المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌همزة الوصل وهمزة القطع - فن الإلقاء

[طه عبد الفتاح مقلد]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: نشأة فن الإلقاء

- ‌مدخل

- ‌صلة فن الإلقاء بعلم التجويد

- ‌الدراسات الحديثة

- ‌التعريف بفن الإلقاء وعناصره

- ‌الفصل الثاني: الأصوات اللغوية

- ‌كيف يحدث الصوت

- ‌جهاز النطق

- ‌مخارج الأصوات: طبيعتها، أنواعها

- ‌الفصل الثالث: صفات الحروف الصفات ذوات الأضداد

- ‌مدخل

- ‌الصفات ذوات الأضداد

- ‌الصفات التي لا ضد لها

- ‌الصفات العرضية

- ‌الإظهار والإدغام

- ‌المد والقصر

- ‌الفتح والإمالة

- ‌الفصل الرابع: عيوب النطق الخلط بين الأصوات

- ‌مدخل

- ‌أخطاء السمع

- ‌عيوب صوتية

- ‌فن تشكيل الأصوات

- ‌المقاطع الصوتية

- ‌الأصوات الساكنة وأصوات اللين

- ‌الفصل الخامس: الوقف أهميته

- ‌التعريف به

- ‌أقسامه

- ‌علامات الوقف

- ‌الوقف على آخر الكلمات

- ‌همزة الوصل وهمزة القطع

- ‌الفصل السادس: إدراك الكلام أهمية السمع في الإدراك

- ‌مدخل

- ‌التلوين الصوتي وأثره في الإدراك

- ‌استخدام مكبر الصوت: الميكرفون

- ‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

- ‌الفصل السابع: إلقاء الشعر إلقاء الشاعر قصيدته

- ‌مدخل

- ‌عذوبة النغم

- ‌النبر في الشعر

- ‌القافية

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌همزة الوصل وهمزة القطع

العليم، حركت الياء بالفتح حملا على النظير فرارًا من الحذف.

وكذلك إذا كان قبل الياء ساكن ألف أو ياء، فالذي قبلها ألف نحو: هداي، وإياي، ورؤياي، ومثواي، وعصاي. والذي تأتي بعد الياء مثل: إليّ، وعليَّ، ويدي، ولدي، يابني، ومصرخي.

وحركت الياء في ذلك فرارًا من الْتقاء الساكنين وكانت فتحة حملا على النظير، وأدغمت الياء نحو: إلي وعلي، للتماثل وجاز في مصرخي الكسر، وكذلك يابني مع الإسكان.

وما اختلفوا في إسكانه وفتحه نحو: بشر عبادي، ألا تتبعن، إن يردن الرحمن، ففيها الإسكان والفتح1.

1 النشر، ج: 2، ص:161- 163.

ص: 151

‌همزة الوصل وهمزة القطع

وقد تسميان ألفي الوصل والقطع عند النحويين1 وتتضح لنا أهميتهما حين يبدأ من يلقي قولا أو حديثا، أو يقف بين الجمل ويعاود الابتداء ومن الواضح أن الوقف يكون بالسكون على حين أن الابتداء لا يكون إلا بالحركة؛ لأن من الأصول المقررة ألا يبدأ بساكن ولا يوقف على متحرك.

فإذا كان الابتداء لا يكون إلا بالحركة، فإن الكلمات التي يكون أولها متحركًا لا إشكال فيها؛ لأن الابتداء بالحركة غير متعذر، ولكن الإشكال في الابتداء بالساكن؛ لأنه غير مقدور عليه ومتعذر النطق به.

1 التبصرة والتذكرة: للصيمري، ص:436.

ص: 151

ولذا توصل للابتداء بالساكن باجتلاب ألف الوصل أو همزة الوصل وسميت بذلك؛ لأنها زيدت ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، وسماها الخليل بن أحمد، سُلَّم اللسان1، فإذا ابتدئ بها فهي ثابتة مكسورة؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين، وأصل حركة التقاء الساكنين الكسر، فكسرت همزة الوصل لذلك، وإذا وصل الكلام سقطت لاستغنائك عنها بحركة ما قبلها.

همزة الوصل:

تأتي همزة الوصل في أول كل فعل ماضٍ على أكثر من أربعة أحرف، وفي الأمر من الفعل الثلاثي إذا كان أوله ساكنًا.

فأما الأفعال الماضية التي تكون في أولها ألف الوصل فتسعة أبنية وهي:

انفعلت نحو: انطلقت، وافتعلت نحو: اقتدرت، وافعللت نحو: احمررت، واستفعلت نحو: استغفرت، وافعنللت نحو: احرنجمت أي تقبضت، وافعاللت نحو: احماررت، وافعوعلت نحو: احلوليت، وأفعوَّلت نحو: اغلوطت الفرس إذا ركبته عرياء، وافعلّلت بتشديد اللام الأولى نحو: اقشعررت.

وهي في الأفعال قياسية، ولا تكون إلا في الخماسي والسداسي، فالماضي الخماسي نحو: انكسر، اقترب، احمر، والماضي السدادسي نحو: استكبر واستطعم، واستنصر، واستسقى.

1 الفوائد المفهمة شرح الجزرية: للشريف بن بالوشة، ص:61. وكتاب العين: للخليل بن أحمد.

ص: 152

وأما في الأمر من الفعل الثلاثي: فكل فعل على ثلاثة أحرف في الماضي، وسكن ثانيه في المضارع، وأردت أن تأمر منه، فإنك تحذف حرف المضارعة وتزيد همزة الوصل في موضعه.

والابتداء بها على وجهين:

ما كان ثالث الفعل المضارع منه مكسورًا أو مفتوحًا، وكسرت همزة الوصل في الأمر كقولك في: يضرب، اضرب، وفي: يصنع، اصنع، والعلة في كسرها، أن حركة التقاء الساكنين الكسر.

وما كان ثانيه متحركا استغني عن ألف الوصل فيه، كقولك في: يقوم، قُمْ، وفي: يسير، سِرْ.

وما كان ثالث الفعل المضارع منه مضموما، ضمت همزة الوصل في الأمر منه تقول في: يقتل، اقتل، وفي: يخرج، اخرج، وإنما ضمت في هذا للإتباع؛ لأنه أخف في اللفظ؛ لئلا يخرج من كسرة إلى ضمة، وذلك مستثقل قليل.

والأمر مما زاد على أربعة أحرف أي في الخماسي والسداسي فهو كالأمر في الثلاثي؛ لأن أصلها ثلاثة أحرف والباقي زوائد، كقولك في الأمر: استغفر الله، انطلق، اقتدر؛ لأنه من غفر، وطلق، وقدر.

وإذا لم تسم الفاعل أي: بنيت للمجهول في شيء مما ألفه ألف وصل، ضممت أوله وكسرت ما قبل آخره؛ لأنه بني للمجهول، اتباعًا لضمه الثالث من الفعل، كقولك: استُغفر، انطُلق، اقتدر، احرنجم، والعلة في ضمه كالعلة في: اقتل في الأمر؛ لئلا يخرج من كسر إلى ضم.

ص: 153

فحركة البدء بهمزة الوصل في الأفعال المقيسة على نوعين: الضم والكسر.

وحركة البدء بالكسر: فشرطها أن يكون ثالث الفعل مفتوحًا أو مكسورًا كسرًا أصليًّا وليس بعارض1.

مثال ذلك: انطلق، انقلب، استغفروا ربكم، منِ ارتضى من رسول، فكسرت همزة الوصل؛ لأن ثالث الفعل مفتوح، وكذلك ما كان ثالث الفعل فيه مكسورا كسرا أصليا مثل:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَاب} ، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّم} ، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} .

وحركة البدء بالضم في همزة الوصل أن يكون ثالث الفعل مضموما ضما لازما في الماضي والأمر، ففي الماضي كما في قوله تعالى:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ} ، {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّه} .

والأمر: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَاب} ، {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَال} .

والضم العارض يبدأ فيه بكسر الهمزة وجوبًا نحو: {اقْضُوا} في قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} ، وابنوا، في قوله تعالى:{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانا} وامضوا، في قوله تعالى:{وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُون} .

والسبب في ذلك أن الضمة عارضة، فمثلا كلمة: اقضوا إذا

1 التبصرة والتذكرة، ج: 1، ص:438.

ص: 154

رجعنا إلى أصلها نجد أنها: اقضيوا، بضاد مكسورة وياء مضمومة بعدها فنقلت ضمة الياء إلى الضاد بعد تقدير سلب حركتها، ذلك لأنه التقى ساكنان: الياء والواو، فحذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين فصارت الكلمة: اقضوا بضم الضاد وحذف الياء، وكذلك ما حدث فيما كانت الضمة فيه عارضة.

ويتضح مما سبق أن حركة همزة الوصل في الابتداء بالأفعال مبنية على حركة الثالث منها.

وحركة همزة الوصل في الأسماء حين البدء بها، فمرجعها إلى القياس والسماع، فإذا كان الاسم معرفا بالألف واللام فهمزة الوصل فيه قياسية، وحركتها عند الابتداء الفتحة، كما في قوله تعالى:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن} ، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} .

وإن كان الاسم مجردا من الألف واللام، فهمزة الوصل فيه قياسية وسماعية، أما القياسية وهي مصدر الفعل الماضي الخماسي نحو: ابتغاء في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} ، وافتراء، انتقام.. أو مصدر الفعل الماضي السداسي نحو: استغفار في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} واستعمال، استكبار، وحركة البدء بهمزة الوصل في مصدر الفعل الماضي الخماسي والسداسي الكسر وجوبًا.

وأما السماعية التي تعرف بالسماع ففي عشرة أسماء، تكون حركة البدء بهمزة الوصل فيها بالكسر وجوبًا وهي:

1-

ابن، بالتذكير سواء أكانت مضافة لياء المتكلم، مثل: ابني أو ابن.

ص: 155

2-

ابنت، كما في قوله تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَان} و {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْن} .

3-

امرؤ، نحو قوله تعالى:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} .

4-

امرأة، مفردة أو مثناه:{اِمْرَأَةَ نُوح} و {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَان} .

5-

اثنان، بالتذكير، مهما اختلف إعرابها: بالألف والنون -اثنان- أو الياء والنون -اثنين- أو مضافًا للعشرة: اثنا عشر شهرا، {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبا} .

6-

اثنتان، بالتأنيث سواء أكانت مفردة نحو:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَك} ، أم مضافة مثل:{فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنا} .

7-

اسم، مثل:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} أو {مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد} .

8-

ايم، وهو للقسم نحو: ايم الله، ويزداد النون: ايمن الله.

9-

است: اسم من أسماء الدبر.

10-

ابنم، وهي ابن زيدت فيها الميم.

ويلاحظ أن همزة الوصل تحذف لفظًا وخطًّا من: أل، التعريف إذا دخل عليها لام الجر، نحو:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازا} ولكن إذا دخل حرف جر آخر فإنها تحذف لفظًا ونطقًا، وتثبت خطًّا نحو:{بِالْغَيْب} ، كالذين.

ص: 156

ويراعى أن جميع الأسماء غير عشرة الأسماء التي ذكرناها، فألفها قطع نحو: إسماعيل وإبراهيم وأبيض وأحمر وأسود.

ودخلت ألف الوصل في الأسماء؛ تشبيهًا بدخولها على الفعل؛ لأن هذه الأسماء تتضمن الإضافة كما يتضمن الفعل الفاعل، ولحقها الحذف في آخرها كما يلحق الفعل إذا قلت: اغزُ، وارْمِ، فسكنت أوائلها كما سكن أول الفعل، وأدخلت ألف الوصل عليها ليمكن النطق بها، فإذا تحركتْ أوائلها أو اتصلت بكلام قبلها حذفت الألف، استغناء عنها كقولك: المرء والمرأة، ومررت بابنك، وسمعت اسمك، وهذا اسم.

همزة القطع:

همزة القطع هي التي تثبت في القراءة في حالتي الوصل والبدء، وسميت بهمزة القطع؛ لثبوتها فينقطع بالتلفظ بها الحرف الذي قبلها عن الحرف الذي بعدها، وهذا على النقيض من همزة الوصل فإنها تثبت في البدء وتسقط في الوصل.

وهمزات القطع كثيرة وترد في الأسماء مثل: إبرهيم، وإسماعيل، والأفعال مثل: أَذِنَ وأمر وأحسن، والحروف مثل: إن وكأن.

وتأتي في أول الكلمة مثل: أخذ، وتأتي في وسط الكلمة نحو: بئر ويؤمنون، وفي آخر الكلمة مثل: ماء، جاء.

ومن هذا يتبين أن همزة القطع تأتي ساكنة في الوسط وفي الطرف، وتأتي متحركة مطلقًا عند الابتداء والوسط والطرف، وهي

ص: 157

كثيرة توجد في الأسماء والأفعال والحروف، هذا بخلاف همزة الوصل فإنها لا توجد إلا في أول الكلمة، ولا تقع ساكنة بحال، فخالفت همزة القطع في أنها لا تأتي ساكنة ولا توجد في وسط الكلمة ولا في آخرها.

وأما همزة القطع: فموضعها من الأفعال ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يكون الفعل الماضي على ثلاثة أحرف أولها الهمزة، وهي مقطوعة كقولك: أكل، وأخذ، وأبى، وهذه التي يسميها القراء ألف أصل، وإنما سموها أصلا، لأنها من أصل الكلمة غير زائدة فيها، وانظر في: أَذِنَ وأَمَرَ، تجد أن الهمزة هي أصلية، فاء الكلمة.

والثاني: أن يكون الفعل الماضي على أربعة أحرف أولها الهمزة فهي مقطوعة كقولك: أَكْرَمَ، وأَعْطَى، وأَنْزَلَ، أَوْحَى، أَحْسَنَ وكذلك مصادرها.

وتعتبر هذه الألف زائدة؛ لأن الأصل كرم، وعطاء، ونزل

والهمزة في هذه الأفعال للتعدية.

والثالث: أن يقع في أول الفعل المضارع إذا أخبر المتكلم عن نفسه، وحركتها -إذا كان الفعل ثلاثيًّا أو أكثر من الرباعي- الفتح، كقولك: أنا أضرب، وآكل، وأستغفر، وأقتدر، وقوله تعالى:{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاه} .

وإن كان الفعل رباعيًّا فحركتها الضم للفرق بينهما كقولك: أنا أُكرِم، وأُعطِي، وأُحسِن، وإنما كان الثلاثي بالفتح أولى؛ لأن الفتحة أخف الحركات، والثلاثي أكثر من الرباعي، فوجب أن يكون الأخف

ص: 158

للأكثر، وما زاد على الرباعي فيجب له الفتح أيضًا؛ لأن أصله ثلاثة أحرف ثم لحقته الزيادة، فوجب له الفتح على الأصل.

ومن الواضح أنه لم يدخل ألف الوصل على شيء من الحروف إلا على لام المعرفة في قولك: الرجل، والمرأة، والغلام، وحركته الفتح يفرق بين ما دخل على الأفعال المتصرفة والأسماء المتمكنة، وبين ما دخل على الحروف.

وذكرالنحاة: لما كان دخولها على الحرف نادرًا أعطى من الحركات نادرًا.

كما أن همزة الاستفهام همزة قطع، فإذا دخلت على همزة الوصل حذفت همزة الوصل: للاستغناء عنها بحركة همزة الاستفهام.

وحركة همزة الاستفهام الفتح -لا غير- كقولك إذا استفهمت: أين زيد؟

أستغفر زيد ربه؟ أقتدر زيد على عمرو؟، كما قال الله عز وجل:{أتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدا} و {أصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين} .

فإن دخلت همزة الاستفهام على همزة القطع في اسمٍ كان أو فعل ففيه أربعة أوجه:

الأول: أن تحقق الهمزتين فتقول: أأكرمت زيدًا؟ وهذا هو الأصل؛ لأن الهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة: أكرمت.

والثاني: أن تحققهما وتجعل بينهما ألفًا استثقالا لالتقائها كقولك: آكرمت الضيف؟

ص: 159

والثالث: أن تخفف الهمزة الثانية، وتجعلها بين بين كقولك: أاكرمت زيدا؟

والرابع: أن تفصل بينهما بالألف، وتخفف الثانية مع بعدها من الأولى فتجعلها بين بين فتقول: آاكرمت زيدًا1؟

وهذا مأخوذ به في علم القراءة2، فقد قرئ بهذه الأوجه الأربعة: أأنذرتهم بالتحقيق، وآانذرتهم بالتحقيق مع الفصل، وآأنذرتهم بالتخفيف، وآأنذرتهم بالتخفيف مع الفصل، وقرئ:{أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاس} بالتحقيق، وبالتحقيق والفصل آأنت، {اأَنْت} بالتخفيف، و {آنْت} بالتخفيف مع الفصل، فإن دخلت ألف الاستفهام على: ألف ايمن الله، أو على الألف واللام لم تحذفا، وأبدل منها مدة، وإن كانا ألفي وصل؛ لأن حركتهما الفتح، وحركة ألف الاستفهام الفتح، فلو حذفتهما لالتبس الخبر بالاستخبار فتقول إذا استفهمت: آايمن الله لتفعلن؟ آالرجل في الدار؟ كما قال الله عز وجل: {قُلْ آالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ} و {قُلْ آاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} .

وإذا وصلت الكلام، وكان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل، وحركت ذلك الساكن، لالتقاء الساكنين.

والأصل في حركة التقاء الساكنين الكسر، نحو:{قُمِ اللَّيْل} ، أضرب الرجل سل ابن زيد، خذ اسمك، كما قال الله عز وجل:{وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه} .

1 انظر التبصرة والتذكرة: للصيمري، ص:440، 442.

2 راجع نهاية القول المفيد، ص: 182، والفوائد المفهمة، ص:62.

ص: 160

فإن كانت الألف التي تحذفها مضمومة، ضممت للإتباع، فلك في الساكن الذي قبلها وجهان:

إن شئت أجريته على الأصل بالكسر فتقول: قُمِ اخْرُج، هَلِ انْطلق يزيد.

وإن شئت ضممت للإتباع كما ضممت الألف فتقول: قُمُ اخْرج، هَلُ انْطلق يزيد؟ وقد قرئ بهما جميعا:{قُلِ انْظُرُوا} ، "قُلُ انْظُرُوا"

وقد استشهد بها سيبويه1 على قراءة من ضم اللام، ثم قال:

فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوا في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات، ثم قال:

وقد كسر قوم فقالوا: {قُلِ انْظُرُوا} وقراءة الكسر التي أشار إليها سيبويه والصيرفي هي قراءة عاصم، وحمزة، ويعقوب، وقرأ الباقون بضم اللام2:"وَلَقَدُ اسْتُهْزِئ".

وقد قرأ بكسر الدال على أصل التقاء الساكنين عاصم وأبو عمرو وحمزة، ووافقهم يعقوب والمطوعي والحسن، وقرأ الباقون بضم الدال اتباعًا 3.

وهمزة القطع المفتوحة: توجد في خمسة مواضع هي:

1-

الفعل الماضي المبني للمعلوم نحو: أُمِر، أُذِن.

1 الكتاب لسيبويه، ج: 2، ص:275.

2 إبراز المعاني، ص:249. والبحر المحيط، ج: 5، ص: 194.

3 النشر، ج: 2، ص:225. والإتحاف، ص: 183. والسبعة، ص:174.

ص: 161

2-

وفي الفعل الماضي الرباعي المبني للمعلوم نحو: أَوْحَى، وأَحْسَن.

3-

وفي الفعل المضارع نحو: أرى، وأسمع.

4-

وفي الأمر من الرباعي: أكرم، وأحسن، وأصلح.

5-

وفي مصدر الفعل الماضي الثلاثي قد تكون همزة القطع فيه مفتوحة نحو: أَمْر وأَمْن وأَكْل، وقد تكون مكسورة نحو: إِذْن في قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِه} ، وكلمة إِفْك في قوله تعالى:{وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِين} وكلمة إِثْم في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيما} ، وكذلك إِذْن في قوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} .

وهمزة القطع المكسورة: توجد في موضعين:

1-

مصدر الفعل الماضي الرباعي نحو: إطعام، وإكرام.

2-

مصدر الفعل الماضي الثلاثي فيما صح فيه الكسر كما سبق أن ذكرنا: إذن ربهم، إفك مبين.

وهمزة القطع المضمومة، وتوجد في أربعة مواضع هي:

1-

الفعل المضارع من الثلاثي المزيد نحو: أحيي، وأميت، وأبرئ، كما في قوله تعالى:{قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت} و {وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ} .

2-

الفعل المضارع من الثلاثي المضعف نحو: أُبَرِّئُ في قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} .

3-

الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول كما في أُمِرَ من قوله

ص: 162

تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِدا} وأُكِلَ التفاح، أُخِذَ أَخْذَ عزيز مقتدر.

4-

الفعل الماضي الرباعي المبني للمعلوم: أُوتِيَ من قوله تعالى: {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} وأوحي، من قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} .

اجتماع همزتي الوصل والقطع في كلمة واحدة:

في اجتماع الهمزتين إما أن تتقدم همزة الوصل على همزة القطع الساكنة، وإما أن تتأخر.

1-

وتقدم همزة الوصل همزة القطع لا يكون إلا في الأفعال مثل: اؤتمن، في قوله تعالى:{فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} .

وحين الوصل في هذه الحالة نجد أن همزة الوصل تسقط وتثبت همزة القطع الساكنة، فإذا نظرت إلى قوله تعالى:{الَّذِي اؤْتُمِن} فنجد أنه قد وصل لفظ الذي بلفظ اؤتمن، وهنا سقطت همزة الوصل وبقيت همزة القطع ساكنة 1.

وحين الابتداء بهمزة الوصل مثل {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} تثبت همزة الوصل وتبدل همزة القطع الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها وذلك بإجماع القراء فتكون: اِيْتُونِي، وكذلك:{ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} ، ايتنا.

ويلاحظ أن حركة الابتداء بهمزة الوصل خاضع لحركة ثالث

1 ويلاحظ أن ذلك واضح عند من قرأ بتحقيقها كحفص وعاصم.

وراجع نهاية القول المفيد في علم التجويد، ص: 184، 185.

ص: 163

الفعل، فإن كان ثالثة مضمومًا ضمًا لازمًا فحركة الابتداء بهمزة الوصل تكون بالضم نحو:{اؤْتُمِن} .

وأما إذا كان ثالث الفعل مفتوحًا أو مكسورًا أو مضمومًا ضمًا عارضًا كانت حركة الابتداء بهمزة الوصل مكسورة.

2-

وتقدم همزة القطع التي للاستفهام على همزة الوصل وهذا يكون في الأفعال والأسماء.

ففي الأفعال تحذف همزة الوصل وتبقي همزة الاستفهام مفتوحة نحو: {أسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين} على الاستفهام، {أطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدا} أستكبرت؟ أطَّلع؟ أفعال حذفت منها همزة الوصل وبقيت همزة الاستفهام.

وفي الأسماء تبقى الهمزتان مجتمعتين معًا في الكلمة وتكون مفتوحة في البدء في اسم محلى بأل، وحينئذٍ لا يجوز حذفها بالإجماع؛ لئلا يلتبس بالخبر فيتغير المعنى مثل قوله تعالى:{قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ} {أالآن} ، الله في:{أالله أَذِنَ لَكُمْ} وقوله تعالى: {أاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون} .

وبعضهم يعمل على إبدال الهمزة ألفًا مع المد الطويل لملاقاتها بالساكن الأصلي، وبعضهم يعمل على تسهيلها بين بين، أي بين الهمزة والألف مع القصر، والمراد هنا عدم المد.

ولذا إذا أراد القارئ أن يلقي قولا ينظر إلى الهمزة، هل هي همزة وصل أو قطع، فإذا أراد أن يبدأ بهمزة الوصل نظر إلى الفعل المبدوء بها، فإن كان ثالثه مفتوحًا أو مكسورًا ابتدأ بهمزة الوصل

ص: 164

مكسورة كاعملوا وارجعوا، وإن كان ثالث الفعل مضمومًا ضمًا لازمًا ابتدأ به بهمزة الوصل مضمومة نحو: اغدوا، فإن كان الضم عارضًا ابتدأ بها مكسورة نظرًا للأصل نحو امشوا، وإن رأى الاسم مبدوءًا بألف، والآخرة

ابتدأ بها مفتوحة، وإن كان الاسم غير مبدوء بأل ابتدأ بها مكسورة نحو: امرؤ وامرأة.

ص: 165