المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اللغة المنطوقة والمكتوبة - فن الإلقاء

[طه عبد الفتاح مقلد]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: نشأة فن الإلقاء

- ‌مدخل

- ‌صلة فن الإلقاء بعلم التجويد

- ‌الدراسات الحديثة

- ‌التعريف بفن الإلقاء وعناصره

- ‌الفصل الثاني: الأصوات اللغوية

- ‌كيف يحدث الصوت

- ‌جهاز النطق

- ‌مخارج الأصوات: طبيعتها، أنواعها

- ‌الفصل الثالث: صفات الحروف الصفات ذوات الأضداد

- ‌مدخل

- ‌الصفات ذوات الأضداد

- ‌الصفات التي لا ضد لها

- ‌الصفات العرضية

- ‌الإظهار والإدغام

- ‌المد والقصر

- ‌الفتح والإمالة

- ‌الفصل الرابع: عيوب النطق الخلط بين الأصوات

- ‌مدخل

- ‌أخطاء السمع

- ‌عيوب صوتية

- ‌فن تشكيل الأصوات

- ‌المقاطع الصوتية

- ‌الأصوات الساكنة وأصوات اللين

- ‌الفصل الخامس: الوقف أهميته

- ‌التعريف به

- ‌أقسامه

- ‌علامات الوقف

- ‌الوقف على آخر الكلمات

- ‌همزة الوصل وهمزة القطع

- ‌الفصل السادس: إدراك الكلام أهمية السمع في الإدراك

- ‌مدخل

- ‌التلوين الصوتي وأثره في الإدراك

- ‌استخدام مكبر الصوت: الميكرفون

- ‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

- ‌الفصل السابع: إلقاء الشعر إلقاء الشاعر قصيدته

- ‌مدخل

- ‌عذوبة النغم

- ‌النبر في الشعر

- ‌القافية

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

الميكرفون القلبي، وهو يجمع ما بين الاثنين يعطي صورة صوتية للمكان.

وهذا التعدد يضع فرصة لاختيار ما يتناسب وطبيعة الصوت وطبيعة المكان، ووضع المتحدث أمام الميكرفون. ويعمل الآن مهندس الصوت على اختيار أحس هذه الأنواع لكي تتلاءم مع طبيعة الإلقاء الجيد، ويتناسب مع من يتحدث أمام مكبر الصوت.

ص: 186

‌اللغة المنطوقة والمكتوبة

لغة الكتابة تختلف عن اللغة المنطوقة اختلافًا بينًا، فعندما نخط هذه اللغة على الورق فإنما نخطها على أسطر مستقيمة، وقد تلون بأسطر بارزة أو أحرف كبيرة أو ملونة، ومهما كان الأمر فهذه الكتابة هي أسطر تتقطع إلى وحدات متفرقة تسمى الكلمات، وهذه الكلمات والحروف التي تتكون منها الكلمات، وعلامات الترقيم التي تفصل بين الفقرات التي تضم مجموعة من الجمل، والفقرات هي في الحقيقة رموز بصرية للتعبير عن الأصوات المنطوقة.

فاللغة التي نتعلمها في مدارسنا وجامعاتنا تهتم بالجانب المكتوب، وتعطي الاهتمام الكبير له دون عناية بالجانب المنطوق أو صلته بالجانب المكتوب.

وفن الإلقاء كما أنه يعتمد على الارتجال يعتمد كذلك على قراءة الكلمات المكتوبة، وهنا نسأل هل الكلمات المنطوقة تعبر تعبيرًا وافيًا في ذاتها يعين على الأداء السليم؟

والحقيقة أن اللغة المكتوبة تختلف عن اللغة المنطوقة من ناحية الكم، ففي اللغة العربية نجد أن الأصوات المنطوقة أكثر من الأحرف

ص: 186

المكتوبة وتلك ظاهرة عامة في كل اللغات.

ففندرس يقول: لسنا في حاجة إلى القول بأننا لا نستطيع إحصاء الأصوات في لغة ما، بعدد الحروف الموجودة في أبجديتها، فكل لغة فيها من الأصوات، أكثر مما في كتابتها من العلامات، تلك حال الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية1.

فحين النطق بحروف اللغة نجد أن الكتابة وسيلة ناقصة لتسجيل أصوات اللغة ويرجع هذا النقص في أن الأبجديات المختلفة قد قامت على أساس الرمز لكل فونيم برمز كتابي معين يدل على جميع أفراد عائلة الفونيم. ولم تخصص هذه الأبجديات رموزًا معينة لفروع الفونيمات المتعددة وهذه إحدى عيوب تسجيل اللغة بالكتابة2.

ومن ناحية الدلالة يرى علماء اللغة أن الكتابة لا يمكن أن تستقل بأداء الدلالة الكاملة للقيم الصوتية المعبرة عنها في لغة ما، بل لابد من اللجوء إلى القرائن الأخرى لتحديد المقصود بالرموز المكتوبة والتعود عليها حتى يزال ما يشوبها من غموض.

ويرفض: دوسوسور، شهادة الكتابة على الواقع اللغوي، ويرى أن الكتابة العرفية كثيرًا ما تقود إلى الخطأ والضلال، وأنه لا يعصم من هذا الضلال إلا أن تكون الكتابة مفسرة، ومحددًا المراد منها بواسطة ما قدمه المعاصرون لها من شروح وأوصاف3.

ولهذا لابد من اللجوء إلى القرائن الأخرى لتحديد المقصود

1 كتاب اللغة: لفندرس، ص:62.

2 انظر: المدخل إلى علم اللغة، ص: 83- 88.

3 في علم اللغة العام، ص: 61، 62.

ص: 187

بالرمز الكتابي، وإزالة ما يمكن أن يحدثه من غموض، إذن فانطباق الرمز الكتابي على الرمز الصوتي أمل كبير لكل متحدث باللغة متى يجد القارئ بين يديه وسيلة من رموز كتابية تنفي كل غموض، ولكن الرموز الكتابية غير كافية لأدائها من واقع الكتابة.

ولابد من اتخاذ بعض المواقف في مواجهة الصيغ المكتوبة والتعود على طريقتها حتى يمكن أن تقرأها قراءة صحيحة وتُؤدى الأداء السليم.

فنحن نقرأ بطريقتين:

1-

الكلمة الجديدة أو قليلة الاستعمال يتهجاها القارئ حرفًا بعد حرف حتى يمكن نطقها نطقًا سليمًا.

2-

الكلمة المألوفة المستعملة يدركها القارئ من أول وهلة بصرف النظر عن الحروف التي تتألف منها.

ولهذا لابد من أن يتعود الإنسان على الرموز الكتابية، ومن ذلك رسم المصحف قد نجده يختلف عن الرسم الحديث، ومن هنا قد نجد صعوبة في نطق بعض الكلمات مثل الصلاة: الصلوة، والزكاة: الزكوة، مما يجعل من الصعب أداؤها من واقع الكتابة أداء صحيحًا ولابد من التلقي من فم القارئ وكذلك الكلمات: الحيوة، أي: الحياة، يبنؤم أي: يا ابن أم.

وقد تختلف الكلمة المكتوبة في شكلها باختلاف علاقاتها بما بعدها مثل الأفعال المعتلة بالألف مثل: رمى، سعى، يسعى، يخشى. والكلمات مثل: ذكرى، صغرى، كبرى، ترسم جميعها بالياء وإن كانت تنطق بالألف.

ص: 188

وإذا اتصلت بضمير مضاف أو مفعول به رسمت بالألف مثل رماه يخشاه، ذكراه، بل إن هناك كلمات لا تساعدنا الحروف المكتوبة بها على نطقها النطق السليم، مثل: يس، طه، عمرو.

فمعرفتنا برموز الكتابة لا تساعد في بعض الأحيان على تهجيها والعكس صحيح، فإن تهجيها وسماعها يساعد على نطقها، والأمثلة في اللغات العالمية أكثرمن أن تحصي، ففي اللغة الإنجليزية مثل: The teacher وغيرهما مما تنطق بخلاف ما تدل عليه الحروف الكتابية، وكذلك حرف C مثل مدينة City، ويستطيع Can فإنه ينطق بطريقتين.

كذلك عجز الكتابة عن تسجيل الظواهر النطقية العامة مثل:

1-

النبر وما يحمل من دلالات لها أثرها على المعنى المراد.

2-

والتنغيم من حالات الإنكار والاستفهام والنفي والتحسر، إلى غير ذلك، مما له دلالات مباشرة في الإلقاء.

3-

وكذلك التعبير عن الحالة الاجتماعية والفكرية والنفسية، وغيرها، فإن النطق بها يستطيع توضيحها بطريقة تعجز عنها الكتابة.

خصائص الكلمة المنطوقة:

الكلمة المنطوقة لها خصائص تختلف عن الكلمة المكتوبة، وهذه الخصائص لها أثرها في طبيعة المادة المراد إلقاؤها، بل يتوقف عليها الجزء الكبير لنجاح عملية الإلقاء في حد ذاتها، ومن الواضح أن الكلمة تخضع لمفاهيم كثيرة وذلك حسب نوعيتها واللغة التي كتبت بها، فهناك نوعيات شعرية تختلف وطبيعة كلماتها عن الشعر الحماسي مثلا أو العاطفي أو الغزل، وكلا منها يحتاج إلى نبرات خاصة وطريقة أداء

ص: 189

معينة، ولكي يتم ذلك لابد أن نتناول خصائص الكلمة المنطوقة التي تمثل الجزء الكبير لفن الإلقاء.

وأولى الخصائص التي تتميز بها الكلمة المنطوقة وهي درجة الوضوح، ذلك لأن وضوح الكلمة في النص المكتوب ينبغي أن يكون وفق مفاهيم مقصودة من قبل الكاتب ومن يقوم بإلقائه، وأن تكون سهلة مفهومة غير مبهمة، وأن تكون بعيدة عن اللغة العامية، قريبة من تداولنا ومفهومنا لها، ذلك حتى تصل بينة فلا تحتاج إلى أمور أخرى توضيحية.

ووضوح الكلمة أيضًا يتطلب أن تكون الألفاظ واضحة بينةً وليست بغريبة في الاستعمال، كما أن تكون الألفاظ حلوة في الفم سهلة على النطق غير مستثقلة ولا مستكرهة.

وأن تكون كل لفظة من الألفاظ في النص المقروء ملائمة لأختها التي تليها غير نافرة عنها ولا مباينة لها، كما أنه لا يكون في الألفاظ تقديم أو تأخير يستغلق به المعنى، فيجئ نظم الكلام في الإلقاء مضطربًا.

وينبغي الحرص على الأوصاف المتعلقة بالألفاظ الفصيحة والتي متى عري الكلام المنظوم والمنثور منها لم يكن فصيحًا، وإن عري عن شيء منها نقص منه جزء من الفصاحة.

فالوضوح يقوم بدور الإفهام والتفهم، والمعنى الجيد قد يكون جيدًا في ذاته قويًا لكن إذا وضع في أسلوب غامض أو ضعيف أو سمج لم يستطع الناس إدراكه على اختلاف مداركهم، فالوضوح من أهم عناصر أسلوب فن الإلقاء عمومًا.

وفن الإلقاء يتطلب الكلمة ذات الوضوح المتسلسل تسلسلا منطقيًّا،

ص: 190

فتوضع المقدمات قبل النتائج والمعاني الأساسية قبل المعاني الفرعية، على أن تؤدي بعضها إلى بعض، حتى لا يكون بينها فجوات، تضطر إلى عناء في استيعابها فحسن تأليف الكلام يزيد المعنى وضوحًا.

والتفاضل بين البلغاء إنما يكون بالتفاضل في توضيح المعاني على حسب وضوحها في أذهانهم وكلام يُعد أبلغ من كلام إذا كان واضحًا في المعنى وأجلى في البيان.

ومن أهم الخصائص التي تتميز بها الكلمة في فن الإلقاء هي الإيجاز:

إن اختيار الكلمات المناسبة التي تحوي المعاني العديدة جدير بأن تكون عنوانًا على النصوص الجيدة للكلمة المقروءة، والتي يأتي الإيجاز فيها بصورة لا تتعارض مع المعاني، وإلا يكون الترادف سبيلا إلى ملل المستمع، فالإيجاز مطلوب للمعاني الكبيرة المتناسقة في الألفاظ المعبرة تعبيرًا ملائمًا عنها في جمل قصيرة تتلائم مع طاقة الأذن.

فالجمل القصيرة أفضل بكثير من الجمل الطويلة، فالمستمع يستوعب الجملة القصيرة بسهولة إذا صيغت صياغة وافية بالغرض، والجمل الطويلة المعقدة تسبب ارتباكًا أكثر للمستمع عمومًا.

وإذا جاءت الجمل الطويلة فيبنغي أن تقسم إلى جمل قصيرة باستخدام أدوات الربط مع إدراك أن التنوع في طول الجملة له أهميته في دفع الملل عن المستمع.

ومن أهم الخصائص التي تتميز بها الكلمة في فن الإلقاء هي صدق الكلمة:

إن صدق الكلمة ينفذ إلى القلوب وليس إلى الأسماع

ص: 191

فقط، إننا في حاجة إلى الكلمة الصادقة، والحقيقة التي تدخل نفوسنا لها اعتبارات تتعلق بالناحية النفسية، وتريحها من عناء التفكير الطويل في إدراك الأمور على طبيعتها بصدق وأمانة.

الكاتب يجب أن يضع نصوصه بأمانة وإحساس صادق فالصدق في الكلمة يعين كل إنسان يلجأ إلى الأسلوب الناجح في فن الإلقاء، حيث يحتاج كلمة الصدق؛ لتتفتح إليها قلوب وأذهان من حوله ويصغي إليه في شغف.

ويعتبر الصدق من أهم المعايير التي يقاس به نجاح العمل الإعلامي، ويبرز الصدق في قالبه الإيجابي إذا ما توافرت الثقة بين الإلقاء ومستقبليه.

كما أن إلقاء الكلمة يختلف وفق اختلاف أجناس الكلام، فإلقاء الشعر غير إلقاء النثر، ولذا ينبعي أن نتعرف على كيفية إلقاء الشعر.

ص: 192