الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتكلِف قبل دخول وقت الامتثال فمعاندة. وقال القاضي مخالفًا للإجماع على تحقق الوجوب والحرمة قبل التمكن من الفعل ولذا يجب الشروع بنية الفرض إجماعا ومنه يعلم أن التكليف يتوجه قبل المباشرة إجماعا.
فصل بيان المحكوم عليه بالبحث عن الأهلية والأمور المعترضة عليها
ففيه جزءان:
الجزء الأول في الأهلية:
هي لغة الصلاحية واصطلاحًا الصلاحية للوجوب له وعليه شرعًا أو لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا ويسمى الأولى أهلية نفس الوجوب والثانية أهلية الأداء والأولى بالذمة والثانية نوعان كاملها بكمال العقل والبدن كالعاقل البالغ وقاصرها بقصورهما كالصبي العاقل أو المعتوه أو بقصور أحدهما كالبالغ المعتوه فوجوب الأداء مع الكاملة وصحة الأداء القاصرة ولتحقيقه مقدمات:
1 -
تذكير ما مر أن نفس الوجوب شغل الذمة ولزوم الوقوع ووجوب الأداء طلب تسليم ما اشتغلت به ولزوم الإيقاع ونفس الأداء التسليم والإيقاع فهذه ثلاثة مفهومات لكل منها أهلية عبر القوم عن أهلية الأول بأهلية الوجوب وعن أهلية الثاني بأهلية الأداء الكاملة وعن أهلية الثالث بصحة الأداء وأهلية الأداء القاصرة وحصل ستة مفهومات فنفس الوجوب بالسبب وأهليته بالذمة ووجوب الأداء بالخطاب وأهليته بالعقل والبدن الكاملين ونفس الأداء بوجود الأركان والشرائط وأهليته أعني صحته بالقاصرين.
2 -
أن الذمة لغة العهد لأنه سبب نوع الذم إذا نقض واصطلاحًا عند الجمهور حقيقة عهد جرى بين الرب والعباد كما يدل عليه قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (الأعراف: من الآية 172) الآية حيث فسروه بأن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام
أخرج ذريته من ظهره مثل الذر وأخذ ذلك الميثاق وأعادهم إلى ظهره واستدلوا عليه بما روى مالك وأحمد بن حنبل والترمذي عن عمر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال في تفسيره "إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون"(1) ووفق صاحب الكشف بأن المراد إخراج ذرية آدم
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 80) ح (74)، والضياء في المختارة (1/ 406 - 407) ح (289)، والترمذي (5/ 266) ح (3075)، وأبو داود (4/ 226) ح (4703)، والإمام مالك في الموطأ (2/ 898) ح (1593)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 44) ح (311)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (3/ 558 - 559) ح (990)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 87) ح (196).
من ظهره وظهر أولاده حسب ما يتوالدون في أدني مدة كموت الكل بالنفخة الأولى وحياتهم بالنفخة الثانية فقيل صاروا حينئذ أصنافًا ثلاثة سابقون هم المقربون سبق لهم نور يحبهم فانجذبوا بشر أشرهم إليه بتجريد يحبونه ثم أصحاب الميمنة هم الأبرار الممتثلون بقوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود: من الآية 112) ثم أصحاب المشئمة الذين جوابهم بلى لا عن رغبة واختيار بل عن هيبة ووقار وعند المؤولين عهد استعير به تمثيلًا عن نصب أدلة المعرفة والوحدانية لهم وتركهم بحيث يصلح للاستدلال عليهما والاقرار بهما ورئيسهم صاحب الكشاف ليناسب مذهبه في أن التكليف بالعقل قال الرازي فاتفقت المعتزلة أن الحديث لا يصلح مفسرًا للآية ووفق البيضاوي بأن المراد من بني آدم هو وأولاده جعله اسمًا للنوع كالبشر ومن الإخراج توليد بعضهم عن بعض على مر الزمان واقتصر في الحديث على ذكر الأصل وذكر الشيرازي رحمه الله بينه وبينهم ميثاقين أحدهما لما يهتدي إليه العقول بنصب الأدلة وذا في الآية وثانيهما لما لا يهتدي إليه من الواردات الشرعية التي تتوقف على توقيف الأنبياء عليه فأخبر في الحديث بذلك في جواب سؤال الصحابة عن الميثاق الحالي جريًا على الأسلوب الحكيم وأيًا ما كان ففط الآية دلالة أن فهيم وصفًا به أهلية الإجابة والاستجاب قيل فهو العقل وإليه يشير ظاهر كلام أبي زيد رحمه الله أن يشمل العقل الهيولاني وإلا صح أن للعقل مدخلًا فيه وليس عينه بل هو خصوصية الإنسان المعتبر فيها تركيب العقل وسائر القوي والمشاعر لا كالملك وسائر الحيوانات وبذا اختص بقبول الأمانة المعروضة فإن استعير بالعهد عن تلك الخصوصية فالذمة في قولهم وجب في ذمته حقيقة العهد كما ذهب إليه فخر الإِسلام فأريد بها فيه نفس ورقبة لها عهد أي باعتباره كما فسره بها تسمية لها باسم أكل وهو المطابق لما عبر عنها بالعنق في قوله تعالى {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء: من الآية 13) أي جعلنا القضاء والقدر المسببين للخيًر والشر أو عمله الذي هو وسيلة الخير والشر لا زمالة لزوم القلادة للعنق فإن الطائر لتيمن العرب بسنوحه وتشأمهم بتروحه يستعار به لسبب الخير والشر ففيه تمثيل مبني على الاستعارة المصرحة أو حقيقة في الخارج من العمل من طار السهم أي خرج وأياما كان ففيها دلالة أن في الإنسان وصفًا وخصوصية بها التزمه إذ ليس المراد إلزامًا بدون التزامه لما يفهم من سياق الآيتين كما ظن فاعترض بجواز الاستدلال حاصل بمثل أقيموا الصلاة مع أنا بصدد إثبات وجود ما به التكليف العام وهو المراد يحمله الأمانة أي الطاعة أو التكليف في آية العرض سواء فسر بحقيقته
حيث قيل خلق الله في هذه الأجرام فهما فقال فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارًا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات لا نحتملها وحين خلق آدم وعرض عليه حمله فهو ظلوم بتحمل ما شق جهول بوخامة عاقبته أو أوّل بأنها لو عرضت عليها وكانت ذات شعور لا بين حملها وحملها هو مع ضعف بنيته وخاسها فهو ظلوم لعدم الوفاء بها جهول بعاقبتها وصف الجنس بوصف الأغلب أو بأن استعير عن التكليف بالأمانة وعن نسبته إلى الاستعداد بالعرض وعن عدم اللياقة الآباء وعن الاستعداد بالحمل وعن غلبة القوة الغضبية والشهوية بالظلم أو الجهل فهما علة الحمل إذ التكليف لتعديلهما المؤدي كماله إلى مرتبة بها يتحقق كون خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وهنا يعلم أن تركيب العقل غير كاف في قصد ترتيب الكمال الإنساني على وجوده وإن فيه أمرا به التزامه فالثابت بهذه الأدلة ما به الوجوب عليه ولم يتعرض لدليل الوجوب له لظهوره وكثرته ولأنه لا يتوقف على تحقق الذمة بدليل ثبوته للحمل ولكل دابة بالآية.
3 -
أن العقل نور يضىء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس فيتبدى المطلوب للقلب أي أمر طاهر في نفسه مظهر لغيره أو منور به طريق الفكر للبصيرة كما يظهر بنور الشمس طريق الإحساس للبصر وهو طريق الاستدلال بالشاهد على الغائب وانتزاع التمليك من الجزئيات وبالجملة ما مر من ترتيب المعلوم لتحصيل المجهول فمبدأ الترتيب العقلي من حيث ينتهي إليه الدرك الحسين لأن مبدأ، ارتسام المحسوس في أحدى الحواس الظاهرة ونهايته ارتسامه في الباطنة فمن الصور التي أدركها الحسن المشترك وخزنها في الخيال والمعاني الجزئية التي أدركها الوهم وخزنها في الحافظة ثم تصرف فيها المنصرفة بالتحليل والتركيب المسماة مفكرة ومتخيلة باعتبار استخدام العقل أو الوهم إياها شرع النفس في انتزاع المعاني الكلية وترتيبها والانتقال إلى ما يطلبه فإذا رتبها بشروطه السالفة يتبدى المطلوب للنفس المسمى بالقلب لتقلبه بين العلم والعمل فإنه بين إصبعي الرحمن فيمكن حمل النور على الجوهر المسمى بالعقل الأول والقلم كما قال عليه السلام:"أول ما خلق الله تعالى العقل والقلم ونوري" في روايات وهو السبب الأول كالشمس وتوسط العقل الفعال أو العقول الآخر لا ينافيه وعلى إشراقه الحاصل بحسب القابلية المقدرة من الله تعالى فطرية كانت أو كسبية كإشراقها وعلى الصفة المعنوية الحاصلة للنفس من إشراقه كالضوء الحاصل من إشراقها وهي الإنسب يما جعل صفة للراوي وهي البصيرة المفسرة بالقوة المعدة لاكتساب لعلوم فأما قابلية النفس لإشراقه
فهي الذهن ثم للحاصل للنفس بإشراقه وللنفس باعتباره مراتب أربع يسمى العقل الهيولاني في مبدأ الفطرة فالعقل بالملكة عند إدراك البديهيات وحصول ملكة الانتقال إلى النظريات فالعقل بالفعل عند القدرة على إحضار النظريات بلا تجشم كسب جديد ثم العقل المستفاد عند مشاهدتها المسمى علم اليقين ولا رتبة بعد المشاهدة فالمسماتان عين اليقين وحق اليقين الحاصلتان عند الإنس به والاستغراق فيه من مراتب العمل ومناط التكليف هي العقل بالملكة التي عندها قوة تحصيل النظريات.
4 -
تذكير ما مر أن العقل معتبر في الأهلية لكونه آلة إدراك الحسن والقبح الثابتين بإيجاب الله تعالى ولو لم يرد الشرع لدرك بالعقل أو لم يدرك لكدورته باتباع الهوى ومعارضة الوهم لا مهدر إلا في فهم الخطاب كما قالت الأشاعرة ولا مهدر مطلقًا بدون المعلم كما قالت الإسماعيلية ولا موجب منيع مطلقا وإن خفى إيجابه في نحو وجوب الصوم في آخر رمضان وحرمته في أول شوال كما قالت المعتزلة فليس كما ظن أن لا نزاع فيه بل في توجه أحكام الشرع إلى من لم يبلغه الدعوة ولعدم ورودها أو وصولها حين يترتب الثواب والعقاب عليه بل هذا فزعة.
5 -
أن للنفس المسماة بالقلب قوة عاقلة بها يستضيء من ذلك الجوهر وقوة عاملة بها تحرك البدن ولذا انقسمت علومها إلى نظرية لا تتعلق بالمباشرة كالإيمان وإلى عملية تتعلق بها كالعبادات فإذا حركت البدن حسما تستضيء منه بلا شوب ومعارضة الوهم أي إلى الخير الملائم للروح لا للبدن وعن الشر المعكوس المنحوس استدل به على وجود تلك الصفة المسماة بالعقل ناقصًا أو كاملًا والأعلم عدمها ولما تفاوت أفراد البشر في كمال العقل المسمى شرعا بالاعتدال لتفاوت القابليات الخلقية والكسبية فإن البدن كلما كان أعدل وبالواحد الحقيقي أشبه كان نفسه الفائضة بكمال كرم الفياض أكمل وإلى الخير أميل وللكمال أقبل تفاوتًا تعذر الوقوف عليه أقام الشرع البلوغ الظاهر إذ عنده يحصل العقل بالملكة غالبًا حيث يتم التجارب ويتكامل القوى الجسمانية المسخرة للعقل بإذن الله تعالى الخالق للقوى والقدر مقام اعتداله الخفي تيسيرا كالسفر، إذا تحققت فنقول إما أهلية نفس الوجوب فالبذمة الحاصلة عند الولادة فلكل من ولد ذمة صالحة للإيجاب والإستيجاب يثبت له ملك الرقبة والمتعة وعلية الثمن والمهر بتصرف الولي، فأما الحمل فجزء من وجه حسًّا، ولذا لا ينفصل إلا بالقرض وحكما ولذا يعتق ويرق ويبتاع تبعًا لها دون وجه لانفراده بالحياة فلم يكن له ذمة مطلقة فصلح لأن يجب له كالعتق والإرث
والوصية والنسب لا عليه كالثمن ونفقة الأقارب ونحوهما من الضمانات والمؤن لكن الوجوب على المولود لا يقصد إلا لحكمه عن الاختيار وغرضه كالابتلاء والاختبار في العبادات والإنزجار في العقوبات فيبطل لعدمهما كما لعدم المحل في بيع الحر وإعتاق البهيمة ولانعدام الوجوب حكمه لم يجب القصاص على الأب لانعدام الاستيفاء ولم يجب الشرائع في الدنيا على الكفار عند مشايخ ما وراء النهر كالشيخين وأبي زيد زيادة للعقوبة بتركها عليها بترك الاعتقاد والكفر وجوب المعاملات والعقوبات وأصل الإيمان واعتقاد الشرائع إجماعًا لأهليتهم للمصالح الدنيوية والانزجار وأداء التصديق والإقرار والاعتقاد وذلك لانعدام صحة آدابهم كافرين لا يقال فليجب على تقدير الأيمان لأنه لو كان كذلك لوجب القضاء بعد الإيمان كصلاة النائم وصوم المريض إذ في مثله يتحقق نفس الوجوب ويتراخى وجوب الأداء خلافا للعراقية من مشايخنا والشافعية والمعتزلة وأئمة الحديث تمسكًا بعموم الخطابات كما قيل في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا} (البقرة: من الآية 21) أنه خطاب لجميع الفرق الثلاث أو لمشركي مكة كيف وقد ترتب عليه {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} (البقرة: من الآية 24) الآية وذا خطاب بشرط تقديم الإيمان كخطاب المحدث والجنب يصلوا وهذا غير الوجوب حال الكفر وعلى تقدير الإيمان قالوا الإيمان رأس نعيم الآخرة فلا يصلح للتبعية فلا يثبت اقتضاء كما لا يثبت الحرية في قوله لعبده أعتق عن نفسك عبدا أو تزوج أربعًا بخلاف خطاب المحدث والجنب قلنا قد مر مستوفي أن الخطاب بشرط الشيء لا يقتضي أن يكون ثبوت الشيء به فالإيمان ثبوته بخطأ بأنه لا بخطابات الشرائع على أن المقدمة الشرعية للواجب موجبة اتفاقًا من غير فصل كما مر كيف وعقوبتهم بترك اعتقادها لتوجه الخطاب فكيف يمنع في حقها بترك العمل ومثل هذا الخطاب للإذلال وعدم ثبوت الحرية في المسألتين لعدم أهلية المخاطب للتحرير المقتضي ومن مقتضي المقتضى ذلك وللكفار أهلية نفس الإيمان ولذا أيضًا لا يقتضى ما مضى من بلغ فني أثناء رمضان إذ لا أداء له حالتئذ للحرج بخلاف ما بقى وعليه يخرج الصوم والصلاة في الحائض إذ ليست أهلًا لأدائها للنجاسة ولا لقضائها للحرج بخلافه فإنها أهل لأدائه كالجنب والمحدث لكن منعها الشرع أمر حكميا فانتقل إلى القضاء لعدم الحرج وفي المجنون فإنه مع الاستيعاب ليس أهلًا لأدائها ولا لقضائهما للحرج كما في استيعاب الإغماء في الصلاة دون الصوم لندرته شهرا ومع عدمه أهل لأدائه حتى لو حسن بعد النية ليلًا فقد أدى ولأدائها باحتمال الإفاقة ولقضائهما لعدم الحرج.
تفريع: فالصبي الغير العاقل لإحكامه أقسام حقوق الله تعالى منها ما لا يجب كالعبادات الخالصة بالبدن أو المال أو بهما لا إذ لاختيار لا في الأداء ولا في الإنابة وليس المقصود المال ليعمل النيابة الجبرية وكالعقوبات مطلقًا مثل الحدود والكفارات إذ لا انزجار والصبا مظنة المرحمة بالحديث وللأمرين حجر عن الأقوال نحو الأقارير والعقود بنفسه ولا سيما المضرة نحو الطلاق والهبة ونحوهما وكعبادة فيها المؤونة كصدقة الفطر عند محمَّد رحمه الله لأن الحكم للراجح وقالا الإختيار القاصر بالولي يكفى للعبادة القاصرة بخلاف الزكاة وهذا لأن الكل يحتمل السقوط عن البالغ فعنه أولى ثم القول بعدم الوجوب لعدم حكمه أسلم من قول بعض مشايخنا بوجوب كالهائم السقوط بعذر الصبا لدفع الحرج بناء على صحة الأسباب وقيام الذمة وذلك صورة لقصر المسافة ومعنى لأن ما لا فائدة فيه فاسد وتقليدًا لأن الصحابة لم يقولوا بالوجوب عليه أصلًا وحجة إما نقلًا فلحديث "يرفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحلم"(1) ورفع القلم عدم الوجوب وإما عقلًا فإذ لو وجبت ثم سقط لوقع عن الفرض إذا أدى ومنها ما يجب لصحة القول بحكمه كمؤونة فيها عبادة نحو العسر حتى لم يجب على الكافر أو عقوبة كالخراج حتى لم يبتدأ على المسلم وذا الغلبة وحقوق العباد منها ما لا يجب كما خلص عقوبة نحو القصاص أو جزاء نحو حرمان الإرث بالقتل خلافًا للشافعي، وإما حرمانه بالرق لعدم أهلية الملك وبالكفر لعدم الولاية فليس جزاء لأنه انتفاء بانتفاء الشرط أو جزء العلة ومنها ما يجب كالغرم إذ العذر لا ينافي عصمة المحل نحو ضمان ما أتلفه بالانقلاب عليه وكالبدل نحو الثمن والأجرة وكالصلة المشابهة بالمؤن نحو نفقات الزوجات مطلقًا مؤنة من حيث إنها عوض الاحتباس صلة من حيث عدم تسميتها في العقد فوجبت عند مضي المدة بالإلتزام ولو مع الفقر وسقطت عند عدمه للشبهين ونحو نفقة الأقارب عند اليسار لأنها مؤونته وليس فيها معنى العوضية فلذا يسقط عند عدمه وبمضي المدة مطلقًا وذلك
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 46) ح (148)، واين خزيمة في صحيحه (2/ 102) ح (1003)، وابن حبان في صحيحه (1/ 355) ح (142)، والحاكم في مستدركه (1/ 389) ح (949)، والضياء فط المختارة (2/ 41) ح (415)، والترمذي (4/ 32) ح (1423)، وقال: حسن غريب. والدارس (2/ 225) ح (2296)، والبيهقي في الكبرى (3/ 83) ح (4868)، والدارقطني في سننه (3/ 138)، وأبو داود (4/ 139) ح (4398)، والنسائي في الكبرى (3/ 360) ح (5625)، وابن ماجة (1/ 658) ح (2041)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 118) ح (956).
لأن ما مقصوده المال يحتمل الأداء بالنيابة الجبرية إما الصلة المشابهة بالجزاء كتحمل العقل يشبه جزاء ترك حفظ السفيه والأخذ على يد الظالم ولذا اختص برجال العشيرة دون نسائهم إذ لسن من أهل الحفظ والمعونة فلا تلزمه.
تنبيه: وهذا الصبي العاقل إلى هنا لاشتراك العلة، ومن أحكامه أنه يرث ويملك بمباشرة وليه إيمانه تبعًا لأبويه أو الدار وهذا كفره وارتداده تبعًا إذا ارتد أبواه ولحقا معه لا قصد إلا للحجر بل عدم ركنه وهو عقد القلب فإذا أسلمت زوجته لم يعرض على وليه بل أخر إلى أن يعقل لأن الصبا محدود بخلاف الجنون ولم يترك العرض لأن فيه حق العبد وإما أهلية وجوب الأداء فبالعقل والبدن الكاملين كالبالغ العاقل لأنه بالخطاب فلا بد من فهمه وقدرة المباشرة لمفهومه فمن خلا عنهما كما مر لا أداء له حكمة فلا وجوب أصلًا ومن قصرا فيه لا تكليف عليه رحمة كالصبي العاقل والمعتوه البالغ وإما أهلية الأداء أعني صحته فبالعقل أو البدن القاصرين كإيمان الصبي العاقل بلا وجوب أداء خلافًا للمعتزلة لما مر، لنا قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاث الحديث لكن مع نفس الوجوب لأنه بأسبابه المتحققة كأدلة الربوبية والذمة ولتحقق حكمه وهو الأداء عن اختيار ولذا يقع فرضًا ولا يلزم تجديده إذا بلغ، أما إذا صلى أول الوقت فبلغ في آخره أو أحرم فبلغ قبل الوقوف فقيل تجب عليه الإعادة وفي التقويم أنه يقع عن الفرضين لأن إسقاط الوجوب عنه كان نظرًا له ودفعًا للحرج والنظر هنا في أن لا يسقط ولذا أيضًا يفرق امرأته إذا أسلمت وأبى بعد العرض بخلاف الشرائع فإن فيها حرجًا بينًا في مظنه المرحمة. وقيل: لئلا يتضاعف القضاء ولا يتأتي في الحج على أنه لو حج لا يقع فرضًا كالعبد هذا مذهب الجمهور وقال السرخسي رحمه الله تعالى لما يثبت وجوب الأداء في حقه لم يثبت نفس الوجوب لأنه حكمها الأداء فإن ما يقتضيه شغل الذمة تفريقها إلا طالب تفريقها فذا حكم الخطاب.
تفريع: فالصبي العاقل وهذا المعتوه البالغ لأحكامه في حق الأهليتين أقسام ستة لحقوق الله تعالى حسن لا يحتمل القبح وعكسه ومحتمل لهما وحقوق العباد نفع محض وضرر مخض ومتردد بينهما:
1 -
كالإيمان بالله وصفاته يصح منه خلافا للأشاعرة والشافعي وقد مر لوجوده حقيقة ولا حجر منه شرعا ولثبوت أهليته للأداء قال الله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم: من الآية 12) وفسر بالنبوة فلان يكون مهتديا من يصح هاديا أولى لكن بلا عهدة
وتبعة وهي في لزومه لا فيه لأنه سبب نيل فوز الدارين إما حرمان أرثه من أقاربه الكفار وفرقته من امرأته الكافرة فمع إمكان معارضتهما إذ يرث من أقاربه المسلمين ولا يفرق من امرأته التي أسلمت قبله يضافان إلى كفر الباقي لا إلى إسلامه ولو أسلم فمن ثمراته التابعة المفارقة لأمن حكمه الأصلي المعتبر فيه ولذا لم يعد إيمانه تبعًا لأبويه عهدة.
2 -
كالكفر لا يعفي في أحكام الآخرة اتفاقا إذ لا احتمال للعفو عن الشرك بالنص وفي أحكام الدنيا كفرقة المرأة المسلمة وحرمان الميراث عن المسلم خلاف فيصبح ارتداده عند الإِمام ومحمد رحمه الله تعالى لوجود حقيقته وعدم احتماله العفو وقال أبو يوسف والشافعي الردة ضرر محض فلا يصح كالطلاق ولذا لا يقتل وإن بلغ مرتدا قلنا إفسادها الإيمان لا يحتمل العفو كما يفسد صلاته كلامه وصومه إفطاره وحجة جماعة ولذا لا يسقط بعد البلوغ فكذا بالصبي وعدم قتله قبل البلوغ لأنه ليس من أهل المحاربة كالنساء وبعده لشبهة الخلاف فيجبر على الإِسلام لا لعدم الأهلية إذ لو قتله أحد قبله أو بعده لا يضمن كالمرتدة قيل مذهب الإِمام مما يؤيد قول المعتزلة أن الصبي العاقل غير معذور في الجهل بالله وترك الإيمان به قلنا قول المعتزلة وجوب الإيمان عليه وقوله صحة الردة وكم بينهما.
3 -
كالصلاة ونحوها من البدنية التي تشرع وقتا دون وقت يصبح بلا عهدة فيكون نفلا بلا لزوم قضاء ومضى بخلاف نحو الزكاة لتضرره بنقصان ملكه.
4 -
وهو حق عبد فيه نفع محض مباشرته كقبول الهبة والصدقة لكفاية الأهلية القاصرة إذ صح منه مباشرة النفل بحديث "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا"(1) أي ضرب تأديب وكالإصطياد والاحتطاب نظيره قبول يدل الخلع من العبد المحجور بلا إذن المولى وكوجوب الأجر للصبي المحجور مطلقًا وللعبد بشرط السلامة إذا آجرا نفسهما وإنما العمل والقياس عدم وجوبه لعدم صحة العقد واستحسانًا فيهما لأن العقد يتمحض منفعة بعد إقامة العمل غير أن العبد ما دام في العمل مغضوب للمستأجر بصدد أن يملك بالضمان إن هلك فلذا شرط السلامة فيه بخلاف الحر وكوجوب الرضخ في مقابلتهما بلا إذن الولي والمولي استحسانا لأنه بعدها يتمحض
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 228) ح (3050)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 304) ح (3482)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 180) ح (6689)، وانظر/ الدراية في تخريج الهداية للمرغيناني (1/ 122)، نصب الراية للزيلعي (1/ 296).
منفعة لا في القياس لأنهما ليسا من أهل القتال كالحربي المنسأ من أن قاتل بإذن الإِمام استحق الرضخ وإلا فلا قيل ويحتمل تفرد محمَّد بهذا فيكون الخلاف فيه مبنيا عليه في صحة أمان الصبي والعبد المحجوزين عنده لا عندهما والأصح أنه جواب الكل بناء على تمحضه نفعا بعد القتال وكصحة عبارته وكيلا في البيع والطلاق ونحوهما لما فيها من نفاذ القول والاهتداء في التجارة وإذ بالبيان بأن فضل الإنسان على سائر الحيوان قال تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3، 4] وعدم قبول شهادته لعدم الولاية وإن صحت عبارته كالعبد لكن إذا لم يأذن وليه لم يلزمه العهدة برجوع حقوق العقد إليه من تسليم الثمن والمبيع والخصومة ونحوها كما يلزمه بالإذن إلا في المضاربة.
5 -
وهو حق عبد فيه ضرر محض كالطلاق والعتاق والتبرعات من الهبة والصدقة والفرض وغيرها لا يملكه لأنه مظنة المرحمة عرفًا وشرعًا ولا يملكه عليه غيره لأن ولا يتهم نظرية ولانظر في الضرر المحض إلا عند الحاجة كما إذا أسلمت الزوجة وأبى الزوج فراق بينهما وكذا ارتد الزوج وحده وإلا القرض للقاضي للأمن بولايته عن النوى فالحق بالنفع المحض بخلاف الولي والوصي وغير القرض وإلا الأب في رواية يملك عليه القرض لعموم ولايته النفس والمال ولا الكتابة للأب والوصي استحسانًا بخلاف الإعتاق على المال وبيع الرقيق من نفسه لأنه يخرج عن الملك بنفس القبول والبذل في ذمة المفلس كالتاوي.
6 -
حق عبد متردد كالبيع والإجارة والنكاح ففي الربح أو الخسران والأقل من أجر المثل ومهر المثيل أو الأكثر منفعة لأحد المتعاقدين مضرة للآخر ونحو الشركة وأخذ الرهن والشفعة وغيرها يملكه الصبي برأي الولي لأنه أهل الحكمة لمباشرة الولي والسبب يقصد للحكم وفيه فضل نفع البيان وتوسعة طريق توفير المنفعة وزوال احتمال الضرر بانضمام رأيه حتى صار كالبالغ فصح ببيعه من الأجانب بغبن فاحش لا بيع ومن نفس الولي وفي رواية عن الإِمام لزوال احتمال الضرر وفي رواية لا يصح لشبهة إنه كالنائب عن الولي من حيث احتياج رأيه إلى جابر وفي النائب من كل وجه كالوكيل لا يصح مع الأقارب أصلًا فكذا هنا في موضوع التهمة كما مع الولي بغبن فاحش وصح في غيره كما يمتثل القيمة أو مع الاجانب وقالا رأي الولي شرط الجواز فالجواز المتعدي إلى الصبي بإذنه كالجواز الخاص له بمباشرته وهو لا يملكه بالغين الفاحش فكذا الصبي والحق للإمام كاقرار الصبي بعد الإذن يصلح لا إقرار الولي ويبطل وصيته عندنا وإن مات بعد البلوغ خلافًا