الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزواج بالكذب
!! "1"
وصف المشكلة:
ما أقبح الكذب والخداع في هذه الحياة!.
وإن من نذالة الأنذال في هذا العصر ما نراه ونسمعه عن أناس يدعون أنهم رجال، ويتزوجون أيضا، ولكن يشترطون أو يختارون، ولكن ماذا يشترطون أو يختارون؟ ذات الخلق والدين؟.
كلا، إنهم يشترطون على الناس أو على أنفسهم أن تكون الزوجة مدرسة، وقد يظن بعضهم بنفسه خيرا؛ فيضيف إلى هذا الشرط المهم جدا عنده شرطا آخر، وهو أن تكون ذات دين.
إنه يريد زوجة، ولكن المهم أن تكون مدرسة أو موظفة!.
لماذا؟!.
أجاب أحدهم قبل الزواج بقوله: لتنفع البلد!.
وبعد الزواج تتبين الحقيقة، وينكشف السر للمساكين المغفلين، وهو أن هذا لا يريد زوجة أولا، وإنما يريد مدرسة أولا، ثم زوجة ثانيا!.
وبعضهم يكشف الأمر منذ البداية؛ فقبل العقد يسأل ويتحقق من الصفات الشرعية عنده في زوجته وأم أولاده، وأولها، وأولاها، أن تكون
"1" قد أفردت هذا الموضوع في رسالة مستقلة، بعد أن أضفت إليه إضافات في طبعته الأولى: جدة، دار الأندلس الخضراء، 1420هـ.
معلمة أو موظفة، وهذا يكشف الأمر إما لأنه مغفل خبيث، أو لأنه خبيث فيه شيء من الخير.
وبعد الزواج يوقد الزوج نار الشر التي يعتقد أنها من حقوق الزوج على زوجته التي استجدت في هذا العصر، ومن ذلك أن له الحق في أن يستولي على راتب زوجته، كله أو بعضه-بحسب درجات الورع عنده-دون أن يشعر بأي غضاضة أو حياء من الناس، ودون أن يحسب حسابا لرضا الزوجة أو أهلها أو مشاعرهم!.
بل ويقول: هذا حقي!.
ويستخدم حق القوامة الذي أعطاه الله إياه استخداما ظالما غير مشروع، فيستعبد الزوجة، ولا يعبأ بأهلها وأرحامه، ولا يعبأ بما حرمه الله من أموال الناس على الناس بغير طيبة من أنفسهم!.
وهو في كل ذلك بين شخصين:
- إما أن يكون شخصا مكابرا مناقضا في تصرفاته هذه لقناعته في قرارة نفسه من أن هذا إثم واضح وعار فاضح!.
- أو يكون شخصا مغفلا قد غرته فتوى أو كلمة سمعها من بعض الناس؛ فأخذها بطرفها، ولم يوغل في التحقق منها والتثبت فيها؛ وذلك خوفا من أن يحق الحق ويترجح الراجح ويتبين له حرمة ما ظنه غنيمة باردة، وما علم أنها ظليمة في شرعنا غير واردة!.
ولكن هذا وذاك إنما يعبران عن رداءة يتبرأ منها شم الرجال والمترفعون عن أموال الرجال فضلا عن أموال النساء العواني!.
وحتى لو كان الرجل الشهم ذا حاجة واحتاج إلى شيء من أهله فإنه لا يأخذه إلا بالمعروف وبطيبة من أنفسهم يتيقنها، أو يأخذه على سبيل القرض الحسن المسجل الموثق، بعد أن يتيقن وتطمئن نفسه برضاها عن طيبة نفس، لا عن إكراه، ولا عن استخدام لعصا القوامة بعد أن نسي يوم القيامة، ونسي حسابه ووقوفه بين يدي الله ومقامه!.
والحقيقة أن هذه الظاهرة قد أثقلت كثيرا من بيوت المسلمين اليوم بمشكلات خفية وظاهرة، وأصبح المظلومون والمظلومات، بسبب ذلك، يعانون من ظلم الظالمين من "الأزواج" في هذا العصر. نعم، والله، إنهم يعانون، ولكنهم مع ذلك لا يعانون"1"!.
لماذا؟.
لأسباب، منها: أن الظالم يتعامل كما لو كان زوجا في الحقيقة، ويستخدم حق القوامة، لا أطال الله مقامه، وقطف منه تلك الهامة!.
وهذه ظاهرة جديدة من ظواهر النذالة والأنذال التي لا أحسب أنها وجدت إلا في هذا العصر، وإن وجدت فبصورة لا تصل إلى هذا الحد.
وإذا سئل عن صنيعه احتج بفتوى فلان وفلان، ونسي كلام الرحمن وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة. وما هذا في الحقيقة إلا وسنان في صورة يقظان. هذا في الوقت الذي ربما كان بمقدوره أن يميز ويعرف فيه حكم الله وحججه وبيناته!.
"1""يعانون" الأولى من المعاناة، و"يعانون" الثانية من الإعانة
وإذا ذكرت له أدنى اعتراض على ذلك ربما أبغضك في الله وأحب ذاك الذي أفتاه محبة في الله-والله أعلم-!.
وكم استفتاني المستفتون: ماذا يصنعون؟.
ولست من أهل الفتوى، ولكن حكم الله واضح، والحلال بين، والحرام بين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة:"جئت تسأل عن البر والإثم؟ ". قال: قلت: نعم
…
قال: "استفت نفسك، استفت قلبك، يا وابصة"، ثلاثا، "البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك""1".
وبعض هذه الصور المخزية في أخلاق الرجال، صور ملفوفة، لكنها في الحقيقة مكشوفة، ومن ذلك أن يظهر الرجل تورعا أن يأخذ من راتب زوجته أو مالها شيئا، لكنه يدعها لراتبها؛ فيلزمها بالصرف على نفسها، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنها في الحقيقة لم تتزوج!.
وبعضهم يلزمها أن تشاطره النفقة ودفع إيجار البيت، وأما ملابسها وحاجاتها التي تخصها فلا شأن له بها، فتتولاها الزوجة التي كادت، والحالة هذه أن تكون تاء التأنيث فيها زائدة وبه لاحقة؛ لأنها أصبحت ملزمة بالإنفاق على الرجل "العاني"، وملزمة بمقتضى "حق القوامة عليه" أن تخصص للبيت خادمة أيضا.
ولست أدري كيف وصل الانتكاس بهذا الصنف من الناس إلى الحد
"1" أحمد، 17540، و17545، والدارمي، 2533، البيوع.
الذي توهموا فيه أن ما أعطاهم الله من حق القوامة على النساء إنما هو ليحصلوا على كل هذه "الحقوق" و"الأموال" المغتصبة من زوجاتهم!.
وتجاهلوا أن الله أعطاهم حق القوامة لكي يسعدوا أهليهم، وليس ليشقوهم أو يظلموهم أو يغتصبوا أموالهن!.
والغنيمة كل الغنيمة أن يظفر اللئيم بيتيمة!.
وقد علمت أن بعضهم ينذر حربه على زوجته منذ البداية، فيحذرها أن تخبر أهلها بأي شيء يصنعه بها، وإلا سوف يكون الطلاق مصيرها! {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} "1"!.
ولست أدري ما الجديد في مثل هذا الزواج سوى استرقاق الزوجة والارتفاق بمالها وجهدها، وإضرام نار الكمد في قلبها، وقتلها بغير سكين!.
وإذا تحولت الزوجة إلى أن تكون هي المنفقة على الزوج، وقد قال الله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} "2"، فماذا بقي للزوج من هذا الصنف من الناس، والحالة هذه؟!.
هل يتنازل هؤلاء لزوجاتهم عن القوامة ويقعدون في البيوت، لا كثرهم الله في البيوت ولا خارجها!.
"1" 42: إبراهيم: 14.
"2" 34: النساء: 4.
لقد رأينا وسمعنا كثيرا عن زيجات لا يدفع فيها الزوج "المزعوم" سوى المهر-وربما على لكاعة-وشيء من أثاث ما هو إلا كذر الرماد في العيون، ثم يمسك الزوج ماله إلى مال زوجته العزيزة، فلا ينفق كما ينفق الأزواج؛ فتبينت الحقيقة واضحة عندئذ، وهي أن هذه ليست عقود زواج، وإنما هي عقود تجارية، والتاجر فيها واحد من الطرفين فقط، وهو "الزوج"!.
ولست أدري هل يرضى مثل هؤلاء هذه المعاملة لأخواتهم وبناتهم أو لأمهاتهم؟ أو أن هذا خاص لهم مع بنات "الناس"!.
إن كانوا لا يرضونه فهم ذئاب في ثياب، كسر الله منهم كل ناب، وهذا هو المعهود في الكلاب، أنها تنبح كل غريب، وتفترسه لأنه غريب.
وكيف يرضونه لزوجاتهم؟ وأين علاقة المودة والرحمة التي أخبر الله عنها بأنه جعلها بين الزوجين!.
وإن كانوا يرضونه للجميع ففطرتهم ممسوخة، وغيرتهم على العار والضعيف والمسكين ممسوحة!.
ولقد كنت رأيت في بريطانيا قبل سنوات، في أول زيارة لها، ظاهرة غريبة جدا، وهي أن الزوج والزوجة قد يأكلان في المطعم، ثم يحاسب كل واحد منهما عن نفسه؛ فعجبت من هذا المسخ في الحقوق الزوجية والعلاقة الأسرية.
ثم ها نحن نشاهد اليوم الظاهرة تتكرر عندنا، بل أسوأ، ولكن في داخل البيوت، أعني بيوت الزوجية التي جعلها الله سكنا!!.
كيف يرضى هؤلاء الرجال أن يعتدوا هذا الاعتداء على النساء!.
كيف يرضى هؤلاء الرجال أن يعيشوا على نفقة النساء عليهم!.
ماذا ينتظر هؤلاء لأنفسهم ولزوجاتهم ولأولادهم!.
ماذا ينتظر هؤلاء لأنفسهم عند ربهم في الدنيا والآخرة!.
ولا أدري كيف يعد الرجل زواجه زواجا إذا كان كهذا!.
وكيف تطيب نفسه بزواج لا يتكلف فيه الإنفاق على أهله، بل ربما هم ينفقون عليه، أنفقه الله!.
إن من أهم معاني الزواج وواجباته الشرعية أن يصبح الرجل صاحب مسؤولية يتحملها بعرقه وجهده ووقته؛ فإذا ما عجز عن ذلك فإن له أن يستقرض من أجل ذلك في حدود ما يستطيع؛ فإن لم يكن قادرا، فإن حكم الشرع هو أن من حق الزوجة طلب فسخ الزواج؛ فأين هذا الصنف من الأزواج الماديين العائشين على أنانيتهم، الغافلين عن ساعة منيتهم! أو قل: الذين يرجح على حيهم ميتهم!.
الحق أنني في شك أصلا من شرعية زواج مثل هذا بالنسبة لهذا الزوج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى".
وعن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان له، فدخل، فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟. قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته ""1"، وعند أبي داود وأحمد: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ""2"؛
"1" مسلم، 996، الزكاة.
"2" أبو داود، 1692، الزكاة، وأحمد، 6459، و6789، و6803