الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من اختلاف الديار وتعدد الأوطان.
فالسمع أبو الملكات اللسانية كما قال ابن خلدون، وليست الكتابة إلا وسيلة ناقصة لتصوير اللغات، فيها من الرموز ما لا حاجة إليه، كما ينقصها كثير من الرموز حتى يمكن أن يكون تصويرها للغة صححيا دقيقا، ثم هي مع هذا حديثة النشأة إذا قيست بنشأة النطق الإنساني، صنعها الإنسان ولم يتقن صنعها، ولا تزال تلك الرموز الكتابية بمثابة الجسد الخامد حتى يبعث فيها النطق حياة عن طريق الإلقاء.
التلوين الصوتي وأثره في الإدراك
التلوين الصوتي يعين على الإدراك ويساعد على الفهم، ونحن نجد أن الكتابة تستخدم عدة طرق في تلوين الكتابة بألوان عدة تعين على إدراكها ومن ذلك:
1-
استخدم اللون الأحمر والأزرق والأسود.
2-
استخدام الأحرف الكبيرة والصغيرة.
- وضع خطوط تحت الكلمات المهمة والعناوين البارزة، إلى غير ذلك.
فهناك طرق عديدة نلجأ إليها في تلوين اللغة المكتوبة، فهل يمكن أن نلون اللغة المنطوقة؟
للغة المنطوقة عدة طرق يلجأ إليها المتحدث المدرك لطبيعة ما يقول، ومن أهمها: درجة الصوت وشدته ونوعه ونبرته حتى يستطيع أن يعطي صوته اللون المطلوب.
1-
درجة الصوت:
الإنسان حين ينطق بالكلمات نرى أنه لا يتبع درجة صوتية واحدة، فالأصوات التي يتكون منها المقطع الواحد قد تختلف في درجة الصوت وكذلك الكلمات، ولاختلاف درجة الصوت أهمية كبرى إذ تختلف فيها معاني الكلمات تبعا لاختلاف درجة الصوت.
والبحث عن نظام درجة الصوت وتسلسله في الكلام العربي يحتاج إلى معرفة درجات الموسيقى العربية، ذلك لأن التسلسل في درجة الصوت يخضع لنظام خاص يختلف من لغة إلى لغة.
العوامل التي تؤثر في درجات الصوت الإنساني:
القرب والبعد من مصدر الصوت:
الهواء هو الوسط الذي ينتقل فيه أو من خلاله الصوت في معظم الحالات، فخلاله تنتقل الهزات من مصدر الصوت في شكل موجات حتى تصل إلى الأذن، وسرعة الصوت كما قررها العلماء في حوالي: 332م/ ثانية.
وتتوقف شدة الصوت أو ارتفاعه على بعد الأذن من مصدر الصوت، فعلى قدر قرب الأذن من ذلك المصدر يكون وضوح الصوت.
2-
شدة الصوت:
لها أثرها في عملية تلوين الكلام، وتتوقف شدة الصوت على سعة الاهتزازة ودرجة الصوت pith كما برهن علماء الأصوات، وتتوقف على عدد الاهتزازات في الثانية، فإذا زادت الاهتزازات أو الذبذبات على عدد خاص ازداد الصوت حدة، فالصوت العميق عدد اهتزازته في الثانية أقل من الصوت الحاد.
3-
نوع الصوت:
هو الصفة الخاصة التي تميز صوتًا من صوت وإن اتحدا في الدرجة والشدة، وهكذا نستطيع أن نميز الصوت الخارج من الآلات الموسيقية رغم احتمال اتحادهما في الدرجة والشدة، وتلك هي الصفة التي تميز صوتا إنسانيا من صوت آخر، وكثير من الناس يستطيعون التمييز بين أصوات أصدقائهم في الهاتف بمجرد نطقهم ببعض كلمات.
ولذا يمكن استخدام صوتين من نوعين مختلفين لإلقاء حديث واحد، ويراعى أن يكونا مختلفين في الشدة والنبرة، وشدة الصوت الإنساني تتوقف إلى حد كبير على سعة الرئتين، ونسبة ضغط الهواء المندفع منهما، كماتتوقف أيضا على تلك الفراغات الرنانة أو ما يسمى بحجرات الرنين، التي يمر خلالها الهواء بعد الحنجرة، مثل: فراغ الحلق، وفراغ الفم، والفراغ الأنفي، وكلها تستغل في تضخيم الصوت، ومنحه صفته الخاصة به، والتي تميزه عن غيره من الأصوات، فهي أشبه بتلك الصناديق المجوفة التي تشد عليها أوتار العود، وأصوات الحنجرة وحدها ضعيفة، ولكنها تقوي بمرورها في تلك الفراغات الرنانة، واختلاف حجم هذه الفراغات بين الناس يجعل أصواتهم المختلفة متميزة، رغم أن تلك الفراغات لا تكاد تؤثر في درجات أصواتهم فقد تكون متحدة الدرجات أي أن: عدد الذبذبات في الحنجرة واحدة، ولكن مرور تلك الذبذبات خلال الفراغات يكسبها لونا خاصا بها يساعدنا على تمييز أصوات الأصدقاء من غيرها.
4-
نبرات الصوت:
تنبئ عن الشعور الداخلي، معبرة عن صاحب
الصوت، فالكائن العضوي الذي ينطق بالكلمات يتأثر بما يعتمل في صدر المتحدث من إحساس داخلي ويستطيع الإنسان أن يدرك الارتباط الوثيق بين التعبير الصادق وبين غيره من الكلمات المشوبة بالافتعال، وعدم صدق الإحساس، فالكلام المعبر ينبع عن امتلاء داخلي بالشعور، أما تلوين الكلام ظاهريا دون سند من تدفق داخلي؛ فيؤدي إلى التكلف والسطحية، والتذوق الفني عند العرب كان معينا بإلقاء الكلام وبالإحساس بما فيه.
العوامل التي تؤثر في ذلك:
1-
السيطرة على الهواء المندفع من الرئتين وتحديد نسبة ما يندفع منهما من التنفس وتنظيم هذا حسب الإرادة.
2-
مرونة عضلات الحنجرة، فعلى قدر هذه المرونة تتوقف درجة الصوت، فكلما ازدادت مرونته كثرت الذبذبات وازداد الصوت حدة.
3-
طول الوترين الصوتيين يؤثر في درجة الصوت تأثيرا عكسيا، بمعنى أنه كلما طال الوتران الصوتيان قلت الذبذبات وترتب على قلتها عمق الصوت، حتى يصل في بعض الحالات إلى ما يسميه الموسيقيون بالقرار.
4-
ولكن نسبة شدة الوترين تؤثر تأثيرا مطردا في درجة الصوت، فالصوت المنبعث من ذبذبة وترين مشدودين شدا محكما يكون صوتا حادا، كصوت المغنيات، في حين أن غلظ الوترين في الرجال يقلل من نسبة هذا التوتر، مما يجعل درجة الصوت عند الرجال عميقة؛ لأن عدد الذبذبات أقل.
وهكذا يمكن للإنسان أن يشكل في صوته وفي نغمته وفي نبرته وفي شدته وفي انخفاضه، إلى غير ذلك من الألوان التي تعينه على
التعبير وتعين المتلقي على الإدراك.
يعد الصوت جزءا له أهمية بالنسبة للكلام، ففن الإلقاء يحتاج إلى صوت مميز معين، يتصف بالقوة والنبرات الواضحة المعبرة التي تحقق الهدف من توصيل القول إلى القلوب بأبعاده وألوانه، فالصوت الإنساني هو ككل الأصوات ينشأ من ذبذبات مصدرها في الغالب الحنجرة لدى الإنسان.
الصوت الإنساني معقد إذ يتركب من أنواع مختلفة في الشدة ومن درجات صوتية متباينة، كما أن لكل إنسان صفة صوتية خاصة تميز صوته من صوت غيره من الناس، كما أن المولى أودع في صوت الإنسان القدرة على التشكيل وفقا لأغراض المعاني.
فصوت الإنسان في أثناء حديثه لا يسير وفق شدة واحدة، أو درجة واحدة أو نغمة واحدة بل هو متعدد الشدة والدرجة والنغم وهو مع هذا أيضا ذو صفة خاصة تميزه عن غيره من أصوات الناس.
وتتوقف درجة صوت المرء على سنه وجنسه: فالأطفال والنساء أَحَدُّ أصواتا من الرجال، وذلك لأن الوترين الصوتيين في الأطفال والنساء أقصر وأقل ضخامة، ويؤدي إلى زيادة في سرعتهما وعدد ذبذباتهما في الثانية.
وهذا البحث حول اختلاف درجة الصوت بالنسبة للسن والجنس بحث طويل، اختلفت فيه أقوال العلماء قديماً وحديثا، ويتكلم الإنسان فتختلف درجة صوته عند معظم المقاطع، ولكن يندر أن يكون تغيير درجة الصوت في أثناء الكلام فجائيا بخلاف الغناء.
ومن الحقائق العلمية التي تدعو إلى الدهشة والعجب أن علماء
التشريح لم يلحظوا أي فرق مادي بين حناجر النوع الإنساني، فحنجرة الإنسان ذي الصوت الذي يسحر الألباب، لا تكاد تختلف عن حنجرة العامل العادي من الناحية التشريحية، فليس في حنجرة المطرب أي عنصر مادي تمتاز به على حنجرة غيره من الناس، وإنما الفرق في الموهبة التي تظهر في التحكم والتشكيل والتلوين في الصوت وفي التنفس، فهو أقدر من غيره على تنظيم تنفسه والسيطرة على الهواء المندفع من الرئتين والقدرة على تكييفه وإخضاعه لنظام خاص في جريانه من الرئتين حتى يصدر من الفم أو الأنف، وإخضاعه لإرادتهم كما يفعل المغنون، فالمغني والمتحدث الجيد يستطيع بعد شيء من المران أن يملك زمام تنفسه وأن يحدد عدد ذبذبات الوترين الصوتيين كما يشاء، وكذلك ينوع في درجات صوته كما يوحي إليه فنه، ومن تلك الدرجات الصوتية المتباينة يكون مجموعة منسجمة من الأصوات هي التي تكون أصلح للأداء الجيد.
وإلى جانب التلوين الإنساني لصوته هناك ألوان أخرى يمكن أن يلون بها الإنسان صوته عبر وسائل الاتصال الحديثة.
ففي الإذاعة استطاع الإنسان أن يستخدم صدى الصوت Echo من التلوين، فهناك أجهزة التسجيل التي لها القدرة أن تغطي هذه النغمة المميزة، كما أنها قادرة على أن تعطي الصوت علوا وانخفاضا، هذا إلى جانب المؤثرات الصوتية على اختلاف أنواعها تعطي لونا يقترب بفن الإلقاء إلى الجو الطبيعي، مثل: استخدام أصوات الطيور والحيوانات، والطائرات، إلى غير ذلك مما يعطي للإلقاء معنى يساعد المستمع على الإدراك.