الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} "1". والموفق من وفقه الله تعالى.
*عجبا لمن يشتغل ببيع الكتب النافعة لينتفع الناس منها، ولكن لا ينتفع هو منها!.
"1" 6: الانشقاق: 84.
أمران تتوقف عليهما السعادة
تأملت صواب المصيبين وخطأ المخطئين، وصلاح الصالحين وانحراف المنحرفين، وفوز الفائزين وفشل الفاشلين، ما سببه؟! وما سره؟! مع أن الناس خلقوا خلقة واحدة، وكلهم له عقل وإدراك، ويشاهدون التجارب ويقرءون التاريخ؛ فيبصرون العبر. فتبين لي بيقين أن ذلك كله يعود إلى التوفيق أو عدمه والإصابة أو عدمها في أمرين، هما:
1-
التقدير الصحيح.
2-
التوقيت المناسب.
فالاستقامة وصلاح الحال وحسن المآل في الدنيا وفي الآخرة يتوقف على هذين الأمرين.
فالأول: بمراعاته يدرك الإنسان قيمة: الشيء، وقيمة العمل، وقيمة السلوك، وقيمة النية، وقيمة الاستجابة لأمر ما، أو عدمها؛ فإذا
"1" 6: الانشقاق: 84.
هو قدر قيمة تلك الأمور تقديرا صحيحا؛ فعظم العظيم، وحقر الحقير، كان هذا أول خطوة ضرورية للاستقامة وللسعادة، وللالتزام وللعمل وللجد؛ إنه حاسة التمييز بين الأشياء والأعمال والأشخاص في القيمة والقدر؛ فيعطي لكل شيء قدره، وينزله من نفسه ومن همه وعمله منزلته اللائقة به عناية أو إهمالا، تطلبا له أو تركا.
وكم يأتي الخلل في حياة الإنسان من السعي وراء: أمر، أو شيء، أو شخص، تافه؟.
وكم يأتي الخلل في حياة الإنسان من القعود أو الإعراض عن السعي وراء أمر أو شيء أو شخص يستحق السعي في سبيله أو له.
والثاني -وهو التوقيت المناسب-: بمراعاته يظفر الإنسان بما طلبه من عمل يستحق البذل والجهد والوقت، وذلك بأن يقوم به في وقته المناسب الذي يكون فيه مقبولا، والذي يحصل به ما أراده من نتائج للعمل.
وكم يأتي الخلل في حياة الإنسان بسبب تأخره عن التوقيت المناسب!.
وكم يأتي الخلل في حياة الإنسان بسبب تقدمه عن التوقيت المناسب!.
نعم إن القضية إنما هي قضية التقويم الصحيح أو عدمه، والتوقيت المناسب أو عدمه.
كم تحسر المتحسرون بسبب عدم معرفتهم بقدر العمل الصالح والعمل النافع وقدر الطاعة الخالصة لله تعالى!.
كم تحسر المتحسرون بسبب فوات الأوان لإدراك ما عرفوا قيمته ورغبوا فيه: من عمل صالح، أو فرصة نافعة في الدنيا أو في الآخرة!.
ما الذي شحذ عزائم الصالحين والعقلاء من عباد الله للطاعات، والاستقامة، والحياة الجادة، سوى القناعة واليقين بقيمة ما اتجهوا إليه، وحرصوا عليه: من عمل صالح، وطاعة؟!.
ما الذي أقعد القاعدين عن العمل الصالح وعن الطاعات ومكارم الأخلاق والسلوك، سوى الغفلة عن قيمة ما قعدوا عنه من طاعة وعمل نافع؟!.
ما الذي دفع بالتعساء وبالمنكوبين في أخلاقهم وسلوكهم إلى أن يتعلقوا بما تعلقوا به، من البدائل عن الأعمال الصالحة والطاعات والأخلاق الكريمة فاختاروا مكانها ما سعوا له: من خلق مشين، وعمل رديء، وشك، وشرك، وشبهة، وشهوة، ما الذي دفعهم إلى هذه الحال سوى الخطأ في تقدير قيمة ما تركوه من كريم الأخلاق وجميل الطاعات، والخطأ في تقدير ما اتجهوا إليه وأخذوا به: من سلوك، وخلق، ومعصية؟!.
هذا الذي يتنكب الطريق الصحيح، وهذا الذي يخطيء الأدب هل أوقعه سوى غفلته وسوى جهله بالأدب المطلوب ما هو؟!.
ويا حسرة من عرف قيمة العمل الصالح والطاعة وكريم الخلق ثم فاته ذلك؛ لأنه قد فاته الوقت؛ لأنه تأخر، أو لأنه استعجل، ومن تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، ومن تأخر عن شيء حتى فات أوانه عوقب بحرمانه!.
فيا أخي ويا أختي ويا أيها الإنسان كن عاقلا رشيدا:
ميز بين الطيب والخبيث.
ميز بين النافع والضار.
ميز بين الطاهر والنجس.
ميز بين النظيف والقذر.
ميز بين ما يبقى وما يزول.
ويا أخي ويا أختي ويا أيها الإنسان كن عاقلا رشيدا؛ فلا يفتك الوقت، ولا يفتك اليقين بأثر التوقيت.
لا يغيبن عن بالك بأن للطاعات أوقاتا، وأن كثيرا منها لا يقبل في غير وقته.
إنه لا يجزئ صيام الليل مثلا عن صيام النهار، ولا يجزئ الإمساك عن المفطرات بعد الفجر بلحظات عن الإمساك قبيل الفجر بلحظات لمن أراد الصيام!.
نعم إنها لحظات!.
إن للصلاة وقتها الذي فرضها الله فيه: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} "1"، فهل لاحظت أنه كتاب موقوت!.
ألا ما أسعدك إذا أيقنت بهذا الكتاب الموقوت قبل أن تموت!.
للكلمة الطيبة موضعها ووقتها فإذا فات لا تستطيع إرجاعه؛ لأنك لا تستطيع إرجاع الزمن الماضي!. للخطوة الطيبة موضعها ووقتها المناسب؛ فإذا فات لا تستطيع إرجاعه؛ لأنك أيضا لا تستطيع إرجاع الزمن الماضي!.
"1" 103: النساء: 4.
وعمرك محدد أيضا تحديدا لا تستطيع أن تزيد فيه ولا تنقص!.
وعمرك إذا قضيته في المعصية أو في الخطأ أو في السوء لا تستطيع أن ترجعه لتقضيه في الطاعة وفي الصواب وفي الطيب من القول والفعل والاعتقاد؛ لأنك لا تستطيع أن ترجع الزمن الماضي!.
وما قضيته من لحظات من عمرك في المعصية أو الخطأ لا تستطيع استرجاعه لإصلاحه؛ لأنك لا تستطيع إرجاع الزمن الماضي!.
لكنك قد تستطيع أن تتوب إذا سارعت للتوبة!.
لكن هل علمت أيضا أن للتوبة فرصة محددة، فإذا فاتتك فقد فاتتك وفاتك الخير، لأنك لا تستطيع أن ترجع الزمن الماضي!.
هل تعلم أن الوقت منذ البداية أمامك لتصنع الذكر الطيب لنفسك، فإن استثمرته لتصنع ذكرا سيئا عن نفسك فقد أضعت الفرصة عليك!.
هل تعلم أن أقوالك وأفعالك تعبير عن نفسك؟!.
هل تعلم أن أقوالك وأفعالك تأتي تعبيرا حسنا عن نفسك أو تعبيرا سيئا، وأن الأمر يعود إليك؟!.
هل تعلم أنك إذا أخبرت الناس -عمليا- عن نفسك بأنك كذاب مثلا فإن من الصعب أن تقنع الناس بأنك من الصادقين؟!. أما علمت القاعدة عند علماء الأصول: الخبر لا يدخله النسخ!.
وهل تعلم أنك إذا اتخذت الكذب ملجئا لك، بمختلف أنواعه، سواء
كذب القول أو كذب العمل، فقد سقطت من أعين الناس، وسقطت من عين الخالق الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟!.
متى وكيف يصنع الإنسان مثل هذا لنفسه بغير التقويم والتوقيت؟!.
*أكثر الهالكين، إنما هلكوا بساعة، فما دونها، من الراحة، آثروها على التعب في طاعة الله، أو الفضائل والمروءة:
- فهذا نام عن الصلاة، أو عن صلاة الجماعة.
- وهذا نام عن الجهاد.
- وهذا نام عن فعل المعروف.
- وهذا نام عن نجدة الملهوف.
- وهذا نام عن صلة الرحم.
- وهذا، وهذا
…
إلى آخر ما هنالك، وكم في الناس من هالك؛ ثم لم تنفعه الراحة ولم تدم، وإنما أورثته ندما، أو جعلته يبكي الدمع دما!.
*أكثر الذين هلكوا، أو خسروا، إنما كان لهم ذلك بفوات موعد الخير بدقائق، نعم: دقائق اختاروها نوما، أو راحة، أو فراغا؛ ففاتهم الخير والنجاة!.