الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فللنفس الإنسانية خواطرها وخطراتها الطيبة، وخواطرها وخطراتها السيئة، لا محالة-حاشا الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام-.
لكن مهمة الإنسان أن يحافظ على الخواطر الخيرة، ويستكثر منها، ويحقهها في حياته ما استطاع، وأن يطرد الخواطر السيئة ويستغفر منها، وأن لا يتبعها؛ فيضل ويضل، ويهلك ويهلك.
وهذه الأوراق تتضمن كلمات قلتها في بعض المناسبات والظروف، وكان لها طابع معين؛ إذ قد تكون مناسبة لذلك الظرف، أو فيها شيء من الحكمة، أو الظرف؛ وقد رأيت أن أنقلها للقاريء الكريم؛ لما أعلمه من أنس غالب النفوس بمثل هذا النوع من الكلام، ولا سيما مع تنوع الكلام، وتعدد أغراضه؛ مما سيكون له الأثر في قبول الفائدة والنكتة الباعثة على السرور والمرح.
ولست مع أسلوب الوقار المتكلف في الحياة، ولا المرح المتفلت من قيود الفضيلة، ولكن خير الأمور أوسطها.
والجد قد يحتاج إلى شيء من الهزل، ولا خير في هزل لا جد فيه؛ ولهذا جاءت هذه الكلمات ما بين جد في جد، أو جد في هزل.
وكان من ضمن الموضوعات، موضوع:"شذرات"، وهي كلمات توجيهية قصيرة، جاءت كل منها بمناسبة فخرجت بسببها، تحمل طابع الجد، أو طابع الجد في هزل، وكانت مجموعة في موضع واحد؛ ثم رأيت أن أفرقها في الكتاب، لتصبح تذييلا مفرقا على الموضوعات في مربع مستقل.
واخترت طباعة الكلمات المتجانسة أو المتضادة-أحيانا-أو المسجوعة بحرف بارز، بناء على اقتراح بعض الإخوة الفضلاء.
وجاءت الكلمات في مختلف الموضوعات، بحسب الأحوال والظروف. وعدد قليل منها كان مقالات كتبت في مناسبة ما.
وهذه الكلمات قد أخذت في رصدها منذ فترة طويلة، تقارب العشر سنوات.
وكان مما عنيت به عند الحديث مع الناس أن تكون الكلمات موافقة لقواعد اللغة العربية، بل كان الحرص على أن تكون بليغة؛ لقناعتي بأن هذا هو الذي يؤثر في النفس البشرية تأثيرا حسنا، ولقد رأيت كيف يستقبل الإنسان الكلمة التي تخرج هذا المخرج، حتى إنني كنت مرة أقرأ بعض هذه الكلمات على بعض الإخوة؛ فعلق قائلا: هذا كلام سلس وكلام بليغ، وكلام أدبي.
قلت له-جدا في هزل-: وهذا دأبي!.
وأنا أعلم أن العصمة ليست لأحد بعد الرسل والأنبياء؛ فلا بد أن يكون الخطأ في شيء من كلامي، فلست أدعي العصمة من أوهامي، لكنني اجتهدت في التصويب وقصد الصواب، وما بقي من بعد ذلك فلن يخفى على أولي الألباب.
والله يعلم أنني أردت نشر هذا رغبة في النفع، والتجديد في الوصول إلى أعماق النفوس، بشيء من المرح والترويح والدروس.
وهذا فيه شيء من التأسي بالهدي النبوي؛ واقرأ -إن شئت-هذا الحوار: عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه -وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
- لقيني أبو بكر؛ فقال: كيف أنت يا حنظلة؟.
- قال: قلت: نافق حنظلة.
- قال: سبحان الله! ما تقول؟!.
- قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة؛ حتى كأنا رأي عين؛ فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا"1" الأزواج والأولاد والضيعات"2"؛ فنسينا كثيرا.
- قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا.
فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قلت: نافق حنظلة يا رسول الله!.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟ ".
- قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين؛ فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون
"1" أي خالطنا.
"2" الضيعة معاش الرجل من مال أو حرفة أو زراعة أو صناعة.
عندي، وفي الذكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم؛ ولكن يا حنظلة: ساعة وساعة". ثلاث مرات""1".
فالنبي صلى الله عليه وسلم وضح الأمر لمن شكا إليه من الأصحاب تغير النفس عن حال الخوف والجد التي تكون عليها حينما يكونون عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ بأن قال له: "ساعة وساعة"، لكن من المؤكد أنه يجب أن لا يكون ثمت تناقض بين هذه الساعة وتلك؛ لأن كلا من ساعة الترويح عن النفس وساعة الجد يجب أن تكونا محكومتين بميزان الشرع ومقاصده، والله يوفق كل من كان الله غايته وأساس مقاصده.
فلا بأس بالهزل أو المزاح، بضوابطه الشرعية، بل من ينظر في نصوص الشريعة ومقاصدها يدرك أنه واجب-بهذا القيد-.
و"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى
…
".
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي
طيبة الطيبة
7/12/1419هـ
"1" مسلم، 2750، التوبة، والترمذي، 2514، صفة القيامة. وعنده أنه مر بأبي بكر وهو يبكي، أي وحنظلة رضي الله عنه يبكي!.