الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحين يتكلم الإنسان نلاحظ أنه يقوم بحركات خاصة لفكه الأسفل وشفتيه ولسانه، فينتج من ذلك حركات لنطق الأصوات والكلمات ملونة بألوانها الصوتية الخاصة، وهذا ما اصطلح العلماء بتسميته بالأصوات اللغوية لما تحمله من دلالة أو معنى.
ومن هنا ندرك أن الصوت اللغوي له جانبان:
أحدهما عضوي، والآخر نَفَسِي، أو بعبارة تتردد وهي أن أحدهما يتصل بعملية النطق، والثاني يتصل بصفته.
وعملية النطق تحدث في أي نقطة داخل الجهاز الصوتي أي في مكان ما بين الشفتين والأوتار الصوتية، وحين النظر في الأصوات والمقاطع التي تنطقها، هي تأثيرات صوتية طبيعية تستقبلها الأذن، ولكن الأصوات ما كانت لتوجد دون أعضاء النطق عبر جهاز أحكمه الباري سبحانه وتعالى.
ولقد أوضح لنا اليوم علم التشريح أعضاء النطق توضيحًا بينا وكشف عن حكمة الله البالغة في هذا الجهاز الصوتي الدقيق المعجز، والذي يتكون من ستة عشر عضوًا، أو نقطة من نقاط الصوت البشري.
جهاز النطق
جهاز النطق البشري يتكون من مجموعة من الأجهزة ترتبط بعضها ببعض وقد تعاونت كل نقطة مع الأخرى في حيز من الجهاز الصوتي، أو تشابك بعضها مع بعض لتؤدي صوتًا معينًا له مغزاه.
وإذا نظرنا نجد أن الحروف تختلف باختلاف مقاطع الصوت حتى شبه بعضهم الحلق والفم بالناي؛ لأن الصوت يخرج منه مستطيلا ساذجًا، فإذا وضعت الأنامل على خروقه، ووقعت المزاوجة بينهما سمعت لكل حرف منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا وقع الصوت في الحلق والفم بالاعتماد على جهات مختلفة، سمعت الأصوات المختلفة التي هي الحروف 1.
ثم ينتقل الصوت خلال الهواء الخارجي على شكل ذبذبات أو موجهات صوتية إلى الأذن.
وجهاز النطق: Organs of speech في الإنسان عبارة عن أعضاء محدودة الحجم محدودة الأوضاع ينتج عن تشغيلها مجموعة من الأصوات، كما هو واضح في الصورة.
ويتكون جهاز النطق من:
1-
الحنجرة.
2-
الأوتار الصوتية.
3-
لسان المزمار.
4-
الفك السفلي.
5-
طرف اللسان.
6-
مقدمة اللسان.
7-
مؤخرة اللسان.
8-
الأسنان العليا.
9-
الأسنان السفلى.
1 سر الفصاحة: لابن سنان الخفاجي، ص:26.
10-
الجدار الخلفي للحلق.
11-
اللهاة.
12-
اللثة.
13-
الطبق.
14-
الغار.
15-
الشفتان: الشفة السفلى، والعليا.
16-
فتحة الأنف.
1-
الحنجرة Larynx
الحنجرة تقع في قمة القصبة الهوائية وهي عبارة عن صندوق غضروفي متصل بالطرف الأعلى للقصبة الهوائية، والحنجرة لها دورها البارز في عملية إخراج الصوت وسلامتها هي سلامة لكل الحروف، وليس للحروف التي تخرج منها فقط ولكن لبقية الحروف، فهي التي تساعد على إحداث الاهتزاز الصوتي عبر الأحبال الصوتية.
والحنجرة ما هي إلا فتحات أو حجرات متسعة نوعًا ما، ومكونة من ثلاثة غضاريف: الأول أو العلوي ناقص الاستدارة من الخلف وعريض وبارز من الأمام، ويعرف الجزء البارز منه بتفاحة آدم.
أما الفراغ الذي بين الوترين فيسمى بالمزمار، وفتحة المزمار تنقبض وتنبسط وفقًا لطبقة الصوت وذلك وفق نسبة شد الوترين واستعدادها للاهتزاز
وللمزمار غطاء يسمى لسان المزمار وهو صمام يحمي طريق النفس في أثناء عملية بلع الطعام.
منظر أمامي للحنجرة والقصبة الهوائية
منظر خلفي للحنجرة والقصبة الهوائية
وأمامك منظر أمامي تتكون منه الحنجرة والقصبة الهوائية ومنظر آخر خلفي لها، ويوصف الصوت القوي لقوة الحنجرة وضعفه بضعفها والتجاويف فوق المزمارية تقوم بدور حجرات الرنين وفيها تتم معظم أنواع الأصوات التي تستعمل في الكلام.
وأعضاء التنفس لها دور في عملية النطق وذلك بدفع الهواء اللازم لذلك، وهي تشمل الرئتين والقصبة الهوائية، أما الرئة فهي جسم مطاط قابل للتمدد والانكماش، ولا يستطيع الحركة بذاته، ومن ثم فهو في حاجة إلى محرك يدفعه للتمدد والانكماش، وهذا المحرك هو الحجاب الحاجز من ناحية والقفص الصدري من ناحية أخرى، والرئتان مخزن للهواء بحسب حركة الحجاب الحاجز.
وأما القصبة الهوائية فهي أنبوبة تتكون من غضاريف على شكل حلقات غير مكتملة من الخلف متصل بعضها ببعض بواسطة نسيج مخاطي كما هو واضح في الصورة.
وتنقسم من أسفلها إلى فرعين رئيسيين هما الشعبتان اللتان تدخلان إلى الرئتين.
2-
الأوتار الصوتية:
الأوتار الصوتية أهم عضو في الجهاز النطقي، وهما ليسا في الحقيقة وترين، وعلى هذا فالكلمة وتر أو chord ليست دقيقة، إذ إنها في الحقيقة شفتان Lips أو شريطان -مربوطان- من العضلات يتصل بها نسيج، وهما يقعان متقابلين على قمة القصبة الهوائية ومثبتان، وعند نهايتهما من الأمام تفاحة آدم، بحيث يتاخم كل منهما الآخر ولكنهما قابلان للحركة أفقيا من الخلف، حيث يتصلان بغضاريف
النسيج الخلفي الهرمي، كما هو واضح في هذا الشكل.
رسم تبسيطي للوترين الصوتيين وهما مفتوحان.
ويمكن للحنجرة أن تتحرك إلى فوق وتحت وأمام وخلف، والحركة إلى أعلى وأسفل مهمة جدًا في النطق؛ لأنها تغير من شكل وحجم الرئتين، فتؤثر على نوع الرنين الحنجري وطبيعة الصوت.
وحركة الأوتار الصوتية معقدة، ولكن التصوير السريع أعطانا فكرة عن هذه الذبذبات وجهاز قياس سرعة التردد قد استخدم في رصد حركة الأوتار وذبذبتها، وقد وجد أن معدل التذبذب للأوتار الصوتية يتفاوت بين 60 و 70 دورة في الثانية لأخفض الأصوات الرجالية وبين 1200 و 1300 لارتفاع الصوت الموسيقى.
ومتوسط الذبذبات للرجل بين 100و 150 وللمرأة بين 200و
300، والأوتار الصوتية عند الرجل أطول وأغلظ منها عند المرأة.
في الحنجرة توجد الأوتار الصوتية وهي وتران اثنان على شكل نصف دائرة، وهما كما هو واضح في الصورة رباطان مرنان يشبهان الشفتين يمتدان أفقيا.
إذا امتد الوتران أغلقا فتحة الحنجرة ومنعا الهواء الرئوي من المرور ولهما القدرة على اتخاذ أوضاع تؤثر في الأصوات هي:
1-
وضع الارتخاء التام: وهو وضع التنفس العادي.
2-
وضع الذبذبة: وهو الذي ينتج نوعًا من الأصوات يسمى بالأصوات المجهورة.
3-
وضع الامتداد وقفل الهواء وهو الوضع الذي ينتج الهمزة في اللغة العربية.
ولمعرفة حجرات الرنين وأماكنها يمكن أن ننظر إلى هذه الصورة.
حجرات الرنين الأربعة الرئيسية في الجهاز النطقي.
الجوف:
ويقصد به جوف الحلق والفم، أو الخلاء الداخل في الفم.
الحلق:
وهو الذي يقع بين الحنجرة والفم، ويقسم إلى ثلاثة أقثسام هي:
1-
أقصى الحلق.
2-
وسط الحلق.
أدناه أو أقربه.
منظر أمامي للحلق
ويتضح فيه الغضروفان المدرقيان
والحلق إلى جانب أنه مخرج لبعض الأصوات اللغوية فهو فراغ رنان يعمل على تضخيم بعض الأصوات بعد خروجها من الحنجرة، ومدح العرب سعة الفم؛ لأن سعة الفم تعين على قوة الصوت ولهذا كانوا يمدحون الجهير بالصوت، ويذمون الضئيل الصوت، ولهذا أخذوا يتشدقون بالكلام مادحين سعة الفم، ذامين صغر الفم أو ضيقه.
وسألوا عن الجمال، فقال بعضهم: القامة وضخم الهامة ورحب الشدق وبُعْد الصوت.
3-
اللسان:
هو أهم أعضاء النطق، وهو عضو يتميز بالحركة والمرونة ويستعمل في كثير من اللغات بمعنى اللغة {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم: 97] {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين} [الشعراء: 195] .
ويقسم إلى أربعة أقسام هي:
1-
أقصاه.
2-
وسطه.
3-
وحافته.
4-
وطرفه.
وهو يحتوي على عدد كبير من العضلات التي تمكنه من التحرك والتلوي والانكماش، وامتدح اللسان وذم اللسان لما له من مقدرة على القول الفصيح والعِيِّ في القول، ولمعرفة أهمية اللسان ننظر إلى قول حسان بن ثابت حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي من لسانك؟ فأخرج حسان لسانه حتى قرع بطرفه طرف أرنبته، ثم قال: والله لو وضعته على صخر لفلقه أو على شعر لحلقه، وكانوا يذكرون عن قوة اللسان فيقولون: كأن لسانه ثور.
الحنك:
هو المنطقة التي يتصل بها اللسان في أوضاعه المختلفة، ليكون مخرج لكثير من الأصوات.
وينقسم الحنك إلى خمسة أقسام:
أ- الأسنان.
ب- أصولها.
ج- وسط الحنك، الجزء الصلب منه.
د- أقصى الحنك، الجزء اللين منه.
هـ- اللهاة.
4-
الشفتان:
وهي كما في الصورة يمكن أن تقسم إلى: رباط الشفة السفلى والعليا، وما بين الشفتين، ويكفي أن نعرف أهميتها، وأهمية اللسان فيما ذكره الحق:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} ونلاحظ تغيرًا في شكل الشفتين عند النطق فهما تنفرجان وتنطبقان وتستديران.
5-
الخيشوم:
وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم وهو في بعض الأقوال أقصى الأنف، وهو مخرج الغنة.
ولمعرفة أهمية الخيشوم ومرور الهواء فيه أغلق فتحة الأنف وحاول أن تنطق بحرف النون: إن، فتسجد أن إغلاقه يحول دون النطق السليم للحرف.
6-
الأسنان:
من أعضاء النطق الثابتة ولاسيما العليا منها، ولها دورها في نطق الأصوات اللثوية بمساعدة أحد الأعضاء المتحركة كاللسان والشفة السفلى، ولكي تعرف أهميتها، انظر ما قاله سهل بن هارون لرجل زنجي خلع ثناياه 1: لو عرف الزنجي فرط حاجته إلى ثناياه في إقامة الحروف وتكميل جمال البيان لما نزع ثناياه.
فالثنيتان والرَّباعيتان لهما دور في إقامة الحروف وسلامة النطق، فلقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سهيل بن عمرو والخطيب: يا رسول الله انزع ثنيتيه السفليتين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبًا.
وقيل: إن معاوية رضي الله عنه-لم يتكلم على منبر جماعة منذ سقطت ثناياه في الطّست.
وقال أبو الحسن المدايني لما شد عبد الملك أسنانه بالذهب قال: لولا المنابر ما باليت متى سقطت.
وقيل: إن من سقطت كل أسنانه استطاع التحدث إلى حد ما، هذا بخلاف من ذهب شطر من أسنانه، أو الثلثين منها، ذلك للاعتدال والاستواء.
7-
الرئتان:
وإن أهمل كثير من الدارسين ذكرهما إلا أن لهما دور واضح في عملية التنفس، وبغير التنفس لا يكون الكلام بل قد تنعدم الحياة.
1 الثنايا: السنتان الأماميتان.
للإنسان، كما أن لمقدار خروج النفس والتحكم فيه دور في جمال الصوت وقيمته، ويدرك ذلك الذين يصابون بنوبات البرد ويشعرون أثر ذلك على الكلام، ومن الملاحظ علميا أن بعض أعضاء هذا الجهاز الصوتي ثابت والآخر متحرك.
كما أن الوظيفة الأساسية لهذا الجهاز ليست مقصورة على النطق باللغة، ولكن خلقها الله لتؤدي وظائف أخرى إلى جانب ذلك، فمثلا: الأوتار الصوتية صمام خلقه الله لحفظ الرئتين إلى جانب الذبذبات الصوتية، والتجويف الأنفي حجرة لتكييف الهواء، واللسان عضلة في نهاية الإعجاز والتعقيد، بل إن كل منطقة لها وظيفة من وظائف الإحساس والتذوق، فالشفتان تستخدمان في تلقي الطعام ومنعه من الخروج من الفم، كما تستخدم في المساعدة على الامتصاص، والأسنان والأضراس لتقطيع الطعام ومضغه، واللسان لتقليب الطعام في الفم وتذوقه، والأوتار تؤدي وظيفة الهواء للرئتين وحفظها ولحبس الهواء فيها للحاجة.
فالنطق ليس إلا وظيفة من الوظائف التي تؤديها هذه الأعضاء والمحافظة على أعضاء النطق سبيل من سبل إجادة القول وروعة الإلقاء، بل إن أي عيب أو علة تصيب عضوًا من أعضاء النطق تؤثر تأثيرًا يتفق مع وظيفة هذا العضو، وإذا أدركنا أن من أصيب في أحباله الصوتية يتعذر عليه النطق وقد يبرأ مما أصابه أو يحال بينه وبين الكلام.
وكل منطقة من مناطق الجهاز الصوتي تؤدي دورًا في إخراج الحروف ولن يتم التعرف على هذا الدور بوضوح إلا إذا أدركنا طبيعة المخارج ومخرج كل حرف من حروف اللغة.