الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسامه
ينقسم الوقف إلى أربعة أقسام هي:
- الوقف الاضطراري.
- الوقف الانتظاري.
- الوقف الاختباري.
- الوقف الاختياري.
وهذه الأقسام قد روعي في النظر إليها أن تشتمل على كل الأحوال التي يمكن أن تكون سببا يدعو القارئ إلى أن يقف في أثناء القراءة، وسنتوقف قليلا عند كل قسم من هذه الأقسام.
أولا: القسم الاضطراري:
وهو الذي يعرض للقارئ لضرورة ألجأته إلى الوقف، مثل: ضيق التنفس أو العطاس أو النسيان، وغير ذلك من الظروف الطارئة التي تلجئ الإنسان وتضطره إلى الوقف، وحينئذٍ يجوز للقارئ الوقوف على أي كلمة كانت وإن لم يتم المعنى، وبعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف عل هذه الكلمة، يعود ليبتدئ منها ويصلها بما بعدها إن صلح البدء بها، وإلا فيبتدئ بما قبلها بما يصلح البدء به.
ثانيا: الوقف الانتظاري:
وهو أن يقف القارئ على الكلمة ليعطف عليها غيرها، وذلك
عند جمعه لاختلاف الروايات، أو قراءة الأسماء أو الجملة الحوارية، وفي المناقشة وفي الندوة
…
ثالثا: الوقف الاختباري:
الذي يُطلب من القارئ بقصد الامتحان والاختبار، أو بقصد من القارئ إعلام غيره بكيفية الوقف على الكلمة بكونه عالما بها من حيث القطع أو الوصل، ونوع الوقف، وكيفية المقطوع والموصول، والثابت والمحذوف من حروف المد والمجرور، والمربوط من التاءات، وما يوقف عليه لحاجة: كسؤال ممتحن وتعليم قارئ كيف يقف إذا اضطر لذلك.
رابعا: الوقف الاختياري:
وهو الذي يختاره القارئ، ويقصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب المتقدمة في كل من الاختباري -الباء الموحدة- والاضطراري، وقد يبتدأ مما بعد الكلمة الموقوف عليها، وقولا يبتدأ بها أن توصل بما بعدها.
وهذا النوع من الوقف هو المقصود بيانه هنا، بل ينبغي أن يتعرف عليه الدارسين لأهميته في فن الإلقاء.
وينقسم الوقف الاختياري إلى أربعة أقسام: تام، كافٍ، حسن، قبيح.
وهذا القبيح وإن كان لا يصح الوقوف عليه، لكنه ذكر تتمة للأقسام؛ ليتحرز منه؛ وليعرفه القارئ ليتجنب الوقف عليه1.
1 راجع النشر: لابن الجزري، ج: 1، ص: 227، 228، ومنار الهدى في بيان الوقف والابتدا: للأشموني، ص: 14، 15.
أولًا: الوقف التام:
وهو الوقف الذي يتم به الكلام لفظا ومعنى أي: الوقف على كلام تم معناه، وليس متعلقًا بما بعده، لا لفظًا ولا معنى، وأكثر ما يكون هذا الوقف على رءوس الآي وانتهاء القصص، كالوقف على قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} ، والابتداء بقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} .
وكالوقف على نحو: {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون} ، والابتداء بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
ونحو الوقف على قوله تعالى: {إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين} والابتداء بقوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُم} ؛ وذلك لأن لفظ المفلحون تمام الآيات المتعلقة بالمؤمنين وما بعده منفصل عنه متعلق بأحوال الكافرين، وكذلك لفظ {لِلْمُتَّقِين} تمام الكلمات المتعلقة بقصة سيدنا نوح عليه السلام وما بعده منفصل عنه ابتداءً، فالوقف التام هو الذي يؤدي معنى صحيحًا تامًّا.
وقد يكون الوقف وسط الآية، كالوقف على لفظ:{جَاءَنِي} من قوله تعالى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} فهذا تمام حكاية قول الظالم في نهاية الحكاية، وكذلك القول أو القصة
…
ثانيا: الوقف الكافي:
هو الوقف على كلام تم معناه في نفسه، وتعلق بما بعده معنى لا لفظًا1، ويوجد في رءوس الآي وفي أثنائها. كالوقف على نحو قوله
1 أي لم يتعلق بما بعده من جهة اللفظ أي: من ناحية الإعراب، كتعلق الفاعل بالفعل =
تعالى: {ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون} والابتداء بما بعدها وعلى نحو قوله تعالى: {وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} .
والابتداء بما بعدها وعلى قوله تعالى: {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون} فكل هذا كلام تام مفهوم وما بعده مستغنٍ عما قبله في اللفظ وإن اتصل في المعنى، ويحسن الوقوف عليه، والابتداء بما بعده.
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى: وقد يتفاصل- أي الوقف الكافي- في الكفاية، كتفاصل التام نحو:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} كافٍ {فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً} أكفى منه {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أكفى منهما 1.
وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده كالوقوف التام وسمي كافيًا للاكتفاء به عما بعده لعدم تعلقه به من جهة اللفظ وإن كان متعلقًا به من جهة المعنى.
قال ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"اقرأ عليَّ"، فقلت: أعليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} قال: فرأيت عينيه تذرفان دموعًا فقال لي: "حسبك" 2، قال الداني أبو عمرو: فهذا دليل جواز القطع على الوقف الكافي؛ لأن شهيد
= تعلقًا لفظيًّا، والواقع أنه لا يجود كلام متعلق بما بعده في اللفظ دون المعنى؛ لأن تعلق الكلام بما بعده في اللفظ يقتضي تعلقه به في المعنى من باب أولى.
1 النشر، ج: 2، ص:228.
2 صحيح البخاري، ج: 6، ص:241.
ليس من التام وهو متعلق بما بعده معنى؛ لأن المعنى: فكيف يكون حالهم إذا كان هذا يومئذ يود الذين كفروا، فما بعده متعلق بما قبله، والتمام:{حَدِيثًا} ؛ لأنه انقضاء القصة وهو آخر الآية الثانية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه دونه، مع تقارب ما بينهما فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي.
ونخلص من ذلك أن الوقف الكافي هو ما لا يتعلق ما قبله بما بعده في اللفظ وكل منهما جملة مفيد بنفسها.
ثالثا: الوقف الحسن:
هو الوقف على كلام تم معناه في ذاته وتعلق بما بعده لفظًا ومعنى، مع الفائدة من الوقوف عليه، كأن يكون اللفظ الموقوف عليه موصوفًا وما بعده صفة له، أو معطوفًا وما بعده معطوفًا عليه، أو مستثنى منه وما بعده مستثنى، أو بدل وما بعده مبدل منه، ونحو ذلك من كلام تعلق بما بعده لفظًا ومعنى.
وسمي حسنًا لحسن الوقف عليه؛ لأنه أفاد معنى يحسن السكوت عليه، وحكمه أنه يحسن الوقوف عليه لما أفاد من غاية يرمي إليها.
وأما الابتداء بما بعده ففيه تفصيل؛ لأنه قد يكون في رءوس الآي، وقد يكون في أثنائها وغيرها.
فإن كان في غير رءوس الآي فحكمه أن يحسن الوقوف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ لتعلقه به لفظًا ومعنى كالوقوف على لفظ: الله، من قوله:{الْحَمْدُ لِلَّه} فإنه كلام تام يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظًا ومعنى؛ لأن ما بعده وهو قوله:
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} أو قوله: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} ، صفة للفظ الجلالة، أو قوله في الموصوفين من سورة الفاتحة، ومن سورة فاطر، والصفة والموصوف كالشيء الواحد لا يُفرَّق بينهما، والابتداء يكون حينئذ غير حسن؛ لأنه تعلق بما بعده لفظًا ومعنى، فإن ما بعد لفظ الجلالة متعلق به على أنه صفة له، وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إن كان رأس آية، كلفظة العالمين من قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ، بل حسنه، كما ذكر الحافظ الجزري رحمه الله 1.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ قطع قراءته آية آية 2، فإن لم يكن رأس آية كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حسن الوقف عليه دون الابتداء بما بعده، فإن وَقَفَ وأراد الابتداء وصل بما بعده.
ذلك لأن الوقف الحسن، هو الوقف على ما يؤدي معنى صحيحًا، ويؤدي فائدة من الوقوف عليه ولكنه متعلق بما بعده لفظًا ومعنى.
رابعا: الوقف القبيح:
وهو الوقف على كلام لم يتم معناه لتعلقه بما بعده لفظًا ومعنى مع عدم الفائدة، أو أفاد معنى غير مقصود أو أوهم فساد المعنى، فهذه أنواع ثلاثة وهذا تفصيلها.
1 انظر كتاب: التمهيد في علم التجويد: لابن الجزري، ص: 62، والنشر، ج: 1، ص:226.
2 رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
النوع الأول: الذي لم يتم معناه، ضابطه الوقف على العامل دون معموله ويشمل هذا النوع صورًا شتى منها: الوقف على المضاف دون المضاف إليه كالوقف على لفظ: {بِسْمِ} ، و {مَالِكِ} ، من نحو قوله تعالى:{بِسِْم الله} ، أو {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} فالوقف على مثل هذا قبيح؛ لأنه لم يتم به الكلام ولا يفهم منه معنى وحده. ومنها الوقف على المبتدأ دون خبره، كالوقف على لفظ:{الْحَمْدُ} من {الْحَمْدُ لِلَّهِ} .
ومن ذلك الوقف على الموصوف دون صفته كالوقف على لفظ: {الصِّرَاط} من قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} .
ومنها الوقف على الفعل دون فاعله كالوقف على لفظ: {يُتَقَبَّل} من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فكل هذا وما ماثله لا يجوز الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده؛ لأنه لا يتم معه كلام ولا يفهم منه معنى، ولهذا لا يجوز الوقوف:
على المضاف دون المضاف إليه.
ولا على الفعل دون الفاعل.
ولا على المبتدأ دون الخبر.
ولا على فعل الشرط دون جوابه إذا ذكر، وقد يحذف.
ولا يجوز أن يوقف على كان وأخواتها أو إن وأخواتها دون أسمائها: المبتدأ والخبر.
ولا يجوز أن يوقف على النعت دون المنعوت.
ولا على العطف دون المعطوف.
ولا على القسم دون جوابه.
ولا على حرف دون ما دخل عليه سواء أكان حرف جر أم عطف أم حرف علة.
فالأداء السليم يتخير المعنى ويتجنب مثل هذه الوقفات القبيحة التي قد تؤدي إلى عدم تمام المعنى أو تحريفه، أو إلى معنى قد لا يريده المتكلم، ولا يجوز للقارئ أن يتعمد الوقف على شيء من هذا وما شاكله إلا لضرورة، كضيق نفس أو عطاس أو عجز أو عي أو نسيان، وسمي حينئذ وقف الضرورة، وهو مباح للقارئ، فإذا زالت الضرورة التي ألجأته لذلك بدأ بما وقف عليه، إن صح الابتداء به، وإلا رجع لما يصح الابتداء به قبله.
وأما النوع الثاني: وهو الذي أفاد معنى غير مقصود، فما بعده ضروري أن يتصل به ليتم منه المعنى المراد، فنحو الوقف على لفظ:{الصَّلاة} من قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 1.
وذلك لأنه يوهم النهي عن أداء الصلاة مطلقا، وليس كذلك، وإنما المقصود من الآية الكريمة: لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، وهذا المعنى المقصود لا يتم إلا إذا انضم إليه ما بعده، وعليه فالوقف على الصلاة قبيح فيوصل بما بعده إلى أن يقف على قوله:{حَتَّى تَغْتَسِلُوا} فهو كافٍ، ولهذا النوع صور شتى يمكن الرجوع إليها في كتب القراءات2.
وأما النوع الثالث: وهو ما أوهم فساد المعنى وفيه سوء الأدب مع الله تبارك وتعالى، وهو أقبح من القبيح فنحو الوقف على لفظ
1 سورة النساء: الآية: 43.
2 راجع منار الهدى، ص: 18، وما بعدها، والتمهيد، ص:63.
الجلاله من قوله تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، ومثل الوقف على {يَسْتَحْي} من قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، وهذا لا يجوز بحال إنما يكون الوقف على {فَمَا فَوْقَهَا} ، ولا يخفى ما في ذلك من فساد المعنى وسوء الأدب مما هو ظاهر لا يصح التَّفَوُّه به، وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي بعده الإيجاب، وفي هذا الإيجاب وصف لله تعالى أو لرسله عليهم الصلاة والسلام، وذلك نحو الوقف على:{إله} من قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّه} ، وقوله:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ اللَّه} والقبح في هذا لا يصح التَّفَوُّه به أيضا، وصور ذلك شتى لا يسمح المقام لذكرها، والأصل في الوقف القبيح من السنة المطهرة ما ذكره الحافظ ابن الجزري بسنده المتصل إلى عدي بن حاتم، قال عدي بن حاتم: جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، ووقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم أو اذهب بئس الخطيب أنت"1.
قالوا: وهذا دليل على أنه لا يجوز القطع على القبيح أو الوقوف عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كره منه ذلك، وقال له:"قم بئس الخطيب أنت" لأنه جمع بين حال من أطاع الله ورسوله، ومن عصى ففسد بذلك المعنى، والأولى أنه كان يقف على رشد ثم يقول: ومن يعصهما فقد غوى.
1 صحيح مسلم، وأبو داود، وقد خرجه الحافظ ابن الجزري.