألة الموادعة من السير وهي أن مسلمًا إذا وادع أهل الحرب سنة على ألف فإن رأى الإِمام أبطالها رد الألف وقاتل وإن مضى نصف السنة ثم رأى يرد نصفه قياسًا على الإجارة بعوض معلوم وكله استحسانًا لأن على الشرط أن يسلم لهم الموادعة في جميع المدة فلا يتوزع المشروط على أجزائه وليست الموادعة في الأصل من المعاوضات بخلاف الإجارة وإن وادعهم ثلاث سنين كل سنة بألف وقبض كل ثم رأى الأبطال بعد سنة يرد الألفين لأن الباء للعوض المنقسم باعتبار الأجزاء. (ومن) للتبعيض مع ابتداء الغاية (1) أي في العرف الغالب الفقهي وسيجيء تحقيقه في بحث العام مع بعض أمثلته فلا ينافيه مجيئه لابتداء الغاية أي المسافة في خرجت من الكوفة ولا أصالته في العرف اللغوي والبيان في لفلان عشرة من فضة وبمعنى الباء في {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} (الرعد: من الآية 11) وصلة في {لِيَغْفرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ} (إبراهيم: من الآية 10) فينا بقوله {إِن الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر: من الَآية 53) إن الله يغفر الذنوب جميعًا لا في أمة نوح وفي المغفرة معنى عدم المؤاخذة وفي جاءني من أحد وديار لا من رجل على ما سيجيء قال في المحصول أصلها التمييز لوجوده في الكل وقيل: التبين لذلك وفيهما بحث إذ لو أريد تمييزها أو تبيين ما فحاصل في كل كلمة ولو أريد مصطلح النحو فشمولهما ممنوع، وإنما يحمل على الصلة إذا تعذر حقيقة ومجازاة إذ الأعمال أولى من الإهمال قيل وإذا احتاج الكلام ليفيد فائدة ما
(1) انظر/ أصول السرخسى (1/ 222)، التقرير والتحبير (2/ 5)، الفصل في الفصول للجصاص (1/ 94).
كقولنا اخلعنى على باقي يدي من الدراهم أو من دراهم وفي يدها درهم أو درهمان ولزمها ثلاثة (1) لأن من صلة أي ليست تبعيضية وإلا لما اختل الكلام بدونها بخلاف قوله إن كان ما في يدي من الدراهم إلا ثلاثة أو غيرها أو سواها فجميعها صدقة فإذا هي أربعة أو خمسة بصدق بكلها لأن الواحد والاثنين بعضها بخلاف إن كان ما في يدي دراهم إلا ثلاثة والمسألة بحالها فلا شيء عليه لأن ما دون الثلاثة ليست دراهم، وأورد بأن عدم اختلال الكلام أمارة الصلة وغمارتها إخلاله وبأن من في الأولى نيابة لأصله لأنها الزائدة بل وفي المسألتين، وجوابه أن الصلة قد يراد بها البيانية المحضة لأنها زائدة من حيث المعنى وهي المرادة هنا وإمارتها الاختلال وعدمه أمارة الصلة اللفظية نعم لو أورد بأن الدراهم يتناول الواحد فلا يجب ثلاثة لأجيب بأن ذلك في لام الجنس وهذا للعهد وما في المسألة الأولى فليست بيانية محطة لإفادتها التبعيض والألم يكن لذكرها فائدة بخلاف الثانية، وإلى الانتهاء الغاية أي المسافة ولذا يدخل في النهايات وأنه إذا دخل الأزمنة قد يكون للتوقيت، أي لانتهاء الثبوت المنجز إليها ولولاها لثبت بعدها أَن قبله المنيا كآجال الأيمان نحو لا أكلم فلانًا إلى شهر والإجارة نحو آجرت داري إِلى شهر بكذا ومنه أجل الخيار وقد يكون للتأخير والتأجيل وهو لا يثبت مع موجبه إلا بعادها ولولاها لثبت حالًا كالبيع إلى شهر فإنه لتأخير المطالبة والبيع موجبها وإخراجه من غاية التأخير ليس بشيء إذ التأخير للمطالبة ولا ينفع في ذلك تعليقه بمحذوف هذا إذا لم يحتمل الصدر إلا أحدهما فإن احتملها نحو أنت طالق إلى شهر فإن نوى التأقيت أو التأخير فذاك غير أن التأقيت لغو والتأخير تقبله الطلاق نحو أنت طالق غدًا وإلا فللتأقيت عند زفر وأبي يوسف رحمه الله في رواية لأن التأجيل صفة موجود كتأجيل الديون قلنا بل للتأخير فيما يقبله ولا يقبل التوقيت بعد الثبوت ويؤدي إلى الإلغاء كوقوع الطلاق فيصرف الأجل إلى الإيقاع احترازًا عن الإلغاء بخلاف الديون فإن ثبوتها لا يقبل التأجيل فانصرف إلى المطالبة وتحقيقه أن تأجيل الديون إما لثبوتها فليس وإما لمطالبتها فتأخير فلا قياس إما آجال الأيمان والإجارة فلقبولها التأقيت (أصل آخر) في دخول الغاية تحت المغيا وعدمه إن تناول صدر الكلام لها دخلت وأفادت إسقاط ما وراءها إن كان لا إنها غاية الإسقاط الغير المذكور كما ظن وذلك لأن الشك في الخروج ح فلا ينبت سواءكانت قائمة بنفسها أي غاية بحسب الوجود قبل التكلم كرأس السمكة أولًا أي غاية بحسب التكلم وفي الوجود اتصال
(1) انظر الجامع الصغير (1/ 216)، البحر الرائق (2/ 261).
كالغابات الزمانية لما يصلح وقوعه نحو {إِلَى الْمَرَافِقِ} (المائدة: من الآية 6) فإن اليد مما يتناول إلى الإبط كما فهم الصحابة رضي الله عنهم في التيمم وإن لم يتناولها لم تدخل وأفادت مد الحكم للشك في الدخول قائمة بنفسها كانت كحائط البستان أولًا نحو {أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى الليلِ} (البقرة: من الآية 187) فلا يصح الوصال لأن المراد الصوم الشرعي فرضًا كان وهو ظاهر أو نفلًا لعدم القائل بالفضل ومسألة الصباح للبارحة فإخراج القائمة بنفسها عن التفصيل لا تحصيل له إما نفل فمن أصول فخر الإِسلام وغيره وإما عقلًا فلأن كون الشك في الدخول أو الخروج يشملهما لعدم الفصل كمسألة السمك والقول بخروج رأسها مخالفة للجمهور ولا ينتقض الثالثة بقوله {إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} (الإسراء: من الآية 1) فإن مطلق الإسراء لا يتناوله لأن دخوله عليه السلام ثبت الأحاديث لا بموجب إلى وقولنا قرأت الكتاب إلى آخره كمسالة السمك وإلى باب القياس إن أريد عدم قراءته فمعدول به عن الأولى بقرينة التحسر في ذكر الغاية أو الافتخار بذكر المُغَيَّا لأن مقامه يقتضي عده من المغيا لو قرئ وهذا تحقيق لما وضع له مجموع القيد والمقيد وضعًا نوعيا باعتبار معاني مفردية وذا جار في كل مركب لأنه اعتبار كل منهما منفردًا فلا وجه لبحث القاضي الإِمام ومناسب لمذهب أكثر النحاة في تجويز الدخول والخروج بالقرائن وهو مراد من عبر عنه بالدخول عند تناول الصدور بالخروج عند عدمه فإنهما من القرائن الكلية المحتاج مخالفتهما إلى دليل بل ومن عبر عنه الاشتراك إذ المراد الاشتراك العرفي في الاستعمال وهو الحق لا الدخول فقط ولا الخروج فقط.
فروع: لا تدخل آجال الديون والإجارة لأن الترفيه وتمليك المنفعة يوجب أدنى ما يتناوله فهي لمد الحكم ولذا وجب تعيينها لرفع النزاع وكذا أجل البيع اتفاقًا في الثلاثة بخلاف غاية الخيار عنده لأن مقتضى الخيار التأييد ولذا يفسد العقد ويعود صحيحا بإسقاط في الثلاث عنده ولي أي مدة عندهما فهي لإسقاط ما وراءها وكذا آجال الأمان نحو لا يكلمه إلى رجب في رواية الحسن إما في ظاهر الرواية لأن الأصل عدم جرمة الكلام وعدم وجوب الكفارة فلا يجبان بالشك فاعتبرت غايات للمنفي كما مر نظائره في إن لم أضربك حتى تصيح أو تشتكي فكانت لمد الحكم لا لإسقاط ما وراءها وعندهما يجب خروجها فيها إذ هو الأصل لأن شأن الغاية أن ينتهى الحكم عندها إلا لدليل كدخول المرافق بحديث تعليم الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به وكدخولهما في لفلان من دراهم إلى عشرة وأنت طالق من واحدة إلى ثلاث للعرف ودلالة الحال ولذا
تحير زفر في جواب إيراد الأصمعي قول رجل حين سئل عن سنه ما بين ستين إلى سبعبن هل يكون ابن تسع حيث أخرجهما زفر عملا بأصل الغاية إلى أبي حنيفة يدخل الأولى فقط ضرورة أنه تحقيق لما يترتب تحققه على تحقق المبدأ سواء وجد المرتب عليه أولًا كما في من واحد إلى اثنين فإن عدم ترتب الحصول على التحصيل للخطأ في طريقه ولما ذكر المبدأ له بخلاف ما إذا لم يذكره نحو أنت طالق ثانية حيث يقع واحدة فإن لم يخطأ في طريقه فمعه وإلا فالمبدأ فقط سواء كان المبدأ واحدا أو ما فوقه نحو من عشرة إلى عشرين بخلاف الغاية الأخيرة إذ لا يتوقف تحقق المغيا عليها وصدر الكلام لم يتناولها وهكذا حكم ما بين الواحد إلى العشرة ويؤيد مذهب أبي حنيفة قوله عليه السلام "أكثر أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"(1) ومنه أخذ الأصمعي إلزام زفر فلا يرد أن التضايف بين مفهوم الأولى والثانوية لا ذاتياتهما وإن عد الواحد جزاء مغلظة من باب اشتباه المعروض بالمعارض فإنه جزء موجب اللفظ حاصل وإنها لم يخرج الأخيرة في كل إلى عشرة لقمات واشتر كذا إلى عشرة وفيما تكفل إليها لدلالة الحال فإن المبيح أو الموكل أو المتكفل إلى كذا لا يباشرها أو وهو راض بتمامها بخلاف الطلاق إذ لاحتراز عن الثالثة بل عن تكثيره غالب والإقرار فإنه يقتضي تحقق المخبر عنه تعينًا.
(وفي) للظرفية فالزمانية للمعاني والمكانية لها (2) وللذوات حقيقيين كانتا نحو صمت في يوم الاثنين وزيدًا وجلوسه في الدار ومجازين نحو طيب الحال في دولة فلان إذا لم يقدر مضاف والنظر في الكتاب أو زيد في نعمة وحقيقة كانت نفس الظرفية كالقدر المختص بالمظروف في الأمثلة المذكورة أو اعتبارية كالأشمل منه فالأقسام اثنا عشر وفيها أصول:
1 -
أن تقارن المظروف إلا لدليل كالإقرار بغصب ثوب في منديل وتمر في قوصرة لزما بخلاف دابة في اصطبل.
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (7/ 246) ح (2980)، والحاكم في مستدركه (2/ 463) ح (3598)، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه والترمذي (5/ 553) ح (3550) وقال: حسن غريب، والبيهقي في الكبرى (3/ 370) ح (6314)، وابن ماجه (2/ 1415) ح (4236)، والطبراني في الأوسط (6/ 85) ح (5872)، والإسماعيلي في معجم الشيوخ (1/ 503) ح (151)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 390) ح (5990)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 174 - 175) ح (252).
(2)
انظر التقرير والتحبير (2/ 93)، المحصول لفخر الدين الرازي (1/ 528)، الإبهاج لابن السبكى (1/ 347).
2 -
أن الصاحبين لا يفرقان بين إثباته وحذفه لأن المختصر من الشيء في حكمه وفرق الإِمام بأن الاتصال بلا واسطة يقتضي استيعابه لانطباقه على اسم الكل فيفيد الظرفية الحقيقية إما بالواسطة فكالآلة وقد مر مثله في الباء ولأنه بمنزلة المفعول به ح والأصل فيه الاستيعاب إلا لدليل ويؤيده قول أهل العربية في مالك يوم الدين بالفرق بين مالك الدهر ومالك في الدهر أن الأول لمالكية جميع الأمور عرفًا لا لحذف المفعول وصمت الدهر يقع على الأبد وفي الدهر على ساعة بنية صوم يوم فالأول في الثاني يصدق ديانة فقط وكذا أنت طالق غدًا ليقع في كله فلا يصدق في نية آخر النهار إلا ديانة وفي غد أي في جزء منه يصدق قضاء أيضًا وإذا لم ينو يقع في أوله للسبق وعدم المزاحمة وما روى إبراهيم عن محمَّد أن أمرك بيدك رمضان وفي رمضان سواء وكذا غدًا وفي غد الاستيعاب بناء على ما يراد به ضرب المدة دون مطلق الحصول بخلاف الطلاق ولذا يستوعب مع في.
3 -
أن إضافة الطلاق إلى المكان لا تقيده فيقع في الحال لأن نسبته إلى الأمكنة بالسوية ولأنه موجود فالتعليق به ينجز بخلاف الزمان نحو أنت طالق في مكة إلا إذا أضمر الفعل كالدخول أو أريد بالمحل حاله أو بالسبب سببه فإن الدخول سبب الكائنية فيصير كالشرط فلا يقع إلا إذا دخل وقبل يصير شرطا حقيقة لأن كلا منهما ليس بمؤثر ويتعلق الفعل به والأصح أنه للمقارنة ح فمن قضية الظرف الاحتواء على المظروف بجوانبه ولذا يتقيد به أما الشرط فبمعنى العاقبة والثمرة فيما قال لأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق نحو مع نكاحك ولو كان مستعارًا للشرط طلقت نحو إن تزوجتك فلذا يستعار بمعنى مع إذا ذكر الفعل فلو قال في أنت طالق في الدار نويت إضمار الدخول صدق ديانة (1) وإذا كان بمنزلة الشرط في عدم الوقوع قبله لم يقع في أنت طالق في مشيئة الله وغيرها من عشرة الزيادات لأن التعليق بها متعارف وهي مما يصح وصف الله بوجوده وعدمه فلم يعلم وقوعه قطعًا كما عند الإضافة إلى العباد بخلافها بباء الإلصاق فإن التعارف في إرادة التعليق كان مختصا بالأربعة الأول ثم كذا الرواية وهاهنا شامل إلا في علم الله إما لأن المشتهر استعماله في المعلوم، وأنت طالق في معلوم الله لتجير لأن معلومة واقع بخلاف القدرة على إحدى الروايتين فإن استعمالها في المقدور نادر غير مشتهر مثله وقولهم هذا قدرة الله محمول على حذف المضاف بمعنى
(1) أي فلا يقع. انظر أصول السرخسي (1/ 224)، أصول الشاشي (1/ 233).
أثر قدرته لا بمعنى المقدور لأن الأول أقرب إلى الحقيقة وأشيع ولا يصح مثله في العلم لأنه ليس بمؤثر كالقدرة وإما لأن العلم ليس مما يصح وصف الله بعدمه فإنه شامل فلا خطر فيه ليصح شرطًا إما القدرة فبمعنى التقدير وقد قرئ قوله فقدرنا مشددًا وهو مما يصح وصفه بعدمه كالإرادة إما على ما روي في الكافي إنها كالعلم حيث يراد بهما التنجيز عرفًا فلا حاجة إلى الفرق.
أصل متفرع عليه
إنما لا يقع المقيد بمشيئة الله لكونه تعليقًا عند أبي يوسف وإبطالا للكلام عند محمَّد وأثره في أنه يمين فوقوعه في إن شاء الله أنت طالق مع التقديم لعدم حرف الجزاء الرابط ومثله إن لم يشأ الله وإن شاء الجن لا يقال لا بد أن يقع في إن لم يشأ الله لأن مشيئة الله إن وقعت وقع مراده وإن لم يقع وجد المعلق عليه، لأنا نقول وإن سلم كونه للتعليق فلا نعلم اقتضاء الوقوع فإن تعليق الطلاق بعدم مشيئة الله تعليق بما يستحيل معه وقوعه فيكون لغوًا وهذا إذا علق بعدم مشيئة مطلقًا أما إذا علق بعدمها مقيدًا باليوم مثلًا لما في النوازل أنه إذا قال أنت طالق لليوم واحدة إن شاء الله وإن لم يشاء الله أي تلك الواحدة فثنتين فإن طلقها قبل مضي اليوم وقعت تلك الواحدة وإن لم يطلق فيه يقع ثنتان لوقوع عدم مشيئة الله الواحدة إذ لو شاءها لطلق ولو لم يقيد باليوم فقال أنت طالق واحدة إن شاء الله وثنتين إن لم يشاء الله لا يقع شيء فالواحدة للاستثناء والثنتان لأنها لو وقعت لبطل الكلام مق حيث صح فإن الوقوع مع عدم مشيئة الله محال (1) وهذا إذا عاق وقوع الثنتين بعدم مشيئة الله إياهما لا بعدم مشيئة الله الواحدة والسابقة إذ لو علقه بهذا في صورة الإطلاق ففي المستثنى أن وقوعه يتأخر إلى الموت حتى لو لم أطلقها طلقت قبل الموت بلا فصل.
4 -
لفلان عشرة في عشرة لا يصلح لطرفيه الشيء بمثله فيلزم عشرة (2) إلا أن ينوي مع أو الواو فعشرون (3) وفرق ما بينهما في أنت طالق واحدة في واحدة لغير الممسوسة (4) وعند زفر عشرون في كل حال إذ عند تعذر الحقيقة تصرف إلى مع نحو {فادخلى في
(1) انظرا حاشية ابن عابدين (3/ 370).
(2)
انظرا البحر الرائق (3/ 285).
(3)
لمناسبة الظرف كليهما. انظرا البحر الرائق (3/ 285).
(4)
فتقع واحدة. انظر / فتاوى السعدي (1/ 339)، أصول السرخسي (1/ 225)، التقرير والتحبير (2/ 95).
عبادي} أي معهم وعند الحسن مائة حملًا على متعارف الحساب قلنا في المجازات كثرة فكما يجيء بعني مع أو الواو يجيء بعني على نحو {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وبمعنى من نحو {وارزقوهم فيها} وليس أحد الوجوه أولى فيعتبر أول كلامه ولا نعلم عدم صحة تلك المجازات على أنه لا يثبت الزيادة بالشك لأن الأصل براءة الذمة إلا أن يعترف بنيته وفيه تغليظ فيصدق وإما متعارف في الحساب فلا معتبر به لأن أثره تكثير الأجزاء إلا الأعداد الثابتة والتقريب في الثاني.
فروع شتى مصيرية: قال رأس الحصين آمنونى على عشرة ففعلنا وقع عليه قطعًا حيث ذكره بعينه نصًا وعلى عشرة غيره حيث جعلها شرطًا والشرط غير المشروط أي عشرة كانت حيث نكرها والخيار في تعيينها إليه حيث استعلى نفسه عليهم وجعله ذا حظَّ منهم وليس بدخوله في أمانهم للتنصيص به (1) ولا يصح مباشرًا فتعين بالتعيين لأن تعيين المجهول كالإيجاب المبتدأ بوجه ولو قال وعشرة فكذا لاقتضاء العطف المغايرة إلا أن الخيار إلى الإِمام أو من مقامه إذ لم يجعل نفسه مستعلمًا وذا حظ بل عطفهم فشأن الإِمام معهم كشأنه معه فلو عينهم نساء أو صبيانًا أو من شاء جاز ولو قال بعشرة فهو مثل وعشرة سواء لأن الإلصاق كالجمع وغلطه شمس الأئمة وصحح بعشرة لأن الباء تصحب الأعواض فمعناه بعشرة أعطكم عوضًا عن أماني وليس بمقصود مثله هنا وأجيب بالمنع بل معناه آمنوني بأمان عشرة على حذف المضاف اكتفاء بذكر الأول والباء للملابسة وليس التغليظ لتخيل الباء بين حروف العطف لأن المذكور بعدة حروف الجر ولو قال في عشرة دخل فيهم حيث أدخل نفسه وغير به الظرف إذا تحقق بذاته لا في العدد إذ يكون فيه بمعنى أحدهم لا يقال فإذا انتفى حقيقة الظرفية فليجعل بعني مع نحو ادخلي في عبادي واهدني فيمن هديت أو بمعني على نحو في جذوع النخل وعلى التقديرين يثبت الأمان لعشرة سواء لأنا نقول كونه أحدهم لكونه طرفية اعتبارية حقيقة من وجه فهو أولى ولذا صار متعارفًا في العدد ثم الخيار في التسعة إلى الإِمام حيث جعل نفسه كأحدهم فبعينهم من آمنه ولو قال آمنوا في عشرة فقد استأمن عشرة منكرة ما شرط معايرتهم له وجعل نفسه ذا حظ من أمانهم وذلك بالتعين وما استأمن نفسه نصًا فيقع على عشرة بعينهم رأس الحصين فله أن يدخل نفسه فيهم ولو لم يدخل صارفيًا.
(1) انظر/ أصول السرخسي (1/ 222)، أصول الشاشى (1/ 229).