الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحيح في هذه المسألة أنه يجوز عند وجود الغرض الصحيح فلا بد أن يكون هناك سبب أو غرض صحيح يدفع إلى جواز التشريح، كأن يصاب هذا الشخص بمرض ،وهذا المرض يخشى تعديه على المجتمع لكونه مرضاً حادثاً طارئاً لم تتخذ له العلاجات والوقايات.
والعلة في ذلك أن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة فتقدم أعلى المصلحتين على أدناهما وترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما ، وذلك أن تحصين المجتمع من الأمراض ووقايته منها هذه مصلحة عامة وحرمة الميت مصلحة خاصة فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
والعلماء رحمهم الله جوزوا التشريح الجنائي حتى بعد موت الميت ودفنه لما يترتب على ذلك من المصلحة العظيمة التي تقدم على مصلحة حرمة الميت وحرمة انتهاكه بعد دفنه لكن التشريح من أجل التعلم هذا لا يجوز بعد دفن الميت وكذلك أيضاً التشريح المرضي هذا أيضاً لا يجوز.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن نبش القبر يجوز في مواضع منها:
الموضع الأول: إذا دفن الميت بلا تغسيل فجمهور أهل العلم قالوا يجوز أن ينبش القبر ثم يغسل الميت ما لم يتغير الميت كما لو تغيرت حالته أو تفسخ ونحو ذلك فإنه لا ينبش في هذه الحالة لكن إذا كان الميت قريب العهد بالدفن ودفن بلا تغسيل قال العلماء أنه يجوز أن ينبش لكي يغسل.
الموضع الثاني: إذا دفن إلى غير القبلة فالشافعية والحنابلة قالوا بأنه لا بأس أن ينبش من قبره ويدفن إلى القبلة.
الموضع الثالث: لو دفن قبل الصلاة عليه، فالحنابلة والمالكية قالوا لا بأس أن ينبش وأن يصلى عليه.
الموضع الرابع: لو دفن بلا كفن فالحنابلة جوزوا نبشه وتكفينه ثم بعد ذلك يدفن والشافعية منعوا من ذلك.
الموضع الخامس: لو دفن في أرض مغصوبة فالفقهاء يتفقون على أنه يجوز أن ينبش وأن يدفن مع الناس.
المسألة الرابعة: نقل الميت من بلد إلى بلد آخر
.
نقل الميت هذا ليس طارئاً ونازلا ً وإنما كان موجوداً في الزمن السابق لكن مع تقدم وسائل النقل أصبح نقل الأموات أسهل من غيره ففي فترة وجيزة ينقل الميت من مكان إلى مكان آخر ،فهل يجوز نقل الميت من بلد إلى بلد آخر أو لا يجوز نقله؟
أولاً: هناك مواضع لا يجوز فيها نقل الميت من بلد إلى بلد آخر:
الموضع الأول: إذا أدى ذلك إلى هتك حرمة الميت أو تغيير جثته فنقول هذا لا يجوز كما لو كان النقل لفترة طويلة وسيسبب ذلك أن تتغير جثة الميت مما يؤدي إلى هتك حرمته ، فنقول بأن هذا غير جائز ويجب أن يدفن في محله.
الموضع الثاني: الشهداء لا يجوز نقلهم ويجب دفنهم في مواضعهم.
ودليل ذلك حديث جابر- رضي الله عنه " أن شهداء أحد نُقلوا إلى المدينة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يردوا إلى مضاجهم فردوا إلى الأماكن التي استشهدوا فيها ". وهذا أخرجه أحمد وغيره.
الموضع الثالث: نقل الميت للضرورة هذا جائز ولا بأس به كما لو مات في بلاد كفار وخشي على هذا الميت من أن يعبث الكفار بجثثه بالتمثيل أو بالتحريق أو بالتقطيع أو البيع ونحو ذلك فهذا جوز العلماء رحمهم الله نقله.
أما في غير هذه المواضع الثالثة هل ينقل الميت أو لاينقل؟ وقد تجد أن بعض الأموات قد يوصي أن يدفن في البلد الفلاني إما لكون هذا البلد هو بلده حتى يكون قريباً من أهله أو لكون هذا البلد بلداً مقدساً كمكة والمدينة وبيت المقدس ، فهل تنفذ هذه الوصية؟ أو لم تكن هناك وصية واختار أقاربه أن ينقلوه هل لهم ذلك أو ليس لهم ذلك؟
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم:
الرأي الأول:مذهب الحنابلة والمالكية أن النقل جائز وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة في نقل الميت حتى نصوا على نقله بعد دفنه قالوا بعد دفنه ينبش وينقل.
الرأي الثاني: مذهب الحنفية أن نقل الميت مكروه إلا لمسافة يسيرة قالوا كالميلين- يعني ما يقرب ثلاثة كيلومترات فقط - أما ما عدا ذلك لا ينقل ولا يفرقون بين البلد المقدس وغيره وهو أضيق المذاهب في هذه المسألة.
الرأي الثالث:مذهب الشافعية رحمهم الله التفصيل في هذه المسألة يقولون إن كان لبلد مقدس فإن هذه جائز لا بأس به وإن كان لغير لبلد مقدس فإنه يحرم ولا يجوز.
وننبه أن هذا الكلام ما لم يؤدي النقل إلى هتك حرمة الميت بتغيره فإذا كان يؤدي إلى تغيره فإنه لا يجوز وأما إذا لم يؤدي إلى تغيره مثل وقتنا الحاضر فإنه يمكن نقله إلى مكة خلال ساعات وكذلك بسب وسائل الحفظ الموجودة فإنه لا يؤدي إلى تغيره.
أدلة من قال بجواز النقل:
" أن موسى عليه السلام لما حضرته الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر" وهذا أخرجه البخاري ومسلم.
أن عمر رضي الله عنه كما في البخاري استأذن عائشة رضي الله تعالى عنها أن يدفن في حجرتها بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، فيقاس عليه مثل ذلك لو أن هذا الرجل الذي مات وصى بأن ينقل إلى بلده ليدفن بجوار أهله وأقاربه.
أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه توفي بالعقيق ونقل إلى البقيع (إن ثبت فالأمر يسير) .
أن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنه توفي بِحُبَشِي وهذا موضع قريب من مكة ونُقل إلى مكة.
والمتأمل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله عنهم يجد انهم يدفنون موتاهم في البلد الذي مات فيه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن ينقل من مات في المدينة إلى مكة مع أن مكة أفضل من المدينة،أو أن من مات خرج المدينة ينقل إلى المدينة أو ينقل إلى مكة فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم.