الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، إِلَى الْمَنْعِ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَلِذَلِكَ كَرِهَ أَنْ تُرَدَّدَ سُورَةٌ دُونَ غَيْرِهَا، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُرُودِ النُّصُوصِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بِالتَّفْضِيلِ.
وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: كَلَامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَيِ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي غَيْرِهِ، فَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ - الْإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ -: اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: التَّفْضِيلُ رَاجِعٌ إِلَى عِظَمِ الْأَجْرِ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسَبِ انْفِعَالَاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ لِذَاتِ اللَّفْظِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] الْآيَةَ، وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلًا فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَرَامَتِهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فَصْلٌ في ذِكْرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا السلفيون ويجحدها غيرهم]
[وجوب التحرز عن إطلاق ما لم يطلقه الشرع إثباتا ونفيا]
((فَصْلٌ))
فِي ذِكْرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَئِمَّةُ السَّلَفِ، وَعُلَمَاءُ الْأَثَرِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَضْلًا عَنْ فِرَقِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْفَسَادِ، وَأَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ، وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ، وَلَمَّا كَانَ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَا يَبْدُرُ لِلْعُقُولِ الْفَلْسَفِيَّةِ، وَالْأَقْيِسَةِ الْكَلَامِيَّةِ، وَالْأَخْيِلَةِ الْخَلْفِيَّةِ مَا يُوهِمُ التَّجْسِيمَ قَدَّمَ أَمَامَ الْمَقْصُودِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
((وَلَيْسَ رَبُّنَا بِجَوْهَرٍ وَلَا
…
عَرَضٍ وَلَا جِسْمٍ تَعَالَى ذُو الْعُلَى))
((سُبْحَانَهُ قَدِ اسْتَوَى كَمَا وَرَدَ
…
مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ قَدْ تَعَالَى أَنْ يُحَدَّ))
((وَلَيْسَ رَبُّنَا)) تبارك وتعالى ((بِجَوْهَرٍ)) يُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْعَرَضَ وَيُرَادُ بِهِ مَا فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ يَعْنِي الْعَيْنَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ لَا فِعْلًا، وَلَا وَهْمًا، وَلَا فَرْضًا، وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ وَبَعْضِ
مُحَقِّقِي النُّظَّارِ لَا وُجُودَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، أَعْنِي الْجُزْءَ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.
قَالَ الْمُثْبِتُونَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ بِأَنَّهُ لَا شَكْلَ لَهُ لِأَنَّ الشَّكْلَ هَيْئَةُ إِحَاطَةِ الْحَدِّ الْوَاحِدِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ شَكْلٌ لَكَانَ مُحَاطًا لِحَدٍّ أَوْ حُدُودٍ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ انْقِسَامُهُ، لِأَنَّ مَا يُلَاقَى مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُحِيطِ يُغَايِرُ الْمُلَاقَى بِآخَرَ، وَهُوَ الِانْقِسَامُ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالتَّقْسِيمِ إِلَّا مَا يُفْرَضُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ شَيْءٍ، فَلَا يَكُونُ مَا فَرَضْنَاهُ جَوْهَرًا فَرْدًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَكْلٌ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُشَاكِلًا لِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ هِيَ الِاتِّحَادُ فِي الشَّكْلِ وَلَيْسَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ شَكْلٌ كَمَا عَلِمْتُ.
وَلَسْنَا بِصَدَدِ تَقْرِيرِهِ وَلَا إِبْطَالِهِ وَإِنَّمَا نَحْنُ بِصَدَدِ نَفْيِ كَوْنِ الْبَارِي جَلَّ شَأْنُهُ جَوْهَرًا ((وَلَا) رَبُّنَا جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ بِ ((عَرَضٍ)) وَهُوَ مَا لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ، بِأَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ فِي التَّحَيُّزِ أَوْ مُخْتَصًّا بِهِ اخْتِصَاصَ النَّعْتِ بِالْمَنْعُوتِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَقُّلُهُ بِدُونِ الْمَحَلِّ كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَعْرَاضِ ((وَلَا)) هُوَ سُبْحَانَهُ:((جِسْمٌ)) وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ جُزْئَيْنِ فَصَاعِدًا
وَعِنْدَ بَعْضِ
النُّظَّارِ لَا بُدَّ مِنْ تَرَكُّبِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ لِتَتَحَقَّقَ الْأَبْعَادُ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالْعُمْقَ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِيَتَحَقَّقَ تَقَاطُعُ الْأَبْعَادِ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ، قَالَ السَّعْدُ: وَلَيْسَ هَذَا نِزَاعًا رَاجِعًا إِلَى الِاصْطِلَاحِ حَتَّى يَدْفَعَ بِأَنَّ
لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى مَا شَاءَ، بَلْ هُوَ نِزَاعٌ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَفْظُ الْجِسْمِ بِإِزَائِهِ هَلْ يَكْفِي فِيهِ التَّرْكِيبُ مِنْ جُزْئَيْنِ أَمْ لَا؟ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِأَحَدِ الْجِسْمَيْنِ إِذَا زِيدَ عَلَيْهِ جُزْءٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَجْسَمُ مِنَ الْآخَرِ
فَلَوْلَا أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِيبِ كَافٍ فِي الْجِسْمِيَّةِ، لَمَا صَارَ بِمُجَرَّدِ زِيَادَةِ الْجُزْءِ أَزْيَدَ فِي الْجِسْمِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّهُ أَفْعَلُ مِنَ الْجَسَامَةِ بِمَعْنَى الضَّخَامَةِ وَعِظَمِ الْمِقْدَارِ، يُقَالُ جَسُمَ الشَّيْءُ إِذَا عَظُمَ هُوَ جَسِيمٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْجِسْمِ الَّذِي هُوَ
اسْمٌ لَا صِفَةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: الْجِسْمُ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، الْأَوَّلُ: الْجِسْمُ الطَّبِيعِيُّ الْمَنْسُوبُ إِلَى الطَّبِيعَةِ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْإِثَارَةِ، وَعَرَّفَهُ الْحُكَمَاءُ بِأَنَّهُ جَوْهَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُفْرَضَ فِيهِ أَبْعَادٌ ثَلَاثَةٌ
مُتَقَاطِعَةٌ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ، فَقَوْلُهُ " يُمْكِنُ " مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَنَاطَ الْجِسْمِيَّةِ لَيْسَ فَرْضَ الْأَبْعَادِ بِالْفِعْلِ حَتَّى يَخْرُجَ الْجِسْمُ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ بِأَنْ لَا يُفْرَضَ فِيهِ الْأَبْعَادُ بِالْفِعْلِ بَلْ مُجَرَّدُ إِمْكَانِ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ تُفْرَضْ أَصْلًا كَافٍ، وَتَصْوِيرُ فَرْضِ
الْأَبْعَادِ فِي الْجِسْمِ بَعْدَ تَأْلِيفِ مَا كَانَ، وَهُوَ الطُّولُ، وَبُعْدٌ آخَرُ مُقَاطِعٌ لَهُ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ وَهُوَ الْعَرْضُ، وَبُعْدٌ آخَرُ مُقَاطِعٌ لَهُمَا كَذَلِكَ وَهُوَ الْعُمْقُ، فَقَوْلُهُ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ بَيَانُ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْجِسْمِ لَا يَكُونُ