المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عذوبة النغم إلقاء الشعر يتطلب الإحساس بما في الشعر من موسيقى - فن الإلقاء

[طه عبد الفتاح مقلد]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: نشأة فن الإلقاء

- ‌مدخل

- ‌صلة فن الإلقاء بعلم التجويد

- ‌الدراسات الحديثة

- ‌التعريف بفن الإلقاء وعناصره

- ‌الفصل الثاني: الأصوات اللغوية

- ‌كيف يحدث الصوت

- ‌جهاز النطق

- ‌مخارج الأصوات: طبيعتها، أنواعها

- ‌الفصل الثالث: صفات الحروف الصفات ذوات الأضداد

- ‌مدخل

- ‌الصفات ذوات الأضداد

- ‌الصفات التي لا ضد لها

- ‌الصفات العرضية

- ‌الإظهار والإدغام

- ‌المد والقصر

- ‌الفتح والإمالة

- ‌الفصل الرابع: عيوب النطق الخلط بين الأصوات

- ‌مدخل

- ‌أخطاء السمع

- ‌عيوب صوتية

- ‌فن تشكيل الأصوات

- ‌المقاطع الصوتية

- ‌الأصوات الساكنة وأصوات اللين

- ‌الفصل الخامس: الوقف أهميته

- ‌التعريف به

- ‌أقسامه

- ‌علامات الوقف

- ‌الوقف على آخر الكلمات

- ‌همزة الوصل وهمزة القطع

- ‌الفصل السادس: إدراك الكلام أهمية السمع في الإدراك

- ‌مدخل

- ‌التلوين الصوتي وأثره في الإدراك

- ‌استخدام مكبر الصوت: الميكرفون

- ‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

- ‌الفصل السابع: إلقاء الشعر إلقاء الشاعر قصيدته

- ‌مدخل

- ‌عذوبة النغم

- ‌النبر في الشعر

- ‌القافية

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ ‌عذوبة النغم إلقاء الشعر يتطلب الإحساس بما في الشعر من موسيقى

‌عذوبة النغم

إلقاء الشعر يتطلب الإحساس بما في الشعر من موسيقى تنبع من الوزن، فللوزن قيمة كبرى في الشعر حتى عد أهم فارق بينه وبين النثر، والشعر يحلو بالموسيقى الجيدة، ويضعف شأنه إذا كانت موسيقاه غير جيدة؛ فلابد من الإحساس بنوع الموسيقى الشعرية وتنوعها ووجه ارتباطها بالمعنى حين تلقى قصيدة ما.

وجه الشبه بين الشعر والموسيقى يتجلى في: أن كلا من الموسيقى والأوزان الشعرية تتنوع أنواعًا أربعة: فالصوت يختلف عن الصوت بالطول والقصر، وأنه غليظ أو رقيق، وأنه مرتفع أو منخفض، وأنه يختلف باختلاف مصدر الصوت كعود أو قانون أو كمان، وكأوتار العود المختلفة وهذه الاختلافات الأربعة يمكن أن نراعيها في الشعر فمن النوع الأول اختلاف التفاعيل والبحور طولا وقصرًا، والحركات السكنات في متفاعلن أطول منها في مستفعلن؛ فالطويل أطول في التفاعيل من الهزج مثلا، وهذا الاختلاف له تأثير في الأذن الموسيقية والرقة ممكن أن تقابلهما بما في الشعر من حروف ضخمة، وتراكيب قوية أو حروف لينة رخوة وتراكيب ناعمة، ونرى الشعر من جهة ثالثة منه ما يتناسب مع الهدوء والسكينة، ويناسبه إنشاده في هدوء ورقة، كشعر الغزل ونحوه، ومنه ما يناسبه الشدة والبطش كشعر الحماسة، ومن ناحية رابعة نلاحظ في الموسيقى أن النغمة الواحدة إذا وقعت على الكمان ثم وقعت بنفسها على البيان كانت النغمتان مختلفتين أو على الأقل لكل

ص: 202

منها طعم غير طعم الأخرى، وهذا يقابله في الشعر القافية، فالقصيدتان قد تكونان في موضوع واحد ومن بحر واحد، ولكنهما تختلفان في القافية، فتختلفان في درلجة التأثير، وكذلك أنواع المحسنات البديعية، فنوع من البديع يكون ذا أثر أكثر من نوع آخر وهكذا 1.

ومما يزيد في حسن الشعر ويمكِّن له حلاوة في الصدر حلاوة النغمة2، بل إنها مما يضفي على إلقاء الشعر أناقة وبراعة وطرافة، فعذوبة النغم لابد من مراعاتها ليزداد بها الشعر حسنًا في حال إنشاده كما أنها تضفي على الإنشاد نفسه أناقة وبراعة وطرافة، فتتلقاه النفوس، وتنشرح له الصدور والعواطف والوجدان وتحس له بشاشة وحلاوة، بفضل ما فيه من نغم حلو.

وللشعر نواحٍ عدة للجمال أسرعها إلى نفوسنا ما فيه من جرس الألفاظ وانسجام في توالي المقاطع وتردد بعضها بعد قدر معين منها، وكل هذا هو ما نسميه بموسيقى الشعر3، ومن المعروف أن لجرس الألفاظ ضوابط ينبغي أن يحافظ عليها من يلقي قصيدة من الشعر حتى تطرب الأسماع وتوافق المقاطع في نسجه وفي معناه.

وإذا سيطر النغم الشعري على السامع وجدنا إحساسًا مماثلا عنه وانفعالا في صورة البهجة أو الحزن أو الحماس وقد يصحب ذلك هزات جسمانية لإنشاد الشعر وسماعه، وقد تكون هزات جسمانية معبرة ومنتظمة.

1 النقد الأدبي: أحمد أمين، ص: 87- 89.

2 نقد النثر: ابن قدامة، ص:90.

3 موسيقى الشعر: دكتور إبراهيم أنيس، ص:7.

ص: 203

الصوت المسموع:

القراءة بصوت مسموع تساعد على إدراك النغمة الموسيقية في الشعر وتساعد على التدريب على الإلقاء وتساعد على قرض الشعر، والأداء السليم له؛ وذلك لأن القارئ الآخذ بحظ من الآداب لا تكاد تمتعه قراءة الشعر إلا بصوت مسموع؛ ليشرك أذنه مع قلبه في هذه البهجة الفائقة، على أن الشاعر كما أعرف من تجاربي وتجارب غيري -إذا استعصى عليه الاسترسال في قرض الشعر- شرع في التغني والترنم، فسرعان ما تهتز نفسه من داخلها فيتدفق عليه القول1.

والكلام الموزون ذو النغم الموسيقي يثير فينا انتباها عجيبًا وذلك لما فيه من توقع لمقاطع خاصة تنسجم مع ما نسمع من مقاطع لتتكون منها تلك السلسلة المتصلة الحلقات التي لا تنبو إحدى حلقاتها عن مقاييس الأخرى، والتي تنتهي بعد عدد معين من المقاطع بأصوات بعينها نسميها القافية، فهي كالعقد المنظوم تتخذ الخرزة من خرزاته في موضع ما، شكل خاصًّا وحجمًا خاصًّا ولونًا خاصًّا، فإذا اختلفت في شيء من هذا أصبحت نابية غير منسجمة مع نظام هذا العقد2.

الشعر يثير المشاعر:

وعلى من يلقي الشعر أن يتذكر أن الشعر بما فيه من خصائص بأوزانه وقوافيه، وبما يتخيرون من ألفاظ تكون أثبت على إثارة المشاعر، وكذلك حين نضعها في قوالب خاصة نميزها من القوالب العديدة والتراكيب اللغوية المختلفة.

1 الشعراء وإنشاد الشعر: علي الجندي، ص:33.

2 موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس، ص:11.

ص: 204

لأن الشعر يخاطب العواطف مباشرة؛ وذلك لما عند الشاعر من قوة إلهام، وقد يشمل الكلام المنثور على نوع من الموسيقى نشعر بعه عند الإلقاء من توالي النغمات الصوتية المتجانسة تنتهي بها فقرات تعرف بالسجع، وخاصة عندما يلتزم فيها طول معين متتابع، ولكن هذا النوع من الموسيقى يكاد يكون محدودًا في النثر إذا قيس بما يوجد في الشعر، إذ إن موسيقى الشعر من أرق الصور الموسيقية للكلام، ونظامها لا يمكن الخروج عنه حتى يأتي في نظام من التراكيب منجسم الأجزاء.

بما أن الشعر هو الكلام الموزون المقفى المعبر عن الأخيلة البديعية الصور المؤثرة البليغة، وهو أيضًا يخاطب الوجدان، لذلك فإنه يحتاج إلى إلقاء خاص يميزه عن غيره من الإلقاءات.

وإلقاء الشعر بطبيعته يحتاج إلى ملقٍ متمرس، ولابد له من أن يفهم معنى القصيدة كاملا ويحيط برويها وبحرها وكلماتهاومفرداتها ومعانيها، بمعنى أنه يجب على من يلقي الشعر أن يكون ملمًّا بفهم القصيدة والمناسبة التي ألقيت فيها، فالشعر تختلف معانيه، فإلقاء القصيدة في الرثاء على خلاف إلقاء قصيدة في الحكمة والنظر إلى هاتين القصيدتين كدليلين على ذلك، يقول البارودي في رثاء زوجته:

يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ

كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي

إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا

أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي

ولننظر أيضًا إلى قصيدة أبي العلاء المعري التي يقول فيها:

ص: 205

صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْ

بَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ

خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ ال

أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ

وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْ

دُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ

ولو نظرنا إلى هذه القصيدة في الغزل:

وَدَّعَ الصَبرَ مُحِبٌّ وَدَّعَك

ذائِعٌ مِن سِرِّهِ ما اِستَودَعَك

يا أَخا البَدرِ سَناءً وَسَناً

رَحِمَ اللَهُ زَماناً أَطلَعَك

إِن يَطُل بَعدَكَ لَيلي فَلَكَم

بِتُّ أَشكو قِصَرَ اللَيلِ مَعَك

فالشعر بطبيعته يختلف في إلقائه وذلك حسب ما تمثله مناسبة القصيدة وحسب ما تحمله من العبارات والجمل والأخيلة والصور البديعية التي تضفي على القصيدة ثوبًا من الجمال، ويزيد جمالها لو ألقاها أحد الملقين المتمرسين وأعطاها حق إلقائها من النبر والوقف والتقطيع وراعى في كل أبياتها حركة حرف الروي.

وتختلف النغمة الموسيقية في الإنشاد وفقًا لاختلاف المعنى، فالاستفهام له نغمة تختلف عن نغمة التعجب وكذلك الإنكار، فإلقاء الشعر يراعى فيه المعنى، بل ينبغي أن تكيف النغمة وفقًا لطبعية المعنى في البيت الواحد أو في مجموعة من الأبيات، وينبغي أن ينوع في صعود النغمة وهبوطها حتى ينتهي المعنى وقد هبط الصوت إشعارًا بانتهاء المعنى، وقد تقسم القصائد إلى مقاطع كل مقطع يشمل على مجموعة من الأبيات يمكن أن تستقل كل منها بمعنى، وقد يتكون المقطع من بيتين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر، وينشد الملقي المقطع وفق النغمة التي تؤدي المعنى حتى نهاية المقطع ويتوقف عن الإلقاء قليلا ليوحي للسامع أن المعنى قد انتهى، فتستريح أذنه لتنتبه إلى المعنى الثاني للمقطع

ص: 206