الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعامل مع مكبرات الصوت ذات الأبعاد والاتجاهات المتعددة والحساسية المرهفة.
وهذا مما جعل دراسة فن الإلقاء دراسة ذات أبعاد متعددة، وأساسا من أسس نجاح الخطيب في خطبته والداعي في دعوته، والمحاضر في محاضرته، والقادة والزعماء والرؤساء ورجال الإعلام، وغيرهم ممن يتحدثون إلى الناس عن طريق وسائل الاتصال المباشر وغير المباشر.
التعريف بفن الإلقاء وعناصره
هو فن إيضاح المعاني بالنطق والصوت لكي تتوثق حلقة الاتصال بين المتكلم والمخاطب دون أن يشوبها اضطراب أو لبس حتى تأتي الصورة السمعية دقيقة في تفاصيلها.
فالإلقاء يقوم بدور إيصال الكلام إلى المتلقي بطريقة واضحة بينه، ولهذا لابد من توفر ثلاثة عناصر هي:
1-
عنصر الاتصال:
فالإلقاء يقوم بإيصال الكلام إلى المستمع وبدون ذلك لا يعتبر الإلقاء إلقاء؛ لأن الكلام إن لم يصل إلى المستمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فقد فقد أهم شرط وهو التلقي.
2-
عنصر الوضوح:
ينبغي أن يكون الوضوح نصب عين من يلقي للناس قولا؛ ذلك لأن عدم الوضوح لاختلاف اللهجة أو العيب في النطق، أو العجمة، قد يؤدي إلى اللبس والغموض، والإلقاء يقوم على إيضاح المخارج الكلمة والجملة، وبهذا يتميز الإلقاء الجيد من غير الجيد.
3-
عناصر المعاني والبيان:
هو من أهم ميزات الإلقاء الجيد وبه يتمكن المستمع من بيان حقيقة ما يلقى إليه دون إبهام في المعنى، فعيب أن يكون من يلقي على الناس قولا ألا يبين، ولذا يمكن القول إن:
فن الإلقاء
هو فن نطق الكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه؛ ولذا ففن الإلقاء يتطلب:
1-
توضيح الألفاظ.
2-
توضيح المعاني.
فتوضيح الألفاظ:
عن طريق النطق السليم وهذا يتطلب معرفة مخارج الحروف وصفاتها حتى لا تلتبس الكلمات.
وتوضيح المعاني، بأن يأتي المتحدث بالنغمة الصوتية التي تناسب المعنى حتى يبدو واضحا بينًا وله وقعه المناسب على آذان السامعين له أو المتلقين له،
وذلك بأن يتمثل معناه في نفسه في كل كلمة أو جملة، ولا يحول دون ذلك عيب أو علة لا تساعده على البيان.
ولكي تتوفر هذه العناصر الثلاثة لابد من وجود ثلاثة شروط تعين على ذلك، وتعرف بأصول فن الإلقاء، وهي: الموهبة، الاستعداد الشخصي، الدربة والمران.
- الموهبة:
فن الإلقاء يحتاج إلى أن يكون صاحبه ذا فطرة سليمة، وسليقة تعينه على النطق السليم، خاليا من العيوب الكلامية من لثغة وتأتأة وفأفأة، طلق اللسان يجيد إخراج الحروف من مخارجها، قادرًا على التحكم في نبرات صوته لا تعيبه لكنة ولا تحوله حبسة دون أن يبين، والموهبة تعد الأساس والمنطلق الذي يبنى عليه ومنه فن الإلقاء.
- الاستعداد الشخصي:
الاستعداد الشخصي له أهمية في مجال التفوق والنبوغ؛ ذلك لأن الموهبة وحدها لا تكفي للإلقاء فليس كل موهوب يجيد كل ما وهب الله له، فمن الناس من ينمي موهبته، ومنا من هو على خلاف ذلك، فالموهبة لابد أن يكون صاحبها عنده استعداد كامل، ورغبة ملحة في معرفة هذا الفن وممارسته، وهوايته، وحب العمل فيه، ذلك حتى تكون عنده البديهة المستعدة المتوثبة لمعرفة كل جوانب الفن، وتصبر على السير فيه حتى يتم له ما أراد، ولكي يسير السير السليم لابد له من الدربة والمران.
- الدربة والمران:
من الواضح أن الدربة لها أثرها في كل عمل، وأن الموهبة والاستعداد الشخصي يحتاجان إلى العقل والتعليم والممارسة، والناس منهم من يكون عنده استعداد فطري وشخصي، ولكن لا يمارس عملا ما فلن يبرز فيه، ولكي ندرك أهمية التدريب والممارسة علينا أن نقارن بين إنسان حصلت عنده ملكة أو موهبة قوية ولا يدرب نفسه، وبين إنسان قلّت موهبته وأخذ نفسه بالدربة والمران، فسنجد الذي قد تدرب فاق صاحب الموهبة.
إذن لابد من أن يأخذ الإنسان نفسه بالممارسة والمران لكي ينمي مواهبه التي فطر عليها، مدركين أن كثيرًا من الناس قد أصلحوا ملكة النطق فيهم بالمعاناة والممارسة، ذلك لكي يطب لعيوبه ويكمل النقص الذي يجده في نفسه، أو يجده غيره فيه.
ولا شك في أن التدريب يبعد عنك الرهبة من السامعين أو المشتركين معك في الإلقاء، ويمنحك الثقة بالنفس والشجاعة على المواجهة، بل إن فرسان هذا الفن هم أكثرهم تدريبًا في الميدان حتى صار هذا الفن جزءًا من حياتهم، وإن تاريخ فن الإلقاء يروي لنا العديد ممن كان التدريب أساس تفوقهم في هذا الميدان.
أهميته:
ولكي ندرك أهمية هذا الفن في حياتنا علينا أن نعلم أن ما من أمة من الأمم إلا وتنهض بفن التحدث والإلقاء في لغتها، وتصنع الأسس والقواعد والأصول التي تعين على ممارسة الإلقاء الناجح عبر وسائل الإعلام وبين الناس.
فقد صار فن الإلقاء وإجادة القول سبيلا من سبيل نجاح الخطيب
في خطبته، والمتحدث في حديثه والراوي في روايته، وأصبح طريقًا من طرق التغلب والسبق في دور القضاء والهيئات الدولية، والمجالس النيابية، والمحافل العامة والخاصة.
وأضحى وسيلة من وسائل الدعوة والإمامة أمام الدعاة في كل ميدان من ميادين الدعوة، وسبيلا من سبل الإفصاح عما تجيش به الخواطر وتتحدث به النفوس، ومما تتحفه الأقلام من مخزون القول ونفائس الحكم.
وهذه الدراسة سميت بفن الإلقاء ولم نقل: علم الإلقاء؛ وذلك لأن الإلقاء الجيد يعتمد أساسًا على الذوق والجمال في التعبير وإدراك أحوال المستمعين، قبل اعتماده على القواعد والقوانين، وفن الإلقاء أكثر دلالة على هذا الفن من فن الكلام أو علم الكلام، فعلم الكلام يراد به معنى الجدل وسمي أصحابه بالمتكلمين.
وهذه الدراسة تعتمد أيضًا اعتمادًا كبيرا على القواعد الدراسات العلمية الخاصة بفن الإلقاء؛ ذلك لأن القواعد تصقل الموهبة وتنمي قدراتها على الأداء وتخرج كوامنها من النفس.