الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقصودا في الجملة عبارة كان بطريق المطابقة أو التضمن أو الالتزام وغير مسوق له ويجب كونه لازما فإن لم يتوقف عليه تصحيح الحكم المطلوب فإشارة، وإن توقف فاقتضاء، وإما من مفهومه فإما بواسطة القلة المفهومة لغة أي غير الموقوفة على مقدمة شرعية فدلالة أو الموقوفة عليها وهو القياس وذلك خارج عما نحن فيه لعدم انضياف حكمه إلى اللفظ وكل من هذه العشرين أقسام النظم لأن المراد النظم الذي يفهم معناه من عبارته أو إشارته.
ومن عادتهم البحث عنها تفسيرًا واشتقاقًا وإحكامًا وترتيبًا فوجوه المعرفة ثمانون وهو مراد من جعلها عدد الأقسام فلنجر في ترتيب كتابنا على سوق أصحابنا ولنعد تفسيرها لمزيد تنويرها، وإن علم بالالتزام من وجوه ضبط الأقسام.
الكلام في الأقسام تفسيرًا واشتقاقًا
إما خاص فكل لفظ وضع لمعنًى واحد على الانفراد وعلم احترازاته والمعنى بالمعنى المدلول لا مقابل العين فيتناول قسمي الخاص الحقيقي وهو خصوص العين كزيد والاعتباري وهو خصوص الجنس منطقيًا كان كالحيوان أو لا كالإنسان وخصوص النوع منطقيًا كالفرس أو لا كالرجل ومر تحقيقه قبل ويتناول المطلق إذ هو من أقسامه على الأصح من مشايخنا لأنه بمعنى واحد في نفس الأمر أما عند من يجعله واسطة بين العام والخاص فيخرج بأن المراد بالواحد المعتبر وحدته فإن المطلق غير متعرض للصفات كما يخرج المجمل بذلك إذ معناه غير معلوم ليعتبر وحدته وأقول إرادة قيد الحيثية على ما هي واجبة في الأقسام المتباينة بالاعتبار كافية في ذلك والخصوص الانفراد واختصصت بكذا انفردت به ولم يوجد في غيري، ومنه الخصاصة وأما العام فكل لفظ يتعلم جمعًا أن المسميات لو يستغرق جميعه المسميات على المذهبين فخرج باللفظ المثبت إذ لا عموم له يحبب الأقسام والجهات والأزمان والمكلفين والمعاني الكلية ومنه عموم المفهوم والعلة إذ لا عموم لها عندنا كأني الحسين خلافًا للأشاعرة وسيجيء ومن أراد شمولها قال ما ينتظم لو يستغرق وتعريفه بكل لزومًا ليس من حيث هما من جزئياته فيصبح كالكلمة والاسم والاستغراق لغيري وهو أن لا يخرج شيء من المسمى فليس تعريف الاصطلاحي به تعريفًا أو بما يساويه والمسميات ما يصبح إطلاق اللفظ غلبه دفعة من جزئياته حقيقة أو مجازًا فيخرج الأعداد والجمل والمشترك باعتبار معاينة المختلفة والحقيقة مع المجاز عند من لم يقل بعمومها وعند من قال به لا محذور في دخولهما لاختلاف اعتباري القسيمة
والقسيمة ويدخل المشترك المراد به أفراد معنى واحد وإن لم يقيد بالوضع الواحد وعموم إيجاز الشامل لاذراء الحقيقة نحو لا يتزوج النساء وعبيدي أحرار ولأفراد المعاني المختلفة المشترك نحو يصلون والفرق بين التعريفين أن الأول يتناول الجمع المعهود والمنكر والذي خص عنه وهو اختيار أكثر مشايخ ما وراء النهر والجبائي دون الثاني لأن الاستغراق وهو الشرط عند العراقين من مشايخنا وأكثر الشافعية منتف فيهما والثمرة صحة التمسك الأصح هو الأول لأن الاستغراق عند مشترطية لا يفهم في المعرف أيضًا إلا في المقام الخطابي دفعًا للتحكم كما عرف وبذائفهم في المنكر والذي خص عنه أيضًا ولذا إذا امتنع حمله على الكل يحمل على أقرب مجاز منه بخلاف الواحد والمثنى المنكرين إذ ليس تناولهما تناول انتظام ودلالة بل تناول احتمال واشتراط الأمر المشترك في العام إنما يصح عند من لا يقول بالعموم في المشترك والحقيقة والمجاز والمراد بالتناول أو الاستغراق أعم من جهة اللفظ كما في العام بصيغته مثل الجمع أو من جهة المعنى كما في العام معناه تناول المجموع أو كل واحد على الشمول أو على البدل وليس المسمى مقابل المعنى إلا إذا قيل من المسميات أو المعاني كالجواهر والأعراض وهو مراد الجصاص لا أن المعنى أو للمشترك بين المعاني المختلفة عمومًا إذ مختاره خلافه وإن أطلق مجازًا لعموم محله نحو مطر عام وحصب عام وشيء أي في قوله تعالى {خَالِقُ كُلِّ شَيْء} [الرعد: من الآية 16] لفظ عام بالمعنى يتناول كل موجود لا ومعدوم ممكن خلافا للمعتزلة لا بالصيغة كما ظنه القاضي ولا مشترك كما ذهب إليه ليندفع كونه في الآية عامًا مخصوصًا عنه ذات الله وصفاته فلا يسقط عن الاحتجاج بها على خلق الأفعال ولا وجه لمنع التخصيص بالعقل لثبوته بل الوجه في الجواب أن التخصيص بالعقل لما لم يقبل التعليل لم يقدح في القطعية والعموم الشمول نحو نخلة عميمة طويلة شاملة للهواء الكثير.
تتمة: حصر الغزالي ألفاظ العموم في خمسة:
1 -
المجموع صيغة أو معنى مطلقا أو معرفا باللام أو الإضافة.
2 -
أسماء الشرط والاستفهام والموصول.
3 -
النكرة في سياق النفط وما يشبهه كالشرط والاستفهام والنهي اسما كانت أو فعلًا.
4 -
الاسم المفرد المعرف بلام الاستغراق أو المصدر المضاف.
5 -
الألفاظ المؤكدة نحو كل وجمع غيرها (1) وزاد أصحابنا النكرة الموصوفة في الإثبات وهذه أقسام العموم اللغوي إما العرفي فكعموم تحريم الأمهات لوجوه الاستماع وأما العقلي فكعموم الحكم مذكورًا بعد سؤال عام أو مقرون به علته، وكدليل الخطاب عند من يقول بعمومه، وأما المشترك فكل لفظ يحتمل بالوضع معاني مختلفة على أن لا يراد إلا واحد وقبل أو أسماء مختلفة المعاني وذلك لأن المراد بالأسماء الأعيان كالصريم وبالمعاني المعاني الذهنية كالإخفاء والنهل وإن ليندرج قول من ذهب إلى أن المشترك وضع بإزاء الألفاظ كالعين للفظ الباصرة وغيرها ولكون المفهومات مشتركة في اللفظ سمي متركا بحذف الجار، وإما المأول فكل لفظ ترجح بعض محتملاته بدليل فيه شبهة وقيل مشترك ترجح لأن الذي من أقسام النظم صيغة ولغة مأول المشترك والأول أصح لأن الاشتراك في المأول بين المعنين اصطلاحًا غير معبود والأصل عدمه ويجوز كون القسم أعم فيتناول ما فيه احتمال مما فيه ظهور وخفاء وخرج المجمل سواء كان إجماله لغرابة البلوغ أو لمعنى زائد شرعي كالربا أو لانسداد باب الترجيح كالوصية للموالي ممن أعلى وأسفل لاختلاف مقاصد الناس شكرًا للأنعام أو قصدًا إلى الإتمام والمفسر لأن دليله قاطع وقبل التأويل حل الظاهر على المحتمل المرجوح فبدليل يصيره راجحًا صحيح وبدونه بأقسامه الثلاثة فاسد، فإن أريد بالراجح غير القطعي كان مناسبًا لاصطلاحنا وإن أريد ما يتناوله فلاصطلاح الشافعية لأنهم يجعلون هذا المفسر قسمًا من المؤول نظيره القرء رجحنا الحيض لدلالة القرء على الانتقال والجمع بين الانتقال والجمع بمعنى الاجتماع للدم وبمعنى الجامعية لا له ولا للطهر لأن الطهر عدم الدم والعدم لا يؤثر فلا يلتفت إلى القول بأن الجامع هو الطهر والتأويل الرجع والصرف كما يصرف اللفظ إلى بعض محتملاته وربما يطلق على المصروف إليه كما قال تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأوِيلَهُ} [الأعراف: من الآية 53] أي عاقبته، وإما الظاهر فكل ما ظهر المراد به بنفس سماع صيغته سيق الكلام له نحو {يَا أيُّهَا النُّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: من الآية 1] الآية أولًا نحو {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ} [البقرة: من الآية 275] فعدم السوق ليس بشرط في الصحيح بل منهم من جوز اجتماع جمع هذه الأقسام الأربعة ويناسبه تفسير الشافعية بما دل دلالة واضحة والنص والمفسر والمحكم قسم منه وقال بعضهم دلالة ظنية إما ظنا بالوضع كالأسد المفترس أو بالعرف العام كالغائط للخارج المستقذر أو الخاص الشرعي كالصلاة
(1) نعم، هكذا ذكره حجة الدين الغزالي. انظر / المستصفى للغزالي (1/ 225 - 226).
أو غيره كانقبض فيخرج ما دلالته قطعية أو مساوية أو مرجوحة كالمجاور والطهور لغوي وهو الانكشاف.
وأما النص: فهو ما ازداد المراد به وضوحًا على الظاهر يتصرف المتكلم قيل هو سوق الكلام له لأن السوق له احلى من غيره ولهذا رجحت العبارة على الإشارة وفي الكشف أنه ليس بشيء لعدم الفرق في الظهور بين {وَأَنكِحُوا الأيَامَى} [النور: من الآية 32] و {فَانكحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النساءِ} [النساء: من الآية 3]، نعم يفيد قوة السوق له هي علة الترجيح بل هو ضم قرينة نطقية سياقية نحو مثنى وثلاث ورباع أو سياقية نحو قالوا إنما البيع مثل الربا ابدل على معنى زائد على مفهوم الظاهر هو المقصود الأصلي بالسوق كبيان العدد أي بأن عدم جواز الازدياد على إلا ربع في الأول إذ القاعدة أن المقصود بالأمر بشيء غير واجب مقيد بشيء قيد نحو بيعوا سواء بسواء إما إذا وجب فنفسه نحو ادوا عن كل حر وعبد من المسلمين وبالتفرقة في الثانية لكونها جواب قول الكفار.
وفيه بحث: فأولًا: لأن قرينة السوق تمنع احتمال غير المسوق له فيزداد به المسوق له وضوحًا.
وثانيًا: أن مختاره يقتضي بشرط أن يكون معنى النص غير مفهوم الظاهر وما فيه ما نقله عن شمس الأئمة وصدر الإِسلام بل عن أبي زيد من تجويز أن يكون مفهوم الظاهر مسوقًا له الكلام أو أن لا يكون نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة نصًا مع سوقهما لما هو المقصود الأعلى المفهوم من العبارتين.
وثالثًا: أن القرينة لا تختص بالنطقية ولعلها حالية.
ورابعًا: أن ما ازداد وضوحًا بانفهام معنى آخر هو تمام المراد لا مفهوم الظاهر كما هو الظاهر من تعريف النص والتنصيص الإيضاح بالتكليف ومنه نصصت الدابة ومنصة العروس وقد يطلق النص على مطلق اللفظ لاشتمال المقال على تكليف في الإيضاح بالنسبة إلى الحال وعلى لفظ القرآن والحديث لأن أكثرهما نصوص.
وأما المفسر: فما ازداد وضوحًا على النص بأحد أمرين ببيان التفسير إذا كان مجملًا لحقه بيان قطعي الدلالة والثبوت فانسد به باب التأويل إذ لو لم يكن قطعيًا لانفتح به فإن المجمل لا يقبل التأويل ما لم يبين بغير القاطع والمراد بالانسداد دوامه كالقعود في قوله تعالى لا تقعد بعد الذكرى أو انسداد باب التأويل المتوهم على اعتبار كون البيان غير
قاطع أو بيان التقرير حين كان عامًا لحقه ما انسد به باب التخصيص. وقيل: أحد الأمرين كون البيان متصلًا والآخر كونه منقطعا فالهلوع من الأول قطعا ولا نظير له من الثاني قطعًا؟ لأن التخصيص لا يتراخى والصلاة والزكاة من الأول ومن الثاني على الثاني وقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافةً} [التوبة: من الآية 36] بالعكس وهو محكم لغيره فغيره محكم في نفسه فيصبح التمثيل له تمثيله بقوله تعالى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] فدخل فيه بوجهين إنه يقبل التأويل ولهذا استثنى منه ولئن سلم فإنه خبر محكم وجواب الأول بأنه تمثيل بعد انقطاع الكلام وحينئذ لا يحتمل الاستثناء بخلاف النسخ أو بأن التمثيل بغير الفعل فاسد إذ لا انقطاع في الآية ولا يحتمل النسخ غير الحكم والصحيح بأن الاستثناء ليس بتخصيص وجواب الثاني بأنه يحتمل نسخ لفظه في الجملة فلا يتعلق به جواز الصلاة وحرمة المرأة لمثل الجنب ورد بأن ذلك الاحتمال قائم في {إِن الله بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: من الآية 115] مع تمثيل المحكم به ليس بشيء؛ لأن المحكم ما أحكم مراده عن احتماله كما سيجيء لا ولفظه ولأن اعتبارًا ما كاف في التمثيل ولا يلزم من اعتبار شيء في تمثيل اعتباره في غيره بل الجواب يمنع أن كل خبر لله محكم وإلا فكان مجرد فسجد الملائكة محكمًا بل لا بد في الأحكام من أمر غير خبرية يقتضي عدم النسخ عقلا كالبرهان في علم الله وكالتأييد في قوله عليه السلام "الجهاد ماض إلى يوم القيامة (1) "، نعم يرد أن اللام في الملائكة يحتمل العهد وتعميم هؤلاء المعهودين الذين منهم إبليس كما قال طائفة إنهم غير الكروبيين فمع هذا الاحتمال لا يصبح مفسرًا، أو عدم قرينة العهد مع أنه الأصل عند الأصولين ممنوع والقول بأن الكل يمنع التبعيض وأجمعوا التفرق نقل ثقة فلا مدخل في حكايته والقول بأن آية السجود ونصح نظيرًا للأربع مبنى على عدم المباينة بينهما ومدار تركيب المفسر على الكشف كتفسرة الطيب والسفر والسفير، فالتفسير الكشف بلا شبهة، وقيل: السفر للظاهر والمفسر للباطن فالتفسير كشف المعاني بلا شبهة فمعنى من فسر القرآن قضي بتأويله على أنه مرادًا لله تعالى فنصب نفسه صاحب وحي فلا يكون كل مجتهد مصيب إلا في جواز عمله باجتهاده وفي مقدمات سعيه، وفي تقلد القضاء تعريضًا بالقاضي الغير المجتهد أو للثواب وهذا قول أبي منصور وقبل معنى برأيه من غير استنباط عن قواعد العربية إذ معه عرف مشهور، وقيل إن يفتري على الرواة والأول هو هو لاستفادته من
(1) أخرجه أبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (ح / 370).
اشتقاق اللفظ، وأما المحكم فهو: ما ازداد قوة على المفسر بأن أحكم مراده عن احتمال النسخ من أحكام البناء وقبل ما ازداد وضوحًا عليه وعليك بالأول لأن منع النسخ لا يفيد الوضوح وهو محكم لعينه إن انقطع احتمال نسخه في ذاته عقلًا كالآيات الدالة على صفات الصانع ومحكم لغيره إن انقطع بقضي زمان الوحي، وأما الخفي فكل ما اشتبه مراده بعارض غير الصيغة كالسارق في الطرار والنباش لاختصاصهما باسميهما والخفاء من العارض أدنى مراتبه عكس الظهور، وقيل: يعارض في الصيغة ففي الصيغة ظرف الخفاء لا سببه أو المراد صيغة الطراز والنباش مثلًا من اختفى أي استتر عارضه كفى مكان مظلم لا بتبديل هيئة. وأما المشكل: فما اشتبه مراده بحيث لا يدرك إلا بالتأمل، سمي به لدخوله في إشكاله وأمثاله كأحرم وأشاء وهو قسمان:
1 -
لغموض في المعنى نحو {أنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: من الآية 223] أي كيف للحرث و {خير مِنْ أَلْفِ شَهْر} [القدر: من الآية 3] أي: ليس فيها ذلة القدر ويكن قرأ القرآن عشر مرات أي بدون يس وبدون ما فضلت عليها من السورة والآيات، وإلا لزم تفضيل الشيء على نفسه، و {فَاطْهَّرُوا} [المائدة: من الآية 6] أي: جميع البدن للمبالغة فيشمل الفم والأنف بخلاف فاغسلوا وامسحوا.
2 -
لاستعارة بديعة نحو {قَوَارِيرَ مِنْ فضَّة} [الإنسان: من الآية 16] و {لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف} [النحل: من الآية 112] وَ {سَوْطَ عَذَاب} [الفجر: من الآية 13] ويسمى المشكل غريبًا كمن اغترب فاختلط بإشكاله.
وأما المجمل: فما اشتبه مراده بحيث لا يدرك إلا باستفسار وله أنواع ثلاثة:
1 -
لا يفهم معناه لغةً وسببه غرابة اللفظ كالهلوع.
2 -
المفهوم لغةً ليس بمراد وسببه إبهام المتكلم كالربا والصلاة والزكاة.
3 -
معناه متعدد ولا ترجيح كما في المشترك وسببه تعدد الوضع أو الغفلة وبيانه قسمان:
1 -
شاف فيكون مفسرًا كالصلاة والزكاة.
2 -
غير شاف فيحتاج إلى التأمل بعد الطلب فيكون متكملا وبعد التأمل مأولا كالربا فإنه محلى بلام الاستغراق وقد بين في الأشياء الستة من غير حصر لا لإجماع فبقي مشكلا والإجمال الإبهام كمن اغترب بحيث انقطع أثره.
وأما المتشابه: فما لا طريق لدركه للأمة أما النبي عليه السلام فربما يعلمه بإعلام الله
تعالى وهو نوعان:
1 -
أن لا يفهم شيء ويسمى متشابه اللفظ كمقطعات أوائل السور ويسمى حروفا باعتبار مدلولاتها، وإن قيل: إنها ليست من المتشابه بل تلكم بالرمز لتأويل بعض السلف إياها من غير إنكار من الباقين والأكثر على الأول.
2 -
المفهوم منه يستحيل إرادته كالاستواء واليد والوجه وكيفية الرؤيا فلم يؤوله السلف وحكموا بأن السوال عنه بدعة لأنه معلوم بأصله متشابه بوصفه ولن يجوز إبطال الأصل للعجز عن إدراج الوصف كما ضلت المعتزلة ولذا صاروا أيضًا معطلة الصفات لله تعالى لجهلهم بكيفية ثبوتها وإنما أوّله الخلف اضطرارًا لا لزام أهل البدع المتمسكين به فلذا قيل طريقة السلف أسلم والخلف أحكم والتشابه ينبيء عن كمال الخفاء لكون الاشتباه من الأطراف.
وأما الحقيقة: فاللفظ المستعمل ملاحظة وضع من حيث هو أول فاللفظ جنس وتنبيه على أنها حقيقة فيه وإطلاقها على الإطلاق أو الاستعمال أو الإرادة أو المعنى مجازي أن لوحظ العلاقة وإلا فخطأ العوام.
والمستعمل أي استعمالا صحيحًا جاريًا على قانون الوضع لما تقدم في مورد القسمة احتراز عن المهمل وعما قيل الاستعمال لما يجيء والباقي عن الغلط والمتحرف والطبيعي، وعن المجازات الأربعة لأن الملاحظ في كل مجاز وضع ثان شخصي أو لوجب نقل أفراده ونوعي إن كفى العلاقة ملحوظ فيه الوضع الأول فيودي معنى قيد اصطلاح التخاطب، وسقط الاعتراض بأن المراد الوضع الشامل للنوعي بدليل كون الدوال بالهيئة حقيقة وفي المجاز ذلك ويمكن الجواب أيضًا أن الكلام في وضع اللفظ نوعيا كان أو شخصيًا والوضع في المجاز للعلاقة لا للفظ على ما هو مختارهم، ولئن سلم المطلق من وضع اللفظ ما لا يستند فهم المعنى إلا إليه لا كما وإلى القرائن قبل لو قيل بأنه اللفظ المستعمل في الموضوع له، وأريد من حيث أنه موضوع له لأن قيد الحيثية يراد في مثله ولأنه مرتب على المشتق لا غنى عن القيد ولو لم يقيد بالأولية لأن استعمال المجاز من حيث إنه مرتب على وضع آخر، وفيه بحث مبني على أن القيد إنما يخرج ما ينافيه لا ما يغايره، فإن كون المجاز مرتبًا على وضع آخر لا ينافي كونه مستعملًا في الموضوع له من حيث إنه موضوع له وضعًا نوعيًا، نعم لو قيد بالأولية أصح ولكن إشعار العبارة أولى ومرادنا بالأولية أن لا يكون استعماله مرتبًا على وضع آخر فيتناول الأعلام المنقولة
والألفاظ الموضوعة ثانيًا ولو لواضع الأول وغير المستعمل في المعنى الأول أصلًا وربما يقال الثاني بالفرض كاف ويقال الأعلام المنقولة ليست بحقيقة ولا مجاز إذ ليس فيها شيء من الأوضاع الأربعة والمراد شيء منها وهي في اللغة بمعنى الثابتة اللازمة من حق مقابل بطل ومنه حقيقة الشيء لمفهومه والحق للعقد باعتبار كونه مطقًا للواقع بفتح الباء ثم للقول كذلك لدلالة عليه ففي معناها الاصطلاحي مجازٌ لغوي، قيل: في المرتبة الثالثة لأخذه من الحق بمعنى اللفظ المطابق والحق أنه في المرتبة الثانية من الحقيقة المفهوم أو في الأولى، وقد يقال في اللغة بمعنى المثبتة من حققته والتاء لنقل اللفظ إلى الاسمية كالأكيلة فإن المنقولية فرعية كالتأنيث لا للتأنيث كما في الأول لأن الفعيل بمعنى المفعول مشترك، وقيل: للنقل مطلقًا لأن الموصوف مذكر وتقدر صفة مؤنث غير مجراة على الموصوف، والحق ما في الأساس أنه أطلق على ما ثبته غيره يكون من حقق بالضم كما قال سيبويه في الفقير والشديد.
وأما المجاز: فهو اللفظ المستعمل لا ملاحظة وضع من حيث هو أول على وجه يصح (1) والقيد الأخير احتراز عن التغلط وعن الانتقال المخل، وأولى من قيد لعلاقته لتناوله المذهبين وعموم العلاقة المعتبرة وغيرها إلا بالعناية ويتناول العقلي الحكمي على المذاهب الأربعة تمثيلية أو تبعية أو مكنية كالتبعية أو هيئة جملة مستعملة في غير ملابسة وضعت لها وضعًا نوعيًا فليس مشتركًا بين المعنيين كما وهم. والمجاز لغة: الانتقال أو موضعه من الجواز بمعنى العبور لا بمعنى الإمكان نقل منهما إلى الجائز كالمولى للوالي ثم إلى اللفظ المذكور فهو مجازٌ في المرتبة الثانية والحق أنه مأخوذ من الموضع في الأولى وإما التصريح فباعتبار استعماله ظهر المراد به في نفسه كالحقيقة الغير المهجورة، والمجاز الغالب فخرج منه أقسام الظهور من وجوه البيان لأنها باعتبار الدلالة ومن الكناية بالبيان والصراحة كالفصاحة الخلوص ومنه الصرح لارتفاعه، وأما الكناية فما باعتبار استعماله استتر المراد به في نفسه لا كما الذهول عن القرينة في المجاز الطلب كالحقيقة المهجورة، والمجاز غير الغالب والضمائر مطلقًا موضوعة لاستعمالها كناية
(1) هكذا عرفه الشيخ ابن اللحام، انظر / المختصر في أصول الفقه (ص / 31) بتحقيقنا.
وقال فخر الدين الرازي: أحسن ما قيل فيه: ما أفيد به معنى مصطلح عليه غير ما اصطلح عليه
في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب بها لعلاقة بينه وبين الأول. انظر / المحصول لفخر الدين
الرازي (1/ 112)، المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 11)، إحكام الأحكام للآمدي (1/ 38)،
حاشية التلويح على التوضيح (1/ 69)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/ 203).
فلذا كانت كنايات في نفسها وإن تعينت معانيها بالقرائن الحالية أو التالية وعند أئمة العربية لفظ يقصد بمعناها ما هو مردوف له كنومة الضحى في المرفهة فمعها قرينة لا مانعة عن إرادة الموضوع له بخلاف المجاز والانتقال فيها من اللازم وفيه من الملزوم فهي عندهم واسطة وعندنا لا بل كتابتهم مجاز والضمائر عندهم حقائق إما كنايات الطلاق فليست بكنايات عنه إلا مجازًا بالاتفاق خلافًا للشافعي فعندنا لعدم استتار المراد والإبهام في متعلقاته أن البينونة أعم إذًا وعندهم: لعدم الانتقال وإلا كانت رجعية كما عنده لا كما ظن أنها عندهم كنايات حقيقة إرادة للمعنيين وإيقاعا للطلاق بصفة البينونة، وذلك لأن إرادة الموضوع له عندهم للانتقال لا لكونه مقصودًا ومرجعًا للصدق والكذب، وإلا لم يصح طويل النجاد إلا لمن له نجاد ولأنه حينئذ لا يكون قصدًا بمعناه إلى معنى آخر بل التحقيق مذهبنا أنه لا واسطة لأن الحقيقة حقيقة بالإرادة ما لم يصرف صارف وإلا ارتفع الوثوق عن اللغات ففي الكناية إن لم يكن قرينة أو كانت غير مانعة لا يراد إلا الحقيقة غير أن القرينة ربما نافت في الخارج وربما نافت في النية والتردد للتردد في القرينة كما يقع مثله في المجاز ثم جواز إرادة الموضوع له أن أريد للانتقال ففي المجاز كذلك وإن أريد على أنه المقصود فممنوع لأنه متعين حينئذ وإلا فلا وثوق ولا انتقال من اللازم ما لم بجعل ملزوما فلما كانت بواين كانت حقائق إلا في اعتدى واستبرئي رحمك لأن عد غير الاقراء وطلب البراءة لا لتزوج زوجًا آخر للوطيء وإن كان محتملًا لكن عند نيتهما يكونان كنايتين من كوني طالقًا حقيقة لأنهما من روادفه في الجملة وإن لم يردفاه في غير المدخول بها كما يتسنى بنوم الضحى عن الترفه وإن لم يكن نوم وبكثرة الرماد عن الضيافية وإن لم يكفي رماد كما في الضياف بالشرى فلذا يتبع الرجعي مويدًا بل السنة لا للانتقال عن المسبب له ليرد أنه غير مقصود، وقيل: هما في المدخول بها حقيقتان لهما شبه المجاور ووقوع الرجعي للاقتضاء وفي غيرها مجازان محضان لسببهما وجاز إما لأن المراد بالسبب العلة أو لأن اختصاص المسبب كاف في صحة استعارته للسبب ولا يلزم كونه مقصودا كالخمر في العنب، والموت على المرض المهلك وهما مختصان بالطلاق من حيث الأصل لا يوجد أن في غيره إلا من حيث الشبه والتبع كالموت وإعتاق أم الولد وحدوث حرمة المصاهرة وارتد إذ الزوج وغيرها وإما أنت واحدة فإنما يتبع رجعيا أيضًا لأنه وإن احتمل مدخلها ينتقل بالمنية إلى أنت طالق واحدة إذ فيه غنية عن تقدير البينونة، وقال الشافعي: لا يقع به شيء لأنها صفة المرأة قلنا ويحتمل صفة التطليق فيكون عند نيتها كقوله أنت
تطليقة واحدة والكناية منها كثبوت عكس جبيت من الجباوة وهي في اللغة أيضًا التكلم بشيء وإرادة غيره كقوله، وأني لا كنو عن قذور بغيرها، واعرف أحيانًا بها فا صارح.
بقي أقسام الاستثمار ولتقدم لتحقيقها على سوقنا مقدمات وسيجيء سوق الشافعية في المفاسد إن شاء الله تعالى:
1 -
أن المفهوم من اللفظ إما عين الموضوع له أو جزؤه أو لازمه واللازم أما متأخر كالمعلول أو متقدم كالعلة والشرط ومع كأحد معلولي العلة الموجبة لهما للآخر على ما هو المشهور ومنه المتضايفان.
2 -
أن اللازم المتأخر لا يتوقف عليه صحة الحكم المطلوب وإلا لم يكن متأخرا إما المتقدم فقد يتوقف عليه صحته كالأهل لصحة تعلق السؤال في واسأل القرية والحكم لصحة تعلق الرفع في "رفع عن أمتي الخطأ" والتمليك لصحة وقوع الإعتاق عن الأمر في أعتق عبدك عني بألف، وقد يتوقف عليه صحة طلاق بعض المفردات على معناه كالبنيان لصحة الطلاق القرية والإرسال إلينا لصحة إطلاق الأمة والمملوكية لصحة إطلاق القيد.
3 -
أن اللازم المتأخر للحكم قد لا يكون بواسطة مناطة ولقسمة ذاتيا وقد يكون بها فمناطه إما مفهوم لغةً، أي: موقوف فهمه على مقدمة شرعية أولًا بل موقوف عليها كالثابت بالقياس.
4 -
المحتاج إليه لصحة الحكم المطلوب إما لصحته عقلًا كالمنال الأول أو شرعًا كالثالث أو لصحة صدقه كالثاني فالشرعي مقتضى بالاتفاق وكذا الآخران عند جمهور المتقدمين وعند بعض المتأخرين يسميان محذوفا أو مضمرًا ولذا قالوا بعمومهما إلا أبا اليسر.
5 -
أن المفهوم إما مقصود أصلى إما مقصود كالتفرقة في {أحل الله البيع} الآية وهو مسوق له من كل وجه أو غير أصلي كإحلال البيع فيها وهو مسوق له من وجه لأنه مقصود للتوسل أو ليس لمقصود أصلا كانعقاد ببيع الكلب من قوله عليه السلام "إن من السحت ثمن الكلب" إذا تقررت فنقول إما ما يستدل بعبارته فالدال على تمام الموضوع له أو جزئه أو لازمه مسوقًا له أي مقصودا في الجملة فيعم الأولين ولا يجب كونه مقصودًا أصليًا كما في النص وإلا لم يندرج الظاهر في العبارة فهو ثلاثة أقسام:
1 -
نحو {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: من الآية 8] في إنجاب سهم من الغنيمة.
2 -
نحو كل امرأة لي طالق جواب إرضاء لقولها نكحت على امرأة فطلقها فإنه في
طلاق تلك المرأة عبارة وهي جزء مدلول كل امرأة وإن طلقت كلهن قضاء.
3 -
نحو {وَأَحَل الله الْبيعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: من الآية 275] في التفرقة اللازمة المسوق لها والعبارة تفسير الرؤيا والتغيير والتكلم سميت بها الألفاظ الدالة لكونها مفسرة وإما يستدل بإشارته فالدال على اللازم الذاتي الغير المسوق له أصلًا ولا المحتاج إليه لصحة الحكم سواء كان متقدمًا محتاجًا إليه لكن لصحة إطلاق بعض المفردات لا لصحة الحكم نحر للفقراء المهاجرين في زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب لأن الظفر به لا يبعد إليه أو متأخرًا نحوه وعلى المولود له في أن النسب إلى الآباء ليعتبر في الإمامة الكبرى والكفاءة وغيرهما، وقيل: قد يدل بالإشارة على الموضوع له وجزؤه كآية التفرقة في الإحلال والتحريم، وفي حل بيع الحيوان وحرمة بيع النقدين وكدلالة المسألة المذكورة على طلاق الكل وطلاق المرأة القائلة كل ذلك لعدم السوق له وهو يوهم بخلاف ما صرح السلف به ناش من عدم الفرق بين المسوق له في النص وبينه هنا فالقيد الأول لإخراج الدلالة والقياس والثاني لإخراج العبارة والثالث لإخراج الاقتضاء والإشارة منها ظاهرة كما مر ومنها غامضة كقوله تعالى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاُثونَ شَهْرًا} [الأحقاف: من الآية 15] عبارة في منه الوالدة على الولد إشارة في أن أقل مدة الحمل ستة أشهر (1) لأنها الباقية بعد رفع مدة الرضاع وهي حولان وهذا أولى من جعل المدة لكل منهما كأجل الدينين إما رواية فلانة تخريج ابن عباس وعلى وإما دراية فلان المضروب لهما المدة متتاليان نحو ذهابي وإيابي شهر أن بخلاف الدينين ولا منافاة بين بيان الضرورة والإشارة ونزلت فيمن وضعته أمه بستة أشهر فلذا لم يذكر التسعة الغالب وإن كانت أنسب لمقام الامتنان وللإشارة خفاء بالنسبة إلى العبارة.
وإما ما يستدل بدلالته فالدال على اللازم بواسطة مناط حكمه المفهوم لغة وبه يخرج الثابت بالقياس ويسمى فحوى الخطاب ومفهوم الموافقة والقول بأن قياس جلي فاسد لأن المنصوص قد يكون جزءًا نحو لا تعطه ذرة خلاف القياس ولأنه كان ثابتًا قبل شرع القياس فبينهما وجهًا فرق:
1 -
أن مناطه مفهوم لغة أي لا يتوقف فهمه على مقدمة شرعية لا أن ينساق إليه ذهن كل لغوي كما ظن فاعترض بتعذية الكفارة من الوقاع إلى الأكل والقياس يتوقف عليها وقريب منه ما يقال النظر في المناط شرط العلم بالتناول اللغوي هنا وسبب ثبوت
(1) انظر بدائع الصنائع للكاساني (3/ 211).