الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيها الحاج بيت الله
!
ها هي أيام الحج ولياليه قد أظلت، وها هو العام قد أوشك على الانصرام، وقبل أن ينصرم العام يأتي الحج وعشر ذي الحجة كالختام؛ فهل يستقيظ النيام!.
يا أيها الحاج والحاجة هل أدركتما مقصود الحج؟ وهل عرفتما ما يلزمكما للحج؟ وهل عرفتما ما يصح به الحج وما يفسده وما يبطله قبل أن تحجا؟!.
لقد ظن كثير من الناس أن الحج ليس إلا المجيء إلى الديار المقدسة، ولو كان ذلك مع الإصرار على ذنوب مكدسة، ونفس بالشرك والشر والشهوات منجسة.
يأتي بعض الناس إلى الحج كذبا وزورا.
يلبس بعض الناس لباس الإحرام كذبا وزورا.
يلبي بعض الناس بالتلبية كذبا وزورا.
يطوف بعض الناس بالبيت الحرام، وفي نفسه ورأسه تطوف أحلام الحرام.
يطوف بالبيت بعض الناس ويسعى بين الصفا والمروة بجسده فقط، ولعل قلبه ليس في الحرم أصلا، ولم يستشعر الحج أو العمرة فعلا.
يا لله كم في الحرم من شارد، وكم في خارج الحرم من وارد!.
يا لله كم من نفس تعيش في الحرم وهي لا تدري، وكم من نفس تعيش بعيدا عنه، لكنها تتوق إليه والناس لا تدري.
كم من طائف وساع وقائم وراكع وساجد لكنه في الحقيقة لم يطف ولم
يقم ولم يركع ولم يسجد، وكم من قصي هناك في المكان، لكنه حاضر هنا في البيت في كل آن!.
كم من بائت في منى، لكنه بغير منى، أو ما نال المنى!.
وكم من واقف بعرفة، لكنه بغير معرفة! "1".
فهل يقف الحاج مع نفسه وقفة محاسبة وأوبة وتوبة؛ فيؤدي مناسك الحج وهو يرجو المغفرة والقبول، ويخاف محاسبة الله له وعدم القبول؛ فيقف مواقف الحج بقلبه وجسمه، لا بجسمه فقط!.
وعندئذ يعود من حجه عودا حميدا؛ إذ يعود بحج مقبول وذنب مغفور، ويعود وقد تبصر في دينه، وفي معرفته لحدوده، وعرف الله حقا، واستمسك بالعروة الوثقى، عروة التوحيد والإيمان؛ فيرجع خيرا مما ذهب؛ وتكون رحلة الحج رحلة العمر التي لا تنسى، والرحلة التي لها ما بعدها في حياة الإنسان.
اللهم وفق الحجاج والمعتمرين إلى معرفة الإسلام حق المعرفة، وإلى اليقين والإيمان اللذين لا شرك ولا شك معهما، وإلى الاستمساك بهدايات هذا
"1" قال الإمام ابن العربي: ""أما بعد: فإن الداخل في طلب العلم كثير، والسعيد قليل، وعدم الإنصاف خطب جليل، وكم حاضر بعرفة من غير معرفة، ونازل بمنى وما نال منى، وكم قارئ في بغداد خرج وما ظفر بزاد
…
جميعهم يأمل الغاية وما حصل عليها، ويقصد النهاية وما انتهى إليها، فقد خلع ثياب الوطن، واستظهر على الغربة، واستوطن يجتهد بزعمه وهو لا يعلم كيف؟ ولا أين؟ يرجع بعد طول المغيب بخفي حنين"". قانون التأويل، لابن العربي المالكي: 645-646. الحاشية، نقلا عن شواهد الجلة لابن العربي.