المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، - كلمات في مناسبات

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أنا والكلمة وأنت

- ‌اختيار موضع الكلمة

- ‌كلمات قلتها بمناسبة أسبوع المرور

- ‌ليس بينك وبينه إلا

- ‌شذرات

- ‌أساليب مغلوطة

- ‌الناس أصناف

- ‌لقد تبين لي

- ‌إقناع النفس بطلب العلم

- ‌قالوا وقلت

- ‌مفاتيح العلم الثلاثة

- ‌الطريقة المثلى لتحصيل مفاتيح العلم الثلاثة

- ‌أزواج بالكذب

- ‌آيات قرآنية وأحاديث نبوية في الموضوع:

- ‌حل المشكلة:

- ‌التأويل في العقيدة

- ‌شرف العلم ومسؤوليته

- ‌أصناف الناس مع الحق

- ‌وقفة عند الصلاة

- ‌بعدها يحمد أو يدرك الإنسان العاقبة

- ‌في مفهوم الدعوة

- ‌مناجاة

- ‌معايدة بالمعاني

- ‌يا أيها المودع رمضان

- ‌وقفة عند مناسبة العيد

- ‌صيانة الإنسان

- ‌مفهوم الراحة والتعب

- ‌أمران تتوقف عليهما السعادة

- ‌عناصر مقومات الشخصية المسلمة

- ‌الإنسان والموت

- ‌حديث من بين القبور

- ‌أعظم مشكلة

- ‌رحم الله الشيخ عمر

- ‌قصور وقبور

- ‌ورع غريب

- ‌أيها الجالس في الحانوت

- ‌صيد الكلاب وصيد بني آدم

- ‌الوالد الحاني والعالم الرباني

- ‌حكمة

- ‌عجبت

- ‌رحمه الله، ويرحمه الله

- ‌الحياة مدرسة

- ‌لا تضيع عمرك في البحث عن المفاتيح

- ‌ما أعظم الفرق

- ‌أيها الحاج بيت الله

- ‌قل

- ‌تعليقات على بحث

- ‌مطالب الإنسان بين المشروعية والإمكان

- ‌تأمل في معنى الحياة

- ‌نصائح وجيزة

- ‌يا ولدي

- ‌كلمات في طيبة الطيبة

- ‌ينبغي ولا ينبغي

- ‌لقد خسر هؤلاء

- ‌قال الطالب النجيب

- ‌صلة الرحم حسب المزاج

- ‌عقليتان لا تصنعان مجدا

- ‌الميزان المنكوس

- ‌ليس المهم أن تكون قويا لكن تقيا

- ‌علاقة الصحة بالإيمان

- ‌الشجرة

- ‌الأم

- ‌قصيدة في الزهد

- ‌الخاتمة

الفصل: نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع،

نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى""1".

وروى الإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي-معلقا- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه"؛ وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم""2".

وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة"؛ فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟. قال: "وإن قضيبا من أراك""3". وفي لفظ الحديث عند مالك في الموطأ: "قال: وإن كان قضيبا من أراك، وإن كان قضيبا من أراك، وإن كان قضيبا من أراك". -قالها ثلاث مرات-"4".

"1" البخاري، 6441، الرقاق، ومسلم 1035، الزكاة.

"2" أحمد، 27803.

"3" مسلم، 137، الإيمان.

"4" الحديث 1435، الأقضية.

ص: 38

‌حل المشكلة:

وإن سأل سائل: فما الحل لهذا الداء العضال، وماذا نصنع بهؤلاء الرجال؟.

فالجواب هو:

- أولا: الوقاية قبل العلاج:

هناك حل وقائي يجب على أولياء المرأة أو وليها أن يتنبه له، وهو أن يجتهد في التعرف على الشخص المتقدم له، وذلك من حيث الاستقامة

ص: 38

والدين والخلق والسيرة، ومن ذلك أن يتعرف على طبيعة الشخص هل عنده مادية وحب زائد للدنيا؟ وهل له رغبة في أن يستغل الزوجة ماديا؟ وقد يتضح هذا من خلال كلامه، ومن خلال سيرته، ومن طبيعة تفكيره، وقد يكون لوضع الشخص المادي أحيانا أثر في هذا التوجه.

فإذا ما تبين للولي أن الرجل من هذا الصنف، فإياه ثم إياه من الإقدام على إعطائه، وليتق الله ربه؛ فإنها أمانة عنده، فلا يخن الأمانة، ولا يغش من هو في مكان الناصح له.

أيها الأولياء، اتقوا الله، واحذروا -قبل الزواج-هذه الذئاب البشرية، فلا تدفعوا بناتكم إلى براثنها؛ فتفترسها تحت سمعكم وبصركم، فلا تتمكنوا من استنقاذهن إلا بعد أن يصيبوهن إصابات بليغة في نفوسهن وعقولهن وأجسادهن وأموالهن!.

- ثانيا: حل المشكلة بمبادرة من الزوج:

أما في حال حدوث هذا الأمر، فأول الحلول وأولاها أن يبدأ الحل من هؤلاء الأزواج أنفسهم؛ فيستغفروا الله ويتوبوا إليه، ويعتذروا لمن ظلموه، ويعيدوا ما أخذوه ظلما وعدوانا، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. وهذا الحل لا يغني عنه -في حق هؤلاء الأزواج- أي حل آخر، ولا تبرأ ذمتهم بغيره؛ وذلك لما عليهم من خطورة عظيمة بعدم المبادرة إليه، وهي خطورة تنالهم في عباداتهم وفي حياتهم في الدنيا وفي حياتهم في الآخرة؛ وذلك لأن كثيرا منهم يدخل عليه هذا المال المأخوذ ظلما في صيامه وفي

ص: 39

صلاته وفي حجه وفي صدقاته وفيما ينبت عليه جسده؛ إذ يصرف من هذا المال في كل ذلك شاء أم أبى؛ فعياذا بالله من حال كهذا.

وعلى من تعلل له نفسه بأمنية أن يكون هذا المال حلالا أن يأتي بآية صريحة بذلك، أو بحديث صحيح صريح. وهيهات أن يجد في دين الإسلام ما يسعفه بهذا المطلب الظالم، أو بالظلم للمسلمين والمسلمات، بل إنه في الوقت الذي لا يجد فيه ما يسعفه بطلبته من آيات الكتاب العزيز والسنة المطهرة؛ فإن الآيات والأحاديث تترى لبيان الحق اليقين بأن الظلم لا يحل لأحد، وبأن أكل المال الحرام لا يحل لأحد، مهما كان صاحب هذا المال: غنيا أو فقيرا، قويا أو ضعيفا، رجلا أو امرأة!.

فالتوبة التوبة، أيها الناس، قبل أن تؤخذوا بالحوبة؛ فيغلق عليكم الباب، وتواجهون الحساب.

وإذا قدرت على الناس، فتذكر قدرة الله عليك، واعلم أن الله عليك أقدر، وأنه لا مفر لك منه سبحانه.

وعلى الناس أن يذكروا كل من وقع في مثل هذا الإثم؛ فإن هذا من حقه عليهم وحق المسلمين جميعا.

ولا شك في أن أي زوجة يسرها -وترضى- بأن يعود زوجها، الظالم لها، إلى الجادة، وتستمر حياتهما على الوئام والصفاء، في أخوة لا ظلم معها.

- ثالثا: الحل إذا لم يبادر الزوج:

- فإن لم يفعل الأزواج، ولم يتوبوا؛ فإن الواجب على المظلوم أن لا يقر

ص: 40

الظلم، وأن يأخذ بالأسباب التي جعلها الله له للخروج من هذا الظلم، ومنها: البيان له والإيضاح والإفصاح، ومنها: مطالبته بالتي هي أحسن بالكف عن الظلم، ومنها: توثيق الحقوق، ومنها: الشكوى إلى من ينصف منه، ومنها: مخاصمته لدى القاضي، ومنها: الدعاء عليه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب!.

- وينبغي أن تعلم الزوجة منذ البداية أن الأمر يعنيها بالدرجة الأولى، وأن الحل يرجع إليها بالدرجة الأولى كذلك، وتستطيع أن تقوم بما لا يستطيع سواها؛ فعليها أن تتنبه، منذ البداية، إلى معرفة حال الزوج وأخلاقه وما يريده أيضا تجاه هذا الأمر؛ فإن تبين، لها بوضوح أن الزوج من هذه النوعية من الناس؛ فعليها أن تتوصل إلى حل سريع واضح معه، وإلا فعليها أن لا تترك لنفسها الإيغال في المشكلة، وأن تسعى مع وليها لحسم الداء منذ البداية. وهذا خير ألف مرة من التسويف إلى أن يطفح الكيل وتتعقد المشكلة.

ولكن، إياها وسوء الظن والتسرع في غير موضعه؛ فكم نجم عنهما من المصائب، ولا سيما بالنسبة لطبائع غالب النساء، وأن تتحرس من الظلم ومن هدم سعادتها بيديها بسبب سوء الظن والتسرع والظلم.

وعلى المرأة وولي أمرها أن يعلموا أن الأخذ بالحل في أول المشكلة هو المتعين عقلا وشرعا، وأن الصواب أن يكون الحل بيدهم، لا بيد عمرو.

وأنه على الرغم من أن هذا هو الحل إلا أنه صعب، لكنه لابد منه إذا كان هو الحل؛ فعليهم أن يقدموا، ويوطنوا أنفسهم عليه، وأن يعلموا أنه أفضل

ص: 41

وأيسر من الصبر على المشكلة وتأخير حلها، أو تجاهلها متحملين في سبيل ذلك كل ما ينشأ عنه من منغصات وعواقب وخيمة.

- وينبغي للقضاة أن يتفهموا هذه المشكلة، وأن ينصفوا المظلومين؛ فإنه بغض النظر عن الآراء الفقهية فقد قال صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالما أو مظلوما"؛ فلا يدخلوا في ذممهم ظليمة ظالم أو مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا وأمثاله؛ فلا يصح للقاضي أو سواه أن يثير في نفس المرأة المظلومة من زوجها مشاعر الحزن والأسى أو الخوف من المستقبل بعد الفراق؛ فلا ينبغي أن يفعل ذلك طمعا في إعادتها إلى الوضع الذي جاءته متظلمة منه؛ بل عليه أن يكون ناصحا لها، وليس النصح لها منحصرا في إلزامها بالبقاء في عصمة الزوج على الظلم، فالواجب التثبت من قضيتها ثم إنصافها من ظالمها.

- وعلى المجتمع المسلم، بأسره، أن يسهم في علاج هذه المشكلة، وأن يسعوا في رفع هذه المظلمة الاجتماعية، كل فيما يخصه، وبما يستطيع:

*فأولياء أمور النساء عليهم مسؤولية، تبدأ من مسؤولية الاختيار، ثم مسؤولية الرعاية والاطمئنان على حال بناتهم، ثم الوقوف معهن بالنصرة والتأييد والحماية، بعد التثبت المؤكد.

*كما أن على الآباء خاصة أن يتقوا الله تعالى في بناتهم وفلذات أكبادهم؛ فلا يضيعوهن بأي سبب، سواء كان بالتفريط وعدم المبالاة وعدم حسن الاختيار، أو كان بعضل بناتهم من الزواج رغبة في استغلالهن وتشغيلهن، كما لو كانت ابنته عنده جارية أو أمة؛ ومثل هذا لا يقدم عليه

ص: 42

إلا من أصيب بالعمه!.

والأب الذي يقع في مثل هذا الظلم ليته لم يلد، بل ليته لم يولد!.

من خطوات الحل للخلاف إذا وقع بين الزوجين، في بعض مراحله، اختيار حكمين مرضيين من الطرفين؛ ينظران في القضية، ويتثبتان منها، ويتخذان الحل المناسب، سواء كان ذلك على أساس بقائها في عصمة الزوج، أو التفريق بينهما؛ وذلك امتثالا لقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} "1".

لكن ينبغي أن يعلم أن هذا الحل له موضعه، فليس هو في كل حال، وإنما هو في الحال التي أراد الله سبحانه تطبيقه فيها؛ وهي حينما يكون الأمر-من الخلاف والمشكلات-متوافرا فيه قيدان:

الأول: أن يكون في دائرة ما يمكن تحمله شرعا؛ وذلك لأن مخالفة الشرع لا تجوز؛ فهناك حالات لا يجوز السكوت عليها أو الرضا بها شرعا.

الثاني: أن يكون في دائرة ما يمكن تحمله وإطاقته ممن يعاني من المشكلة أو المشكلات، فيمكن تحملها عندئذ إلى جانب المعالجة لها؛ لأن هناك حالات ليس في مقدور الإنسان إطاقتها أو الصبر عليها؛ وقد قال الله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، وكذلك لأن هذا الدين من أهم مقاصده تحرير الإنسان من العبودية لغير الله سبحانه، وإنقاذ الإنسان من

"1" 35: النساء: 4.

ص: 43

الظلم- بما في ذلك ظلم الإنسان لنفسه- بل قد تقرر في هذا الدين تحريم الظلم والتعدي على الحيوانات، بما فيها الكلاب!.

وكذلك إذا تعدى الظلم المظلوم ذاته إلى سواه من الأهل والأولاد؛ فإنه ليس من حق الزوجة أن تصبر على ذلك بحجة أنها تتحمل الأمر بأي حجة من الحجج، كأن تتصور أن الأمر يتعلق بها هي فقط.

على أنه ليس المراد بهذا الدعوة إلى اتخاذ الفراق بين الزوجين حلا دائما أو في مقدمة الحلول؛ إنما المراد وضع النقاط على الحروف وفق المعروف الذي أمر الله بأن تكون عليه الحال بين الزوجين؛ وهذا هو الأمر الذي يجب أن يحققه الزواج بين المسلم والمسلمة.

*وأقارب الزوج عليهم مسؤولية النصرة للحق وإنصاف الزوجة المظلومة من قريبهم، وقد يقومون بما لا يقوم به سواهم.

*والخطباء عليهم حق ومسؤولية تجاه معالجة هذه المشكلة، وتجاه بيان الحق للناس وأسباب السعادة في الدنيا والآخرة، *وأهمية البعد عن المال الحرام، وبيان عواقبه في الدنيا وفي الآخرة.

*والقضاة عليهم مسؤولية مناصرة المظلوم وإنصافه من الظالم.

*والجهة التي تعمل عندها المرأة عليها مسؤولية، بأن تتثبت مما يظهر من حالات الظلم؛ فلا تكون سببا في تسهيله.

*وعلى الدولة وولي أمر المسلمين مسؤولية التحسس من مثل هذه الظلامات، وإنصاف المظلومين، وردع الظالمين، وتوقيع العقوبات الصارمة لكل من يتبين تورطه في مثل هذا المسلك.

ص: 44