الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يليه، وقد يحتاج المعنى الواحد في المقطع إلى التنوع في النغم والهبوط والصعود بالصوت وفقًا للمعنى المراد، كما أن الشعر ينقسم إلى شعر قصصي، وشعر تمثيلي، وشعر غنائي، وشعر تعليمي، وشعر الطبيعة، وشعر الإنسانية.
وفي كل هذه الأقسام يجب أن تكون هناك ملاءمة به بين الفكرة والتعبير عنها، فإلقاء كل قسم من هذه الأقسام يتميز بما يناسبه من الأداء الذي يتمشى مع الفكرة وما يراد منها.
النبر في الشعر
نبر الشعر يخضع لنفس القواعد التي يخضع لها النثر، غير أنه حين تلقي الشعر تزيد من الضغط على المقاطع المنبورة، وبذلك يطول زمن النطق بالبيت من الشعر فالمرء عادة يستغرق في إنشاد بيت من البحر الطويل ما يقرب من عشر ثوانٍ، في حين أنه إذا قرأه كما يقرأ النثير ينقص هذا الزمن إلى ما يقرب من ثلثه أو نصفه، ويظهر طول المقطع المنبور في الشعر عنه في النثر بصورة أوضح إذا اشتمل على حرف مد، ففي قول المتنبي:
بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا
…
وَبُكاكَ إِن لَم يَجرِ دَمعُكَ أَو جَرى
نلحظ أننا عند إنشاد هذا البيت، نطيل ألف المد في كلمات
باد، وهواك، وبكاك، وهي في كل كلمة من هذه الكلمات موضع النبر أكثر من قدرها حين تقع في كلام منثور أو حين يقرأ البيت كما يقرأ النثر1.
الصنعة الشعرية:
والإحساس بالصنعة الشعرية تعين على الإلقاء الجيد والأداء الواعي لطبيعة هذا الفن وما فيه من صناعة ينبغي إظهارها، وتشمل الصنعة الشعرية الوزن والقافية والأسلوب الشعري.
فالوزن في الشعر العربي هو ما يسمى بالبحور، ونظام المقاطع وتتابعها وترتيبها هو ما يسمى بالتفاعيل، وللوزن علاقة كبيرة بالموضوع، فمن الموضوعات ما يناسبه البحر الطويل، ومنها ما يناسبه البحر الخفيف وهكذا.
أما القافية فعامل له أثره في الشعر فهي تزيد في موسيقاه ولذلك تزيد النغمة فيه، إن الشاعر يخاطب مباشرة المشاعر التي في نفوسنا، وإن استمتاعنا الحقيقي بالشعر يتوقف على حدة إدراكنا الخيالي واستجابتنا للعاطفة الشعرية، وإدراكنا لما فيه من صنعة تكمن في التصريع وحسن المطلع والمقطع.
التصريع في قصائد الإنشاد:
يقع التصريع في أثناء القصيدة بعد التصريع في أولها وهو دليل على قدرة الشاعر وسعة بحره وقوة طبعه، وأكثر الشعراء ولوعًا بذلك امرؤ القيس الذي قال:
1 موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس، ص:166.
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِل
…
بِسِقطِ اللِّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَومَلِ
ثم قال:
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَّويلُ أَلا اِنجَلي
…
بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ
والتصريع في حقيقة ليس إلا ضرب من الموازنة والتعادل بين العروض والضرب يتولد منه جرس موسيقى.
وهو لذلك من أمس الحلى البديعية بالشعر، وأقربها إليه نسبيًّا وأوثقها به صلة وإنك لتهش لقول المتنبي إذا يقول:
مَغاني الشَّعبِ طيبًا في المَغاني
…
بِمَنزِلَةِ الرَّبيعِ مِنَ الزَمانِ
فهذا التصريع الذي يشبه مقدمة موسيقية خفيفة قصيرة تلهب إحساسنا وتهيئنا لاستماع قصيدته وتدلنا على القافية التي اختارها، وتدل على براعة المطلع، وبراعة الاستهلال وقد كان ابن العميد يقول: إن حسن الشعر في المطلع والمقطع.
حسن المطلع:
فأما حسن الابتداء، فهو أول ما يقرع أذن السامع، فينشرح له صدره وتهتز له نفسه ويشعر له بأريحية وبهجة فيتشوق لما يأتي بعده وينساق إلى الإصغاء إليه طواعية واختيارًا، ولاسيما إذا كان الافتتاح مصورًا لجو القصيدة مترجمًا عنها، وقد أحسن من يلقيه أداءه، وأحس بما فيه من روعة وبراعة في الاستهلال.
ومن المطلع الحسن قول امرئ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِل
…
بِسِقطِ اللِّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَومَلِ
وهو كما ذكر الأقدمون أفضل ابتداء صنعة شاعر، وكان أبو تمام فخم الابتداء له روعة وعليه أبهة والغالب عليه نحت اللفظ وجهارة الابتداء كقوله:
الحَقُّ أَبلَجُ وَالسُّيوفُ عَوارٍ
…
فَحَذارِ مِن أَسَدِ العَرينِ حَذارِ
والشعراء في كل ذلك لا يخاطبون الناس أنفسهم بطريق التجريد المعروف عند البلغاء، والمخاطبون يعرفون ذلك تمام المعرفة ولكنهم لا يستطيعون احتمال هذه المواجهة.
حسن المقطع:
أن يراعي الملقي حسن المقطع ويسمي أيضا حسن الخاتمة- أي ختام القصيدة- فإنه لا يقل أهمية عن المطلع بل ربما فاقه؛ لأن به يكون الحكم على القصيدة، وهو أشبه بالحلواء التي يختم بها الطعام.
اختيار البحور المناسبة:
لا ريب أن لبحور الشعر وأوزانه أثر في الإلقاء وقوة الأداء وموسيقى العبارة، وكان ابن العميد يرى أن علي الشاعر أن يتخير للمعنى الذي اعتمده وقصده أحسن وزن يلائمه وأحسن قافية له؛ ذلك حتى يتفق مع طبيعة صوته ومقدرته على الأداء، ولذا ينصح بعضهم من يلقي الشعر: أن يختار البحور التي توائم صوته قوة وضعفًا، فالشاعر الطاعن في السن والشاعر الضعيف الجسم والشاعر الخفيض الصوت، والشاعر المريض بأمراض الصدر كالربو والنزلات الشعبية وغيرها، يعجزهم أن ينشدوا من البحر الطويل أو البحر البسيط لطولهما الذي يجعلها أشبه
شيء بالخطبة حتى ليحتاج المنشد لها أن يلتقط أنفاسه عقب كل بيت1.
فإذا نظرنا إلى البحرالطويل والبحر البسيط، فسنرى أنهما أكثر البحور طولا لا يستطيع أن يؤديها أداء حسنا إلا ذو نفس طويل، وصدر قوي عريض وحنجرة ضخمة، تبعا لطبيعة المقاطع الصوتية التي يتكون منها البحر.
فالطويل يتكون من:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيل
…
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيل
والبحر البسيط يتكون من:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
…
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وخير لمن لم يرزق موهبة الصوت الطويل أن يلجأ إلى البحور المتوسطة الطول: كالكامل والرجز والوافر والخفيف أو القصيرة: كالرمل والمتقارب والمجتث أو المجزوءات.
ولا شك أن هناك صلة بين المعاني والأعاريض الشعرية، فمن المعاني ما يحتاج إلى نفس طويل؛ لما يحمل من معانٍ جاءت جياشة، ومنها ما هو رقيق هادئ، أو راقص، فيجب أن يصاغ في التفاعيل التي تناسبه مبنى ومعنى، فالبحر الطويل حين النظر إليه، نرى أنه قد نظم فيه القدماء كثيرا من أشعارهم، فهو يتسع لكثير من المعاني فيصلح للفخر
1 الشعراء وإنشاد الشعر: علي الجندي، ص:100.
والحماس والرثاء والوصف والشكوى.
وكذلك الكامل يصلح لأكثر الموضوعات وهو في الخبر أجود منه في الإنشاء وأقرب إلى الرقة؛ لذلك يصلح لقص الأخبار والمعاني التقريرية، والخفيف أخف البحور على الطبع وأحلاها للسمع، ويشبه الوافر لينا، ولكنه أكثرسهولة وأقرب انسجاما؛ ولذا إذا جاء نظمه رتبا سهلا ممتعا، لقرب الكلام المنظوم فيه من القول المنثور، في تصريف المعنى.
العلة في تسمية البحور:
وإذا نظرنا إلى العلة في تسمية البحور ترى أنها لم تأت إلا وهي مشتقة من صفاتها وطبيعتها وإلقائها، فلقد أدرك القدماء ذلك.
فحين سأل الأخفش الخليل بن أحمد بعد أن صنع العروض، لم سميت الطويل طويلا؟ قال: لأنه طال بتمام أجزائه.
قلت: فالبسيط؟ قال: لأنه انبسط عن مدى الطويل، وجاء وسطه فعلن وآخر فعلن.
قلت: فالمديد؟ قال: لتمدد سباعيه حول خماسيه.
قلت: فالوافر؟ قال: لوفور أجزائه وتدًا بوتد.
قلت: فالكامل؟ قال: لأن فيه ثلاثين حركة، لم تجتمع في غيره من الشعر.
قلت: فالهزج؟ قال: لأنه يضطرب، شبه بهزج الصوت.
قلت: فالرجز؟ قال: لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام.