المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإظهار والإدغام الإظهار: معناه: البيان، أي إخراج كل حرف من مخرجه - فن الإلقاء

[طه عبد الفتاح مقلد]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: نشأة فن الإلقاء

- ‌مدخل

- ‌صلة فن الإلقاء بعلم التجويد

- ‌الدراسات الحديثة

- ‌التعريف بفن الإلقاء وعناصره

- ‌الفصل الثاني: الأصوات اللغوية

- ‌كيف يحدث الصوت

- ‌جهاز النطق

- ‌مخارج الأصوات: طبيعتها، أنواعها

- ‌الفصل الثالث: صفات الحروف الصفات ذوات الأضداد

- ‌مدخل

- ‌الصفات ذوات الأضداد

- ‌الصفات التي لا ضد لها

- ‌الصفات العرضية

- ‌الإظهار والإدغام

- ‌المد والقصر

- ‌الفتح والإمالة

- ‌الفصل الرابع: عيوب النطق الخلط بين الأصوات

- ‌مدخل

- ‌أخطاء السمع

- ‌عيوب صوتية

- ‌فن تشكيل الأصوات

- ‌المقاطع الصوتية

- ‌الأصوات الساكنة وأصوات اللين

- ‌الفصل الخامس: الوقف أهميته

- ‌التعريف به

- ‌أقسامه

- ‌علامات الوقف

- ‌الوقف على آخر الكلمات

- ‌همزة الوصل وهمزة القطع

- ‌الفصل السادس: إدراك الكلام أهمية السمع في الإدراك

- ‌مدخل

- ‌التلوين الصوتي وأثره في الإدراك

- ‌استخدام مكبر الصوت: الميكرفون

- ‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

- ‌الفصل السابع: إلقاء الشعر إلقاء الشاعر قصيدته

- ‌مدخل

- ‌عذوبة النغم

- ‌النبر في الشعر

- ‌القافية

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ ‌الإظهار والإدغام الإظهار: معناه: البيان، أي إخراج كل حرف من مخرجه

‌الإظهار والإدغام

الإظهار: معناه: البيان، أي إخراج كل حرف من مخرجه مستقلا بنفسه واضحًا بصفاته.

والإظهار في الحروف هو الأصل لأنه أكثر، والإدغام دخل لعلة فإذا لم توجد علة للإدغام فلابد من الرجوع إلى الأصل وهو بيان الحرف وإظهاره 1.

وحين ينطق الإنسان الكلمات في لغته نطقًا لا تكلف فيه نجد أن الأصوات حين تتجاور بعضها، قد يؤثر بعضها في بعض وقد لا يؤثر فيكون الصوت ظاهرًا في نطقه.

والسبب في الإظهار عدم تأثير الصوت بما يجاوره نتيجة لاختلاف في طبيعة المخرج وإن قل هذا الاختلاف، وكذلك اختلاف الصفات بينهما فكل صوت فيه زيادة أو قوة لا يدغم فيما هم أنقص صوتًا منه، وقد أوضح لنا علماء القراءات أن الإظهار هو الذي لا يجوز فيه الإدغام: وهو ما تباين فيه الحرفان بالمخرج والصفة، فإن تباينا، إما بمخرج وإما بصفة بعد الإدغام، ومنه ما يجوز منه ما لا يجوز 2.

والذي لا يجوز فيه الإدغام هو: ما تباين فيه الحرفان بالمخرج.

1 الكشف عن وجوه القراءات: لمكي بن أبي طالب القيسي، ج: 1، ص:134.

2 الإقناع، ج: 1، ص:170.

ص: 69

والصفة، فإن تباينا إما بمخرج، وإما بصفة بعد الإدغام، ومنه ما يجوز ومنه ما لا يجوز،

واختلاف المخرج وإن قل من أسباب الإظهار وكذلك تباين الصفتين.

وكل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم فيما هو أنقص صوتًا منه، فإن حروف الحلق لا يدغمن في حروف الفم، ولا في حروف الشفتين، وقد يدغم بعض حروف الحلق في بعض؛ لتقارب المخرج.

وحروف الفم لا تدغم في حروف الحلق، ولا في حروف الشفتين، ولكن يدغم بعضها في بعض، وفيها - أن حروف الشفتين- يقع أكثر الإدغام خلا الباء فلا تدغم في غيرها، ولا يدغم غيرها فيها.

وحروف الشفتين لا تدغم في حروف الحلق ولا في حروف الفم؛ لبعد ما بينهما في المخرج، ويدغم بعضها في بعض خلا الواو فلا تدغم في غيرها ولا غيرها فيها، خلا أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الباء والواو، وكذلك الميم لا تدغم في الباء 1.

والوقف يضطر فيه إلى الإظهار ولا يصح فيه الإدغام.

وموانع الإدغام: المتفق 2 عليها ثلاثة:

1-

كون الأول تاء ضمير أو مشددا أو منونا سواء كان تاء الضمير متكلما أومخاطبا، نحو:{كُنتُ تُرَابًا} ، {أَفَأَنْتَ تُسْمِع} ، {جِئْتَ شَيْئاً إِمْرا} .

1 كتاب سيبويه، ج: 2، ص: 448، والكشف، ج: 1، ص:140.

2 والمختلف فيه الجزم، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر} ، {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة} ، وقيل: قلة الحروف وتوالي الإعلال.

ص: 70

2-

وأما المشدد نحو: ربَّ ما، و {مَسَّ سَقَر}

{فَتَمَّ مِيقَاتُ} ، {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا} ، {وَهَمَّ بِهَا} .

3-

أما المنون فنحو: {غَفُورٌ رَحِيم} ، {سَمِيعٌ عَلِيم} ، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} ، {لَذِكْرٌ لَك} .

حروف يخاف على القارئ اللحن فيها بالإدغام:

ذكر القراء بعض الحروف التي يخاف على القارئ اللحن فيها بالإدغام ومن ذلك:

حرف الفاء:

لا يجوز إدغامها في الميم والواو والباء؛ لأنها انحدرت إلى الفم في مخرجها حتى قاربت مخرج الفاء، والباعث على ذلك صوتي يؤدي إلى عدم النطق السليم، ومثال ذلك:{وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم} [الأنعام: 133] و {لا تَخَفْ وَلا تَحْزَن} [العنكبوت: 33] و {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ} [سبأ: 9] والباء لا يجوز فيها الإدغام في الفاء مخافة اللحن.

ومن ذلك الميم عند الفاء والواو نحو: {هُمْ فِيهَا} [البقرة: 39]، {هُمْ وَقُودُ النَّار} [آل عمران: 10] وغير ذلك حيث سكنت ولا يجوز شيء من الإدغام لما فيه من الإخلال بالغنة؛ ولذا ينبغي أن نظهر الميم عند الفاء والواو وتُبَيَّن في النطق بيانًا حسنًا من غير تكلف.

ومن ذلك القاف عند الكاف 2، والكاف عند القاف

1 الإقناع، ص: 176، 177.2

ص: 71

{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ} [المرسلات: 20] .

فالإظهار لاختلاف الصفتين؛ لأن القاف مجهورة والكاف مهموسة وإن كان بعضهم أجاز الإظهار والإدغام.

ومن ذلك الظاء عند التاء وذلك في قوله تعالى: {أَوَعَظْتَ} [الشعراء: 136] ، فالقراء يرون الإظهار فيه، مخافة اللبس؛ لأن الإدغام يذهب صفتها فتكون في السمع مثل أوعدت.

ومن ذلك الضاد عند التاء والجيم واللام والطاء، لا خلاف في إظهارها عند القراء مثل قوله تعالى:{فَرَضْتُم} [البقرة: 237]، {وَاخْفِضْ جَنَاحَك} [الحجر: 88] ، {وَاخْفِضْ لَهُمَا} [الإسراء:24] ، {إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} [الأنعام: 119] ، وما أشبه ذلك.

- ولا يجوز الإدغام لمزية الضاد؛ وذلك لأن الضاد من الحروف التي لا تدغم في مقاربها ويدغم مقاربها فيها وهي سبعة: ط، د، ت، ظ، ذ، ث، ل، وذلك حفاظًا على مزايا الضاد وإبقاء لصفافتها من الاستطالة والتفشي والتكرير والصفير والغنة.

ومن ذلك الراء الساكنة عند اللام نحو: {نَغْفِرْ لَكُم} [البقرة: 58]، و {اغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] ، {يَنشُرْ لَكُم} [الكهف: 16] ، والقراء مجمعون على الإظهار لما في الإدغام من الإخلال بالصفة.

ومن ذلك السين عند التاء نحو: {نَسْتَعِين} [الفاتحة: 4]، {اسْتَطَعْت} [الأنعام: 135] ، {مُسْتَضْعَفُون} [الأنفال: 26] ، ولا يجوز الإدغام لما فيه من الإخلال بالصفير.

ص: 72

والعين عند الغين، والغين عند العين، والحاء عند العين، والعين عند الحاء، والحاء عند الهاء، فالإدغام في هذا كله ممتنع؛ وذلك لأن حروف الحلق لا تدغم فما كان منها أدخل في الحلق لم يدغم فيه إلا دخل في الفم.

وكذلك لام: قل، لا تدغم عند السين والصاد والنون والتاء، أما عند الراء فلا خلاف في إدغامها للقرب الذي بينهما.

لا تدغم لام: بل، عند الجيم نحو:{بَلْ جِئْنَاك} [الحجر: 63] ، ولا يجوز الإدغام لتباعد المخرجين كما لا يجوز إدغام الباء في الجيم للتباعد بالصفة، ويلاحظ أن لام بل عند الراء في نحو:{بَل رَبُّكُمْ} [الأنبياء: 56] ، فهو مدغم عند الجميع.

ولا يجوز إدغام اللام الساكنة عن حركة عند النون نحو: {جَعَلْنَا} و {أَرْسَلْنَا} ولا خلاف في إظهارها عند النون.

ولا يجوز إدغام دال قد، وذال إذا، وتاء التأنيث عند عدا الحروف التي اختلف القراء في إظهارها وإدغامها وهي مجموعة في قولك: وهن مظهرات عندهن، أي: عند سوى تلك الحروف 1.

الإدغام:

الأصوات اللغوية حين تتجاور إما ألا يتأثر الحرف بمن جاوره، وإما أن يتأثر، إلا أن درجة التأثر تختلف من صوت لآخر، فمن الأصوات ما هو قليل التأثر، ومنها ما هو سريع التأثر، وأقصى ما يصل إليه هذا التأثر هو أن يفني الصوت في الصوت الذي يجاوره، فلا يترك له أثرًا، وهو ما اصطلح القدماء على تسميته بالإدغام.

1 الإقناع في القراءات السبع، ج: 1، ص: 176- 193.

ص: 73

والإدغام في اللغة: إدخال شيء في شيء لمناسبة بينهما.

قال الخليل: يقال أدغمت الفرس اللجام أي: أدخلته فيه 1.

وفي الاصطلاح:

الإدغام أن تصل حرفا ساكنا بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشددا، فيرتفع اللسان بالحرفين ارتفاعة واحدة 2.

ولابد أن يسكن الحرف قبل الإدغام، وكل مدغم فيه فلا يكون إلا متحركًا، لئلا يجتمع ساكنان 3.

وهذا يدل على أن الإدغام عملية صوتية لها أسبابها وأحكامها وينتج عنها أن يتحول الحرفان المتقاربان أو المتجانسان أو المتماثلان إلى إدغامهما.

وعلة ذلك: إرادة التخفيف؛ لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه، ليلفظ بحرف آخر مثله صعب ذلك وشبهه النحويون بمشي المقيد؛ لأنه يرفع رِجْلًا ثم يعيدها إلى موضعها أو قريب منه، وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وذلك ثقيل على السامع، وذلك نحو:{قَالَ لَهُم} ، {ذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} 4.

والإدغام ظاهرة يألفها اللسان العربي وله شواهد كثيرة في القرآن

1 كتاب سيبويه: 2/ 491، والتعريفات:8.

2 الإقناع، ج: 1، ص:164.

3 جمال القراء: 1/ 117، والنشر: 1/ 273، والتبصرة: 1/ 350، والكشف: 1/ 143.

4 الآيتان من سورة البقرة: 247، 200.

انظر في ذلك الكشف، ج: 1، ص:134.

ص: 74

الكريم، وفي كلام العرب؛ ولذا قال أبو عمرو بن العلاء: الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره 1.

والأصوات في تأثيرها تهدف إلى نوع من المماثلة أو المشابهة بينهما، ليزداد مع مجاورتها قربها في الصفات أو المخارج، ويمكن أن يسمى هذا التأثير بالانسجام الصوتي بين أصوات اللغة، وهذه الظاهرة شائعة في كل اللغات بصفة عامة، غير أن اللغات تختلف في نسبة التأثير وفي نوعه 2.

أحكام الإدغام:

اشترط العلماء في المدغم أن يلتقي الحرفان خطًّا ولفظًا.

أو خطًّا لا لفظًا نحو: {إِنَّهُ هُو} .

ولو كانا في كلمة واحدة نحو: خلقكم، ونرزقكم.

وإذا التقى الحرفان لفظًا وخطًّا، أو خطًّا، فقد انقسما إلى أربعة أقسام وفق القسمة العقلية وهي:

1-

أن يكون الحرفان مثلين.

2-

أن يكون الحرفان متقاربين.

3-

أن يكون الحرفان متجانسين.

4-

أن يكون الحرفان متباعدين.

وهذا التقسيم يعين على معرفة الحرفعند لقائه حرفًا آخر، ماذا يحدث له؟

1 النشر، ص:374.

2 الأصوات اللغوية: د. إبراهيم أنيس، ص:178.

ص: 75

والحرف عند لقائه حرفًا آخر لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام:

1-

قسم لا يجوز فيه إلا الإدغام.

2-

وقسم لا يجوز فيه إلا الإظهار.

3-

وقسم يجوز فيه الإظهار والإدغام.

القسم الذي لا يجوز فيه إلا الإدغام: وسبب الإدغام هو تماثل الحرفين والتجانس والتقارب، وقيل: التشارك والتلاصق والتكافؤ 1.

والمثلان: هما الحرفان اللذان اتحدا مخرجًا وصفة، ولا يكون ذلك إلا إذا اتفقا اسمًا أيضًا كالباء والباء في نحو:{اضْرِبْ بِعَصَاك} [الشعراء: 63]، وقد يكون في كلمة واحدة مثل الكافين في نحو:{يُدْرِككمُ الْمَوْت} [النساء: 78]، والتاءين نحو:{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُم} [البقرة: 16] .

وهكذا حين يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا، وحكمه وجوب الإدغام 2، وذلك إن لم يكن الأول حرفًا نحو:{قَالُوا وَهُم} ، أو هاء سَكْت نحو:{مَالِيَهْ، هَلَكَ} ، وإلا وجب الإظهار في المثال؛ لئلا يزول المد بإدغام، وجاز في الثاني إجراء الوصل مجرى الوقف.

ويلاحظ إذا كان الحرفان مثلين: تاء وتاء أو هاء وهاء، وارتفع المانع، وكان الأول ساكنا أدغم.

وإن كانا غير مثلين قلب كالثاني وأسكن، ثم أدغم وارتفع اللسان

1 النشر: 278.

2 الإقناع، ج:1، ص:164، 165.

ص: 76

بها دفعة واحدة من غير وقف على الأول، ولا فصل بحركة ولا رَوم، وليس بإدخال حرف في حرف كما ذهب البعض، بل إن الحرفين ملفوظ بهما؛ طلبا للتخفيف.

والمتقارب: هو أن يتقارب الصوتان مخرجا أو صفة أو مخرجا وصفة.

والمراد من التقارب في المخرج هو: التقارب النسبي وعليه يكون الحرفان متقاربين، إذا كان من مخرج واحد، وقد يكون الحرفان متقاربين مع كون مخرج أحدهما من عضو 1، ومخرج الثاني من عضو، كالنون والميم في نحو:{مِنْ مَاء} وهذا هو سبب إدغام الغين والقاف في {لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} .

وهما على نوعين: أحدهما من كلمة، والثاني من كلمتين.

أو في كلمة واحدة، فإنه يدغم إلا القاف في الكاف، إذا تحرك ما قبل القاف، وكان بعد الكاف ميم جمع نحو: سبَقَكم، خلَقَكم، صدَقَكم، واثَقَكم.

ومضارع نحو: يخلُقكم، يرزُقكم، فنغرِقكم.

أما ما هو من كلمتين: فإن الإدغام من مجانسة الحرف أو مقاربه في ستة عشر حرفا وهي: ب، ت، ث، ج، ح، د، ذ، ر، س، ش، ض، ق، ك، ل، م، ن.

1 وقد لا يكونان متقاربين، مع كون مخرجهما من عضو واحد، ولكن كلا منهما بعيد عن الآخر، كالسين والقاف.

ص: 77

وقد جمعت في كلمة: رض مستشد حجتك بذل ثم، فيدغم في هذه الحروف جانسها أو قاربها، إلا الميم، إذا تقدمت الياء، فإنه يحذف حركتها فقط، فيخفيها ويدغم ما عداها.

وما تكافأ في المنزلة من الحروف المتقاربة فإدغامه جائز، وما زاد صوته فإدغامه ممتنع؛ للإخلال الذي يلحقه، وإدغام الأنقص صوتا في الأزيد جائز ومختار؛ لخروجه من حال الضعف إلى حال القوة.

وغير المثلين إذا تقاربا في المخرج وسكن الأول، أشبها المثلين اللذين هما من مخرج واحد، فجاز فيهما الإدغام ما لم يمنع من ذلك مانع، فعلى هذا يجري الإدغام ويحسن.

والإدغام إنما يحسن في غير المثلين، ويتقوى إذا سكن الأول، وهو على ضربين:

أحدهما: إذا كان الحرفان متقاربين في المخرج، والحرف الأول أضعف من الثاني، فيصير بالإدغام إلى زيادة قوة؛ لأنك تبدل من الأول حرفا من جنس الثاني، فإذا فعلت ذلك نقل لفظ الضعيف إلى لفظ القوة، فذلك حسن جيد.

والضرب الثاني: أن يكون الحرفان المتقاربان في القوة سواء، كالمثلين فيحسن الإدغام إذ لا ينتقص الأول من قوته قبل الإدغام.

وضرب ثالث: من إدغام المتقاربين ضعيف قليل، وهو أن يكون الحرف الأول أقوى من الثاني، فيصير بالإدغام من حالة قبل الإدغام وذلك نحو: إدغام الراء في اللام، وهو قبح لقوة الراء بالجهر والتكرير.

ص: 78

التجانس 1: التجانس هو أن يتفق مخرج الصوتين مخرجا ويختلفا صفة، كالذال في الثاء، والثاء في الظاء، والتاء في الدال، وذلك مثل:{يَلْهَثْ، ذَلِكَ} أي: الاختلاف في صفة بين التاء والذال، أو في أكثر من صفة كما هو في الدال والتاء، وكما في نحو:{قَدْ تَبَيَّنَ} .

والتباعد: والصوتان المتباعدان هما اللذان تباعدا مخرجا، واختلفا صفة، أو تباعدا مخرجا واتفقا صفة، وله صور ثلاث هي:

1-

أن يتباعدا في المخرج ويختلفا في صفة واحدة، كالهمزة والدال في نحو: أدنى.

2-

أن يتباعد الصوتان في المخرج ويختلفا في أكثر من صفة، كالهمزة والصاد في مثل: أصَّدَّق.

3-

أن يكون الصوتان متباعدين في المخرج ومتفقين في الصفة، كالهاء والثاء في مثل: يلهث.

حكم كل من المثلين والمتقاربين والمتجانسين والمتباعدين:

ينقسم كل من المثلين والمتقاربين والمتجانسين عند علماء القراءة إلى ثلاثة أقسام:

1-

إدغام كبير، وصغير، ومطلق.

الإدغام الكبير:

ما كان الأول من الحرفين المدغمين متحركا، سواء أكانا مثلين أم جنسين متقاربين.

1 راجع في ذلك: النشر، ص:278.

ص: 79

وسمي كبيرا؛ لكثرة وقوعه، إذ الحركة أكثر من السكون، وقيل: لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه، وهو ليس كالإدغام الصغير الذي يكون فيه الأول ساكنا والثاني متحركا.

وقيل: سمي كذلك لما فيه من الصعوبة، وقيل: لشموله نوعي المثلين والجنسين المتقاربين.

الإدغام الكبير لكي يتحقق في الحروف، فإننا ننظر في طبيعة الحرف.

فالحرف المدغم إما أن يكون محركا أو ساكنا.

فإن كان محركا فلا إدغام فيه، ولا كلام فيه من ناحية إظهاره.

وإن كان ساكنا فيدغم بشروطه، ولا يخلو إما أن يكون معتلا أو صحيحا.

فإن كان معتلا، فإن الإدغام معه ممكن حسن؛ لامتداد الصوت به، ويجوز فيه ثلاثة أوجه: المد والتوسط والقصر، كجوازهما في الوقف.

وقال الجزري: لا نعلم نصا بخلافه 1.

ومن أمثلة ذلك: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، {قَالَ لَهُمُ} ، {يَقُولُ رَبَّنَا} ، وكذلك انفتح ما قبل الواو والياء نحو: قوم موسى، كيف فعل، والمد هنا أرجح من القصر.

ولكي يأخذ الإدغام نغمته الصوتية ينبغي أن ندرك أن كل من أدغم الراء في مثلها، أوفي اللام أبقى أما له الوقف قبلها نحو:{وَقِنَا عَذَابَ النَّار} ربنا. والنهار، ذلك من أن الإدغام عارض والأصل

1 انظر النشر في القراءات العشر: ابن الجزري، ص:298.

ص: 80

الإظهار، فالإدغام اعتداد بالعارض كما هو واضح في الإمالة.

وأجمع الرواة أن إدغام القاف في الكاف إدغام كامل يذهب معه صفة الاستعلاء في مثل: خلقكم، نخلقكم.

وكذلك أجمعوا على إدغام النون في اللام والراء إدغامًا كاملا من غير غنة.

ينحصر الإدغام الكبير في رواته، إذا ذكر لنا القراء روايات متعددة في الإدغام.

الإدغام الصغير: وهو إذا كان الحرف الأول منه ساكنًا.

وينقسم إلى جائز، وواجب، وممتنع.

الجائر منه على قسمين:

الأول: إدغام حرف من كلمة في حروف متعددة من كلمات متفرقة، وينحصر في: إذ، قد، وتاء التأنيث، وهل، بل.

والثاني: إدغام حرف في حروف من كلمة أو كلمتين، حيث وقع، وهو المقصود بالحروف التي قربت مخارجها وهي سبعة عشر حرفًا:

الباء الساكنة مع الفاء نحو: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} ، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِك} ، حيث أدغمت الباء في الفاء.

إدغام الباء في الميم.

الراء الساكنة عند اللام نحو: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك} ، {يَغْفِرْ لَكُم} .

اللام الساكنة مع الذال نحو: {مَنْ يَفْعَلْ ذَلِك} .

ص: 81

الدال عند الثاء: {مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا} ، {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ} .

التاء في الذال، نحو:{يَلْهَثْ ذَلِك} في الأعراف.

الذال في التاء، نحو:{اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل} ، {لاتَّخَذْت} .

الذال في التاء، كما في:{فَنَبَذْتُهَا} .

الثاء في التاء، كما في:{لَبِثْتُم} ، {أُورِثْتُمُوهَا} .

الدال في الذال، كما في: صاد ذكر من قوله تعالى: {كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} .

النون في الواو، كما في قوله تعالى:{يس، وَالْقُرْآنِ} ، {ن، وَالْقَلَمِ} .

النون عند الميم، كما في قوله:{طسم} .

فكل حرفين الْتَقَيَا،، أولهما ساكن وكانا مثلين أو جنسين، وجب إدغام الأول منهما لغة وقراءة.

فالمثلان نحو: فاضرب به، ربحت تجارتهم، وقد دخلوا، إذ ذهب، وقل لهم، وهم من، وعن نفس، يدرككم، بوجهه.

فقد التقى حرفان من جنس واحد في كل من الأمثلة السابقة، وتسمى هذه الحروف بالمثلين.

والجنسان نحو: {قَالَتْ طَائِفَة} ، أي: التاء والطاء، ونحو:{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّه} ، فالجنسان هنا التاء والدال، ونحو:{وَقَدْ تَبَيَّنَ} ، {إِذْ ظَلَمْتُم} ، {بَلْ رَان} ، هل رأيتم.

وعند التقاء حرفين أولهما ساكن وجب الإدغام سواء أكانا مثلين أم جنسين.

ص: 82